مقالات

الكاتب الصحفي محمد الصياد يكتب وداعاً الشيخ القطان .. عشت مناصراً لقضية فلسطين ..

في القدس قد نطق الحجر ..لا مؤتمر لا مؤتمر .. أنا لا أريد سوى عمر ..
تلك بعض كلماته المزلزلة دفاعاً عن القدس وقضية فلسطين ، لا زلت أتذكر نبرة صوتك التي تهز الأعماق ، وطريقة إلقائه المملوءة بالإخلاص والحنين ، ودعائه الرقيق الذي يبلغ أفق الصالحين ، ومنبره الذي سماه بمنبر الأقصي .

إن قيمة العالم الحقيقية ليست في مدي علمه وحصوله علي الأوسمة والشهادات ، بل في مدي تحويله العلم إلي عمل ، فها هو التاريخ يخلد لنا أسماء زلزلت الباطل وأراقت مضاجعه .

فمن منا لايتذكر موقف العز بن عبدالسلام من بيع الخمور
أمام حاكم مصر عندما رأي الجيش مصطفاً بين يديه يوم العيد والكل في خشوع تام وسكينة ملئت أنحاء المؤتمر ، وإذا بالشيخ يثأر بالحق منطلقاً بكلماته التي أرعدت السلطان ..قائلا
يا أيوب مجرداً له من أي ألقاب!! ما حُجّتك عند الله إذا قال لك: ألم أُبَوِّئ لك مُلكَ مصر ثم تبيح الخمور)؟

فقال: (هل جرى ذلك)؟
فقال: (نعم، الحانة الفلانية تباع فيها الخمور وغيرها من المنكرات)!
فقال: (يا شيخنا هذا من أيام أبي)!
فقال الشيخ: (أنت من الذين يقولون: إنّا وجدنا آباءنا على أُمّة وإنّا على آثارهم مقتدون)؟!
فهنا أمر السلطان بإقفال الحانة فوراً)).

ولما سأله أحدُ تلامذته: (أما خفتَ السلطان وأنت تخاطبه بهذا)؟!
فقال الشيخ: (استحضرتُ هيبة الله تعالى فصار السلطان أمامي كالقطّ).

ومواقفه المتعددة والتي من أشهرها جهاده ضد المغول المعتدين ، عندما وصل السيل التتري الجارف إلى عين جالوت ، وصار الأمر بحاجة إلى معركة فاصلة، قام (الملك قطز) بجمع القضاة والفقهاء والأعيان، لمشاورتهم فيما يلزم لمواجهة التتار، وأنَّ بيت المال بحاجة إلى أموال الشعب ليتمكن من الجهاد، فوافقه جُلّ الحاضرين على جباية الضرائب لهذا الأمر، ولم يذْكروا ما عند الأمراء من أموال،

عندئذ تكلم العز فقال: ( إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب قتالهم، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم، بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء، وبشرط أن يؤخذ كل ما لدى السلطان والأمراء من أموال وذهب وجواهر وحُليّ، ويقتصر الجند على سلاحهم ومركوبهم، ويتساووا والعامة)، وكانت الكلمةُ كلمةَ عز الدين.

وراح يعبّئ النفوس، ويشحنها بالإيمان، ويحرّض المؤمنين على القتال، وخرج الجيش من مصر على أكمل استعداد، وبلغوا بيسان في الوسط الشرقي من فلسطين في رمضان 658 هـ.

واستمرّ الشيخ يُذكي روح العزيمة، ويذكّر بنصر الله، وعظيم فضل الجهاد والمجاهدين، ومكانة الشهيد عند الله.

حتي كانت المعركة الهائلة التي حارب فيها جيش الإسلام تحت صيحات: (الله أكبر… واإسلاماه”) واندحر جيش التتار في عين جالوت، ولولا انتصار المسلمين في هذه المعركة لسقطت أفريقيا أوروبا في يد المغول.

ياسادة
تلك هي قوة الحق التي تجعل من صاحبها أقوي رسوخ الجبال ، وهكذا كان فضيلة الشيخ والداعية الكبير الشيخ أحمد القطان الذي لقب بأسد المنابر في الكويت والذي كان نموذجا للعالم والداعية المهموم بقضايا امته والمدافع عنها وخاصة فلسطين والمسجد الأقصي بعدما ساري علي طريق الحق والصالحين أمثال العز بن عبد السلام .

مثل هذا الشيخ لابد أن نعلم جميعاً سيرته الذاتية وتاريخه حتي يكون قدوة لنا ولأبنائنا وأحفادنا .

فالشيخ القطان من مواليد منطقة المرقاب في 6 ديسمبر 1946 حاصل على دبلوم المعلمين من معهد المعلمين عام 1969، وانتهج طوال مسيرته منهج الوسطية والاعتدال في دعوته وتبنيه للقضايا الإسلامية وتربيته للأجيال المسلمة حتى اختير كأفضل أستاذ للجيل المسلم في جائزة أستاذ الجيل والمقدمة من جلالة ملك البحرين في عام 2009.

وتبنى الراحل قضية الدفاع عن المسجد الأقصى فأسس منبر الدفاع عن الأقصى وأعلن عنه عام 1979، وتنقل بين مساجد الكويت محاضرا وخطيبا كمسجد العلبان، ثم مسجد المزيني، ثم مسجد الكليب، ثم مسجد ضاحية جابر العلي، ثم مسجد جابر العلي في منطقة جنوب السرة وغيرها من المساجد.

قدم الراحل الدروس والمحاضرات التطوعية والثابتة في مدارس الكويت منذ تقاعده عن العمل عام 1996، كما قدم العديد من الدروس الثابتة والسلاسل الكاملة في إذاعة القرآن الكريم مثل برنامج مسيرة الخير وسلسلة الفاروق بعد الصديق وسلسلة ذي النورين والسبطين وكذلك سلسلته السمعية الرائعة (رياض الصالحين).

كما قدم دروسا في لجان العمل الاجتماعي والفضائيات والمؤتمرات ولجان العمل النسائي ومراكز القرآن.

وساهم في دعم الطلبة المغتربين كمستشار لهم منذ عام 1984 وذلك بمتابعتهم والمشاركة في مؤتمراتهم وملتقياتهم السنوية سواء في الاتحاد الوطني لطلبة الكويت أو رابطة الشباب العربي المسلم متبنيا جميع قضايا المسلمين حتى عام 1994.

وعمل القطان مستشارا في العديد من اللجان الخيرية التي تخدم المسلمين في العديد من القارات مثل دول إفريقيا والفلبين وباكستان من خلال الإشراف على إقامة المشاريع التنموية كالمدارس ودور الأيتام وغيرها، وكذلك العمل في لجنة التعريف بالإسلام الداعية إلى نشر وتعريف الدين الإسلامي لغير المسلمين.

كما أصدر الداعية الراحل العديد من الكتب من بينها “للعبرة والتاريخ”، “مقالات دينية واجتماعية وسياسية”، “ذاتية المؤمن”، “طريق النماء”، “شيخ الإسلام أحمد تقي الدين ابن تيمية”.

رحمة الله عليك يا قطان .

بقلم #محمدالصياد

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق