مقالات

الازمه……. انها ازمه ضمير

شيريهان غنيم

كلما تأملت في الكون ومكوناته، بشكل دقيق، حمدت الله تعالى على النعمه التي حبانا بها، وأولها نعمة العقل التي هي أساس التأمل والتفكير، فسبحان الله في خلقه… ما دفعني لهذه البداية ما نجده من تراشق من فوق المنابر وعبر شبكات التواصل الاجتماعي والمقالات المنشورة بالصحف، حيث حاولت تأمل هذه التباينات والمشادات أحيانا، وتأكدت بما لا يدع مجالا للشك أن ضمير الفرد هو القوة الحاكمة في حركة المجتمع، وهذا الأمر دعاني إلى البحث في مفهوم الضمير. فالضمير، وبحسب ما يقسمه فلاسفة الأخلاق 3 أنواع (عقلي، وجداني، اجتماعي) وهو مصدر التمييز بين الخير والشر، ويكون ملزما لأتباعه بالخير ومجنبا لهم من الشر، بشرط أن يلتزموا بتعاليمه واشتراطاته، وإن كان بعض الفلاسفة قد ركزوا على تقسيمات الضمير، فهناك من كان شغلهم الشاغل أساس هذا الضمير،
بمعنى هل هو موجود لدى الإنسان بالفطرة أم أنه مكتسب من خلال التجارب والسنين التي يحياها الإنسان. بطبيعة الحال، فإن المجال لا يتسع للدخول في التباينات الفلسفية بشأن الضمير وأنواعه، لأن ما يهمنا في هذا الأمر، مسألة رئيسية وهي أن ضمير الإنسان، أساس ضمير المجتمع والمحرك الأساسي له، فإذا تغذى على الخير وتمكن من التغلب على الأنانية والشر، كان ضمير المجتمع كذلك، وهذا ما نتطلع إليه قولا وعملا، وهو أمر يعيدنا إلى نقطة البدء في المقال، والتي تتعلق بمسئولية الوسيلة التي يتحدث منها الإنسان أو الأداة التي يستخدمها، فمن يقف فوق المنبر، لابد له من ضمير حي، لأن ما سيقوله سيتم البناء عليه وسيكون عنصرا مؤثرا في ضمائر الآخرين، فتغذية الضمير يتم اكتسابها من الضمائر المحيطة، وهو ما يفرض علينا حقا، العودة إلى ضمائرنا، تلك المشاعر الإنسانية القائمة فينا، والتي تجعل الفرد رقيبا على سلوكه، يميز من خلالها الخير من الشر والطيب من الخبيث، وهو أمر فطرنا عليه
لذلك تتقاطع و تتضارب الأفكار و الآراء حول الأزمة التي نعيشها في عصرنا هذا وتكاد الآراء لاتلتقي و لا تتوحد أهي أزمة سياسية أو أزمة فكرية أو اجتماعية إلا أنني أكاد اجزم أن أزمتنا بعيدة كل البعد عن هذه الأزمات بل تتجاوزها إلى أن تصل بنا إلى أنفسنا فنكون بذلك الأزمة التي نعيشها على كل المستويات وعلى ابعد الحدود. إن أزمتنا لم تعد تحمل في طياتها نبرة تلك الخطابات الروتينية التي يتداولها الكل من غلاء المعيشة و استفحال ظاهرة البطالة و استشراء الرشوة في جسد مجتمعنا ولا أزمة ركود اقتصادي أو عجز أو تضخم أو أزمة سياسية بين الأحزاب أو التيارات الفكرية. نعم إننا نعيش في هذا البلد أزمة ضمير مزمنة و خانقة… هذه الأزمة تفرعت عنها كل الأزمات و المصائب الأخرى التي باتت سلوكيات و مظاهر مجتمعية عادية و مألوفة من بهتان و غيبة و نميمة و ارتشاء و كذب و خمول و جمود و استخفاف و وصولية و انتهازية و تملق و نفاق اجتماعي واهن. للآسف مات الضمير الحي و الخلاق في ظل هذه الشوائب السلوكية التي أضحت سمات المواطن في هذا العصر. إن هذا الضمير الذي يسكن القلوب و العقول والذي يسهر على حسن تدبير و تسيير الأخلاق و السلوكيات والذي يدلنا على الصواب و الخطأ في حالة غيبوبة طويلة ومميتة بسبب كبح و فرملة لدوره. لقد أصبح من اللازم الآن آن نسائله و نستفسره من جديد قبل أي محاولة جادة لتحديد مكامن الخلل.
لا يهمني خطاب الذين يتحدثون عن الأخلاق الإنسانية النبيلة ولا يملكون حبة خردل منها و لايهمني من وعظ الوعاظ فوق المنابر عن الإيمان و التقوى مالم أجد لهذه الفضائل آثرا لها على سلوكياتهم, ولا اكترث لهؤلاء الذين ينظرون في كل المجالات و العلوم و التخصصات و يكادون يرسمون العصافير في الهواء من كثرة التنظير ماداموا لا يتحلون بالجدية و الحزم و الثبات و المروءة.كما لا أعير اهتماما للذين يداومون على المساجد مارين للأداء الصلوات فإذا انفضت الصلاة سرعان ما يهرعون إلى مقهاهم الاعتيادي للاستئناف مسلسلهم الطويل اللامتناهي من نفاق و نميمة و غيبة و بهتان.
إن موت الضمير يظهر بين المشتري و التاجر وبين الأستاذ والطالب وبين المقاول و صاحب المشروع و بين الزوج و الزوجة و بين المسؤول و المواطن. أتمنى أن يقلع كل واحد من هذه الأطراف المكونة لهذه العلائق الثنائية عن بعض هذه السلوكيات و التحلي في المقابل ببعض المسؤولية بضمير حي. فليت الاستاذ يعي مدى جسامة المسؤولية و الرسالة النبيلة التي أنيطت به في بناء مجتمع الغد و الإقلاع عن كل سلوك من شانه أن يسئ لهذه المهمة النبيلة و أن يبتعد التاجر عن احتكار السلع و الزيادة في الاثمنة و استغلال غفلة المستهلك وان يبتعد الزوج عن التفكير في خيانة زوجته أو اعتبارها موردا ماديا لسعادته أو ضريبة يعمل و يكد من اجلها و بين الطبيب تجاه مريضه المحتاج لرعاية صحية و عناية كبيرة وليت المسؤول يفكر بحزم وجدية في إعمال مشاريع تخدم الواطن والمواطن قبل مصالحه الشخصية.
أتمنى أن نرقى بضمائرنا الحية إلى مجتمع يقلع بعزم و حزم ونهائيا عن الرشوة و التملق و النفاق و والخنوع و الاستسلام…أتمنى أن نرقى إلى شعوب النهضة التي تتنافس في تحقيق أعلى نسب القراءة للكتب التي تطالعها قراءة و دراسة كل سنة و عدد المقالات الفكرية و التربوية التي تنتجها والتي ترقى إلى طموحات الفكر الحر…في حياتي لم أصادف مثقفا يساءل عن عدد الكتب التي اختمها في السنة أو هل املك خزانة للكتب في بيتي أو هل اخصص ميزانية معينة للاقتناء ولو بشكل دوري للكتب والمجلات و الجرائد الهادفة والمتخصصة لا جرائد الحوادث والقذف…فتكريس جَو الخمول والجمود والكسل يجعل من الطموح والكد والجد تملقا ووصولية ونفاق.
وفي الأخير أتمنى من الحكومة أن تقتني لكل مواطن ضميرا حيا , أن تقتني له ضميرا يحترم ويعنى بسلامة ونظافة كل حافلة جديدة تشيده له ويقدس ويحترم كل حديقة أزهار وأشجار تفتح له متنفسا حيا بمدينته أو قريته ويحب الذهاب إلى المدرسة واحترام أساتذة كل مؤسسة تعليمية تشيدها الحكومة له ويقدر ملائكة كل مستشفى أو مستوصف يلجأ له للعناية الصحية ويخشع عندما يعتاب باب كل مسجد يقصده للاتصال بخالقه…إلى ذلك الحين دمتم يا أهل الضمائر الحية خير سند لهذه الأمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق