الأدب و الأدباء

 

 

كتب رؤوف علوانى

هوامش علي دفتر الوطن علي جدار القلب رسمت وشماَ عميقاَ.. لا يغسل ولا يمحى.. ولا يزال إلا بمياه النار.. فيه نخله ونهر وقمر وهرم ومسجد وكنيسة وزهرة قطن.. فيه كل ما يرمز لهذا الوطن.. وقد صار هذا الوشم الأخضر من العمق حيث لا أستطيع إن أخفيه أو ألغيه أو أعيش بدونه أو أرسم مكانه وشماً آخر. وكثيراً ما تمنيت أن أقوم بإجازه بعيداً عن عشق هذا الوطن.. فحتي عندما نحب نحتاج إجازة.. إجازة نتوقف فيها عن الشوق والقلق.. إن طائرات الجامبو تتعب من الإقلاع والهبوط.. ومحركات السيارة (الجاجوار) تحتاج لبعض التوقف.. والأسماك المهاجرة تختار النوم في منتصف الرحلة في محطات لا تحصي.. وكثيراً ما هرب (كازنوفا) بعيداً ليخلوا بوحدته بعيداً عن النساء اللاتي يسقطن كالفراشات في هواه.. بل إن القلب نفسه يضجر من دورته الدموية لكن كيف أقوم بإجازة والوطن الذي نتنفسه ونشمه ويجري في عروقنا يخرج من مشكلة ليجد نفسه في مشكلة أخري.. ويتجاوز أزمة ليجد أزمة غيرها في إنتظاره ويضع لصاً في القفص ليظهر في نفس اللحظة لص آخر.. وينجح في التعامل مع تحدي خارجي ليجد تحديا آخر يطل برأسه. إن كل من يذوب في هوي هذا الوطن يجب أن يكون مثل إشارات المرور لا تطفأ ليلاً أو نهاراً.. أو يكون مثل الصيدليات المناوبة التي تفتح أبواباً ولا تغلقها من يذوب في هوى هذا الوطن لا يحق له القيام بإجازته السنوية كي يمرض أو يتزوج أو يموت. ولو كان الكاتب مسئول مسئولية أدبية عن تجميل ما حوله.. فإن تكون كاتباً في مثل هذه الأيام.. فهذا معناه أن تمشي علي السيوف والأشواك دون أن يسيل دمك أو أن تجلس علي الكرسي الكهربائي ولا يصعقك التيار.. أو أن تلبس طاقة الإخفاء وتمشي علي الورق حافياًَ حتي لا يسمعوا صوت تنفسك أو صوت أفكارك. لو كنت كاتباً في سويسرا أو فنلندا أو بريطانيا فإن ذلك لا يشكل حدثاً غير عادي إما أن تكون كاتباً في هذا الجزء من العالم.. فظاهرة عجيبة من عجائب الطبيعة تشبه ولادة طفل بثلاث أعين أو سمكة برأسين.. فالكتابة علي هذا البساط اللانهائي من العطش.. تبدوا وكأنها إنقلاب أخضر لا تسمح به سلطات العطش أو كأنها جدول ماء لا تعطيه قوي الفساد المالي تصريحاً بالتجول. إن الكتابة لعنة تطاردنا وحكم بالإشغال الشاقة المؤبدة نقضيه في داخل دواة سوداء ننقل حبرها نقطة نقطة (برأس دبوس) في إنتظار ميلاد عصر جميل وحلم جميل ووطن رائع.. مهما كانت المتاعب والمشاكل التي نصادفها.. مهما كان الثمن الذي ندفعه.. جرجرة في المحاكم وتشهير يموله من نهبه وينفذه من فقدوا ضمائرهم. وسكوت تام نواجه به ما نكتبه لنشعر بالملل واليأس.. ونكف عن النفخ في قربة مقطوعة أو الآذان في مالطا الذي لا يغري أحد هناك بالصلاة. لكننا لن نشعر بالملل ولن نستسلم لليأس.. فهذا الوطن هو ملاذنا الوحيد.. فلا طائرة خاصة تنتظر لتقلنا إلي الخارج وقت الهروب.. ولا حسابات سرية أو علنية في بنوك سويسرية تغرينا بالهجرة.. ولا لقمة يمكن أن تستثيغها بعيدا في المنفي. هذا وطننا لن نتركه مهما فعل بنا.. لن نتركه جلداً علي عظم مسحوقاً محروقاً مسحوق الخاطر.. بعد أن نهبه الإنكشاريون والمملوكيون ومزدوجوا الولاء.. الذين لا هم لهم في الحياة سوي أن يمصوا دماءنا حتي آخر قطرة. رؤوف علواني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق