الرئيسةمقالات

ناصر الغضوري يكتب : كورونا الشبح الذي طارد المشروعات الصغيرة

كانت الكويت من أولى الدول التي سجّلت إصابات بفيروس كورونا في المنطقة، نظراً إلى قربها الجغرافي من إيران التي كانت في البداية بؤرة للوباء في الشرق الأوسط ، وقد اتخذت الحكومة خطوات جريئة عدة لمكافحة انتشار الفيروس واحتوائه، وتشمل هذه الإجراءات إغلاق الحدود باكراً ووقف الرحلات؛ وإغلاق أماكن التجمعات (المدارس وأماكن العمل والمساجد والمراكز التجارية) وفرض حظر تجوال جزئي (من 11 ساعة إلى 16 ساعة) وقيام وزارة الصحة يومياً بتقديم إحاطات صحافية وإطلالة العديد من الوزراء في مؤتمرات صحافية على نحوٍ منتظم وغير مسبوق وإطلاق حملة تبرعات وطنية؛ وإجراء فحوصات عشوائية يومياً؛ وتسيير رحلات لإجلاء نحو ثلاثين ألف كويتي في الخارج مجاناً، وهي أكبر عملية إجلاء في تاريخ الكويت.

أشياء كثيرة طرأت علي الساحة الكويتية وتغيرات كبيرة وهجوم شرس من الفيروس علي كل شئ فالإقتصاد لم يكن في مأمن عنه فلقد تأثر الإقتصاد بشدة
وخاصة اصحاب المشروعات الصغيرة ، حيث فرضت جائحة كورونا على أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ظروفا “تعجيزية” تطلبت معه ضرورة البحث عن بدائل للحفاظ على رؤوس أموالهم، في ظل تداعيات كبيرة لتراجع المبيعات والإيرادات.

ولقد اتضح جليًّا أن الأزمة الاقتصادية التي تسبب بها فيروس كورونا ستكون الأسوأ والأعنف على مستوى العالم منذ الكساد الأعظم في ثلاثينيات القرن الماضي حيث تشير توقعات البنك الأوروبي إلى انكماش اقتصادات 170 دولة في أنحاء العالم انكامشًا حادًّا هذا العام.

وبالفعل تأثر الاقتصاد الكويتي كسائر اقتصاديات الدول الأخرى تأثرًا سلبيًّا بقوة وبصورة غير مسبوقة وبالأخص القطاعات الضعيفة التي تتأثر بصورة مباشرة وكبيرة بالأحداث والشائعات مثل البورصة وقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

حيث أظهر تقرير صادر عن المركز الكويتي للبحوث الاقتصادية أن اكثر 50% من أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، حسب تصنيف الصندوق الوطني للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، أعلنوا إفلاسهم خلال الأشهر الماضية.

ووفق التقرير فإن إجمالي خسائر أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة يتجاوز 3 مليارات دولار، حيث تتضمن هذه الخسائر الإيرادات الشهرية والديون للجهات الحكومية والأقساط البنكية والأقساط للصندوق الوطني للمشروعات الصغيرة والمتوسطة فضلا عن تراكم الإيجارات الشهرية وأجور العاملين، بالإضافة إلى المصروفات الشهرية.

كما ذكر التقرير ” أن هناك 824 مشروعا من أصل 840 مشروعا أعلنت إفلاسها أو قرر أصحابها التوقف عن الأنشطة التجارية، خلال الأشهر الثمانية الماضية عقب جائحة كورونا، مشيرا إلى أن تلك المشروعات تم تصنيفها على أساس أنها كانت تعمل فعليا وتسجل إيرادات شهرية وليس لديها مشكلات أو متأخرات لصالح الصندوق أو المصارف الكويتية .

و بحسب البيانات الصادرة عن الصندوق الوطني لأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة في نهاية عام 2019، قام الصندوق بتحديث أعداد أصحاب المشروعات التي تعمل فعليا حيث استبعد الصندوق 600 مشروع وأبقى على 840 مشروعا قائما بشكل فعلي.

أود أن أوضح إن التأثر السلبي لقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة يشبه كرة الثلج التي تكبر يومًا بعد يوم وقد تتحول لا قدر الله إلى كارثة اقتصادية واجتماعية إذا لم يتم السيطرة عليها لما لها من تأثير مباشر على رفع نسبة البطالة وذلك لما للمشروعات الصغيرة والمتوسطة من دور محوري في توفير فرص العمل .

والمتوقع أن يزداد تأثير الأزمة قويًّا على المشروعات الصغيرة والمتوسطة وذلك نتيجة للاضطرابات العنيفة والمفاجئة لآليات السوق من العرض والطلب وانخفاض معدلات التجارة الداخلية.

وعليه فإنه من المهم جدًّا أن يكون هناك أداة لقياس مدى التأثير الاقتصادي على تلك المشروعات لدعم الشباب الذي يعاني من التدهور الإقتصادي المخيف لمشروعاتهم الصغيرة علي المستوي الخاص والدولة بشكل عام .

وقد قام البنك الأوربي لإعادة الإعمار والتنمية بتصميم وتنفيذ أداة بحثية لقياس مدى التأثير الاقتصادي للأزمة على المشروعات الصغيرة والمتوسطة وقد تم تطبيق هذه الأداة على عينة بحثية من عملاء البنك من المشروعات الصغيرة والمتوسطة في بعض الدول العربية منهم الكويت .

وتشير النتائج الأوليه للبحث إلى أن:
أكثر من 70% من المشروعات المشتركة في البحث تعاني من اضطراب جزئي للعمل.

14 % من العينة توقف عن العمل تمامًا.

16 %من الشركات المشتركة في البحث أكدوا بأنهم قاموا بتخفيض عدد العمالة لعدم القدرة على دفع المرتبات.

وعلي سبيل متصل أظهرت بعض الوثائق أن الحكومة تدرس تشكيل لجنة تتضمن “البنك المركزي الكويتي وممثلين عن الصندوق الوطني لأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة ووزارة المالية ووزارة الشؤون ووزارة التجارة”، بهدف وضع تصور وخارطة طريق لانتشال أصحاب المشروعات المتضررين من تداعيات جائحة كورونا.

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي الكويتي، حجاج بوخضور لإحدي الصحف ” إن عدم التجاوب الحكومي مع أزمات أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية فضلا عن أزمة بطالة بين صفوف الشباب الكويتي، الذي يسعى إلى الابتعاد عن الوظائف الحكومية والاعتماد على أفكاره لتنمية الموارد وتنويع الاقتصاد.

وأشار إلى التحذيرات السابقة بشأن الملاحقات القضائية التي قد تطاول الشباب الكويتيين الذين تعثروا بسبب انهيار الاقتصاد وتوقف الإيرادات بسبب القرار الحكومي بالإغلاق او نتيجة الإجراءات الاحترازية المشددة والتي تصعب عملية استئناف الانشطة التجارية.

لأن هناك مئات القضايا في أروقة المحاكم الكويتية بسبب الديون والإيجارات المتأخرة على المواطنين، كما أن أصحاب الأعمال لم يفشلوا بسبب سوء الإدارة أو الفساد، ولكن هناك ظروفا قهرية وإجراءات حكومية تسببت في تراكم الخسائر.

فعلي الحكومة إلى البدء في إجراءات لحماية الاقتصاد المترهل، لتجنيب أصحاب الأعمال خطر الإفلاس وشبح الانهيار وبالتالي حمايتهم من الملاحقات القضائية التي قد تنتهي بهم بالسجن بسبب تراكم الديون.

وذلك يعني خطورة الموقف بشكل كبير وعلي الدولة البحث عن حلول داعمة للشباب الذي يعاني من التدهور الحاد سواء علي مستوي الافراد او مستوي الشركات او علي مستوي الدولة بشكل عام .

فلا بد أن تضع الدولة خطط الإنقاذ المطلوبة ، وفي سبيل ذلك أقترح بعض التدخلات المطلوبة في هذه المرحلة الحرجة:

التدخل الأول والأهم في هذه المرحلة هو ” ضخ السيولة” وذلك لتمكين أصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة من تخطي الأزمة والاستمرار في العمل، تغطيه المصروفات الثابتة والاحتفاظ بالعمالة المدربة.

ويكون برنامج ضخ السيولة عن طريق الإعفاءات الضريبية المؤقتة ، المنح المالية المشروطة والتسهيلات البنكية السريعة جدًّا والمخفضة لتمويل رؤس الأموال العاملة بسهولة ووفقًا لجدول زمني محدد ومعقول ولا يمتل عبئًا ماليًّا إضافيًّا على المشروع الصغير والمتوسط.

التدخل الثاني ويتمثل في توفير الدعم الفني والمساندة التكنولوجية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وذلك لإيجاد وتطبيق حلول تسويقية مبتكرة وسريعة وكذلك تصميم منتجات جديدة تتناسب مع الأزمة وتتوافق مع متطلبات السوق الجديدة والتي متوقع أن تستمر لفترة طويلة.

التدخل الثالث الإصلاح الاقتصادي الشامل فمن المعلوم أن 95 في المئة من الدخل الكويتي مصدره النفط لذلك إنه الوقت الأنسب للعمل على إيجاد حلول لاعتماد البلاد غير المستدام على النفط وسط تفشي الجائحة وانهيار أسعار النفط.

ياسادة إن مثل تلك الفرص لا تتكرر كثيرًا ومن حسن حظ الدولة الكويتية أنها على أعتاب الاستفادة من مرحلة ما بعد الأزمة والتي سوف تعضد من وضع الكويت الاقتصادي حيث إن السنوات الماضية قد أسست لتلك اللحظه الواعدة شريطة أن تقوم الحكومة باتخاذ التدابير والإجراءات المطلوبة لتخطي الأزمة الراهنة.

لأن الأوقات العصيبة تتبعها أوقات ازدهار ونمو هناك دائمًا فرص جديدة تظهر مع كل أزمة ويكون دور الحكومات والمنظمات الدولية التنموية في هذه الأوقات مساندة المشروعات الصغيرة والمتوسطة ورواد الأعمال من أصحاب الأفكار الابتكارية على تخطي الأزمة والاستعداد لاقتناص الفرص المستقبلية وذلك من خلال توفير طرق تمويل غير تقليدية واستخدام المنصات الإلكترونية لتوفير فرص للتعلم والتشبيك والمشاركة.

ومن خلال مقالي أقول أنه لا يجب أن يقتصر دور الدولة على الدعم المالي فقط بل يشمل ترابط المشروعات بينها وبعضها، وترابطها مع باقي القطاعات في الاقتصاد الرسمي، وقطاعات التصدير، ويجب أن يتم الدعم بشكل متناغم في كافة الاتجاهات”

لأن الدولة بسلطاتها ومؤسساتها وأجهزتها مطالبة بلعب أدوراها لتنظيم جميع مناحي النشاط الاقتصادي والتجاري، خاصة في أوقات الأزمات، من خلال تطوير قواعد البيانات والمعلومات الشاملة والمحدثة والمترابطة بكافة قطاعات الاقتصاد.

ومن أجل استكمال عملية الإنقاذ لابد من توسيع برامج وجهود دمج القطاع غير الرسمي في القطاع الرسمي، وهي ضرورة ملحة، مع أخذ تدابير وفكر متطور وخطة واضحة الملامح ومحددة التوقيت لهذا الدمج.

عن طريق خطوات كثيىة منها استحداث بطاقة هوية تعريفية لكل المشروعات والأعمال والمهن الحرة تحتوي على كافة البيانات والمعلومات الخاصة بالمشروع حتي تكون الرؤية واضحه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه .
حفظ الله الكويت وكل العالم من الشرور والفتن .

ناصر الغضوري.. كاتب كويتي

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق