الأدب و الأدباء

قصة الأسبوع “أنه القدر”

تأليف:وحيد القرشي

شكرا لك سيدي ,لقد أسعدت قلبي بعد ان ذاق المرار والعذاب لسنوات عدة ,وبعد أن كبرنا وفقدنا الأمل في اللقاء مرة أخري ,أنت لا تعلم مدي حبي لها فقد كانت زهرة حياتي المتفتحة دائما ,ونور عيني التي أري بها ,كانت قلبي وروحي ,كنت أري الحياة بها ,واعيش من أجلها ,عندما رأيتها لاول مرة في حديقة النادي ,أشتعل قلبي حبا ونبضا ,وكأنني وجدت روحي ,أقتربت منها وتعرفت عليها ,وكانت تأتي النادي مرتين في الاسبوع ,وكنت أنتظرها بترقب ولهفة وشوق ,وفي كل لقاء أقترب منها وأحدثها ,حتي أعترفت بحبي لها ,وتعلقي بها ,وهي كانت تحبني وتبادلني نفس المشاعر ,ومرت سنوات وزاد حبنا وتعلقنا ببعضنا البعض ,وكبر حبنا وكبرنا معه ,أردنا تحقيق حلمنا ,وان يجمعنا بيت واحد ,فقررت ان اقابل والدها واطلب يدها ,وعندما فعلت ذلك ,رفضني لانني من اسرة فقيرة ونهرني وابعدني عنها بكافة الطرق ,وبعد اسبوعين تقريبا ,تم اعلان خطوبتها علي شخص اخر ,ولم اتحمل ذلك الالم والحزن والصدمة التي كسرتني وجعلتني بلا روح وافقدتني الشعور بالحياة ,هربت بعيدا ,لكي اعيش ما تبقي من حياتي مكسورا موجوعا ,عشت علي امل ان نلتقي مرة اخري ,وعشت حياتي دون ان اتزوج ,وكبرت ووصلت  للشيخوخة ,ولا يوجد احد يرعاني ويأخذ بيدي ,فقررت العيش في دار مسنين ,فسوف اجد فيها من يرعاني ويوفر لي  ما احتاجه .

وفي صباح ذلك اليوم ,فجأت بك  تخبرني وتحكي لي ما حدث ,وتخبرني بأنك وجدت منذ ثلاثين عام هذا الخطاب وبه ورقة مكتوبة لي من حبيبتي علياء ,وقد وقع منها الخطاب وانت وجدته ,ووجدت اسمي وعنواني مدون في الخطاب .

– فعلا يا سيدي ,كلماتك اوجعت قلبي واشعرتني بالتقصير ,يا سيد جاسم ,انا كنت أسير علي شاطئ البحر وجلست علي صخرة وبعد وقت طويل ,مشيت علي الشاطئ ,وأذا بخطاب ملقي علي الرمال ,أمسكته وقرأت ما به لعلي أستطيع توصيله لصاحبه,ووجدت اسم علياء واسمك مدون بداخله , كانت تخبرك بمكان أقامتها الجديد ,وتتمني ان تراك في القريب العاجل ,نظرا لظروف عملي ,انشغلت عن توصيله وسفرت خارج البلاد ولمدة طويلة ,وكنت قد أحتفظت به في مكان أمن ,وبعد عودتي ,وبعد مرور ثلاثين عام ,جلست اقلب في اوراقي القديمة ,ووجدت ذلك الخطاب مع اوراقي ,وعندما قرأت ما بداخله ,تذكرت هذه اللحظة ,وشعرت بالاسئ والحزن وبالذنب ,وقمت مبكرا في الصباح ,أبحث عن مكان علياء لعلي أجدها ,لأنني كنت اسكن بالقرب من عنوانها ,ووصلت لمكان بيتها ,وعلمت انها تركت البيت وتعيش في دار المسنين .فذهبت لها ,وأخبرتها بما حدث,وعندما رأت الخطاب ,بكت وقالت كنت أتمني ان يصل اليه ,هو لم يغيب عني لحظة ,رغم أنني تزوجت غيره ,ولم أنجب ,وظل جاسم حبي الاول والاخير ,والذي ينبض به قلبي ,خرجت من حجرتها حزينا من تقصيري وأحساسي بالذنب ,كان لا بد ان أبحث عنك وأوصل لك الخطاب ,فقررت أن أبحث عنك في كل مكان ,وبالفعل وصلت لمكان أقامتك ,وسألت عنك ,وهنا كانت المفأجاة ,انك تعيش في نفس دار المسنين والتي تعيش فيها علياء منذ سنوات ,فجأت أليك لأخبرك عن ما حدث

-شكرا لك يا سيدي عما فعلت

– لا شكر علي واجب ,كان من المفروض والواجب ان أفعل ذلك منذ وجدت الخطاب علي شاطئ البحر

-لا تأنب نفسك ,فليس لك دخل وذنب فيما حصل ,انه القدر يلعب دوره في الحياة ويعلمنا الدروس والعبر ويجبرنا علي أشياء قد تألمني سنين عمرنا

-أطلب منك أن تأتي معي لحجرة علياء لمقابلتها

-أنا قلبي ملهوف لرؤيتها ,أريد ان أرأها منذ ثلاثين عام , اشتاق اليها,اشتاق للنظر في عينيها,اريد ان ألمس يدها ,أريد كل شئ

– قوم معي وتمالك أعصابك ,لنجعلها مفاجأة لها.

وأثناء أنشغال علياء صاحبة الستون عاما ,يدخل عليها سعيد الرجل الطيب حجرتها ,فقد كان في زيارتها منذ ثلاثة أيام ,حيث أخبرها عن قصة الخطاب ,الذي وجده منذ ثلاثين عاما علي شاطئ البحر ,اقترب منها وجلس بجوارها علي السرير .

-صباح الخير أختي علياء

-صباح النور,طمنيني عليكي

بخير الحمدلله

-جأءت بمفاجأة سارة لكي ,شئ لم تتوقعي حدوثه ,وعشتي علي أمل ان يحدث ,والله قد حقق لك ذلك

-ما هي المفاجأة ,انا لااتحمل شئ ,منذ سنوات وانا اعاني من وجع قلبي ,ولم أفرح أبدا

يخرج سعيد الرجل الحنون القلب , الذي لم يرتاح الأ بعد أن بحث عن الحبيبين ,علياء وجاسم ,وها قد أستطاع ان يجمعهم مرة أخري في لحظة غير متوقع حدوثها وكانت بالأمل البعيد ,ويطلب من جاسم الدخول.

يدخل جاسم علي علياء ,وعندما ترأه تقف تاهة ,تنظر اليه بتألم وتعجب ,وتقول في نفسها ما هذا ,هل هو جاسم ,هل انا في حلم أما حقيقة ,هل حالة التفكير المستمرة جعلتني أري كل من حولي في صورة جاسم ,اقترب منها ,ومد يده وقال لها .

-وحشتيني يا علياء ,اذيك عاملة أية

-من ,هل أنت جاسم فعلا,أم أنني أتخيل ذلك

– نعم أنا يا علياء,كنت أعيش بجوارك هنا منذ سنوات ,لا تفرقنا سوي امتار معدودة وجدران للحوائط ,نتنفس هواء واحد ونأكل نفس الاكل ,كنتي دائما في بالي ولم تفارقي مخابلتي ابدا .

– يا الله ,يا لهذا القدر وهذه الحياة ,دائما أشعر بوجودك هنا يا جاسم ,انا لا افارق حجرتي دائما ,منذ ان جأءت دار المسنين

يقوم جاسم بتقبيل يد حبيبة قلبه ,ويضمها علي صدره ,ويجلسها علي السرير ,ويجلس بجوارها ,ويضع يده علي رأسها ويلعب في شعرها بحنان وحنين وذكريات لما كان .

ينظر أليهما سعيد بأحترام وارتياح ,الله قادر علي كل شئ,والقدر يفرق ويجمع ويلهب القلوب ويطمئنها ,يخرج سعيد  ويغلق عليهم الباب ,ويتركهم ليتذكروا ما كان وما حدث منذ سنوات ,ويعيشوا حلمهم والذي تحقق بعد ثلاثين عام من الفراق ,بعد أن أبيض الشعروظهر المشيب وفقد الجسد قدرته,ولكن تبقي الأروح عامرة بالحب والحنين لما كان ,فالمحبين والعاشقين أرقي الكائنات علي كوكب الارض , ألتقي علياء وجاسم بعد فراق دام لسنوات عدة ,أنه القدر

 

 

 

 

 

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق