الأدب و الأدباء

قصة الأسبوع”صدفة أمينة”

تأليف:وحيد القرشي 

تبا للزمن المزمن بعجائب البشر وطباعهم وقدر الله الحتمي وتلك السنوات العابرة في حياة كل منا,سنوات تنقضي من العمر لا نشعر بها تمر كالريح المتغير حسب ظروف الزمان والمكان وايضا القدر ,منذ سنوات عدة جأت لهذا المكان مع والدي لألتحق بكلية الطب بمصر ..واليوم رجعت اليها وانا أستاذ في أكبر جامعة في دولتي الكويت ,هذا المكان عشت معه ذكريات حياتي المؤلمة والمفرحة ,هذا المكان المطل علي شوارع القاهرة وضواحيها التي تتميز بالاصالة والعراقة ,كنت أجلس في شرفة شقتي يوميا واستمتع بلحظة الغروب والشروق وايضا بشعب مصر الطيب وصوتهم الحنون وحركاتهم المميزة لهم داخل شوارع القاهرة المحروسة ,كتبت الكثير من القصص والحكايات من ذلك المكان ,عشت مرحلة الجامعة وايضا أخذت الدكتوراة وانا اعيش في نفس المكان..لدرجة انني طلبت من والدي ان يشتري لي تلك الشقة بدل الأيجار,ولكن صاحب العمارة رفض ,فدفع والدي له مبلغ باهظ أيجارا لها لسنوات عدة ,واصبحت جزء من تكويني كلما أتيت الي مصر لا ارتاح الا في هذا المكان وتلك الشقة الحياتية لي , ما زالت صورتك محفورة علي الحائط يا أمينة يا من ملكتي قلبي وعقلي , اين انتي الان واين تسكنين وماذا تفعلين لم تغيبي عن عيني وفكري لحظة واحدة القدر فرقنا و القلب والعقل ما زال معلقا بكي ولكي يا امينة قلبي ,طلبت من نفسي مرار وتكرار أن اكون قويا وصلبا ,و مع اول لمحة بكي لم اتحمل رؤياكي وسقط علي ركبتي أمامك ولو كنتي في صورة معلقة علي الحائط ,أشعر نفسي وأمام الاخرين بالثبات والصلابة في الحياة وعدم الأنكسار من فراق كان وما زال , ومن داخلي أتالم واتهاوي من شدة الضعف وأتمزق ,أتذكر لحظاتنا الاخيرة لحظة الفراق والوداع ,عندما وعدتك يا أمينة الا موت عشقا فيكي ومت والا احبك ولكني أحببتك وجبنتي أمام قراري,وعدتك الا اكون ضعيفا وضعفت وعدتك ووعدتك ووعدتك وكذبت في كل وعد وعدته لكي ورجعت اليكي ولم أتمالك نفسي أمام صورتك المعلقة علي حائط حجرة نومي ,عندما أتذكر نبرات صوت والدي الحنجوري عندما رفض طلبي بأني اعيش في القاهرة واتزوج أمينة ,مرددا “انت جاي تتعلم وتاخد شهادة علشان ترجع لبلدك وتعيش فيها وتفيد شعبك وأهلك ” في اليوم التالي من حديث والدي وكان عبر الهاتف قابلت أمينة في الجامعة

-صباح الخير يا أمينة

-صباح النور يا جاسم

-ما تقدريش يا أمينة تقنعي أبوكي أنك تعيشي معاية في الكويت ,واكيد ابوكي عارف الاصول ان الزوجة لازم تعيش مع زوجها في مكان أقامته.

-أه بابا عارف الاصول كويس يا جاسم لكن المشكلة اني بنتهم الوحيدة وماما مريضة وحابة اكون جنبها ,علشان كدة بابا رافض اني اعيش بعيد عنهم .

-في حل يا امينة ممكن بابا وماما يعيشوا معانا في الكويت

-زي ما ابوك رفض اننا نزوج ونعيش في مصر وانا كنت واثقة من كدة ,اكيد بابا وماما مش هيسبوا بلدهم يا جاسم

-والعمل اية يا امينة

-لا مفر من الفراق القدري وفي اقرب وقت ولنتفق من الان علي ذلك

-لا ما ينفعش في حلول ان شاء الله

-الفراق القدري أتي ولا محالة يا جاسم ولعل الايام تغير وتتغير لما تهواه الانفس وما باليد حيلة..انه الفراق الحتمي ولا مفر منه يا جاسم

تلك الكلمات الحزينة الموجعة أخر ما كان بيننا في الاسبوع الاخير لي في مصر قبل العودة أليها مرة أخري لمناقشة رسالة الدكتورة ..منذ تلك اللحظة لم أراها ابتعدت وفضلت اللاعودة بل أمل ,كنت أسأل عنها أصدقائي بين الحين والأخر لأطمئن عليها عن بعد ,كل ذلك جاء بخاطري أمام صورتها الجميلة المعلقة علي الحائط في حجرة نومي , حائط الذكريات الملئ بالألم والوجع لسنوات وما زال ,واقفت أمامها عاجزا صامتا لا استطيع البوح لها عما بداخلي من بركان ينتظر لحظة الأنفجار ,بصرخات وأهات من فراق حتمي قدري لا يد ولا محالة مني فيه .

جأت الي مصر منذ أيام لأحضر المؤتمر العلمي الدولي ,جأتني دعوة لتكريمي وحضوري أنا وأسرتي ذلك المؤتمر.. توفت زوجتي منذ سنوات عدة ولم أنجب منها ,وقررت الا افكر في الزواج مرة أخري ,زواجي كان اجباريا مع سبق الاصرار والترصد من والدي ووالدتي لأنهي ما تبقي داخلي من أمينة ولتنجب زوجتي ولي العهد لأسرتنا ,تزوجت ولم أنسي أمينة طيلة فترة زواجي ولم أشعر بأنني متزوج فالزواج بدون حب وجودية بدون حياة ,الحب شئ أرضي يعلو ويسمو بالمجبوب لأعلي عليين ليوصله لمرحلة الرضا والأقتناع بالذات ,في الحب كل شئ خير لا يقاتل القاتل وهو يحب ولا يرتكب المجرم جرما وهو يحب ,لان من يحب يحب الحياة من أجل من أحب ,تذكرت كلمات شاعرنا محمود درويش حين قال في الحب “يقول المحب .. المجرب في سره .. هو الحب .. ..كذبتنا الصادقةْ فتسمعه العاشقةْ وتقول :هو الحب.. .. يأتي ويذهب كالبرق والصاعقة”أقوم لأستريح من ألم السفر وذكريات أمينة الغائبة الحاضرة في قلبي ,غدا سوف أحضر المؤتمر الدولي في الساعة السادسة مساءا.

الحمدلله أستيقظت مبكرا أدخل الحمام للاستحمام وألبس ملابسي لأنزل لأشتري بعض الأشياء من محلات القاهرة..وقبل بدء جولة الشراء أذهب الي عربة الفول لأستمتعت بفطار مصري لذيذ وشهي,شريط الذكريات يعودني مرة أخري وكأنني ما زلت طالبا في كلية الطب جامعة القاهرة,هذه العربة جمعتني بأصدقائي في لحظات وذكريات لا تنسي ,كل واحد منهما سلك مسلكا مختلفا وأبتعدنا ولا أعرف لماذا , كنا دائما نضع أيدنا فوق بعضها ونتعاهد الا نفترق ونبتعد وكنا نقول” ربما تفرقنا الايام ، و تبعدنا الاماكن والمسافات ولكن بداخلنا حب وصداقة دائمة ونؤمن باننا سنجتمع مرة أخري ولو طالت سنوات البعد بيننا ,و لن نفترق أبدا”..مع مرور سنوات عدة تيقنت أنها كلمات وقتية حماسية بنكهة شبابية ,’ وأن الحياة أخذتنا الي منعطف أخر وتلونا بها وعشنا صعوباتها وأوجاعها ونسينا أنفسنا أمام قسوتها,وتلك هي الحياة .

بعد جولة ممتعة داخل شوارع القاهرة الساعة الان الثالثة عصرا,أرجع الي شقتي لأستريح بعض الوقت أستعدادا لحضور المؤتمر وتكريمي ,كرمت في أماكن عدة ولكن التكريم في مصر أم الدنيا له مذاق خاص يتلون بلون مصر وشعبها الطيب ,يشعرك بأنك ذات قيمة وقامة في الحياة ,فحبي لمصر يكمن بداخلي كحبي لامينة فأمينة مصرية والأصالة طبعها والجمال والرقة عنوانها فنساء مصر أطيب وأرق نساء العالم ,وقال ابن ظهرة عن اهل مصر” حلاوة لسانهم وكثرة مودتهم للناس ومحبتهم للغرباء ولين كلامهم وحسن فهمهم للشريعة , مع حسن اصواتهم وطيب نغماتهم وشجاها ,وطول انفاسهم واعلاها , فمؤذنوهم اليهم الغاية في الطيب ووعاظهم اليهم المنتهى في الإجادة والتطريب , ونساءها ارق نساء الدنيا ,واحلاهن صورة ومنطقا , واحسنهن شمائل ,واجملهن ذاتا , ومازلت اسمع قديما عن الشافعي انه قال :من لم يتزوج بمصرية لم يكمل احصانه “,مصر بالنسبة للعرب هي القلب فأذا توقف القلب لن تكتب للعرب الحياة ,كأمينة فعندما أفترقنا مت ولم أشعر أنني حي لحظة واحدة بعدها,أعيش لتأديت دوري فقط,أما لذة الحياة ومتعتها فارقتني بفراق قلبي أمينة ,سنوات مضت كأنها لم تكن وكأنني لم أكن أختفاء في أختفاء قدري بغيب من وجدت لأجلها الحياة ,كم تمنيت بأن أراها وأشبع منها ومن وجهها الطفولي البرئي أعتقد أنها ما زالت طفولية بطيبتها وقلبها الحنون وجمالها الطاغي الجاذب ,أحبها رغما عني وعن الفراق القدري ,أخذني التفكير والوقت داهمني فالساعة الان الخامسة ,أقوم وأجهز نفسي لأستقل سيارتي لحضور الحفل وأكون في الميعاد المحدد له.

الحمدلله علي الرحب والسعة وصلت المؤتمر في الميعاد المحدد أجلس في المكان المخصص لي ,دقائق وتبدء مراسم الحفل ,عادة تبدء المؤتمرات وحفلات التكريم في الدول العربية بقراءة أيات من القران الكريم ثم كلمة للسادة القائمين علي المؤتمر ثم توزع الجوائز وشهادات التكريم علي السادة الحضور والمكرمين ,جأءت لحظة التكريم أنصت وأستمع بعناية وتركيز لأسمي وأبعد عقلي عن التفكير لدقائق معدودة عن أمينة ,لم تعيب عن خاطري أبدا في مكان أقامتي ,جعلت أسمها مرتبط بأشياء كثيرة أمتلكها,وحرفها مرتبط بكتاباتي وعنوان مقالاتي دائما ,أمينة ثابت لا متغير وشئ وجدي في حياتي لمماتي,منذ أن جأت مصر للتكريم زادت حدة التفكير واللهفة للقاء قد يكون او لا ,فكرت مرارا وتكرارا ان أسأل عنها وأن لا اعود لدولتي قبل رؤيتها ,والأطمئنان عليها ,فقلبي الحاني المتعطش لرؤيتها يلهف بعشق مطعم بهمسات وبدائيات لرجفات حتمية ..ما هذا “أمينة عبد اللطيف الدمياري” ضمن الاسماء المكرمة ,أسمها خرق طبلة أذني ونفذ لقلبي قبل نطقه ,أين هي ولماذا لم أرأها ..من هذا الشاب الوسيم الطيب الظاهر علي وجهه الوقار المطعم بحلاوة وجمال الشباب,ولماذا أستلم الجائزة وشهادة التكريم بدلا منها,واين هي ومن يكون هذا الشاب لها ,رغم معاناة التفكير والحيرة من الموقف الصدفة الغير متوقع ,أبتهج قلبي وسعد لسماع أسمها ,الأستاذة الدكتورة ,كما أنا فحور بتلك المرأة المكافحة ,أمينة مثال للمرأة المصرية الصلبة ,من أسرة متوسطة الحال,بتعلمها ودراستها أصبحت أستاذ بالجامعة ,دائما كانت تعاندني وتقاوح معي عندما نتكلم عن أبن سينا والفارابي والشيعة والسنة ,كانت مثقفة وايضا متحررة ,كانت تظهر قدميها الجميلة وتلبس شراب أسود شفاف ليكسبها جمالا وحلية علي جمالها ورقتها ,كان ذلك في السبعينات ومصر كانت تمشي علي هذا المنوال وكانت من أعظم وأرقي فترات مصر ,في العلم والتعلم والسلوك والتربية والتحضر والفن والسينما والموسيقي والغناء وايضا الرياضة والادب والكتاب ,كنت أهمس في أذنها وأقول لها”جمال قدميكي أربك رجوليتي وأيقظني “لترد “أسكت ياد أحسن أضربك”كانت خفيفة الظل طيبة الكلمات حنونة القلب صاحبة نكتة وأبتسامة دائمة ,بملامحها المصرية وطيبة المصريين وضحكتهم والتي لم تفارقها منذ أن عرفتها.

أقترب من هذا الشاب الوسيم لعلي أعرف منه شئ عن أمينة.

-ألف مبروك لحضرتك وللدكتورة

– شكرا يا فندم,والف مبروك لحضرتك ,ديها ماما ظروف مرضه منعه من حضور المؤتمر وحفل التكريم .

-الف سلامة عليها ,تتعوض في المؤتمرات القادمة ان شاء الله

-لسة معرفتش حضرتك يا دكتور

-جاسم أبو العينين أستاذ بجامعة جابر الأحمد بالكويت

– تشرفت بحضرتك يا دكتور وفرصة سعيدة ,ان شاء الله تتكرر مرة تانية

-أن شاء الله

ماما قألها الشاب الوسيم..وهو لايعلم من تكون ماما بالنسبة لي. . تزوجت أمينة وأنجبت شابا وسيما وبالتأكيد له أخوة ,بعد الفراق أصبح كل شئ بطيئا، أصبحت الدقائق والساعات حارقة وأصبحت أكتوي في ثوانيها ,كنا معا دائما نتقاسم الافراح والاحزان ,كنا نحاول ان نسرق من أيامنا لحظات جميلة ,نحاول ان تكون هذه اللحظات طويلة وممتعة ,نحاول ان نحقق سعادة وحبا دائمين ,حاولنا دائما أن نبقي معا لأخر العمر ,ولم يخطر ببالنا ان لقائنا لا يدوم ,وان القضاء والقدر سيد الموقف أبتعدنا وأفترقنا ولم يتبقي لي سوي صورتك المعلقة علي الحائط أنظر اليها بأنكسار ووجع لأسترجع ذكرياتي الجميلة معكي ,واللحظات الحلوة التي جمعتنا معا,كم فرحنا وبكينا معا , وكم واجهتنا صعوبات تخطيناها معا ,تعلمت من هذا الزمان ان الحياة ما هي الا مجموعة من الصور مترخة بأيامنا ,معلقة علي الحائط او علي شاشة الهاتف او محفوظة في مكان ,هي ذكريات مؤلمة , الفراق نار ليس لها نهاية تبتلع وتحرق من حولها ,أخيرا وصلت لكي يا أمينة بصدمة قاتلة وصدفة مقدرة ,أرجعتني لسنوات عدة ولحالة من الندم عما حدث,ألومك او الوم نفسي أما الوم القدر ,أما اقدم لكي الاعتذار والاسف ,فأنا تزوجت أيضا ,ولعل ذلك يخفف من حدة الالم بأنك تزوجتي غيري ,لم يتبقي لي شئ في هذه الدنيا أتمني الرحيل منها في أقرب وقت أتي ,أبتعد عن هذا المكان المحزن ,كنت أتوقع حدوث ذلك ولكن لم أتوقع أنني سوف أتالم بتلك الشدة والحزن ,أها يا أمينة ,حبيبة قلبي تزوجتي غيري يا أمينة ,لقد وصلت لمرحلة الجنون,أرجع لشقتي لعلي أستريح .

منذ ثلاثة أيام وأنا أرقد علي السرير ,بين الحياة والموت من شدة الصدمة والحزن الغير متوقع من زواج أمينة المتوقع والطبيعي ومن حقها ذلك ,بعد تفكير دام لساعت قررت الذهاب الي النادي الذي وعد وقابلت فيه أمينة أول مرة وفي اول لقاء جمعنا خارج أسوار الجامعة ,لأضع النهاية القاسية لقصتي مع أمينة ,لاجلس في نفس المكان وأشرب نفس العصير البرتقال ولكن تلك المرة بدون أمينة ,لأنهي أرتباطي بمصر بتلك الجلسة المميتة ,أمينة أنتهت من حياتي ,عشت علي أمل ان نلتقي ومنذ أيام فقد الامل بزواجها الطبيعي,والصدمة لي ,لم يعد يربطني بمصر سوي ذكريات ,ولعلي أرجع لبلدي وتفارق روحي الحياة ,فقلبي أصبح في وهن وضعف من تكرار الالم والوجع,فقلبي أدمه الحنين والاشتياق للقاء أصبح صعب المنال وبل أمل او موعد او ترقب ,اصبح حتمي كالفراق ,لقد مت مرارا وتكرار منذ أن افترقنا ولم يعد بيننا وصال ,اتندم احيانا علي الفراق وما جرئ بنا واحيانا علي اننا احببت من الاساس وكأنني لم أجد ما أقتل به نفسي فأحببت امينة .

لم يتغير شئ في أسوار النادي ولا بداخله سوي الوجوه الجديدة وبعض الوجوه الباهتة من الزمن ,وبعض الترميمات وزينة زائدة قد تفقد حالة الهدوء التي نبحث عنها في تلك الاماكن ,وصلت لنفس الطربيزة ونفس الجلسة وجلست علي نفس الكرسي وأمامي كرسي أمينة بدونها ,لم يتغير سوي التاريخ وبعض المعالم اما الحب باقي ببقاء الحياة ,أطلب عصير البرتقال المحبب لها ,أتلذذ بطعمه وشرابه وانظر في وجه وملامح أمينة لعل قلبي يرتاح من وهج الحب ولهفة الاشتياق ولأشبع نفسي منها ,تلك المرة بدون أمينة منذ سنوات عدة كانت تجلس امامي وأطيل النظر فيها وأستمتع برقتها وجمال صوتها وحنان قلبها.

ما هذا ..أمينة اما امراة تشبهها ,تجلس امام عيني بيني وبينها بضع أمتار معدودة ,هل أنا جننت ,أم انه ضرب من الخيال,لا والله ذلك الشاب الوسيم أبنها يجلس بجوارها ,انها بالفعل أمينة بوجهها الطفولي وشعرها الابيض القليل منه ,تلك صدفة أمينة جأت هنا لافترق والا اعود مرة أخري فكان اللقاء المنتظر بلهفة منذ سنوات ,القدر لعب دورها ,لنلتقي وكأنه اللقاء الاول لحياة جديدة مع أمينة .

ماذا أفعل أبتعد اما اجلس مكاني ,لم اتمالك نفسي لرؤيتها عيني لم تبتعد عنها منذ تلك اللحظة,هل ترأني وهل ما زالت تعرفني وتفتكرني اما انني اصبحت ماضي أنتهي ودفن مع الزمن ,الشاب الوسيم أبنها قد رأني وها هو يقترب مني,مع شدة فرحتي بسماع اسم أمينة يوم الحفل لم أتذكر أسماء بعدها ولا قبلها حتي أسم أبنها الوسيم شبيهها ,ها هو يقترب مني أكثر فأكثر ,ومع أقترابه دقات ونبضات قلبي تزداد وتسرع كأنني ما زلت شابا في العشرين من عمره في أنتظار رؤية حبيبته.

– السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

-أخبار حضرتك يا دكتور..انا مش قولت لحضرتك هنلتقي مرة تانية..شوف الصدفة جمعتنا تاني ازاي

-بخير يا حبيبي ..صدفة سعيدة وانا سعيد لرؤيتك

– وانا اكتر سعادة ..أتفضل يا دكتور أعرفك علي ماما الدكتورة أمينة ومراتي وأولادي .

-حاضر يا حبيبي .

وبين خطوة وأخري وأبتعاد وأقتراب ولهفة وحيرة وخوف وجدت نفسي أقف أمام أمينة حبيبة قلبي وشعاع الامل والنور في حياتي صدفة أمينة وجميلة لم تكن في الحسبان ..منذ دقائق قليلة كان القرار الأخير  وكتابة النهاية  مع أمينة و مصر سبحان من يغير ولا يتغير ,تذكرت كلماتها الأخيرة وكأنها تقف أمامي حين قالت”الفراق القدري أتي ولا محالة يا جاسم ولعل الايام تغير وتتغير لما تهواه الانفس وما باليد حيلة..انه الفراق الحتمي ولا مفر منه يا جاسم “..ولعل الايام تغير وتتغير لما تهواه الأنفس ,صدقتي يا أمينة ,منذ افتراقنا وأنا لم أعد أرى للكون أي ألوان، ولا أسمع أصواتاً سوى نبضات قلبي المتسارعة التي تهمس باسمك في كل دقة، أنام لأراك هناك تنتظريني كما كنت تفعلي دوماً، أستيقظ لأجدني وحدي أنتظرك دون أن أمل، أنظر لصورتك المعلقة علي حائط حجرة نومي بلهفة وأشتياق ,قلمي توقف عن الكتابة كليتا وعند كتابة أسمك يتحرك  ويكتب بدم ونبض قلبي كلمات الشوق والحب لعلكي تقرأيها يوما ما,القدر قد جمعنا مرة أخري لنلتقي دون ترتيب وبل موعد وبعد سنوات فراق ضاعت ولم تكن من العمر ,لا أستطيع ان اقف امامك خجلا وأستحياء منك لاني أحبك أكثر مني وأحترمك وأقدرك .

– الدكتور جاسم يا ماما أتعرفت عليه يوم التكريم ,حضرته أستاذ دكتوربجامعة جابر الأحمد بالكويت.

تغير لون ووجه أمينة عندما رأت جاسم يقف أمامها ,أخذت ثواني معدودة في حيرة وتفكر لذكريات كانت مع جاسم,قبل أن تمد يدها للتحية..أهلا وسهلا دكتور جاسم تشرفت بحضرتك

-اهلا وسهلا بحضرتك يا دكتورة

بعد دقائق معدودة لم يتمالك كل منهما الاخر في اخفاء نظرات الشوق  والولع  والحيرة,يتحرك أبنها الوسيم مع أولاده داخل النادي,ليترك جاسم وأمينة بمفردهم ,ما أجمل الإنسان الذي يتألم و لا يتكلم. يعيش الألم بداخله ..يحب و لا يخون ليشعر برجوليته وصدقه حتي أمام نفسه فقط ..يبكي و لا يصرخ…فليس كل إنسان مبتسم سعيد,فوراء كل ابتسامة ألم شديد ووجع موجع..أصحاب تلك الصفات فئة قليلة .. فئة غلبت عليها طيبتها وأخلاقها العالية .. الألم في صمت يزيد من شدته و يترتب عنة تكتلات من الالم مع مرالزمان..أما إذا فتحنا قلوبنا في وجه من نحب فإننا قد نخفف من وطأة الألم وشدته و نزيح عن قلوبنا آلما وأوجاع كانت دفينة حبيسة تحت قهر الدموع ..ونكون بذلك قد نفضنا الغبار عن قلوبنا محاولة منا أن نبتسم بسمة صادقة وحتي ان كانت مع أنفسنا فقط,تلك الجلسة كانت منذ سنوات كبداية لحب وحياة ,ثم جاء الفراق لينهي بأمل ما تبقي من الحب,تكررت مرة أخري كنهاية لبداية قدرت وبداية لنهاية فعلية وحياة .

-ياه أذيك يا أمينة وحشتيني جدا..شايفة الدنيا بتعمل فينا أية

– وأنت أكتر يا جاسم .طمني عليك وعلي حياتي.

-حياتي أنتهت لما أفترقنا والنهاردة أبدت ورجعت لما شوفتك مرة تانية ,أتزوجتي وأبنك شبهك ربنا يبارك فيه ويحميه.

-اتزوجت فعلا وربنا يرحم أبوه مات بعد ولدته بسنتين ,وزواجي كان شئ لا بد منه,أنا بنت يا جاسم

-ربنا يرحمه,وانا والدي ووالدتي اجبروني علي الزواج وماتت زوجتي بعد ست سنين من زواجنا ولم تنجب ,وعشت حياتي علي أمل ان القاكي يا أمينة.

-وانا كمان يا جاسم أنتظرتك وأتمنيت أشوفك مرة تانية

-نعيش الباقي من حياتنا مع بعض يا امينة ان شاء الله

– ان شاء الله .

الحب شئ وجودي وقدري والفراق ايضا ,أروع ما قد يكون أن تشعر بالحب، ولكن الأجمل أن يشعر بك من تحب,وان يجمعكم بيت وسقف واحد,الحب هو الشوق لشخص عندما تبتعد عنه، لكن بنفس الوقت تشعر بالدفء لأنه قريب في قلبك,الحب صدفة دون موعد وبل ترتيب,الحب ارقي واسمي المعاني والاحاسيس,العاشقون المحبين أرقي وانقي واطهر المخلوقات علي كوكب الارض,قد يكون الفراق القدري بعد حبا ايضا قدري ,فالحب صدفة وعلي ان نؤمن ان كل شئ قدري وبأرادة خالق السموات والارض ,وان ما كتبه الله أتي لا محالة فيه ,لا شيء يجعل الأرض تبدو واسعة مثل وجود حبيب بعيد عنك، فهو يشكل خطوط الطول والعرض,يشكل الحياة بما فيها وما عليها وفي لحظة الالتقاء تشعر بأن من تحب هو الحياة ذاته ولا عيش بدونه وحتي لو كان لقاءا بعد افتراق دام لسنوات عدة وقد نكون وصلنا للمشيب ولكنه الحب سيظل كما هو لا تغيره الاشخاص ولا الاعمار ولا سنوات الفراق ,يظل الحب حبا بألمه ووجعه وشوقه ولهفته وحنينه و اشتياقك لقطعة من روحك في مكان آخر,تتمني ان ترأها ولا تفارقها مرة أخري ,القدر جمع بين جاسم وأمينة بعد فراق لسنوات عدة جمعهم دون موعد وبل ترتيب لتكن البداية في صدفة أمينة .

 

 

 

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق