مقالات

روح العطاء في رمضان إرث زايد الإنساني ينير دروب الخير

 

بقلم د : خالد السلامي

في ظلال شهر رمضان المبارك، حيث تعم الرحمة والمغفرة، وتسمو القلوب بالإيمان والعطاء، تتجلى أسمى معاني الإنسانية في العمل الخيري والإنساني. إنه النور الذي يضيء دروب المحتاجين، ويمسح على جراح المنكوبين، ويبث الأمل في نفوس اليائسين.

والعمل الإنساني في الإسلام له مكانة عظيمة، فهو من أعظم القربات إلى الله تعالى، وهو سبيل للفوز برضوانه وجنته. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وكالقائم الذي لا يفتر، وكالصائم الذي لا يفطر”. (رواه البخاري ومسلم)

وفي هذا الشهر الفضيل، تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة بيوم زايد للعمل الإنساني، الذي يصادف 19 رمضان من كل عام، تخليدا لذكرى القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي كان نبراسا للعطاء والبذل، وأيقونة للعمل الإنساني في العالم أجمع.

فالشيخ زايد، رحمه الله، جعل من الإمارات منارة للخير والعطاء، وقبلة للمحتاجين والمنكوبين في شتى بقاع الأرض. وسار على نهجه أبناؤه من بعده، فأصبحت الإمارات اليوم رمزا للعمل الإنساني، ونموذجا يحتذى في مد يد العون والمساعدة للجميع، دون تمييز بسبب الجنس أو اللون أو الدين.

في هذا المقال، سنغوص في أعماق العمل الإنساني، ونستلهم من سيرة الشيخ زايد وإرثه العظيم الدروس والعبر، ونستكشف كيف يمكننا أن نساهم في صناعة الأمل، وإشعال شمعة الخير في حياة الآخرين، خاصة في هذا الشهر المبارك. فهيا بنا نبحر في رحاب العطاء والإنسانية، علنا ننال شرف كوننا “خير الناس أنفعهم للناس”.

عندما نتحدث عن العمل الإنساني في دولة الإمارات، لا بد أن يتبادر إلى أذهاننا اسم واحد، هو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه. فقد كان رحمه الله مثالا للقائد الملهم، الذي آمن بقوة العطاء وتأثيره في تغيير حياة الناس للأفضل.
منذ تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971، وضع الشيخ زايد العمل الإنساني على رأس أولوياته، وجعله ركيزة أساسية في سياسة الدولة الداخلية والخارجية. فقد أدرك أن بناء الإنسان هو الاستثمار الحقيقي، وأن مد يد العون للمحتاجين هو واجب إنساني وأخلاقي.

لم يكن عطاء الشيخ زايد محصورا داخل حدود الإمارات، بل امتد ليشمل العالم بأسره. فقد أسس العديد من المؤسسات والهيئات الخيرية، مثل صندوق أبوظبي للتنمية، والهلال الأحمر الإماراتي، ومؤسسة زايد العليا للرعاية الإنسانية وذوي الاحتياجات الخاصة، والتي كان لها دور كبير في تخفيف معاناة الملايين حول العالم.

كما كان الشيخ زايد سباقا في الاستجابة لنداءات الاستغاثة، وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة في حالات الكوارث والأزمات. ففي كل زلزال أو فيضان أو مجاعة، كانت طائرات الإمارات تحمل المواد الإغاثية والمستلزمات الطبية، لتكون أول من يصل إلى المتضررين، وتخفف من آلامهم.

لقد آمن الشيخ زايد بأن العمل الإنساني مسؤولية الجميع، وليس حكرا على الحكومات والمؤسسات. لذلك، عمل على غرس ثقافة العطاء والتطوع في نفوس أبناء الإمارات، وتشجيعهم على المبادرة والمشاركة في الأعمال الخيرية. وأصبحت هذه الثقافة جزءا لا يتجزأ من هوية المجتمع الإماراتي، وسمة بارزة من سماته.

لقد ترك الشيخ زايد إرثا عظيما من الأعمال الإنسانية، وأوقد شعلة الخير في قلوب الملايين. فكان قدوة لنا جميعا في حب العطاء والبذل، وعلمنا أن السعادة الحقيقية تكمن في إسعاد الآخرين، وأن العمل الإنساني هو استثمار في بناء عالم أفضل، ينعم فيه الجميع بالأمن والسلام والكرامة.

سارت دولة الإمارات على نهج مؤسسها الشيخ زايد في العمل الإنساني، وأطلقت العديد من المبادرات والمشاريع الخيرية الرائدة، التي كان لها أثر كبير في تحسين حياة الملايين حول العالم.
من أبرز هذه المبادرات “مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية”، التي تأسست عام 2007، وتعمل على تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية في مختلف دول العالم. وقد نفذت المؤسسة آلاف المشاريع في أكثر من 70 دولة، شملت مجالات الصحة والتعليم والإغاثة في حالات الكوارث.

كما أطلقت الإمارات “صندوق محمد بن راشد آل مكتوم للأعمال الخيرية والإنسانية”، الذي يهدف إلى دعم المشاريع الإنسانية والتنموية في الدول النامية، ومكافحة الفقر والجهل والمرض. ومن خلال الصندوق، تم بناء المدارس والمستشفيات، وحفر الآبار، وتوفير الغذاء والدواء للمحتاجين في مختلف أنحاء العالم.

وفي عام 2014، أسست الإمارات “المدينة العالمية للخدمات الإنسانية” في دبي، لتكون أكبر مركز لوجستي للمساعدات الإنسانية في العالم. وتضم المدينة مستودعات ضخمة لتخزين المواد الإغاثية، ومرافق متطورة لتسهيل عمليات الإغاثة في حالات الطوارئ.

ولا ننسى الدور الكبير الذي تلعبه “مؤسسة الإمارات للأعمال الخيرية” في دعم الأيتام وتمكين الأسر الفقيرة، وتقديم المنح الدراسية للطلاب المتفوقين. وكذلك “جمعية دار البر”، التي تعمل على تقديم المساعدات للأسر المتعففة داخل الدولة، وتوفير الرعاية الصحية والتعليمية للمحتاجين.

وفي ظل جائحة كورونا، برزت جهود الإمارات الإنسانية بشكل لافت، حيث قدمت مساعدات طبية وإغاثية لأكثر من 135 دولة، شملت أجهزة التنفس الصناعي والمستلزمات الطبية واللقاحات. وأثبتت الإمارات أنها شريك إنساني موثوق في أوقات الأزمات والشدائد.

هذه مجرد أمثلة قليلة من المبادرات والمشاريع الإنسانية التي تنفذها دولة الإمارات، والتي تعكس التزامها الراسخ بالعمل الإنساني، وحرصها على مد يد العون والمساعدة للجميع، انطلاقا من قيمها الإسلامية والإنسانية النبيلة. فالعطاء والخير والتسامح هي لغة الإمارات التي تخاطب بها العالم، وهي الرسالة السامية التي تحملها في كل مبادراتها ومشاريعها الإنسانية.

رمضان.. شهر العمل الإنساني والعطاء
يأتي شهر رمضان المبارك حاملا معه نسمات الخير والبركة، ومذكرا إيانا بأهمية العمل الإنساني والتكافل الاجتماعي. ففي هذا الشهر الفضيل، تتضاعف الحسنات، وتُفتح أبواب الجنة، وتُصفد الشياطين، فما أجمل أن نغتنم هذه الأجواء الإيمانية لنُقدم الخير والعطاء للآخرين.

إن صيام رمضان ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو تدريب للنفس على التقوى والإحسان والتعاطف مع الفقراء والمحتاجين. فحين نشعر بوطأة الجوع والعطش، ندرك معاناة ملايين البشر الذين يعانون من شظف العيش وقسوة الحياة، فتلين قلوبنا وتسمو أرواحنا لمساعدتهم وتخفيف آلامهم.

وفي رمضان، تتكاثف جهود المؤسسات والجمعيات الخيرية لتنظيم حملات التبرعات وتوزيع الطرود الغذائية وكسوة العيد على الأسر المتعففة. كما يتسابق الأفراد في بذل الصدقات وإطعام الطعام وإفطار الصائمين، ابتغاء الأجر والثواب من الله تعالى.
ومما يميز شهر رمضان أيضا، تنوع الأعمال الخيرية والإنسانية التي يمكن القيام بها، فلا تقتصر على التبرعات المالية فحسب، بل تشمل أيضا التطوع بالوقت والجهد لخدمة الآخرين. فمن توزيع وجبات الإفطار على العمال والمحتاجين، إلى زيارة المرضى وكبار السن وإدخال البهجة على قلوبهم، كلها أعمال إنسانية نبيلة، تعود بالنفع على الفرد والمجتمع.

وفي هذا الشهر الكريم، يتجلى التكافل والتراحم بين أبناء المجتمع الإماراتي بصورة مميزة. فنرى الجميع، من مواطنين ومقيمين، يتسابقون في فعل الخيرات وبذل الصدقات. وتظهر روح الإخاء والتعاون في أبهى صورها، حيث يجتمع الناس على موائد الرحمن، ويتقاسمون لقمة العيش، ويتبادلون المودة والمحبة.
إن العمل الإنساني في رمضان ليس واجبا دينيا فحسب، بل هو أيضا مسؤولية اجتماعية وأخلاقية. فمن خلاله، نبني مجتمعا متماسكا ومترابطا، قائما على قيم التعاون والتكافل والإيثار. ونغرس في نفوس أبنائنا حب الخير والعطاء، ليكونوا جيلا واعيا بدوره في خدمة الإنسانية وتحقيق الرفاه للجميع.

فلنجعل من هذا الشهر الفضيل فرصة لتعزيز ثقافة العمل الإنساني في مجتمعنا، ولنكثف من جهودنا في مساعدة المحتاجين وإسعاد البائسين. فما أجمل أن يكون صيامنا وقيامنا مقرونا بالعطاء والإحسان، لعلنا ننال الأجر والمثوبة من الكريم الرحمن.
دور المؤسسات والجمعيات الخيرية الإماراتية
تلعب المؤسسات والجمعيات الخيرية في دولة الإمارات دورا محوريا في تعزيز العمل الإنساني وإيصال المساعدات للمحتاجين، سواء داخل الدولة أو خارجها. فهي تمثل الذراع التنفيذية للدولة في مجال العمل الخيري، وتسهم في ترسيخ قيم العطاء والتكافل في المجتمع.

ومن أبرز هذه المؤسسات “هيئة الهلال الأحمر الإماراتي”، التي تأسست عام 1983، وتعد واحدة من أنشط الجمعيات الإنسانية في العالم. فمن خلال فروعها المنتشرة في مختلف إمارات الدولة، تقدم الهيئة المساعدات الإغاثية والتنموية للمتضررين من الكوارث والأزمات، كما تنفذ مشاريع إنسانية مستدامة في مجالات الصحة والتعليم والمياه والإسكان.
وتحظى “مؤسسة زايد العليا للرعاية الإنسانية وذوي الاحتياجات الخاصة” بمكانة مميزة في قلوب الإماراتيين، لما تقدمه من خدمات جليلة لأصحاب الهمم. فهي توفر لهم الرعاية الصحية والتعليمية والنفسية، وتمكنهم من الاندماج في المجتمع وتحقيق طموحاتهم.

كما تقوم “مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية” بدور فاعل في تقديم المساعدات الإغاثية العاجلة في حالات الكوارث والأزمات الإنسانية حول العالم. وتنفذ المؤسسة العديد من المشاريع التنموية في الدول الفقيرة، مثل بناء المدارس والمستشفيات وتوفير المياه النظيفة والطاقة المتجددة.

ولا يمكننا أن ننسى الدور المهم الذي تضطلع به “جمعية دار البر” في رعاية الأيتام والأسر المتعففة داخل الدولة. فهي توفر لهم الدعم المالي والعيني، وتساعدهم على تحسين ظروفهم المعيشية والتعليمية والصحية.
وإلى جانب هذه المؤسسات الكبرى، هناك العشرات من الجمعيات الخيرية المحلية في كل إمارة، والتي تقدم خدماتها للمحتاجين في مختلف المجالات، كالتعليم والصحة والإسكان وغيرها. وتعمل هذه الجمعيات بالتنسيق مع الجهات الحكومية ذات العلاقة، لضمان وصول المساعدات لمستحقيها وتحقيق أكبر أثر ممكن.

إن وجود هذه المؤسسات والجمعيات الخيرية يعد نعمة كبيرة للمجتمع الإماراتي، فهي تمثل شبكة أمان اجتماعي للمحتاجين والمتعففين، وتسهم في تخفيف معاناتهم وتحسين جودة حياتهم. كما أنها تعزز روح التكافل والتراحم بين أفراد المجتمع، وتجسد المسؤولية الاجتماعية للدولة تجاه مواطنيها والمقيمين على أرضها.
ومن جانبنا، يجب أن ندعم هذه المؤسسات والجمعيات الخيرية، سواء بالتبرعات المالية أو بالتطوع بالوقت والجهد. فكل منا مسؤول عن الآخر، وكلنا شركاء في صناعة الخير ونشر الأمل في ربوع وطننا الغالي والعالم أجمع.

خاتمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة
في ختام هذا المقال، لا يسعنا إلا أن نؤكد على أهمية العمل الإنساني ودوره في بناء مجتمعات أكثر تماسكا وترابطا. فالعمل الإنساني ليس مجرد واجب أخلاقي أو ديني، بل هو استثمار في الإنسان، وفي القيم النبيلة التي تجعل حياتنا أكثر معنى وجمالا.

ولعل تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال العمل الإنساني، تقدم نموذجا يحتذى للعالم أجمع. فمنذ تأسيسها على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وهي تضع العمل الإنساني في صلب أولوياتها، وتمضي بخطى ثابتة في مسيرة العطاء والخير.

وفي هذا الشهر الفضيل، شهر الخير والبركات، يتجلى العمل الإنساني في أسمى صوره وأنبل معانيه. فهو فرصة لنا جميعا لنعيد اكتشاف إنسانيتنا، ونسترجع قيمنا الأصيلة، ونسهم في إحداث فرق إيجابي في حياة الآخرين.
فلنجعل من هذا الشهر الكريم، محطة للتأمل والعمل، ولنستلهم من سيرة المغفور له الشيخ زايد وقادتنا الميامين، الدروس والعبر في حب العطاء والبذل. ولنعزز من دور مؤسساتنا وجمعياتنا الخيرية، ولندعمها بكل ما نستطيع، لتواصل رسالتها السامية في خدمة الإنسانية.

ولنجدد عهدنا مع أنفسنا، بأن نكون دائما عند حسن ظن قيادتنا الرشيدة، وأن نسهم بفاعلية في صناعة الأمل، وبناء مستقبل أكثر إشراقا لوطننا وللبشرية جمعاء. فلنكن جميعا رسل خير وسلام، ولنجعل من حياتنا رحلة عطاء لا تنتهي.
وأختم بحكمة لقائد إنساني فذ، وهو المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، عندما قال: “إن الغايةَ الأسمى من الثروة هي أن توظَّف في خدمة الشعوب، وأن الإنسان هو الثروة الحقيقية التي يجب أن تُبذل كل الجهود من أجل تنميته وإسعاده”.

فلتكن هذه الكلمات الخالدة، نبراسا لنا في رحلة البذل والعطاء، ولنعمل جميعا يدا بيد، لننشر الخير والأمل في ربوع هذا الوطن المعطاء، ولنرتقي بإنسانيتنا إلى آفاق أسمى وأرحب، عسى أن نكون عند حسن ظن الله بنا، وأن نفوز برضاه وجنته في الدنيا والآخرة.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل

المستشار الدكتور خالد السلامي – سفير السلام والنوايا الحسنة وسفير التنمية ورئيس مجلس إدارة جمعية أهالي ذوي الإعاقة ورئيس مجلس ذوي الهمم والإعاقة الدولي في فرسان السلام وعضو مجلس التطوع الدولي وأفضل القادة الاجتماعيين في العالم لسنة 2021 وحاصل على جائزة الشخصيه المؤثره لعام 2023 فئة دعم أصحاب الهمم وحاصل على افضل الشخصيات تأثيرا في الوطن العربي 2023 وعضو اتحاد الوطن العربي الدولي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق