الأدب و الأدباء

قصة الأسبوع”محمد الشبعان”

تأليف:وحيد القرشي
سبحان مغير الأحوال ومن له الدوام ,الله قادر ان يغير ولا يتغير ,كلما أتذكر ما حدث من محمد الشبعان أشعر بالالم والخذي , الفقر ليس عاراً ولكنه أسوأ من العار ذاته , كلمة قالها حكيم ومضى إلى حال سبيله وأنتهي ويقيت الكلمة ,ثم من قال بعده إن “الفقر مش عيب”أعتقد انه لم يكن فقيرا ,لو كان فقيرا لم يتلفظ بها,وجاء من يقول: «الفلوس مش كل حاجة» ورددها الناس كثيراً بعد ذلك وأصبحت مثال يقال ,إلى أن اكتشفوا أن من قالها كان يمتلك «كل حاجة»، وجاء من يزيد ويزايد على كل الحكماء السابقين؛ مَنْ قال إن «الفلوس لا تصنع السعادة»؛ لأنه كان سعيداً ولم يشعر بألم ومعاناة الفقراء ,فإذا كانت الفلوس لا تصنع السعادة فبالتأكيد الفقر لا يصنع السعادة أيضا ، فالغنى غنى النفس، والفقر فقر الروح,ولكن عندما يتغير الانسان بعد غني المال فقد فقد نفسه وضميره وانسانيته,وقد صدق القول” ​‏​‏​لا تعاشر نفسا شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفسا جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل”
 
-مالك يا ابو حسين ,بتفكر في اية
-بفكر في الزمن العجيب يا ام حسين,زمن الفلوس والمصالح
-ودا شئ جديد ويشغل تفكيرك للدرجة ديها
-لا هحكي ليكي الحكاية يا ام حسين
-أتفضل يا حبيبي
 
في بداية السبعينات من القرن المنصرم ,جاء أحد شيوخ عائلة الشبعان من منطقة القصيم بالسعودية ألي مصر,وعاش في مصر فترة من الزمن وتعرف علي سيدة مصرية وتزوجها لمدة شهر فقط ,وتركها وسافر الي دولته السعودية ,تركها تعيش في مصر لوحدها ولا تدري ماذا تفعل مع هذا الفعل الغيرعقلاني من زوجها السعودي ,تركها في ظلمة وحيرة وقلق من الحاضر والأتي ,وبعد سفره بشهور عدة أكتشفت أنها حامل وهنا كانت الكارثة الكبري ,ولكنها لم تستطيع فعل شئ في مواجهة معترك الحياة ,كل ما فعلته انها ظلت صامدة ساكنة مع نفسها وتوكلت علي خالق السموات والارض ليخرجها من منحتها وكربها,ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.
 
-ودا قصة حقيقية والا خيال من تفكيرك يا ابو حسين
– لا حصلت بالفعل يا ام حسين ,وصاحب القصة كان من أعز أصدقائي ,بس الزمن والفلوس بتغير النفوس
-كمل يا حبيبي,شوقتني لسماع باقية القصة
 
تلك السيدة المصرية عانت الكثير وقابلت الصعوبات في مواجهة ما حدث لها من زوجها السعودي ,وايضا الكثير من الفتيات يعانون ما عانته تلك السيدة ,البعض يتزوج من أجل الحب، وهناك من يتزوج لأنها سنة الحياه ونصف الدين , و أيضا من يتزوج ليكون له ذرية ,ولكن هناك أيضا من يتزوجون بحثا عن المال والغني ولو قدموا انفسهم رهينة ولقمة رخيصة لتلك الزيجة ,فعلى الرغم من الواجهة البراقة التى تحاول بعض النساء رسمها لأنفسهن من ثقافة وتحضر واستقلالية الا أنهن لا يزالون يبحثون عن مناجم الذهب في جيوب أزواج المستقبل,وحتي لو كلفهم ذلك حياتهم وسمعتهم ,اصبح البحث عن العريس الغني حلم كل فتاة في زماننا هذا,ودائما تكون العاقبة وخيمة وكارثة .
 
ذهبت هذه السيدة لمكتب الصحة لأثبات طفلها في قائمة المواليد بورقة عرفية لزواجها من ذلك السعودي الجنسية ,والذي خدعها وسافر لوطنه بعد الاستمتاع بها لشهر, واشباع شهوته وفعل ما فعله بها,وهنا كذبت في مكتب الصحة وقالت ان والد الطفل مصري ,لان زوجها السعودي لم يثبت في الورقة العرفيه بينهم سوي اسمه فقط ,وسمي الطفل محمد واثبت في مكتب الصحة لأب وأم مصريين الجنسية والوطن .
 
تمر السنوات ومحمد يكبر يوما وراء الاخر ,الي ان حصل علي شهادة الدبلوم المتوسط ,وقبل ان يبدء في أستخراج الاوراق الخاصة بمعافته من الخدمة العسكرية ,أخبرته والدته بحقيقة أمره,وان والده سعودي من آل الشبعان يسكنون في محافظة الرس بأمارة القصيم بالسعودية .
 
-بتقولي اية يا امي
-زي ما سمعت يا محمد ,ابوك سعودي يا حبيبي من آل الشبعان بالسعودية عايش مع اهله هناك
-وليه سابك يا امي ,وكنتي ساكتة ليه ومعرفتنيش طول المدة ديها.
– الا حصل يا محمد ,هقولك علي كل حاجة يا ابني .
 
جكت الام لأبنها ما حدث من والده السعودي ,لم ينتظر محمد ساعة واحدة بعد سماع والدته ومعرفة حقيقته,توجه مباشرة الي السفارة السعودية بالقاهرة وأعطاهم أسم والده والمنطقة التي يسكن بها مع عائلته آل الشبعان,وبعد أسبوع تقريبا تواصلت السفاره السعودیه بالقاهره مع والد محمد بالرس بالقصیم ,والذي حضر مسرعا الي مصر ليري أبنه محمد بعد اکثر من عشرین عاما , لشهر المتعه الذی قضاه مع والدته وتاركها وفر الي دولته السعودية .
 
والتقی محمد الشبعان بوالده و اطمأن الوالد ان محمد ابنه لتطابق الشبه بینهما,و بدأت اجراءات سفر محمد الی اهله آل الشبعان بمحافظه الرس بالقصیم ,ليغير جنسيته ويسافر الي بلد والده ويحصل علي الجنسية السعودية , وعندما وصل الرس تعرف علي عائلة والده ,و کان له اخوة امهم سعودیه.
 
قام والده بأيجار غرفة له كأنه عامل وافد يبحث عن العمل ولقمة العيش في دولة السعودية,ووفروا له فرصة عمل في محل لبيع القهوة والهيل ,لم يعطيه والده حقه ,تعامل معه كغريب أتي للعمل والبحث عن لقمة عيش ومكان يأويه ,محمد الشبعان توقع عكس ذلك تماما,فعندم عرف من والدته حقيقته ,لم ينتظر لحظة واحدة,أراد الهروب لعله يجد الراحة والمال في حضن والده وآل الشبعان,كان يذهب كل شهر ليحضر لقاء آل الشبعان بالرس بأمارة القصيم ويرجع متألما متحسرا,وقد تمني الرجوع لمصر في حضن والدتها والبقاء معها طيلة عمره ,ولكنه القدر أراد ذلك,كنت في ذلك الوقت أعمل في دولة السعودية كمدير موقع لكلية العلوم الصحية بالرس ,وكان محمد صديقا مقربا لي ,فقد تعرفت عليه ,وكنت دوما أجلس معه ,واستمع له ,واسمع منه همومه وشكواه ,سبحان الله لا ندري اين الخير لنا,فالله جعل كل شئ لحكمة يعلمها.
 
-اول مرة اعرف ان ليك صديق في السعودية اسمه محمد الشبعان
-هكملك القصة يا ام حسين,أصبري وهتعرفي كل حاجة
-قول يا حبيبي
 
بعد فترة طويلة من معرفتي لمحمد الشبعان ولحكايته ,أنتهت فترة عملي بالقصيم بالسعودية ,ورجعت الي وطني مصر ,حاولت الأتصال به مرارا وتكرارا للأطمئنان ولكن دون جدوي ,فلم اتمكن من ذلك ,ومع مرور الوقت ومشاغل الحياة وهمومها ,نسيت حكاية محمد الشبعان وأختفي من ذاكرتي ولم يعد يخطر بها كما كان من قبل ,وفي يوم من الأيام أثناء تواجدي علي موقع التواصل الأجتماعي فيس بوك ومتابعة ما ينشر ويدور,لمحت أسم الشبعان ,فتذكرت وخطر ببالي محمد الشبعان ,وقررت أن ابحث عنه في الفيس بوك ,وحركت الفأرة في قائمة أقتراحات الصداقة فلم أجده,فبدأت أبحث بالأسم فظهر لي أشخاص كثيرة بهذا الأسم “محمد الشبعان”,فعرفته من صورته الشخصية ,ودخلت صفحته وتأكد انه محمد الشبعان صديقي ,فلم أنتظر لحظة واحدة ,دخلت علي الرسائل وأرسلت له رسالة للتعارف وأذكره بنفسي.
 
-السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
-وعليكم السلام والرحمة
-أذيك يا محمد ,اخبارك طمني عليك
– بخير,حضرتك تعرفني
-انا وائل الدسوقي , مدير موقع كلية العلوم الصحية بالرس .
-أيوة .افتكرتك ,اخبارك
-بخير الحمدلله,طمني عليك وعلي ظروفك
-معلهش استأذن الحين ,مشغول والله,وهاعود الأتصال بيك وقت تاني
-اتفضل يا محمد
 
تصفحت صفحته لمعرفة حاله وكافة المعلومات عنه,فقد أصبح رجل أعمال مشهور ومعروف ,فرحت بذلك وتمنيت له الخير والتوفيق دائما,وكنت أتحدث معه بين الحين والأخر ولكني وجدت نبرة مختلفة واسلوبا غريب عما كان,فقد تغير محمد الشبعان ,ولا اريد أن أظن به ,سأترك الأيام والأفعال تخبرني عما حدث في عقل وأخلاق ذلك الشاب والصديق,وبعد فترة طويلة من الالتقاء بعد الافتراق,عادت الذكريات وتذكرنا ما كان ,وفي يوم من الايام أتصل بي أحد أصدقائي يخبرني أن بنت أحد أصدقائنا تحتاج لعملية جراحية وتكلفة العملية مبالغ باهظة ,ووالدها رجل فقير لا يستطيع ,فخطر ببالي محمد الشبعان ,فهذا ثواب وخير ولعله يفعل الخير ويساعد تلك الاسرة الفقيرة وعمل عملية جراحية لأبنتهم المريضة ,فدخلت مسرعا وارسلت له رسالة ,أطلب مساعدة هذه الاسرة الفقيرة في علاج أبنتهم ,وانتظرت الرد بالساعات ,وفي اليوم التالي ضغط بالفأرة لأدخل صفحة محمد الشبعان ,فلم أجدها ,فقد قام بعمل حظر لي ,حتي لا أتمكن من رؤيته والحديث معه ,لم أحزن من تلك الفعلة العقيمة والتصرف الغريب ,بل دعوت له بالهداية ,فحين يكون لديك شخص وصديق وفجأة يتغير عليك، لا تجزع كثيرا، حينها تذكر دائما ألذ الحلويات لديها تاريخ انتهاء.,كل ما عليك أن تتركه للأيام والدروس ليتعلم منها معني الصداقة الحقيقية ,ولا بد ان يتعلم ولكن بندم وحسرة عما فعل .
 
 
المال ما هو الا وسيلة للعيش ،و قد يكون نعمة اونقمة في بعض الأحيان ,الرازق هو الله ,يرزق الانسان من حيت لا يحتسب “ولو ان اهل القرى امنوا واتقوا لقتحنا عليهم بركات من السماء والارض”,فالرزق ليس في المال فقط ,بل كل نعمة اوجدها الله رزق تستحق الشكر والحمد لخالق السموات والارض, قد ينعم الله عليك بالرزق بالزوجة الصالحة والصحة الجيدة والاولاد الباريين وبالرضا,المال وحده لا ينفع ما لم يتوج بالاخلاق وفعل الخير ,فان كان عكس ذلك أصبح نقمة علي صاحبه ,فكم من الناس عاش فقيرا ومات فقيرا والى الان الناس تذكره وتترحم عليه ,بالمقابل هناك اناس اغنياء بموتهم ارتاحت البشرية منهم,وما فعله محمد الشبعان اثبت ذلك .
 
 
–ياه علي الزمن الغريب يا ابو حسين
-فعلا ,زمن غريب,الفلوس بتغير النفوس ,الناس نسيت ربنا وفعل الخير
-قوم أتوضا وصلي العصر, المغرب قرب ,عقبال ما احضر الأكل ,والأ نسيت اننا صايمين النهاردة
-لا يا ام حسين ,ربنا يبارك في ايامنا وفعل الخير وولادنا ويبعد عنهم كل سوء يارب
– يارب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق