مقالات

تأثير الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي على بناء الدولة

بقلم محمد الكعبي

الاستقرار السياسي والأمن والاقتصاد من الركائز المهمة في قيام أي نظام سياسي يراد له الاستمرار والتطور، لأنها تدخل في جميع مفاصل الحياة وتعمل عملها في تقوية وازدهار البلد، وإن البناء الناجح للدولة يقوم على هذه الركائز مجتمعة، والإخلال بواحدة منها يسبب عائقاً في طريق مسيرها وتطورها ويربك العمل الحكومي.
بعد الاستقرار السياسي يأتي دور الأمن ثم الاقتصاد في بناء الدولة العصرية، حيث يجعلها قوية متماسكة تواجه تقلبات الاحداث و لا تكون عرضة لتدخلات الخارج وتكون منيعة على الاعداء ويكون قرارها منها وسيادتها محفوظة وحدودها مصونة وشعبها يعيش بعز وكرامة مما يجعلهم يذودون عنها بأرواحهم، خلاف الدول التي تعاني من اضطراب سياسي وهشاشة بالأمن وضعف في الاقتصاد فيكون قرارها ليس منها وحدودها مفتوحه واقتصادها منهار وشعبها فقير، والدولة الضعيفة في الغالب تُقاد من خارج حدودها.
لا يمكن بناء نظام سياسي ناجح بدون استقرار سياسي وأمن مستتب لتتمكن من تحقيق النمو الاقتصادي على جميع المستويات، أن تقديم ملفات غير ملف الأمن خطأ استراتيجي له مردودات سلبية على المستوى المتوسط والبعيد، حيث إن الأمن ليس فقط القوة العسكرية المدججة بالأسلحة كما في السابق، بل توسع ليصبح اليوم قضية مجتمعية حكومية، أي عملية مشاركة بين الحكومة والشعب على مستوى التنمية الثقافية والأمنية والسياسية والاقتصادية وتعزيز روح المواطنة وتنفيذ مشاريع التنمية الاقتصادية والتي تصب في مصلحة الجميع، يقول وزير الدفاع الأميركي الأسبق ورجل الاعمال( روبرت ماكنمارا): الأمن ليس المعدات العسكرية وإن كان يتضمنها، وليس القوة العسكرية وإن كان يتضمنها، وليس النشاط العسكري وإن كان يتضمنه. إن الأمن هو التنمية، فمن دون التنمية لا يوجد أمن، والدول التي لا تنمو لا يمكن ببساطة أن تظل آمنة).
تشير بعض تعريفات الأمن على أنه: القدرة التي تتمكن بها الدولة من تأمين انطلاق مصادر قوتها الداخلية والخارجية، الاقتصادية والعسكرية، في شتى المجالات في مواجهة المصادر التي تتهددها في الداخل والخارج، في السلم والحرب، مع استمرار الانطلاق المؤمِن لتلك القوى في الحاضر والمستقبل تحقيقا للأهداف المخططة.
مما يجعلنا أمام مسؤولية إسناد الأجهزة الأمنية ودعمها مادياً ومعنوياً ورفدها بكل ما هو حديث ومتطور من معدات وتجهيزات وإخضاع رجالها لدورات مكثفة ومتطورة، ولابد من استقلال المؤسسة الأمنية لضمان ولائها للبلد، مع تزويدها بأنظمة متطورة ورقابة شديدة وقضاء فعال ليقف عائق امام الفساد والاستغلال الوظيفي.
اذا فُقِد الأمن أنتشر الفساد بكل أنواعه وعاش المجتمع حالة الخوف والرعب والابتزاز وتحكم الخارجين عن القانون، مما يستدعي التدخل الفوري والجاد من قبل الحكومة والعمل على عدة مستويات واتجاهات وقد تحتاج إلى تدخل عسكري، أن الجهد الاستخباري ضروري ومهم في دعم أجهزة الأمن وحسم كثير من القضايا، حيث يختصر الجهد والكلفة والوقت ويساعد في تحقيق الاهداف.
تحتاج الدول إلى إبرام اتفاقيات أمنية واقتصادية مع الدول المجاورة ودول العالم، وتشترك مع المنظمات والهيئات العالمية لحماية اقتصادها الداخلي والخارجي وملاحقة الجناة واسترداد الاموال المهربة، وعلى الجهات التشريعية مساندة الحكومة من خلال سن القوانين التي من شأنها حفظ الأمن والاقتصاد ودعم القطاع الخاص وتشجع على الاستثمار وتحمي المستثمر وتسهل عملهم، وليس بالضرورة ان يقوم الأمن بحماية الاقتصاد من السرقة والفساد والرشوة والتزوير وعمليات النصب والاحتيال والاختلاس بل يحمي النظام الاقتصادي بما هو نظام.
الانسان والثروات الطبيعية والمياه والسياحة والصناعة وغيرها، تحتاج إلى توظيف كلي وكيفي ونوعي نابع من خطط استراتيجية مدروسة بعيدة المدى تنسجم مع التطور الحاصل وتتعاطى مع المتغيرات العالمية والتقلبات السياسية المتسارعة بما يلبي حاجة الشعوب، لابد ان تكون الرؤية الأمنية والاقتصادية ناضجة وعميقه وشمولية مع وضع تقديرات وخطط مدروسة ومناسبة وواقعية وخصوصاً في ملفات حساسة كالأمن والاقتصاد وما يكتنفها من تداخلات وتشعبات على المستوى المحلي والاقليمي والدولي من أجل تحقيق الهدف المطلوب.
هناك علاقة وثيقة بين المواطن و الحكومة في تحقيق الأمن وهي مسؤولية تضامنية تعبر عن وعي المواطن بمسؤولياته لتحقيق الاستقرار والازدهار، الأمن متعلق بمستوى المجتمع من حيث الثقافة والتعليم والمهنية لأن الاعتماد على الانسان المؤهل وتقوية دوره وتفعيله يخرجه من حالة الانهزام واللامبالاة إلى مواجهة جميع الظروف، ويكون منتجاً كما هو مستهلك، لا قيمة للموارد الموجودة في البلد اذا كان الانسان عاجزاً عن استثمارها وتطويرها حيث يعيش التخلف والفقر والانتكاسات المتكررة مما يجعل الاخرين يتحكمون به وبمقدراته، حتى يضطر في بعض الاحيان الى التنازل عن حقوقه بل حتى عن أرضه، إن تحقيق الانتعاش الاقتصادي يحتاج الانسان الفاعل والمتحرك والقادر على العطاء.
لابد من جعل المواطن يعيش حالة الرضا والقناعة ولو نسبياً عن النظام السياسي الحاكم لكي لا يتملكه شعور العداء للحكومة، حيث يحاول البعض العبث بالأمن والاستقرار عنادا فيتمرد على القوانين لأنه يشعر أن الحكومة غير عادلة، فتكثر الانحرافات والجرائم مما يساهم في ايجاد بيئة مضطربة وقلقة وطاردة للاستثمار، ينبغي ان تتعامل الحكومة مع هذه القضية بمهنية عالية لضمان رضا اغلب طبقات المجتمع، وتتجنب المحسوبية والمحاصصة والمذهبية والعرقية.
ضعف الأمن يفرز انتشار المخدرات والدعارة وتجارة الاعضاء وتزوير العملة والتهرب الضريبي وسرقة الاملاك العامة والخاصة واستنزاف اموال وموارد البلد، وشيوع الجريمة والجريمة المنظمة، أما المجتمع المتوازن الذي ينعم باستقرار ولو نسبياً فيكون أقل عرضة للخطر من غيره من المجتمعات التي تعاني من ضعف في المنظومة الأمنية.
أما الفساد وهو الوباء المستشري في صلب الدولة وفي عمق المجتمع أصبح سرطان ينخرهما معاً ويسبب هدراً للمال ويعيق النمو الاقتصادي وهذا مؤشر خطير في بلداننا التي تعاني أصلا من الفقر والاحتياج وتسلط غير الاكفاء، لذا على الحكومة مكافحة الفساد بكل الوسائل وعدم التساهل معه، وغلق جميع الثغرات التي منها يدخل الفاسدون، وعليها وضع قوانين وعقوبات صارمة من اجل تحجيمه وتقليله.
ينبغي على اصحاب المعامل والمصانع والشركات والمنشآت الاقتصادية والتجارية أن تتظافر جهودهم باعتماد أنظمة الأمن المتطورة وعدم ترك الأمر على عاتق الحكومة فقط لتحقيق الأمن، وهذا الجهد يعزز الأمن والاقتصاد، إن التطور السريع وثورة المعلومات والاتصالات العملاقة تفرض على الحكومة التعامل بشكل غير تقليدي لتتمكن من حماية الاقتصاد من خلال التقنيات الحديثة، وحماية البيانات والمعلومات وإدارتها من قبل الدولة وهو التحدي الكبير الذي تواجهه الحكومات ويسمى بالأمن السيبراني بمعنى آخر أمن المعلومات.
معالجة الخروقات الأمنية ليس أمراً معقداً أو مستحيلا، بل يحتاج إرادة سياسية جادة من جميع القوى الفاعلة في المجتمع لمعاضدة الحكومة في عملها لتحقيق النمو الاقتصادي، وعلى الحكومة مشاركة الآخرين والاستفادة منهم لخدمة البلد، وما تجربة ماليزيا وجنوب أفريقيا وكثير من الدول الصاعدة ببعيدةٍ عنا.
بعض الدول تمتلك مقومات التنمية كالثروات الطبيعية والبشرية تفوق ما يملكه غيرها، لكن فقدان الاستقرار السياسي والأمني، وصراع الاحزاب، والتنافر بين الحكومة والمواطن والفساد والاستئثار بالسلطة وعدم وجود رجال دولة حقيقيين وغيرها من العوامل التي تحول دون بناء دولة مستقرة، إن الحروب الداخلية والخارجية من أهم العوامل التي تعيق التنمية الاقتصادية للبلدان المتحاربة لأنها تهلك الحرث والنسل وتدمر البنى التحتية للبلد وتفقده الكثير من مقوماته.
نحتاج إلى قراءة جديدة وجادة للواقع الأمني والاقتصادي والسياسي في بلداننا و الاستعانة بالخبرات والاعتماد على ابناء البلد والسماح لهم بالمشاركة في بنائه، ووضع المناهج والبرامج والخطط السليمة والعلمية ولا نخجل من المكاشفة والمصارحة لنتمكن من صعود سلم النجاح والرقي وإلا سنبقى نستدين ونستعين بالأجنبي ليستعمرنا ويتحكم بنا أنّى يشاء، ونموت واجيالنا من بعدنا تدفع الثمن وتلعننا صباحاً ومساءً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق