مصر
. ضعف الأحزاب من الأمراض السياسية المزمنة
يكتب.محمود كرم
رغم أن للتجربة الحزبية في مصر جذور عريقة تمتد إلى ما يزيد عن ١٠٠ عام، إلا أنه حتى الآن لم نرى أحزاب قوية وفعالة، فهي لم تصدر أي فعل ولكن تتبع رد الفعل فقط، دورها ضعيف جدا في التأثير على الجماهير ولم يكن لها أي دور في فترة الحراك الاجتماعي والثورات، فعادة الثورة كانت تنبع من حركات سياسية غير رسمية، هي التي كانت تشعل بدايات الثورة.
كل ذلك بسبب بيئة النظام السياسي المضطربة، والسبب الأكبر يرجع إلى ضعف الهيكل الداخلي للأحزاب، فهي لا تملك برنامج سياسي أو نظام داخلي ولا أيديولوجية واضحة.
إن ما يمنح الأحزاب قوتها في الدول المتقدمة، هو الهيكل الذي يعمل من خلاله هذه الأحزاب، حيث تسيطر اللامركزية داخلها، ولا ترتبط بشخصية قائدها، فرئيس الحزب هو منصب قيادي وله أهميته ولكن ليس هو صاحب القرار، أيضا رئيس الحزب ليس هو المرشح الرئيسي في الإنتخابات الرئاسية.
تعد الفاعلية مؤشر أساسي على ديموقراطية النظام السياسي، فليس مهما عدد الأحزاب في أي نظام سياسي، فالتعددية الحزبية وحدها ليست مقياسا كافية لاعتبار النظام ديمقراطيا، وذلك لوجود العديد من النظم الديكتاتورية التي تحرص على وجود تعددية سياسية وحزبية لإضفاء الشكل الديمقراطي على نظامها ولكن من الناحية الفعلية، تكون هذه الأحزاب شكلية لا تستطيع القيام بدورها سواء المنافسة للوصول إلى السلطة أو تمثيل لإرادة الشعب.
وبناء على ذلك نستطيع القول أن النظام السياسي في مصر، مريض بمرض مزمن، لأنه فقد أحد أهم جوانبه وهو الأحزاب الفعالة، فأغلب الأحزاب الحالية ليست أحزابا بالمفهوم السياسي، فهي عبارة دكاكين سياسية للوجاهة الاجتماعية أو مصالح خاصة أو زعامات وطموحات شخصية.. وهو ما جعل الرئيس السيسي يدعو في أكثر من مناسبة إلى اندماج الأحزاب وتقليصها بحيث يكون لدينا أحزاب قوية ونشطة، وهذا الأمر مطروح على طاولة الحوار الوطني.
وجود أحزاب فعالة ونشطة هي مسؤولية تقع على عاتق الدولة وكذلك الأحزاب السياسية، أما بالنسبة للدولة عليها القيام بالآتي:
– السماح للأحزاب بالتواجد في الشارع دون أي قيود أو شروط مسبقة.
– استبدال لجنة شؤون الأحزاب بلجنة جديدة مستقلة عن مرفق القضاء، كونه مثقل بأعباء وقضايا لا حصر لها، على أن يضاف إلى اختصاصاتها، مهمة الفصل في منازعات وقضايا العمل الحزبي.
– إعادة النظر في أسلوب وشروط قيام الأحزاب بناءً على تمايز أهدافها وحجم مؤثر لعضويتها وانتشار واضح على خريطة مصر الجغرافية وتحديد دقيق للفئات الاجتماعية المكونة لها والمصالح التي تعبر عنها وتوازن في تركيبها بين الجنسين وانحياز للشباب، فضلاً عن اشتراط مرحلة انتقالية يتأكد فيها جديتها.
– إقرار دعم مناسب للأحزاب الفقيرة بما يرمم الفجوة الواسعة بينها وبين الأحزاب الغنية، مع الأخذ في الاعتبار أن ذلك ضرورة لاستمرار ونضوج الحركة الديمقراطية.
– حل مشكلة البطالة، والتي تُعد أحد أبرز أسباب عزوف الشباب عن المشاركة في الحياة السياسية، فاحترام كرامة الإنسان وتوفير فرصة عمل له وتوفير حياة كريمة له، كلها أمور تُعيد الشباب إلى المشاركة في الحياة الحزبية مرة أخرى.
– أيضاً لابد من إعادة النشاط السياسي داخل الجامعات والمدارس مرة أخرى من أجل خلق جيل شبابي قادر على حمل أمانة هذا الوطن.
– أخيرا يجب إجراء الانتخابات وفقا نظام يمنح الأفضلية للأحزاب، وهو عادة النظام النسبي، فمن المعروف أن القائمة المطلقة المغلقة تهدر أصوات الناخبين لأن القائمة التي تحصل على 50%+1 تفوز بكل المقاعد وتهدر 49% من الأصوات، عكس القائمة النسبية التى تضمن تمثيل كل القوى السياسية.
أما بالنسبة للأحزاب، عليها القيام بالآتي:
– تقديم برامج سياسية واضحة، وعليها أيضا تقديم بدائل للوصول للأفضل، إذ يجب إلا يقتصر دورها على أنها مجرد داعم للدولة بدعوى خطورة المرحلة، فهذا ليس دورها الحقيقي.
– حل الخلافات والصراعات الموجودة داخلها وإعلاء مصلحة الوطن على أي مصالح شخصية.
– الأصل في الأحزاب أنها مدرسة لتخريج الكوادر السياسية، فكل حزب يجب عليه إنتاج عدد من الكوادر السياسية سنويا، هناك فقر سياسي واضح والقيادات الحزبية تكرر نفسها وتتحرك من مرحلة لأخرى بالوجوه ذاتها.
– أخيرا على الأحزاب تبني فكرة الاندماج الحزبي على أساس تشابه البرامج وضعف التمويل، إذ يجب التخلي عن الشخصنة والبحث عن الزعامة.
نحن بحاجة إلى الكيف وليس الكم، نحن بحاجة إلى أحزاب قوية تقف إلى جانب الوطن والقيادة السياسية في هذه المرحلة الراهنة بحيث تكون قادرة على طرح حلول وبدائل.