مقالات

هل يحكم إِبْلِيس العالم ؟(2) بقلم / الباحث محمد سعيد أبوالنصر

إبليس: هو رمز الشر، ورأس الشياطين ،وهـو مخلوق معروف عند الشعوب والأديان والطوائف ،وقد أبى السجود لأبينا آدم حين أمره الله بالسجود ، فاستحق لعنته ،وطُرد من جنته ، ووجبت له النار بعد إنظار اﷲ له إلى يوم القيامة .
1- لفظة إبليس في القرآن:
وردت لفظة( إبليس) في سياق آيات الكتاب العزيز على هيئة واحـدة ،وكان ورودها أحد عشر مرة باللفظ الصريح ، ومرة واحدة بصفته( الـسفيه) كما أجمع على ذلك أهل التأويل
وقد أخذت السور المكية النصيب الأعظم من هذه اللفظة فوردت إحدى عشرة مرة فيها ، وبقيت لفظة واحدة لسورة مدنية واحدة ، أما عدد السور التي وردت فيها هذه اللفظة فعشر سور وهـي: سـورة الحجر ، وص، حيث احتوت كل منهما على لفظتين ، ثم تلتها سـورة البقـرة ، والأعراف ، والإسراء ، والكهف ، وطه ، والشعراء ، وسبأ ، والجن بمرة واحد لكل سورة .
لطائف مستنبطة من النص القرآني :
يمكننـا استنباط بعض المعانــي ، واللطائــف مـن الإحـصائيـات السـابقة حـول ورود لفظـة إبليس ونظائرهـا في كتاب اﷲ وذلـك علـى النحو التالي :
1-وردت ألفاظ(إبليس ،شيطان) بمجموعها 99مرة موزعة بين آيات وسور هذا الكتاب المنير ، وهذا العدد يدل على أهمية هذه القضية للبشر ، ذلك أنَّ هذا القرآن هو كتاب هداية وإرشاد ، والشيطان هو عنصر ضلال وإضلال ، فوجب التحذير منه وبيان حقيقته .
2-ورود هـذه الألفاظ في السور المكية أكثر منـه فـي الـسور المدنية دليل على اتخاذ هذا الموضوع أهمية أكبر فـ ي العهـد المكي للدعوة ، حيث جاء القرآن على قوم جاهليين تمكن منهم الـشيطان ،واستحوذ عليهم ، وليس أدل على ذلك من واقعهم القائم على الكفر ، بحيث لم يبق إلَّا عدة نفر على دين التوحيد في الجزيرة ، فكان لزامًا أنْ يبين لهما لقرآن خطر هذا الشيطان ، ويوضح لهم خطواته وغاياته .
3-لم يذكر إبليس في السور المدنية إلَّا مرة واحدة ، وكان ذكـره فـي القـرآن المكي هو الأغلب ، وهذا باب عظيم من حسن الوعظ حيث يـذكِّر القـرآن الناس بمنشأ الشياطين وقبح صفاتهم المتمثلة في إبلـيس عليـه لعنـة اﷲ ،ويذكِّرهم بقبح صنيعه مع أبيهم آدم عليه السلام ، ويبين لهم العداوة القائمـة بينهم وبينه ، ليكون ذلك حافزًا على التنفير من اتباعه ، فكان ذكره بشكل مكثف في السور المكية يناسب حال الناس مع الشيطان في ذلك الزمان ، أما لما تجلت حقيقة إبليس وموقفه من آدم عليه السلام وعرف ذلـك للقاصـي والداني ، لم يكن هناك حاجة لذكره في العهد المدني إلَّا على سبيل الإعـذار والتذكير فورد مرة واحدة في سورة البقرة .
4-خلو سورة التوبة – على طولها – من هذه الألفاظ إشارة على ضعف وبطلان الشياطين ، وعدم صمودهم أمام الحق ، لا سيما ذلك الحق القوي بألفاظـه ،القوي بمعانيه ، الشديد على الباطل ، والذي تمثل في سورة التوبة ، ففـرت منها الشياطين خوفًا وفرقًا .
2-الحكمة من خلق إبليس
الشيطان منبع الشرور والآثام، فهو القائد إلى الهلاك الدنيوي والأخروي، والداعي إلى محادة الله، ومحاربة تعاليمه، وإلى الكفران، ومعصية الرحمن،فما هي الحكمة من خلقة ، أجاب على هذا السؤال العلماء ،حتى إن بعضهم قال:” في خلق إبليس وجنوده من الحكم ما لا يحيط بتفصيله إلَّا الله “.
فمن ذلك:
1-اكتمال الحياة :
فإبليس لما طلب من الله أنْ يبقيه حيًا الى يوم القيامة استجاب له وكان من الممكن أن يهلكه في التو واللحظة؟ .لكن لماذا قال الله جل جلاله { قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15)} [الأعراف: 15] لقد استجاب الله دعاءه ـوهو المطرود من رحمته ـ لأن حكمة خلق الدنيا لا تكتمل إلَّا بهذا فالله سبحانه وتعالىخلق الدنيا كدار اختبار وجعل الآخرة دار الجزاء والله جل جلاله يريد أن يمر عبده باختبار في الحياة الدنيا ،أن يُمتحن قبل أن يُجازى، أن يكون شهيدًا على نفسه يوم القيامة فيما فعل.. واقرأ قول الحق تبارك وتعالى {وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154) }[سورة آل عمران، الآية 154]ولو أراد الله سبحانه وتعالى خلقًا مقهورين على الطاعة كالملائكة، لاستطاع أن يخلقهم، ولو أراد الحق سبحانه وتعالى أن يطيع أهل الأرض جميعًا منهج الله، وأن يكونوا جميعهم مسبحين وعابدين لاستطاع أن يفعل ذلك، ولكن الله جل جلاله اختار أجناسًا تأتيه عن قهر كالملائكة وغيرها من خلق الله، واختار الإنس والجن دون غيرهم من الأجناس ليأتوه عن حب ورغبة، يكونون قادرين على المعصية، ولكنهم لا يفعلونها حبًا لله، ويكونون قادرين على عدم الطاعة.. ولكنهم يطيعون قربًا لله.. إنه سبحانه وتعالى يريد خلقًا يأتيه عن حب، في فترة اختبار محدودة بعمر كل إنسان.
2- ما يترتب على مجاهدة الشيطان وأعوانه من إكمال مراتب العبودية:
فمنها أن يكمل لأنبيائه وأوليائه مراتب العبودية بمجاهدة عدو الله وحزبه، ومخالفته ومراغمته في الله، وإغاظته وإغاظة أوليائه، والاستعاذة به منه، واللجوء إليه أن يعيذهم من شرّه وكيده، فيترتب على ذلك من المصالح الدنيوية والأخروية ما لم يحصل بدونه ،والموقوف على الشيء لا يحصل بدونه. .. …………….وللحديث بقية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق