الرئيسة

“ضنايا جالى زغرطى يا ما لما تعرفى خبر إنى عريس” حكايات الولاد والأرض

والدة الشهيد الرقيب محمد على ابن قرية الطيبة شهيد سيناء

كتب محمد نبيل محمد
صفو السماء من بدع مبدع واحد، فوق الجميع يسمع ويرى، وتُحوط الطرقات للأرض رياح الفجر المفعمة برائحة الخبيز، وصوت العصافير يتعالى، لكنه صلاة!، وآذان الصبح كبّر حىّ على الفلاح، ومع البكور خرج عم أحمد من داره القريبة من حياضه، بقرية اسمها هو فعل أهلها، قرية الطيبة نواحى مركز الزقازيق، أهل الطيبة كلها، تبع محافظة الشرقية، وفى يده ولده محمد، وهما يرتلان الولد بعد والده يتعلم عنه: والبلدُ الطيبُ يخرجُ نباتهُ بإذن ربه… ، وبخشوع وإهتمام يكرر الولد وراء والده بذات النطق من القلب، ويرفعان على كتيفيهما، الفأس للوالد، والمنجل فى يمين الإبن يحش به الضار من حشائش الأرض ليطهرها، وبيساره يقبض براحته ويطبق بأنامله على البذور، ثم يطلقهما، لينثرها خلف أبيه، وكأنها موصولة بأوصال قلبه الذى يعرف بدقة ويقين مطمأن أين مستقر كل حبة منها، بعدما يقلب الأب الأرض، ويربت عليها بفأس الخير، ويظل الرجل يرفع ذراعيه كأنه يكبر حى على الفلاح، وينزل بهما ركوعا على أرضه الطيبة، ومن وراءه الولد، يطهر تلك الأرض الطيبة من الضار النكد، وينثر النافع الطيب، وتعلم الفلاح الصغير من كبيره كيف يُطهر أرضه، وبأى ماء يرويها، حتى صار الولد، رجلا، وانتصف النهار، ولم يكتمل اليوم، وطيبت شمس الأرض الطيبة صُلب الفتى وعوده، فصار يروى أرضه تارة بعرق جبينه، وأخرى بطهر دمه!.
يحكى والد الشهيد محمد على أحمد على عتمان:” … كان بيتمنى يكون من رجالة الجيش، ومن صغره كان كل ما عينه تقع على واحد بالبدلة العسكرية يجرى وراه، ابنى اتولد راجل ، واتربى على الفلاحة، من يومه وهو ابن موت، من أول يوم شوفته لما جه للدنيا ساعتها عرفت من قلبى انه ح يكون حاجة كبيرة، وكبيرة أوى، لكنى ما كنش متصور أيه ح يبقى حاله بعد ما يكبر، كان زى الزرعة الطيبة فى الأرض السمراء الطيبة، إتربينا وإتعلمنا من جدودنا إن الأرض الطيبة لازم تنبت زرعة كطيبة، كمان ربنا جال كدة فى كتابه العزيز، ويتلو الرجل فى خشوع قرآن ربه:” بسم الله الرحمن الرحيم… والبلدُ الطيبُ يخرجُ نباتهُ بإذن ربه والذى خبُث لا يخرج إلا نكدا كذلك نُصرف الآيات لقوم يشكرون ” (58 الأعراف) أنى إتعلمت كدة فى الكُتاب على إيد سيدنا الشيخ، وربنا أعطانى الأرض الطيبة فى قريتنا الطيبة وسط أطيب ناس وهم الشراجوه ، يبقى من فضل الله علىّ إن إبنى يبجى نبت طيب هو كمان، والطيب ولدى أنى زرعته، وربيته، وراعيته علشان يكون سندى وعزوتى واتباهى بزرعى لما يجى أوان حصاده، وأهو جيه أوانه وكبر الولد وبجى راجل، أد الدنيا، لا … وكمان راجل يشرف بلد، من صغره وأنى بجول ولدى ده ينشال على الرأس، من أدبه وأخلاجه، وبره بى أنى وأمه، الست اللى ربيته على الفضيلة وطاعة ربنا، ما كانش أبدا يفوت فرض، والصلاة فى وجتها، حتى لو كان إيه وراه، يهمل كل شىء ويروح على صلاته، وأول ما خلص الدبلوم الصناعة من مدرسة الثانوى الصناعية هنا فى البلد، على طول جلى يا با أنى عايز أتطوع فى الجيش، وده حلم حياتى ، زى ما أنت عارف، ساعدته يحجج حلمه، ودعيت له ربنا يوفجه، وما كدبش خبر، وراح زى الريح سحب ملف التطويع، وجدم ورجه فى معهد ضباط الصف فى التل الكبير، وجت الأحداث اللى ضربت البلد فى 2011 وبعد ست شهور، بجى راجل ملو هدومه، فى بدلته العسكرية، وشوفته زى ما يكون عود أخضر مزهزه وثمرته فوجيه كدة حلوة حلاوة ربانى، زى كتاب ربنا ما جال، زرعة طيبة فى بلد طيبة بإذن الله، وشوفته جمر اربعتاشر يوم ما اتخرج من المعهد، ساعتها جولت له: اجوزك يا ولدى، وأتم الفرح، ويبجى فرحين، جالى: لا يا با ، بعدين ، مش وجته، لما أثبت نفسى فى الجيش الأول، وسمعت كلام ولدى، زى الثجرة لما تضلل على فرعها، لحين ما يكبر، وجولت له: ماشى يا بطل، شوف حالك فى الجيش الأول زى ما إنت عايز، وراح على الجيش التالت فى السويس ومنه على جنوب سيناء، اتوزع على سلاح المدفعية، وكام يوم كدة وعلمت إنه إتوزع على الأكنة علشان يأمن الطرج والشوارع الكبيرة فى سيناء، وبعد مدة، زى شهر وشوية، نزل أول أجازة له من ساهة ما سافر على السويس، رجع ولدى الله أكبر زى البدر فى نوره، وكيف النخل فى عوده، وشوفته فارع ما شاء الله، يحبى السمس وراه، وجد ما جلبى فرح بيه وعينى اتكحلت بولدى اللى كبر وصار راجل افتخر بيه، جد ما خوفت عليه، وسبحان الله وقتها دب الخوف وشج صدرى على ولدى، وفضلت أساله عن أحواله، وهو ما يجولش غير الحمد الله يا با،ومش راضى الولد يطمنى إلا بالحمد لله، لا جالى كلام عن الكماين ، وإلا الإرهابيين الكفرة دول، ولا إى كلمة ، ما فيش على لسانه غير الحمد لله يا با، وأنى جولت أنى راخر الحمد لله، وتركت حمولى على اللى خلجه، هو جادر سبحانه يحفظه ويطمن جلبى”
ويأتى الدور على سيدة تشبه إلى حد بعيد أرضها فى سمرتها، وطيبتها، وعطائها هى: البطلة السيدة سعيد التى نثرت السعادة رغم حزنها المتشح بالفخر، إبنة الشيخ عبد الحميد محمد من مشايخ البلد الطيبة، أم الزرعة الطيبة، والدة الشهيد محمد، وقبل ما تستهل حكاية بطلها قالت بصوت حاد وحازم:” ولدى ما راحش هدر، إبنى جتل كتير من الكفرة التكفيريين جبل ما يروح لربه”، وتشرع فى الحكاية من البداية :” … يومها ، كان أول يوم أخده فى حضنى جوى زى يوم ما ولدته ، يوم ما انساهوش أبدا ، كان اليوم الأول من شهر خمسة 1992، ساعتها فرحت بيه كأنى ما خلفتش جبل كدة، ضميته فى حضنى كأنى متوحشاه من زمان ، تمام زى أول يوم ما رجع من الجيش، وفضل يبوس يدى ورأسى، ويجولى: وحشانى ياما، جولت له: اجعد هنا جارى، أوكلك، وأهننك، واحشنى جوى يا ولدى، وفضل على الحال ده شهور وسنين، لحد ما جانى فى يوم يبكى زى العيال الصغيرة، وأخدته فى حضنى وحسيته لأول مرة مكسور، جلبى انفزع عليه، وجريت له من قرآن ربنا، ورجيته، وخوفت ليكون محسود، وإلا صابه مكروه وإلا شىء عفش، لكنه، بكى، وبكى كتير جوى، وأول مرة يحكى لى عن الموت، وإنه أخد منه صاحبه، الشاويش محمود البجاش، دفعته وزميل عمره، وجالى بحرجة، صاحبى مات يا ما، جتلوه الكفرة ولاد الكلب، جولت له مين يا ولدى، جالى: التكفيريين اللى لا عندهم دين ولا ملة، الخونة اللى كل همهم يزيحوا الجيش من البلد علشان تبجى الدنيا غرجت وسابت فى إيديهم، جولت له: يا ضنايا ربنا جادر عليهم، يهلكهم ويبدهم، وجادر بك ياخد بتار صاحبك واللى زيه، وساعتها كان أول مرة يحكى ابنى محمد عن الشهداء، وجبل ما يجوم من حضنى جالى: ادعى لى يا ما، دعيت له هو واللى زيه ربنا يحفظهم وينصرهم ويرجعهم لاهليهم سالمين غانمين، ويخسف بالكفرة الخونة الأرض ويريحنا من همهم النكد، وراح إبنى يعزى أم الشهيد محمود البجاش صاحبه اللى استشهد يوم 26 واحد 2014 وجالها: ما تخافيش يا ما، تار محمود اخويا وحبيبى على يدى إن شاء الله، وما دريتش باللى جالوه عن استشهاده وانه طلب من أم الشهيد تدعى له يحصله الا لما جانى الخبر، وساعتها جاتنى ام الشهيد تعزينى وجالت لى: هو اتمناها بصدق واخلاص وكأن باب السما كان مفتوح ساعتها، وراح محمد للى خلجه بعد صاحبه بحول كامل اتناشر شهر الا ست إيام، وجانى نعشه ملفوف فى علم مصر يوم تمانية واحد 2015، والبلد كلها كل بلدنا الطيبة زجازيج شرجية خرجت تودعه من عند المدخل اللى اتعمل عنده كوبرى واتسمى على اسم ابنى الشهيد بعد كدة واتسمت مدرسة فى جنوب سيناء باسم الشهيد، وتبكى عليه، ضنايا جات له الطلجة من الخسيس فى رأسه، راسه اللى تملى تسجد للى خالجها وبس وعمرها ما انحنيت إلا لربه، راسه الشريفة راحت بيه للجنة، زى ما كان بيطلب من ربه وهو فى سيناء مع زملاته، زملاته كلهم جونى يوم جنازته ياخدوا العزاء مع أخوه الكبير أحمد وولاد إعمامه وأخواله، وكل أهل البلد، ولدى كان فرحه شهر اربعة يعنى راح لربه جبل الفرح بتلات شهور، كان خاطب بنت الحلال من جيرانا هنا فى البلد وكان ميعاده يزف على عروسته شهر اربعة السنة اللى استشهد فيها، إنما كل شىء نصيب، وكله جدر ومكتوب، يا ضانايا كان بيجولى: أنى ممكن وأنى جنبك هنا أموت، كله بتاع ربنا ، وأنت ست مؤمنة وحافضة من كتاب ربنا يا أمى، وأنى أجوله: يا نور عينى يا حبيبى عايز تطفى عين من عنيا ليه يا بنى ، ليه تحرمنى من ضيك وهلتك على مع أخوك دا انتو الاتنين زرعتى الطيبة اللى بتسند عليكم لحد ما توصلونى لربى، ويحط يده على خشمى ويجولى: ربنا يخليكى يا ما ، أمال مين اللى ها تزغرط فى فرحى، وأدينى يا ولدى أهو بزغرط لك وانت عند ربك سامعنى ، وجلبى مليان نواح عليك”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق