منوعات ومجتمع

رؤية الله في الدنيا يقظة

بقلم الباحث / محمد سعيد أبوالنصر
اتفق العلماء على أن الله لا يراه أحد في الدنيا بعينه ، فرؤية الله في الدنيا (يقظة) غير واقعة شرعاً ،ولم يخالف هذا الحكم إلَّا غلاة الصوفية أو المشبهة، فقد زعموا أنه يجوز رؤية الله في دار الدنيا، وأنه يزورهم ويزورونه! وهؤلاء لا عبرة بخلافهم ولا يُنظر إلى قولهم فهم مبتدعة ، ضالون ، مخالفون للقرآن والسنة، وإجماع سلف الأمة، يقول العلماء “ومن قال من الناس: إن الأولياء أو غيرهم يرى الله بعينه في الدنيا فهو مبتدع ضال، مخالف للكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة، لا سيما إذا ادعوا أنهم أفضل من موسى، فإن هؤلاء يستتابون “حتى يرجعوا عن قولهم ويعودو إلى صوابهم .ولقد استدل العلماء الذين منعوا رؤية الله في الدنيا يقظة بجملة من الأدلة منها:
الأدلة على عدم رؤية الله في الدنيا يقظة
1- طلب موسى عليه السلام وهو أحد أولي العزم من الرسل من الله -جل وعلا-أن يراه قال تعالى ﴿ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ﴾ [الأعراف:143] وجاء الرد بقوله ﴿ لَنْ تَرَانِي ﴾ [الأعراف: 143] فمنعه من أن يراه، وكيف يراه والجبل قد اندك بتجلي الله عليه، قال تعالى﴿ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا ﴾ ،وعلى هذا من قال بأنه يستطيع أن يرى الله ” فقد زعم أنه أعظم من موسى بن عمران ”
2-قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: – يَوْمَ حَذَّرَ النَّاسَ الدَّجَّالَ « إِنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ يَقْرَؤُهُ مَنْ كَرِهَ عَمَلَهُ أَوْ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ ». وَقَالَ « تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَمُوتَ ». (تَعَلَّمُوا) اتفق الرواة على ضبط تعلموا بفتح العين واللام المشددة وكذا نقله القاضي وغيره عنهم قالوا ومعناه اعلموا وتحققوا يقال تعلم بمعنى اعلم “، وهذا يدل دلالة واضحة على أن رؤية الله في الدنيا لا تكون، وأن كل من قال: إنه رأى الله، أو ادعى ذلك فإنما أُتي من قبل وهم، أو خيال، أو ظن، والذي رآه ليس هو الله -جل وعلا- على الحقيقة.
3-حديث أبي موسى الأشعري في مسلم، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه… حجابه النور))
وفي لفظ: ((حجابه النار لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)) وسبحاته: بهاؤه وعظمته، فلو كشف هذا النور الذي بينه وبين الخلق لاحترق الخلق جميعاً؛ لأن نوره ينتهي إلى كل شيء، فيحترق كل شيء بهذا النور العظيم، ففي قوله: ((حجابه النور أو النار)) دلالة على امتناع رؤيته سبحانه في الدنيا.
5- رؤية الله من النعيم الذي ادخره الله للمؤمنين في الجنة، فلا يكون في الدنيا. فالمؤمنون يوم القيامة يتنعمون برؤية الله، وهو أعظم نعيم يُعطاه أهل الجنة رؤيتهم لربهم -عز وجل-، حتى إنهم إذا رأوا الله -عز وجل- نسوا كل ما هم فيه من نعيم.
لماذا لا نرى الله في الدنيا ؟
لا نرى الله في الدنيا ” لعجز أبصارنا، لا لامتناع الرؤيا، فهذه الشمس إذا حدق الرائي البصر في شعاعها ضعف عن رؤيتها لا لامتناع في ذات المرئي، بل لعجز الرائي، فإذا كان في الدار الآخرة أكمل الله قوى الآدميين حتى أطاقهم رؤيته، ولهذا لما تجلى الله للجبل خر موسى صعقاً، قال: سبحانك تبت إليك، وأنا أول المؤمنين بأنه لا يراك حي إلا مات، ولهذا كان البشر يعجزون عن رؤية الملَك في صورته إلا من أيده الله كما أيد نبينا – صلى الله عليه وسلم -”
هل رؤية الله في الدنيا ممكنة أم ممتنعة؟
رؤية الله في الدنيا ممكنة وليست ممتنعة .فرؤيته غير مستحيلة، والدليل على أنها جائزة عقلاً طلب موسى لها من الله، قال تعالى على لسان موسي : ﴿ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ﴾ [سورة الأعراف: 143]وموسى لا يسأل شيئاً مستحيلاً، “ولو كانت ممتنعة في الدنيا لما طلبها موسي عليه السلام” ولأنكر الله عليه ، كما أنكر على نوح حين سأله نجاة ابنه قائلاً: ﴿ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ﴾ فقال الله: ﴿ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [سورة هود: 46]. والله رد على موسى بقوله: ﴿ لَنْ تَرَانِي ﴾ يعني: لن تراني في الدنيا ببشريتك الضعيفة.
وقال النووي -رحمه الله- مبيناً هذا المعنى: “أما رؤية الله في الدنيا فقد قدمنا أنها ممكنة، ولكن الجمهور من السلف والخلف من المتكلمين وغيرهم أنها لا تقع في الدنيا، وحكم الإمام أبو القاسم القشيري في رسالته المعروفة عن الإمام أبي بكر بن فورك أنه حكى فيها قولين للإمام أبي الحسن الأشعري أحدهما: وقوعها، والثاني: لا تقع”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق