مصر

الانكشارية

بقلم غادة المصري
كانت بداية ظهورهم في عهد ثاني حكام الدولة العثمانية «أورخان بن عثمان و الذي عمل علي تثبيت دعائم الدولة الجديدة من خلال إصلاحات داخلية كثيرة، وكان بناء الجيش من ضمن أهم أعمال «أورخان»، وأصل التسمية «يني تشري» أي الجيش الجديد، وكان شديد الشبه في تكوينه بالمماليك الذين اشتراهم السلطان الأيوبي نجم الدين أيوب وكون بهم جيشًا قويًا
و كانوا الانكشاريون يأتون من أبناء البلاد المفتوحة وأبناء الأسرى والصغار الذين يفقدون ذويهم في الفتوحات، وكان الواحد منهم يربى في ثكنات عسكرية تربية إسلامية ويدرَّبون على القتال وفنونه، فيتخرج لا يعرف إلا الجهاد والإسلام وطاعة السلطان، ليس لهم عائلة ولا روابط قبلية إلا زمالة الثكنة، وكان للإنكشارية دور كبير في الفتوحات العثمانية وكانوا قوة كبيرة في مواجهة خصوم الدولة
و كانت الدولة تمنع اتصا الانكشارية باقربائهم و تفرض عليهم وقت السلم ان يعيشوا في الثكنات التي لم تكن تحوي فقط اماكن النوم بل كانت تضم المطابخ و مخازن الاسلحة و الذخائر و كافاة حاجاتهم الامنية
و خصصت الدولة لكل اورطة من الانكشارية شارة توضع علي ابواب ثكنتها و اعلامها و خيامها التي تقام في ساحة القتال و كانت ترقياتهم تتم وفقا لقواعد الاقدمية
و يصرف لهم معاش من قبل الدولة و كانت الدولة تحرم عليهم الاشتغال بالتجارة او الصناعة حتي لا ينطفئ حماسهم العسكري
و يطلق علي رئيس هذه الفئة أغا الانكشارية و كان بحكم منصبة يشغل وظيفتين فهو رئيس قوات الشرطة في اسطنبول المسؤول عن حفظ النظام و استتباب الامن و عضو في مجلس الدولة
و لك الاهمية الكبيرة للانكشارية تحولت الي مركز قوة نغص حياة الدولة العثمانية و بدلا ان ينصرفوا الانكشارية لحياة الجندية راحوا يتدخلون في شؤون الدولة و يزجون بانفسهم في السياسة العليا للدولة و قد بدأت سياسة تدخلهم في عهد مبكر غير ان هذا لم يكن له تأثير في عهد سلاطين الدولة العظام لان قوتهم وهيبتهم كانت تكبح جماحهم
أخذت الروح المعنوية العالية للإنكشارية في الخفوت، وأخلدوا إلى الراحة بعد أن نالوا الإقطاعات والامتيازات، وتركوا ثكناتهم العسكرية التي تربوا فيها لقرون، وزادت سطوتهم ونفوذهم بعد أن عهد السلاطين لقادة الانكشارية بقيادة الجيوش، وأخذ قادة الإنكشارية في التدخل شيئًا فشيئًا في أمور الحكم، وطغى نفوذهم حتى على السلطان نفسه، وفي نفس الوقت فسدت أخلاقهم وضعفت عقيدتهم وانغمسوا في الشهوات والمنكرات، ثم زاد نفوذهم لضعف الدولة حتى أصبح لهم دور كبير في تنصيب السلطان
كان على السلطان الجديد أن يرضي قادة الإنكشارية، وإذا لم يوف لهم ما يطلبون تمتد أيديهم إليه بالعزل أو بالخلع أو حتى بالقتل، فلقد قتلوا أو عزلوا كلاً من مصطفى الأول وعثمان الثاني وإبراهيم الأول ومحمد الرابع ومصطفى الثاني وأحمد الثالث، وتدخل الإنكشارية حتى في فتاوى العلماء،
وعندما تولى العرش السلطان سليم الثالث، استمر اعتراض الانكشارية على محاولات التحديث العسكري، والتي أبدى سليماً رغبة أكيدة فيها
اشتدت معارضة الانكشارية في عهد السلطان سليم الثالث الذي كان هو الآخر من المصلحين، أدخل في الجيش ما يسمى بالنظام الجديد، وهو الذي يقوم على أساس التعليم العسكري وفق الأساليب الأوروبية، فقد هب الانكشارية لمقاومة هذا النظام، يؤيدهم المتعصبون من رجال الدين، وأخذوا يشنعون عليه بما مفاده أن التعليم العسكري من الأمور التي لم يعرفها الإسلام، وأن الفتوحات الإسلامية كلها تمت من غير تعليم/ علاوة على أن النظام الجديد بدعة وكل بدعة حرام، والأخذ به يؤدي إلى التشبه بهم وقد منع الإسلام من ذلك.
ولقد حاول عدة سلاطين التخلص من نفوذ الإنكشارية وإدخال النظم الحديثة في الجيوش، ولكنهم فشلوا وكان مصيرهم إما القتل أو العزل، مثلما حدث مع السلطان عثمان الثاني وإبراهيم الأول ومصطفى الثاني، وظل وضع الانكشارية بالغ السوء والتردي حتى عهد السلطان محمود الثاني الذي كان متأثرًا بالحضارة الأوروبية والتقدم التي آلت إليه على حساب الدولة العثمانية،
بعد فترة طويلة من الصراعات الخارجية التي خاضها محمود الثاني ضد روسيا، وكذلك ضد الثورة المندلعة ضد الحكم التركي في اليونان، رأى السلطان العثماني أن الوقت قد حان للانقضاض على الانكشارية فقد جمع محمود الثاني رجال دولته بحضرة المفتي أفندي، وخطب الصدر الأعظم إذ ذاك محمد سليم باشا خطابًا عدد فيه ما وصلت إليه وقاحة الإنكشارية مع ما هم فيه من القصور في النظامات الحربية الجديدة، وطلب إليهم أن يبدوا رأيهم فيما يجب اتخاذه من الوسائل؛ لملاقاة ما يهدد المملكة العثمانية بسبب ذلك،
فأقر الجميع وفي جملتهم آغا الإنكشارية على اتخاذ الوسائل الفعالة تنظيم جيش جديد باسم «إيكنجي» وتهذيبه، فوقَّع الجميع على وجوب تنفيذ ذلك الأمر، أما الإنكشارية فحالما شاهدوا ذلك النظام نسوا عهودهم لما رأوا في الأمر مما يحط من سطوتهم ونفوذهم، وأخذوا يتحدثون سرًّا وينقمون على تلك البدعة، فحاول الصدر الأعظم قمعهم سرًّا وجهرًا فلم يزدادوا إلا عنادًا، حتى هجموا أخيرًا على منزله للإيقاع به فلم يظفروا بشخصه؛ لأنه لم يكن هناك، فتفرقوا في المدينة يصادرون المارة والباعة، فبعث الصدر إلى السلطان بالأمر وأمر ضباطه وجنده الخصوصيين فحضروا في السراي
أما الإنكشارية فأصروا على أعمالهم وجاهروا بطلب رءوس الذين أشاروا بتنظيم ذلك الجيش، فوقف الصدر الأعظم وحوله من رجاله والعلماء والمشائخ عدد غفير في انتظار مجيء السلطان، وكان في بشكتاش فأسرع إلى السراي يخطب في الجماهير فأنهض هممهم، فأقسموا على الثبات حتى يفوزوا أو يُقتلوا فداء عن سلطانهم،
فاضطر السلطان لضربهم بالمدفعية مما جعلهم ينطلقون في اسنطبول حرقاً وتخريباً مما اضطره بعدها لإعلان التهدئة والعفو عنهم حقناً لدماء أهل العاصمة.. وهو يدبر سراً ما يسحقهم به إلى الأبد.
ففي العام 1826م، تجمع الإنكشارية في أحد الميادين وهم يطالبون ويهددون كعادتهم، ففوجئوا بمدافع السلطان تحاصرهم ثم تحصدهم بقذائفها،
وأصدر السلطان محمود الثاني أمراً بإلغاء الإنكشارية إلى الأبد.

Notice: Trying to access array offset on value of type bool in /home2/alhakekaalyoum/public_html/wp-content/themes/jannah2.0.4/framework/functions/images.php on line 297

Notice: Trying to access array offset on value of type bool in /home2/alhakekaalyoum/public_html/wp-content/themes/jannah2.0.4/framework/functions/images.php on line 297

Notice: Trying to access array offset on value of type bool in /home2/alhakekaalyoum/public_html/wp-content/themes/jannah2.0.4/framework/functions/images.php on line 75

Notice: Trying to access array offset on value of type bool in /home2/alhakekaalyoum/public_html/wp-content/themes/jannah2.0.4/framework/functions/images.php on line 297

Notice: Trying to access array offset on value of type bool in /home2/alhakekaalyoum/public_html/wp-content/themes/jannah2.0.4/framework/functions/images.php on line 75

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.


Notice: Trying to access array offset on value of type bool in /home2/alhakekaalyoum/public_html/wp-content/themes/jannah2.0.4/framework/functions/images.php on line 297

Notice: Trying to access array offset on value of type bool in /home2/alhakekaalyoum/public_html/wp-content/themes/jannah2.0.4/framework/functions/images.php on line 75

Notice: Trying to access array offset on value of type bool in /home2/alhakekaalyoum/public_html/wp-content/themes/jannah2.0.4/framework/functions/images.php on line 297

Notice: Trying to access array offset on value of type bool in /home2/alhakekaalyoum/public_html/wp-content/themes/jannah2.0.4/framework/functions/images.php on line 75
إغلاق