الأدب و الأدباء

رواية فاطمة لسامية أحمد

بسم الله
الحلقه رقم(5)من روايه فاطمه
الناشره/رانيايوسف
………………………………………………………..

نظرت إليه وبراكين الغضب تتصاعد بداخلي, وقلت قبل أن أنفجر فيه: ولم لا تسألها هي؟أليست زوجتك!! أم أنك تنوى أن تكمل انتقامك إلى النهاية وتلقي بها إلى سلة المهملات؟

تركته ودخلت غرفتي حتى لا أتصادم معه وأنا لا أدري كيف أتصرف؟
هل أترك البيت احتجاجا على تصرفاته معها, وكيف سيكون حال المسكينة وأنا الشخص الوحيد الذي أصلها بالعالم الخارجي, وأنا الوحيد الذي استمعت إلى شكواها ورضيت به أن يقوم مقام الأب, بعد أن قررت أن تخفي كل شيء عن والدها المريض!!
لم يتواني شادي عن سؤالها عما يبكيها, ولأن فاطمة وصلت إلى درجة من الألم لا يمكن السكوت عنها, كما أنه شعر بأنني انقلبت ضده فقد أصر أن يعرف ما بها
أحضرت له ورقة من خزانتها وبمجرد أن قرأها حتى تجمد تماما وعجز عن قول أي شيء
قالت بهدوء : كنت أشك في الأمر من مدة, طلبت أختي لتأتيني وتأخذ عينه من البول وتحللها في المعمل, وعادت بعد ساعتين ومعها النتيجة
ظل صامتا لا يتكلم وتركته هي ونهضت لتختفي في المطبخ
ظل شادي صامتا لفترة طويلة, طويلة للغاية, لم يتحدث في هذا الموضوع أبدا مع أي منا, ومضت شهور وهو لا يتكلم, أدركت فيها المعنى الذي قالته لي فاطمة, (أن تبقى على قائمة الانتظار) فقد انضممت إليها وأصبحنا أنا وهي ننتظر منه كلمة أي كلمة, ولكنه ظل صامتا
ورأيت في عينيه تغيرا ما, نظرات جديدة, كان يتأملها كل يوم وهي تروح وتجيء في البيت وبطنها يكبر تدريجيا, وقتها توقعت أن تحصل على الطلاق قريبا جدا بعد أن طرأت عليها تغيرات الحمل من تعب ووهن وتغير في الشكل العام وخفوت الجمال, ولكنه بقي صامتا
وبدأت حركاتها تتباطأ ونشاطها يقل وتهاجمها آلام الثقل والوهن, وانقطع بينهما الحوار تماما لدرجة أنني اعتقدت أنه لولا وجودي في البيت لانقطع فيه أى مصدر للصوت
وقضيت الوقت أفكر ما الذي يمكن أن أقدمه لها تعويضا عن معاناتها معه وضمانا لمستقبل الصغير المنتظر فكرت أن أكتب عقد بيع باسمها لبعض ما أملكه, وأنا أعلم مسبقا ودون أن أسألها برفضها التام لتلك الفكرة ولكن في شهرها الثامن قام ببادرة طيبة أشعرتني أنه من الممكن أن يتغير, فقد أحضر لها خادمة تساعدها في البيت وترحل آخر النهار
كما أنه حل محلي باصطحابها للطبيبة التي تباشرها بانتظام بعد أن كنت أنا الذي أقوم بهذا الدور من البداية ورغم ذلك فقد ظل الحوار بينهما مقطوعا لأسابيع, حتى استيقظت فجر أحد الأيام لأصلي الفجر كعادتي لأجد المسكينة تجلس وحدها في حجرة الاستقبال وتئن وتتألم بصوت خفيض, حاولت أن أسألها عما بها لكن منظرها أفزعني, فجريت إلى شادي وأيقظته بعنف ونهض مفزوعا من النوم, فقلت بغضب : هل أنت إنسان لديه إحساس كباقي البشر؟
هل تبلدت إلى هذه الدرجة!!
قال بدهشة : ماذا حدث لكل هذا!!
صرخت غاضبا: تنام ملء جفنيك ولا تشعر بزوجتك المسكينة وهي تتمزق من الألم؟
نظر إلى المكان الخالي في الفراش بجواره, وقال بقلق : أين هي؟
لم ينتظر حتى أجيبه بل قفز من الفراش يبحث عنها في البيت, فأشرت إلى حجرة الاستقبال, وعندما وصل إليها كانت تحاول أن تكتم صوت أنينها, لكنها لم تنجح قال بغضب : لم لم توقظيني!! ألهذه الدرجة تتجنبينني!! توقظيه هو وأنا بجوارك تماما!!!
لم تكن قادرة على الرد ولا تبادل الحوار في هذا الموقف الرهيب, فصرخت فيه : هل هذا هو وقت الكلام والاستجواب! إلى المستشفى على الفور
اصطحبناها معا إلى المستشفى, وهدأت قليلا في السيارة, وأخذت توصيني برجاء بطفلتها التي رأتها لأول مرة في صورة الأشعة بالموجات الصوتية : جدي, أوصيك بطفلتي, عليك أن تتلقاها وتطمئن عليها, وأنهم أجروا لها اللازم, ولا تنسى أن تطمئن على صحتها من طبيب الأطفال, والأذان, لا تنسى الأذان كنت أجيبها مطمئنا إياها وأنا أفكر كيف هى مشاعر شادي الآن, وقد فضل الصمت التام والانتباه للقيادة حقيقة ما كنت أتمنى أن أكون مكانه في هذه اللحظة, ربما لا يبالي بكل هذا!!
أو يعتبر الأمر عبئا مفروضا عليه, وربما يتعاطف مع زوجته لكنني أدركت فعليا عمق ألمه عندما رأيت الألم يبدو جليا في عينيه وهي تستعد للذهاب إلى غرفة العمليات وتحدثني وهى خائفة, وتوصيني بطفلتها بإصرار عندها أدركت أنه فهم أخيرا أنني أقرب إليها منه
جلسنا في الاستراحة وظل هو على صمته لكن القلق كان ينضح من ملامحه وحركاته وسكناته
وأنا أمسك بمسبحتي لا أكف عن الاستغفار والدعاء لها, فقد أخبرتنا الطبيبة أن وضع الطفلة في الرحم غير طبيعي وستجري لها عملية قيصرية ولم نهدأ إلا بعد أن جاءت إلينا الطبيبة وهنأتنا بصحة الأم والمولودة وأخبرتنا أنها الآن في الإفاقة, وأنهم سينقلونها إلى غرفتها بعد قليل
غمرتنا الراحة وعدنا أنا وهو إلى غرفتها ننتظرها هناك, وهدأ شادي قليلا وبدأ يتكلم أخيرا : لا أفهم لم تعاملني بهذه الطريقة
نظرت إليه باهتمام وأنصت إليه وهو يكمل : تتجاهلني تماما وكأنني لست موجودا, تمنحك ثقتها الكاملة وتوصيك بطفلتها كما لو كانت خائفة عليها مني
التفت إليه وسألته بجدية : شادي, بعد أكثر من عام زواج, أتظن حقا أنك تعرف زوجتك وتفهمها جيدا؟
قال مدافعا: بالتأكيد أعرف كل شيء, أتظن أنني أهملها في البيت وأدور طوال النهار والليل في الشوارع!!
قلت بهدوء : هلا أخبرتني في أي كلية تخرجت؟
التفت إلي ببطء وظهر ت الصدمة على وجهه, لكنه تمالك نفسه وقال بتردد : في..في كلية..
عجز عن الرد فأكملت أنا : كم عدد إخوتها؟
صمت تماما ولم يرد, وبدا عليه التوتر فلحقته بالثالثة: أخبرني باسمها الرباعي المكتوب في بطاقتها الشخصية
ابتلع ريقه بإحراج وبدأ يتعرق فلم أرحمه وألقيت إليه بالأخير : ما هو يوم مولدها
عندما لم يرد قلت بقسوة : هيا أخبرني في أي شهر ولدت
زفرت بضيق شديد وقلت : إذا فأنت حتى الآن لا تعرف كم عمرها
ضحكت ضحكة قصيرة هازئة : الآن أصدق أنك تعرف عنها كل شيء
كيف تعرفت عليها؟؟
نعم تذكرت, عندما أردت شراء هدية لإحدى صديقاتك في عيد ميلادها!
فأنت تحفظ تواريخ ميلادهن وتضيفها إلى التذكرة في جوالك حتى لا تنسى, بل وتشترى لهن العطور والهدايا الغالية ترى متي اشتريت لزوجتك هدية؟ هل أقول أنا؟؟ لم تفعلها أبدا, أتدرى كيف عرفت؟ لأن زوجتك حتى الآن لم تحصل على خاتم زواج امتلأ وجهه بالعرق ولم يستطع النظر إلى وعيناه زائغتان في كل اتجاه
فقلت بغيظ : إن كل ما تعرفه عنها هو ألوان ملابس نومها, فهي دميتك التي تتسلى بها
لها كل الحق ألا تثق بك, فأنت لم تعاملها يوما كإنسانه لها شعور وإحساس اندفع غاضبا يدافع عن نفسه : كيف تقول هذا وأنت أكثر من يعرف أنها تتجنبني وتبتعد عني وترفض أن تتحدث إلي أو تصارحني بمشاعرها, وتصنع بيني وبينها الحواجز واحدا تلو الآخر
قلت بغضب: وأنت, ما الذي فعلته لتقتحم الجدران التي بنتها حول نفسها, وما المحاولات التي حاولتها لتخرجها من عزلتها وشرنقتها التي حبستها فيها
قال بانفعال: ماذا, أتلقي علي بالمسئولية!!
كيف تفعل هذا وأنت تعيش بيننا ترى وتسمع ما تفعله بي, انها ترفض كل محاولاتي للتقرب إليها
قلت ساخرا : لم لا تخبر جدك أيها الدون جوان ساحر النساء كم امرأة أوقعتها في حبائلك؟
وما الخطط التي كنت تقضي الليالي ترسمها لتنال منها موعدا, ألا تستحق زوجتك بضع ساعات من وقتك, أم أنك قد امتلكتها وانتهى الأمر!!
ما الذي فعلته لتكسب ثقتها وتمنحها الشعور بالأمان؟
إن زوجتك حتى الآن تقضي نهارها وليلها في انتظار أن تفاجئها في أية لحظة بكلمة الطلاق
قال مصدوما : ومن قال أنني سأطلقها! من ألقى بتلك الفكرة السخيفة في رأسها؟ إنها مجنونة لو فكرت بهذه الطريقة قلت بجدية ونبرة الاتهام تملأ صوتي : ليست وحدها التي تنتظر هذا الخبر, أنا أيضا توقعت هذا, وإذا سألت أصدقاؤك فسيخبرونك بهذا
الكل يعرف أن زواجك لن يدوم حتى أسرتك
قلت بسخرية مقلدا أسلوبه : الأمر لن يتجاوز بضعة أيام أو أسبوع على أكثر تقدير, ألهو قليلا وأشبع رغبتي في الانتقام وأكسرها
أكملت بقسوة: هذه هي كلماتك التي أخبرتني بها قبل زواجك, هل نسيت!!
صمت تماما ولم يرد وظهر الألم في وجهه
فقلت : إن كنت قد نسيت فاعلم أن الناس لا تنسى, وخاصة الإساءة يا بني, لقد آلمتها بما يكفي, ونفذت كل ما كنت تريده وزيادة, فكن كريما وأطلقها يا بني, أعدها الى بيت أبيها وعد أنت لحياتك القديمة, فهي لا تنتمي لدنياك التي تعرفها, يكفي تعذيبا لها فهي لا تستحق كل هذا الألم حررها وسأعوضك عن كل ما خسرته من مال وزيادة, ودع المسكينة تلملم حياتها وتجبر شروخها, فربما عوضها الله بمن يقدرها كزوجة وأم, لا كأنثى فقط
انتفض من كرسيه وقال بغضب: أتريدني أن أطلقها!! مستحيل.. لا أستطيع
قلت بهدوء : أتظن بأنك قادر على أن تكون زوجا حقيقيا يتحمل مسئولية بيت وزوجة وطفل؟ هل تظن أن ما كسرته يمكن أن ينصلح!!
قال بيأس : ولكني حاولت, حاولت أن أتقرب إليها, أن أغير من فكرتها عني, حاولت أن أجعلها تحبني
قلت بهدوء : لم تتبع الطريق الصحيح, أتدرى لم؟
لأنك لم تحاول أن تفهمها أبدا ألم تدرك بعد أنها مختلفة عن أية امرأة أخرى صاحبتها؟ فهي لا تفكر كالباقيات وأن كل ما يسعدها هو مالك وشبابك ووسامتك وخفة ظلك
ألم تفهم بعد أن كل ما تحتاجه المسكينة هو المعاملة الطيبة والاحترام والشعور بالأمان!!
لذلك لم تمنحها شيء مما كانت تحتاجه
قال بصوت نادم : تعلم جيدا أنني لم أسئ يوما معاملتها
رددت بسرعة : ولم تحسن إليها كذلك أخبرني أين أبوها وأمها؟ كم مرة دخلوا فيها بيت ابنتهم!
قال بألم : لا تقسو على فهي لم تطلب مني شيء ورفضت تلبيته
قلت : هناك أشياء لا تطلب, بل تعتبر بديهيا من واجبات الزوج, وأنت لم تقم بواجباتك كما ينبغي صدقني لو كنت مكان والدها وعلمت أن ابنتي دخلت المستشفى لتضع طفلها الأول ولم يهتم زوجها بإخباري ولو حتى تليفونيا, لكرهته ولاعتبرت أنه زوج لا يستحق المسئولية التي في عنقه
قال بهزيمة: وما الذي تريدني أن أفعله الآن؟
قلت : على الأقل تتصل بوالدها وتخبره أن ابنته في المستشفى
سيشكل ذلك فارقا كبيرا, أن تستفيق لتجد من تحبهم حولها
صمت ولم يرد, وأرخى رأسه بخجل
فقلت أستحثه: ها, ما رأيك؟
قال بخجل : لا أعرف رقم هاتفهم
قلت بغيظ : يا الهي, الآن فقط تأكدت أنك سجنتها عن العالم بأسره
نظر إلى بندم ولم يتكلم
نظرت في ساعتي وقلت : إن كنت تحبها وترغب في إصلاح ما بينكما فعليك أن تبدأ الآن, فلتذهب بسيارتك وتحضر والديها إلى هنا والآن
قال بحيرة : لكنها ستخرج الآن من غرفة العمليات
قلت بتعجل وأنا أحثه على الذهاب : اطمئن, سأكون بانتظارها وفي هذه الساعة المبكرة من الصباح لن تستغرق طويلا في الطريق هيا انهض وإياك أن تقول لي أنك لا تعرف عنوان بيت أبيها قال بإحباط : اطمئن, هذه هي المعلومة الوحيدة التي أعرفها
ذهب شادي وكنت أنا بانتظارها وبانتظار طفلتها كما وعدتها, وعندما وصلت إلى الغرفة لم تكن واعية تماما لما حولها, واستلمت المولودة من الممرضة وأذنت في أذنيها كما أوصتني, واطمأننت على صحتها وعلى وزنها من طبيب الأطفال, وعادت فاطمة للنوم, فهي لازالت تحت تأثير المخدر عاد شادي بسرعة ومعه أبوها وأمها وأختها كان شادي متلهفا للغاية, يبتلع ريقه ويلتقط أنفاسه, وأول ما فعله عندما دخل إلى الغرفة أن اتجه إلى سرير فاطمة ونظر إليها بقلق وهو يسألني : كيف حالها؟ أهي بخير؟
قلت بابتسامة واسعة : اطمئن أنها نائمة الآن
بعد دقيقتين, دخل أبوها وأمها, وبمجرد أن رأيت والدها حتى ثمنت تضحياتها من أجل أسرتها, فقد كان والدها يسير ببطء ويبدو عليه المرض واضحا وهو يستند الى كتف ابنته, ويبدو أنه لا يرى أمامه جيدا رحبت بهم جميعا, أما شادي فقد انتبه فجأة لما بين يدي, انه شيء يخصه, شيء صغير ينتمي إليه
كان ينظر إليها بشوق عجيب لم أراه في عينيه أبدا
سألني وكأنما لا يصدق نفسه : أهي!
قلت بسعادة : نعم, ابنتك, ألن تحملها؟
قال بتردد : أيمكن هذا؟
قلت وأنا أكتم ضحكتي: بالتأكيد فأنت والدها حملها بين يديه بخوف, كان يبدو عليه التوتر وهو يتجه إلى الكرسي الخالي بجوار النافذة ببطء وهو يمسكها جيدا كما لو كان خائف أن يسقطها
شعرت وأنا أنظر إليه وكأنني أنظر إلي الصبي الصغير الذي لم يتجاوز الثانية عشر
صديقي الذي كنت ألعب معه من سنوات واستذكر معه دروسه ويبكي بين أحضاني كلما صادفته أزمة أو ضايقه شيء أدركت الآن فقط كم أحب هذا الفتى وأحب زوجته وابنته أجلست والد فاطمة على كرسي بجوار سريرها, فقال الرجل الطيب بابتسامة حنون : لا أدري كيف أشكركما, لقد أسعدني الأستاذ شادي عندما أحضرني إلى هنا لرؤية ابنتي وحفيدتي
دمعت عيناي وأنا أفكر, كنت أعلم أن هذا سيحدث, كنت أعلم أنه سامحها وغفر لها منذ زمن بعيد, فقط كان بانتظار أية إشارة أو زيارة أو حتى مكالمة هاتفية تزيل أى حاجز بينه وبينها, انها ابنته فاطمة, لا يمكن أن يقسو عليها قلت له : هذا واجبه, ربما تأخر بعض الشيء
لكن من الآن فصاعدا سيكون عهد جديد أكثر تفاؤلا بوجه الصغيرة الجميلة, قدم الخير
أخذت أتبادل حوارا طويلا مع الأب والأم وهما في منتهى السعادة, وعندما نظرت الى شادي وجدته ذاهلا عن العالم بأسره يتأمل قطعة منه ولا يستطيع أن يحول عيناه عنها
كان الضوء يملأ الغرفة بعد أن أشرقت الشمس, وبدأت فاطمة تستفيق من نومها, وعندما فتحت عيناها قالت ببطء : أبي! أأنت هنا؟
قال بحنان كبير : حمدا لله على سلامتك يا بنيتي الحبيبة
مد إليها يده فتناولتها فاطمة وقبلتها بحب واحترام, وانكبت الأم على سريرها تقبل رأسها ووجنتيها وتبكي شوقا, وابتسامة فاطمة تزداد والسعادة تملأ محياها
وبعد أن هدأ الوضع سألتني : جدي, كيف حال الصغيرة؟
قلت بسعادة : بين يدي والدها
قالت : هل فعلت ما طلبته منك؟
قلت : اطمئني, كل شيء تم كما أردتيه تماما
والآن أخبريني ماذا ستسميها؟
التفتت إلى شادي الذي لم يغادر مقعده بجوار النافذة يتأمل طفلته ذاهلا لا يدري شيء عن العالم من حوله وقالت : فليسميها أبوها
يا الله, بعد كل ما حدث لا زالت فاطمة تمارس دورها كزوجة وأم بمثالية وتعطي كل ذي حق حقه أخيرا استطاع شادي أن يحول عيناه عن الطفلة ونظر بدهشة إلى فاطمة وكأنما لم يكن يتوقع منها هذا التصرف
ابتسم أبوها وقال بود: ها يا بني ماذا ستسميها؟
تأمل في وجوهنا بحيرة وصمت وأخذ وقتا طويلا في التفكير
قالت له أم فاطمة : تعالى يا بني واجلس بجوار زوجتك, ابتعد عن النافذة فضوء الشمس قد يؤذي المولودة نظر إلى طفلته التي بين يديه ليجد ضوء الشمس قد غمر وجهها الجميل كوجه أمها ليحيله إلى قطعة من نور, ثم نظر إلى فاطمة وكأنما يستأذنها وقال : أسميها نور, ما رأيك؟
هزت رأسها مؤيدة وهي تبتسم بسعادة
نور قلبي..نور روحي
هكذا كان يدعوها شادي عندما يحادثها ويلاعبها ويدللها
فكانت اسما على مسمى, فقد أنارت البيت وأعادت لفاطمة ابتسامتها, وكسرت عنها الحصار, وأصبح والداها قريبان منها, تزورهما ويزورونها
أما شادي فقد شغلته نور عن العالم, فلم يعد يغادر البيت بعد أن يعود من عمله
ويبدو أن ما زاد ارتباطه بها هو شعوره بأن دائرة الإنسجام العقلي بيني وبين فاطمة عادت تغلق من جديد وهو خارجها, لذلك فعندما تجمعنا غرفة المعيشة كان ينشغل بنور ويتركنا أنا وفاطمة نتحدث
قالت ولاء : مهلا..مهلا , لا تقل أن الأحوال إنصلحت بمثل هذه السرعة وعادت المياه إلى مجاريها واستقرت الأمور
تنهد بملل : ألم أقل لكي لا تتعجلي
قالت بتسرع : الأمر عجيب فلا يمكن أن ينصلح الحال في عدة أيام و تعـ..
صمتت عندما رأت تعبير الضيق على وجهه وهو لا يتكلم
هزت رأسها بخجل وقالت : أعلم, أنا متسرعة دائما, لن أفتح فمي بعد الآن
قال باسما من طريقتها في الحديث : أنا لم أقل أن الأمور إنصلحت بين يوم وليلة, الأمر ليس بهذه السهولة, لكن ما ساعد على الاستقرار هو عقل وصبر وحلم فاطمة, فهي لم تغير معاملتها له, وظلت على عطائها ومثاليتها في التعامل معه لكن شادي هو الذي بدأ يتغير, يبدو أن كلامي له في المستشفي بدأ يؤتي ثماره, خاصة عندما نبهته إلى أنه من الممكن أن يفقدها في أية لحظة, لذلك فقد بدأ بجدية أن يحاول أن يفهمها ويتقرب إليها, ويبدو أنه فهم أن نور هي الطريق إلى قلبها مما زاد من تعلقه بها لكن حتى الآن أنا الأقرب لعقلها ولأن الإنسان في أية مرحلة من مراحل عمره بحاجة إلى أن يشعر بالحب ممن حوله فقد أدرك شادي أن ذلك الشيء الصغير الذي ينتمي إليه هو القادر على أن يمنحه الحب الذي يحتاجه, فبقليل من التفكير أدرك أن نور هي أقوى الروابط التي يمكن أن تربطه بفاطمة وتوسع دائرة الكلام والتعاون بينهما
يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق