مقالات

واقع افتراضي

كتب عبدالله حسين

صارت المرآة واقعا افتراضيا ..أداة للزينة الزائفة لمواراة العيوب.. صارت الفضيلة عنوانا للجميع.. في هذه المساحة الخيالية الضيقة.. أقف أمام المرآة عاريا لارصد الحقيقة دون زيف… كنت أمعن النظر فيها حتى تعكس لي كل مساوئي ، لم تكن لي النية بتاتا في معالجة تلك العيوب بقدر الرغبة في معرفة ذاتي بعيدا عن التزين الكاذب. كنت أحتاج أن أنظر لنفسي بعين الحقيقة لا كما ينظر لي الأخرين. وفي كل مرة أجد نفسي لا أشبه اي من الصور التي أراها في أعين الناس. أرى اني لم أكن بالطيبة التي يراني بها البعض ولا بالوحشية والعدائية التي يراني البعض الأخر. لم أكن بالتدين الكاف حتى أكون شيخا أو فقيها ولا بالسوء الكاف حتى أكون متمردا عن العرف والمنظومات الأخلاقيةِ… كنت دائما من المشاة على الحافة فلا طلت هذا ولا ذاك، في كل مرة أميل لليمين و في مرات عدة أميل لليسار و أظل
على ذاك الحال أترنح ثملا فلا أكون على أي من الأتجاهين…
إن كل ما يحتاجه المرء منا هو معرفة نفسه قبل كل الأشياء، “معرفة مساوئه ومحاسنه” لذلك كنت كلما شعرت بالغربة و قفت عاريا أمام المرآة حتى أتحسس عوراتي و أكتشف ذاتي من جديد.
كنت أكتشف في كل مرة أشياء تزداد وأخرى تنقص، لم يكن يوجد شيئا ثابتا لذلك كنت سريعا ما أشعر بالغربة عن ذاتي فأضطر لإعادة قرئتها من جديد.
كل الذين كانوا يتوهمون معرفتي لم تكن لهم معرفي بأي شيء من حقائقي المتغيرة، لأنه لم يكن أي واحدا منهم يقف بجاني أمام المرآة لتحسس عوراتي.
كل الطرق التي كنت أسلكها كانت ملتوية لا تعرف الإستقامة، كان يغريني كثيرا المشي على الحافة و أجد فيه ظالتي ِ.. لذلك كنت بحاجة لمعرفة ذاتي جيدا و التمعن في أمراضها المزمنة التي لم يكن يعنيني البحث عن دواء لها بقدر معرفة حيثياتها ومسبباتها.
كان السير على الحافة يغويني كثيرا و أخبئ ذاك السبيل عن كل الأناس و حتى من علموه، ليس لثقتي بأحد منهم بقدر ماهي ثقة بنفسي و يقينا كون إفشاء السر ماهو إلا إعلان عن سيرهم في طريق البؤس والعذابات. كنت أفعل الكثير من الأمور التي يصنفونها تحت مسميات لاقانونية ولا أخلاقية، لكنني كنت أفعلها عمدا فقط لإرضاء نفسي و قتل رغبتي الجامحة في الأكتشاف و تجسيد تلك السيناريوات التي تدور بذهني
… كل تلك الأمور كانت تعود علي بالسوء و رغم ذاك لا أكتفي منها ولا تقتل رغبتي الجامحة في الأكتشاف و فضولي فيما قد تأول إليه الأمور. في الكثير من المرات كنت معرضا للسجن وحتى الموت ، و دائما شيء ما بداخلي يدعوني لأكمال السير على الحافة في سبيل التغيير …
كنت أقف عاريا امام المرآة عاريا أتحسس عوراتي حتى أكتشف ذاتي، و في كل مرة كانت تخبرني المرآة أني افعل كل تلك الأمور لأنني اعاني من ملل حاد و وحدة خبيثة. كانت تعطيني وصفة لحل تلك المعاضل، لكنني أرميها كعادتي في سلة المهملات لأنه لم يكن ذاك هو مرادي من الوقوف عاريا أمام المرآة .
كنت على يقين تام أني عاجز تمام العجز عن التداوي و السير على منوال الوصفة. أنا شخص وحيد بل ووحيد جدا أعجز على الأختلاط بالبشر كما أعجز عن فتح مواضيع للحديث. أرى انه من المستحيلات أن أكون في وسط اناس تتفهم طبيعة تركيبتي العجيبة لذلك اجد في هجرهم راحة أكبر. كما دائما ما ينتابني شعور بالملل و هذا من أكبر المسببات التي تدعوني للسير على الحافة و فعل تلك الأشياء الخاطئة في أعين الجميع إلا عيني… كل الذين كانوا يخبرونني أنهم على دراية ومعرفة بي كنت أرى الكذب في أعينهم لأنه لم أي منهم بجانبي حينما كنت أقف أمام المرآة عاريا حتى أتحسس عوراتي لأكتشف ذاتي و أكون الأجدر على تحليلها وفهم ماهيتها.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق