مقالات

علاقة التعنت الأثيوبي في مفاوضات سد النهضة بالأطماع الدولية في منطقة القرن الأفريقي …

بقلم د.محمد عبد العزيز
كاتب وباحث اقتصادي ومتخصص في الشئون الأفريقية

منطقة القرن الأفريقي هي تلك المنطقة التي تسمى بالإنجليزية Horn of Africa وهي تلك المنطقة الواقعة على رأس مضيق باب المندب ويحدها المحيط الهندي جنوبًا والبحر الأحمر شمالًا والدول الواقعة في منطقة القرن الأفريقي هي ” إرتريا ، جيبوتي ، الصومال وأثيوبيا ” ونتيجة للتداخل بين القبائل والحدود يُمكن أن يضاف جنوب السودان وكينيا إلى الدول السابقة الذكر .
تجدر الإشارة إلى الأهمية الاستراتيجية لمنطقة القرن الأفريقي لكونها تربط بين البحر الأحمر وبين المحيط الهندي وهي أهمية كبرى لعمليات النقل التجاري وزادت تلك الأهمية منذ افتتاح قناة السويس عام ١٨٦٩ ، وهناك العديد من الثروات في تلك المنطقة من غاز ونفط ويورانيوم فضلا عن الذهب والفضة فهي منطقة غنية بالثروات المعدنية ومنطقة استراتيجية للتحركات العسكرية والتجارية خاصة للدول الكبرى .
وتجدر الإشارة إلى أن هناك أهمية كبرى لمنطقة القرن الأفريقي للدول العربية حيث ينبع نهر النيل في الهضبة الإثيوبية في منطقة القرن الأفريقي لينتهي في دولتين عربيتين هما دولتي المصب السودان ومصر وهناك أهمية كبرى لمنطقة القرن الأفريقي لدى كل من المملكة العربية السعودية واليمن بسبب الجوار الجغرافي والتواصل البشري منذ آلاف السنين وتهديد استقرار تلك المنطقة يهدد بالتبعية الأمن القومي العربي .
وترى أثيوبيا أنها دولة كبيرة في منطقة هامة تتكالب عليها دول العالم أجمع خاصة الدول الكبرى لذلك تسعى دولة أثيوبيا لأن تحتل مكانة وأهمية أكبر بسبب موقعها وبسبب تدفق نهر النيل من أراضيها ، وكان يتواجد في القرن الأفريقي الاستعمار الأوروبي قبل التحرر الأفريقي في ستينيات القرن العشرين والآن تتكالب عدة دول على تعزيز التعاون مع دول منطقة القرن الأفريقي ومن تلك الدول ” الولايات المتحدة الأمريكية ، روسيا ، فرنسا ، اليابان ، الصين ، إسرائيل ، تركيا ، إيران ، قطر والمملكة العربية السعودية ” ويوجد لمعظم تلك الدول قواعد عسكرية في القرن الأفريقي خاصة في دولتي جيبوتي وإريتريا .
وتسعى المملكة العربية السعودية للتعاون مع كل دول منطقة القرن الأفريقي لما تمثله تلك الدول من أهمية للأمن الوطني السعودي والقومي العربي لذلك كان هناك تعاون مع إثيوبيا في مجالات عدة من ضمنها التنمية وبناء السدود واستطاعت المملكة العربية السعودية الاستفادة من تلك العلاقات الطيبة مع دول القرن الأفريقي من خلال استغلال ميناء عصب في إريتريا في عمليات قوات التحالف العربي ضد ميليشيات الحوثي في اليمن .
كل ما سبق يبرر التعنت الأثيوبي فهو إحساس بأهمية القيمة الجغرافية التي تنامت سريعا في السنوات الأخيرة وأصبح لزاما على القادة السياسيين لدولة أثيوبيا استغلال تلك القيمة الجغرافية لتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية والاقتصادية على الصعيد الأفريقي والدولي فلماذا التنازل وهناك دول كثيرة منها دول كبرى وأخرى دول عربية تطلب الود الأثيوبي ولا تستطيع أن تضغط على أثيوبيا في أي ملف بل هناك دولاً تحث أثيوبيا على المزيد من التعنت ضد مصر والمماطلة وتضييع الفرص للوصول لاتفاق عادل وشامل ومُلزم في ما يخص إدارة وملء سد النهضة لأن تلك الدول لها مصالح في تهديد أمن واستقرار مصر ومن تلك الدول قطر وتركيا لأن لهم أجندة في دعم التنظيم الدولي لجماعة الإخوان ولأنهم يدعموا ملف الشرق الأوسط الكبير الذي يُراد له أن تتزعمه اقتصاديا قطر وتتزعمه سياسيا وعسكريا تركيا على حساب باقي الدول العربية مع استثناء لمكانة اسرائيل وإيران وباكستان في مخطط الشرق الأوسط الكبير لأسباب أخرى يمكن تفصيلها في مقال آخر ، لأن مخطط الشرق الأوسط الكبير يسعى لإضعاف وتقسيم الدول العربية بالأساس مقابل خلق دور أكبر لقطر وتركيا .
ويوجد لاعبين آخرين في منطقة القرن الأفريقي تتعارض مصالحهم مع قوة واستقرار مصر مثل إيران وإسرائيل لذلك فإنه يمكن اعتبار القرن الأفريقي للاعبين الدوليين مدخلا هاما لتشكيل شرق أوسط جديد أو كبير لا توجد فيه دول عربية موحدة وقوية مثل مصر .
لذلك فإن خطوات مصر في التعامل مع قضية سد النهضة مدروسة بعناية واللجوء لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إنما هو إلزام للدول الكبرى لكي تخرج عن صمتها وتتبنى القضية بشكل عادل ومنصف دون مواربة أي أن مصر تُجبر الدول الكبرى على أن تتحمل مسئولياتها لمنع أي دعم دولي رسمي لأثيوبيا دون وجه حق أي أن مصر تستنفذ كافة الطرق السلمية والدبلوماسية لمنع أي مواجهة عسكرية ضد سد النهضة خاصة وأنه توجد دلائل كثيرة هندسية وجغرافية وجيولوجية تؤكد أن هذا البناء الضخم لن يصمد طويلا ولن يحقق كل الوعود التنموية التي تروجها الحكومة الإثيوبية بين جموع الشعب الأثيوبي لتوحيد صفوفهم خلف الحكومة الإثيوبية ؛ حيث تعاني الحكومة الإثيوبية ولديها مشاكل في إحتواء جماعات ” الأورومو والأمهرا ” وهي من أكبر الجماعات الإثنية في إثيوبيا ولدى تلك الجماعات الإثنية تاريخ طويل من الاضطهاد والظلم من قبل الحكومات الإثيوبية المتعاقبة لذلك كان مخطط الحكومة الإثيوبية هو إحتواء تلك الجماعات الإثنية وحشدهم خلف مشروع قومي كبير مثل سد النهضة ومحاولة الاتجار السياسي على حساب الشعب الأثيوبي من خلال هذا المشروع ” سد النهضة ” وتوجيه خطاب داخلي في إثيوبيا معادي لمصر بأن مصر لا تريد التنمية لإثيوبيا وأن مصر سوف تقوم بضرب السد وأنه يجب الحشد لمواجهة مصر كما قالها صراحة رئيس الوزراء الأثيوبي “أبيي أحمد” ، وهنا أؤكد من خلال قرائتي الشخصية المتواضعة للمشهد أن خطوات مصر مدروسة ومتأنية وأن اللجوء لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يعفي مصر من أي مسئولية سياسية أو عقوبات فيما بعد إذا لم تتحمل الدول الكبرى مسئولياتها في ملف سد النهضة لمنع التعنت الأثيوبي ضد حقوق كلا من السودان ومصر المشروعة في مياه نهر النيل لأنه عند عدم إيجاد وسيلة دولية للضغط على أثيوبيا من قبل الدول الكبار في مجلس الأمن وفي حالة إستمرار التعنت الأثيوبي وصولا إلى مرحلة الاستعلاء والغطرسة والبدء في ملء سد النهضة بشكل منفرد دون تنسيق مع دول المصب السودان ومصر فإن ذلك يعطي مصر الحق المشروع في الحفاظ على حقها في الحياة من خلال الحفاظ على حقها في مياه نهر النيل ضد التعنت الأثيوبي من خلال ضربة عسكرية مركزة تستهدف سد النهضة فقط فهي ليست حربا على الشعب الأثيوبي وإنما حفاظا على حقوق مصر في المياه والحياة ولقد سبق للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن قال للشعب الأثيوبي من داخل البرلمان الأثيوبي “مصر ليست ضد التنمية في إثيوبيا فلا يجب أن تكون أثيوبيا ضد الحياة في مصر ” وكما أكد السيد الرئيس في كلمته منذ أيام أثناء زيارته إلى المنطقة العسكرية الغربية في “سيدي براني” قائلاً : ” مصر لديها قوات مسلحة رشيدة لا تعتدي وإنما تحافظ على حقوق مصر من أي إعتداء خارجي ” وكان يوجه رسالة للعالم أجمع ليتحمل مسئولياته إزاء ما يحدث في ليبيا منعا لخروج الأزمة إلى حالة صراع عسكري تهدد الأمن والسلم الدولي قبل الإقليمي خاصة وأن بعض الجهات الفاعلة في الملف الليبي والتي تهدد أمن واستقرار مصر هي ذاتها التي تحث أثيوبيا على المزيد من التعنت ضد مصر في مفاوضات سد النهضة خاصة قطر وتركيا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق