مقالات

عالم مصالح أم مصالح العالم وإشكالية القرار السياسي الدولي .

مقال رأي بقلم د.محمد عبد العزيز
كاتب وباحث اقتصادي ومتخصص في الشئون الأفريقية

أضحت عملية إتخاذ القرار السياسي على الصعيد الدولي إشكالية معقدة في ظل العلاقات السياسية المتداخلة جدا والمتناقضة جدا بين معظم دول العالم في اللحظة الراهنة من تاريخ البشرية .
ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى بعض الأمثلة للتدليل على تلك الإشكالية وللاثبات بما لا يدع مجالا للشك من أن عالم اليوم تقوده المصالح منفرده ولا تقوده المصالح المشتركة للإنسانية جمعاء وهو أمر يتطلب الحسم من خلال مواجهة مرتقبة يترتب عليها الجلوس للتفاوض بين القوى التي من الممكن أن يتشكل منها عالم متعدد الأقطاب في المستقبل المنظور ، ومن الأمثلة التي يجب الإشارة إليها لبيان ترابط المصالح وتناقضها في ذات الوقت بين العديد من دول العالم وذلك على سبيل التحليل لا الحصر ما يلي :-
.. أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل محاولة الاستخبارات الروسية اختراق حساب البريد الالكتروني الخاص بها للمرة الثانية وهي ذاتها أي المستشارة الألمانية التي رفضت العقوبات الاقتصادية الأمريكية على روسيا لأنها عقوبات عابرة للقارات وتعرقل إتمام خط الغاز الروسي لتصدير الغاز لاوروبا عن طريق المرور بألمانيا وأيضا المستشارة الألمانية هي التي عبرت عن رفضها لضم روسيا لجزيرة القرم ( أي أن هناك توافق بين روسيا وألمانيا في بعض المصالح وتعارض في مصالح أخرى ) .
.. أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه يتشكك من نوايا الصين في إخفاء معلومات بشأن فيروس كورونا وكونها سمحت لمواطنيها بالانتقال خارج الصين عند بداية ظهور كورونا في الصين وفي ذات الوقت أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية تمسكها باتفاق التجارة مع الصين رغم أن الصراع الأساسي بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية قائم على أمور تجارية وتعويضات لحقوق الملكية الفكرية تطالب بها الولايات المتحدة الأمريكية حكومة الصين رغم أنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية توقف مصنع العالم وهو الصين عن الإنتاج والصين ترى أن حقوق الملكية الفكرية تسقط عن أصل المنتج بتطوير أصل المنتج وهو ما ترفض الاعتراف به الولايات المتحدة الأمريكية وفي ذات الوقت فإن الصين هي أكبر دائن للولايات المتحدة الأمريكية وأكبر مشتري لاذون الخزانة الفيدرالية الأمريكية وكل هذا يجعل المصالح متداخلة جدا بينهما وإن تعارضت بقوة في جوانب عديدة لذلك فإنه من الممكن حدوث صراع بالوكالة أو مناوشات بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية في بحر الصين أو الخليج الفارسي لكن لا تجرؤ أيهما من الاعتداء المباشر على أراضي الأخرى ( أي أن هناك توافق بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية في كثير من المصالح وتعارض في الكثير من المصالح الأخرى )
.. روسيا وتركيا والعرب
هناك مصالح مشتركة بين روسيا والعرب كثيرة جدا وروسيا لن تتخلى عن سوريا لأنها آخر منفذ تطل منه على المياه الدافئة على البحر الأبيض المتوسط وبالرغم من ذلك تركت روسيا تركيا تتدخل في سوريا ولكن في حدود ضمانا لمخاوف تركيا من إقامة دولة كردية على حدود تركيا ولا تتقاطع المصالح التركية مع روسيا إلا في المخاوف من أن يأخذ الغاز الطبيعي المكتشف في شرق المتوسط من حصة الغاز الطبيعي الذي يذهب من كلا من روسيا وتركيا إلى دول أوروبا وهو أمر تعاملت معه روسيا بذكاء إذ استطاعت شراء حصة لها من انتاج حقول ‘ ظُهر ‘ المكتشفة في المياه الاقتصادية المصرية وهذا نتيجة للعلاقات والمصالح الممتدة بين مصر وروسيا وهو أمر لا تستطيع فعله تركيا خاصة في ظل وجود حلم أردوغان بالتوسع على حساب الدول العربية وبدعم من جماعة الإخوان المحظورة وباستخدام الجماعات المتطرفة لإسقاط أنظمة الدول العربية التي تقف أمام حلم أردوغان بالتوسع ، ويبقى من المصالح المشتركة لروسيا مع العرب دعمها للواء خليفة حفتر ورغبتها في العودة إلى ليبيا من جديد رغم أن روسيا باعت القمح لحكومة السراج المدعومة من تركيا وجماعة الإخوان المحظورة لكن علاقات روسيا مع مصر وسوريا قوية وممتدة ومرشحة للاستمرار خاصة مع حاجة روسيا لسوريا وحاجتها لتوطيد علاقتها مع مصر بعد التعاون العسكري والاقتصادي والتعاون في مجال الطاقة النووية مؤخرا بينما استطاع الرئيس الروسي بوتين أن يخدع أردوغان عندما أقدم أردوغان على خطوة متهورة من إسقاط طائرة روسية في سوريا وذلك عندما أخذ بوتين ملياري ونصف المليار دولار أمريكي من أردوغان نظير بيع منظومة دفاع جوي متطورة لاردوغان ، واردوغان لن يستطيع تشغيل تلك المنظومة لأنها منظومة روسية وتركيا دولة محورية في حلف الناتو وتقبع على أراضيها في ذات الوقت قاعدة عسكرية أمريكية بما يجعل إمكانية استخدام منظومة دفاع جوي روسي على الأراضي التركية أمرا مستحيلا وبهذا يكون ترك الرئيس بوتين مهمة تأديب أردوغان إلى حلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية ( أي أن التعارض في المصالح بين روسيا وتركيا يفوق التوافق بكثير بينهما بينما التوافق في المصالح بين روسيا وكلا من مصر وسوريا وليبيا يفوق التعارض بين روسيا والمملكة العربية السعودية في مسألة انتاج وتسعير النفط ، أي أن المستقبل للمصالح الروسية مع العرب على حساب تركيا )
ومما لاشك فيه أن العالم يتجه نحو تعدد الأقطاب فليس تراجع الولايات المتحدة الأمريكية اقتصاديا أمام الصين هو السبب الوحيد لتشكل عالم جديد متعدد الأقطاب فكما تتفوق الصين على الولايات المتحدة الأمريكية تجاريا تفوقت أيضا روسيا عسكريا على الولايات المتحدة الأمريكية في لحظة تاريخية استثنائية ليس بكم السلاح ولكن بنوعية السلاح وللمرة الأولى تتفوق تكنولوجيا السلاح في الشرق على الغرب حيث أصبح لدى روسيا صواريخ عابرة للقارات أسرع من الصوت وأصبح لدى روسيا منظومات دفاع جوي متطورة جدا قادرة على التعامل مع كافة أنواع الطائرات والصواريخ في الغرب وهذا ليس ما يدفع فقط لعالم متعدد الأقطاب فهناك دول مثل الهند والبرازيل قادمة بقوة فالهند سوف تصبح خلال عشر سنوات أكبر في التعداد السكاني من الصين الآن ومرشحة لأن تتفوق على الصين تكنولوجيا واقتصاديا خلال عشرين عاما من الآن .
ويتضح مما تقدم ضرورة أن تتغلب مصالح الإنسانية على المصالح المنفردة منعا للانزلاق في صراعات بهدف الإبادة من خلال أسلحة نووية أو أسلحة بيولوجية تستهدف دولا بعينها دون غيرها في بداية الحرب وقد يخرج الأمر عن السيطرة بعد ذلك وتتحول الأسلحة البيولوجية إلى أوبئة عالمية تهدد العالم أجمع أو تقع الأسلحة النووية في أيدي جماعات عنصرية أو متطرفة هنا أو هناك ، فهل تنتصر مصالح العالم على عالم المصالح ضمانا لبقاء العالم بدلا من فناء العالم بأيدي بعض رجال السياسة عن جهل وحماقة ، هل تنتصر الإنسانية وينتصر العقل ؟ هذا ما ستجيب عليه الأيام والمستقبل …

برنامج شوفت لايف بث مباشر لقناة شوفت SHOFT TV البرنامج فكرة واعداد وتقديم د.محمد عبد العزيز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق