مقالات

محمد الصياد يكتب :لماذا أعلن ترامب الحربُ على الامريكان ؟

محمد الصياد يكتب :لماذا أعلن ترامب الحربُ على الامريكان ؟

كان ذلك عنوان لمقال كُتب في إحدي الجرائد الألمانية تنديدا بمعاملة ترامب الخشنة ضد المظاهرات التي عمت كل البلاد .
إن إندلاع مظاهرات في أمريكا ليست هي الاولى وجرائمُ العنصرية والإحتجاجات المرتبطة بها موجودة منذ نشاة الولايات المتحده .

لكن الجديد في الأمر هو موقف الرئيس ترامب الذي فاجئ العالم بقمعه العنيف للمتظاهرين ، فمن الطبيعي أن أى رئيس في العالم عندما يواجه أي إحتجاجات يسعي وبدون مبرر إلي تهدئة الشارع وبإظهار التعاطف مع الطرف الضعيف ، لكن ما فعله ترامب على العكس تماما فلقد سارع لإستفزاز المتظاهرين بوصفه لهم بالإرهابيين والبلطجية والفوضويين وهددهم باطلاق الرصاص ضدهم وحرض رؤساء البلديات ضدهم وهددهم بنشر الجيش..

فيا هل ترى ما هو السبب ؟
وما الذي يدعو الرئيس الامريكي إلى التصعيد بدلا من التهدئة ؟

ألإجابة أنها الحسابات الإنتخابية فهي المحرك الأساسي لترامب في سياسته الخارجية والداخلية لرغبته في الفوز بولاية رئاسية ثانية في نوفمبر المقبل فالحسابات الإنتخابية لترامب واضحة جدا فهو يعلم أنه لن ينال رضا الأقليات الأمريكية فهو فقط يغازل الفئة التي يتوقع أن تصوت له في الإنتخابات .

فببساطة تقول الأرقام أن المواطنين الأمريكان من أصول إفريقيه أعطوه في الانتخابات الماضيه في عام 2016 ثمانيه في المئه فقط من عدد الأصوات ، لكن الفئة الكبرى ألتي صوتت له هي القومية المسيحية ” وهي تيار موجود في أمريكا ويفوق تعدادها عشرات الملايين من تعداد الأمريكان وهي عبارة عن فئات متعدده ومختلفه لكن هناك عده خصائص مشتركتة تجمع بينهم
الخصيصة الاولى : على المستوى الثقافي هم أناس محافظون بمعنى أن لهم مواقفُ خلافيةُ داخل المجتمع الأمريكي ، فهم مثلاً على المستوى الثقافي يرفضوا زواج المثليين والتحول الجنسي من ذكر إلى انثي ومن أنثى إلى ذكر والإجهاض ويؤيدون تعليم المسيحية في المدارس.
الخصيصه الثانية : على مستوى الجنسيه :فالقومية المسيحية كلهم أمريكان ولدوا على الأراضي الأمريكية على عكس كثير من الأمريكان السود الذين معظمهم من المهاجرين.
الخصيصة الثالثه :على مستوى اللون فكلهم بيض وعلي مستوى الدين فكلهم مسيحيون إنجيليون .

فكل خصيصه من تلك الخصائص يترتب عليها قناعات لدي المجموعة الإنتخابية للرئيس الأمريكي.
فلأنهم مسيحيون إنجيليون فلهم موقف واضحُ ضد الأديان الأخرى على الأراضي الأمريكية وخارجها ولأنهم محافظون فهم بالتالي ضد الليبراليون أو الديمقراطيون أو بمعنى أبسط فهم ضد الأقليات ولأنهم بيض فلديهم عداءُ للألوان الأخرى و للأقليات الأخرى من عرب وهنود وأفارقة.

مجموعة الخصائص هذه تؤدي إلى فرض مواقف سياسيه كبيره علي ترامب ، فهو يغازل هذه الفئة أو هذه القاعدة الإنتخابية بشكل رئيسي بغض النظر عن مصالح أمريكا نفسها.

وهذا يفسر لنا لماذا موقف ترامب المتشدد جدا ضد المتظاهرين رغم ان ذلك ليس التصرف المناسب والمثالي كما يراه معظم سياسيين العالم ، فهو لا يشغله ولا يغنيه كل ذلك ، فكل ما يشغله هو دعم هذه الفئات له في الإنتخابات

فإن هذه الفئة تؤمن بأن المجتمع الأمريكي مجتمع يجب ان يعود إلي عزه وتعود أمريكا إلى صورتها المثلى كما يتخيلوها .

فما هي الصوره المثلي التي يريدونها؟
إن أمريكا نجحت وأصبحت أمة عظيمة بفضل الفئة البيضاء من الأباء المؤسسين وتراجعت قوتها عندما أصبحت مجتمع منفلت منفتح لكل القوميات ولكل الأديان وكل الالوان يؤمنون بأن أمريكا أمه مسيحيه وأن هذه الأمة المسيحية لابد أن تحتكم لكل تعاليم الإنجيل في كل تصرفاتها داخليا وخارجيا وهذه نقطة مهمه جداً لنا في المنطقه العربيه أو منطقة الشرق الأوسط كما تُعرّفها العلوم السياسية سبب اهتماماتهم بإسرائيل و وبمستقبلها وضرورة الإستيلاء على القدس والضفة وبالتالي فا الرئيس الأمريكي من وجهة نظرهم يجب أن يكون قويا وأن يستخدم اليد الباطشة والقوية ضد هؤلاء لكي لا يوجد ألإنفلات الأمني، فهم لديهم رغبة في تفعيل المزيد من القوانين لرضع المنفلتين خصوصا من الأقليات المهاجره وبالأخص الأفارقة والمسلمين ألذين يعتقدون أنهم أكثر ميلا للجرائم ولذلك يسعى ترامب لتنفيذ رغباتهم.

أما عن رفع ترامب للإنجيل أمام الأمريكان
فهذه رساله لناخبوه من القوميه المسيحيه ، فهو أراد أن يقول لهم ” أن الله ضد العنصريه وأيضا ضد انفلات الأمن و لذلك فالله يؤيدني .

كل ذلك يفعله ترامب من أجل الفوز بالانتخابات بمداعبة ومغازلة هؤلاء واللعب على مشاعرهم ، فدعمه لإسرائيل ليس حبا فيها بالخصوص ، ولكن طبعا في نيل رضا اللوبي الصهيوني و الفئه القوميه المسيحيه الانجيليه الكبيره.

ما أود أن أقوله أن حسابات الرئيس الامريكي هذه قد تدفعه وقد تؤدي إلى فوزه في الانتخابات المقبله في نوفمبر 2020 لكن المؤكد أنها سوف تكون على حساب أمريكا وسوف تضرها بالغ الضرر على المستوى الخارجي والداخلي.

فعلى المستوى الداخلي هذا النوع من السياسات كما يقول وزير الدفاع الامريكي السابق في اداره الرئيس ترامب “جيمس ماتيس” أنه مُصِّر على أن يزيد المجتمع الأمريكي انقساما الذي بالفعل يعاني من العنصرية ، وهي تسمى في امريكا الخطيئه الاولى لامريكا .

فأمريكا بالأساس منقسمة على نفسها إنقسام عنصري وانقسام اخر هو انقسام اقتصادي ، يكفينا أن نعرف أن بها واحد من المئه من السكان يملكون كل شيء مقابل 30 في المئه من الامريكان مدينين وتحت خط الفقر.

وذلك يدل على وجود إنقسام إقتصادي وعنصري ولو نظرنا للوضع الأمريكي سنجدهُ غير سوي وغير صحيح وأي مجتمع يقوم بهذا الشكل ينهار فورا.

وماذا عن السود
فسنجد أن السود يعانون من شيئين
1- عنصريه البيض ضدهم
فأمريكا مجتمع ال99 في المائة من الفقراء ، والواحد في المئه من الاغنياء الذين يسيطرون على كل شيء ، فالارقام تقول أن ثروت الأسر البيضاء تساوي 10 أضعاف ثروه الأسر السوداء ، وفي عام 2017 كان متوسط دخل الأسر البيضاء 171 ألف دولار ، مقابل 17 ألف دولار للأسر السوداء ، أما عن متوسط عرضة الأسر السوداء للأمراض ثلاث أضعاف الأسر البيضاء .

فالمفارقات هنا كبيره جدا ونحن نقول ذلك لنوضح سبب التظاهرات الكبيره التي اندلعت في كل أرجاء البلاد ، ونقول ايضا ان الموضوع ليس متعلق “بجورج فلويد” فقط ، بل خرجت المظاهرات بسبب الخلل الكبير والإنقسام المرير داخل المجتمع الأمريكي .

وما “جورج فلويد “إلا مجرد قشة بسيطهة كمثل القشة التي قسمت ظهر البعير ، فالتراكمات والإنقسام داخل المجتمع الأمريكي كبير جدا .
فعلى سبيل المثال عندما دخلت كورونا البلاد رأينا أن أكثر المصابين من السود ألذين لا يلاقون الدعم الصحي الكامل على غرار البيض .

فمغازلة ترامب لناخبيه البيض يعزز من وجود اليمين المتطرف ، ورفعه من قيمه شعار ” أمريكا أولا ” كل ذلك يعطي مساحة كبيرة جدا لليمينيين ، وهذا الشعار لا يأتي بالخير أبدا ، فهذه التيارات اليمينيه عندما تتغذى علي هذه الأفكار يحدث لها فوبيا من كل التيارات الاخرى والتاريخ يبرهن لنا على ذلك ، فعندما وصل التيار اليميني للسلطه في الثلاثينات في أمريكا وأوروبا كان ذلك سببا في اندلاع الحرب العالميه الثانيه .

من الواضح أن تصرفات الرئيس ترامب السيئة في كل قراراته وقضاياه ، وظهر ذلك مع قضية الإنتخابات الرئاسيه ومع قضية أوكرانيا و مع جورج فلويد ومع كل القضايا داخل أمريكا وخارجها تصرفات سيئه لا تليق بالدوله الكبرى والعظمى ألتي تحكم العالم ، وهذا بالفعل ينقص من قدراتها ووضعها كقوة عظمي ، وها نحن في عام 2020 فلم يعد لأمريكا ما تقدمه للعالم غير القوة الخشنه العسكرية والعقوبات الإقتصادية ، بعد ان طردت القوه الناعمة من دفاتر سياساتها الداخلية والخارجية.

لذلك فأمريكا الحلم لم تعد موجوده حيث أرض الحريات والنهضة والأمان، فلم تكن أمريكا بالفعل بهذه المثالية ولكنها كانت افضل من الان.

فأمريكا الان تحكم برجل يتعدى على القانون والدستور فالدولة الكبرى أصبحت منتقدة من حلفائها وخصومها
على مستوى الحلفاء .
فالاتحاد الأوروبي أصدر بيان يعبر فيه عن صدمته من تعامل أمريكا مع المتظاهرين ، وحتى بريطانيا الدولة الحليفة تحدث رئيس وزرائها قائلا لا مكان للعنصرية بيننا ، حتى الجرائد الالمانيه كتبت في عنوان في أحد عناوينها “لماذا اعلن الرئيس الامريكي ترامب الحرب على الامريكان “.

هذا عن الحلفاء أما عن الخصوم
فالصين الذي دائما ما كانت تُنتقد من أمريكا بفعل ممارساتها في إقليم “هونج كونج” وكانت توصف بأنها دولة إستبدادية ودولة تقهر المتظاهرين .

الآن أمريكا نفسها التي كانت تصف الصين بذلك تفعل أكثر من الصين مليون مرة ، وتقول لها الصين انني لم أفعل مثلما فعلتيه مع المتظاهرين و مع جورج فلويد ،
فنحن لم نخرج لنصف السكان في اقليم “هونج كونج ” بالارهابيين والفوضيون كما وصف ترامب المتظاهرين .

وكذلك إيران وفنزويلا وكوبا وروسيا ، وأيضا دول عديدة في الشرق الأوسط لم تقُل مثل ذلك ، ولكنها سلطت الأضواء على ما يحدث في أمريكا لترسل رساله مفادها أننا لسنا سيئين فدائما ما كنا نوصف بالمستبدين وبرغم ذلك لم نفعل مثل ما فعله الرئيس الامريكي ترامب ألذي يترأس بلد الحقوق والحريات .

في النهايه أريد أن أوضح شيئين مهمين
1- أن تورط بعض الاقليات بارتكاب الجرائم داخل الولايات المتحده أو خارجها لا علاقة له بهوية هذه الأقليات ومن يرتكب منهم جرائم بشكل كبير ، ليس لأنهم من الهندوس أو من المسلمين أو من الأفارقه أو من العرب بل أن هذه الأقليات حرموا من الاحتواء الكامل والرعايه الصحيه والتعليم وبالتالي لن تترقي هذه الفئات في المجتمع نتيجة أنه تم التمييز ضدهم وبالتالي ففرص إنخراطهم في الجريمة تكون في بعض المجتمعات أكثر من غيرها .

2- ان تعبير “المسيحيه القومية” لا علاقة له بالمسيحيه كدين ولكن المقصود كهوية، فعندما نقول ان المسيحيون القوميون فالمقصود أن الدين هنا بالنسبه لهم هوية وليس دين ، فهم ليسو مجموعه من التقاء والزهاد العابدين المصلين ولكن المسيحيه بالنسبه لهم مجرد هويه و قاسم مشترك بين أعضاء هذا التيار تماما مثل اليهود فكثير من الإسرائيليين قد لا يؤمن بالتوراة ولا باليهوديه من الأساس لكنه يتم تعريفه على أساس التمييز له .

في النهايه أقول أن تصرفات الرئيس الامريكي سوف يكون لها مردود قوي جدا على وضع أمريكا كقوة عظمي وعلى النظام العالمي الذي يتشكل من جديد.

أسال الله أن يحمي العالم من الشرور والفتن
بقلم الكاتب الصحفي محمد الصياد

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق