تعلمت من صلاح حافظ انه افضل للكاتب الف مرة ان يكون سمكه قرش في البحر الاحمر او المحيط الهندي علي ان يكون سمكه سردين تؤكل بالزيت والليمون.. وتعلمت من مصطفي شردي ان عيون الناس هيا المرايا العاكسه التي اري فيها وجهي واتاكد فيها من ملامحي .. وتعلمت من عادل حمودة ان الكتابه بالدرجه الاولي هيي فن ملامسه الاخرين بالحروف والكلمات بدونها يمارس الكاتب الحب مع نفسه وحده وتعلمت من سامح كاظم ان كل كاتب هو في الاساس ضد القبح لذلك يتعزر عليه منطقيا وانسانيا ومهنيا ان يكون مع القاتل ضد القتيل ومع الظالم ضد المظلوم ومع القاهر ضد المقهور ومع الخنجر ضد اللحم البشري ومع الفاشيه ضد الحريه ومع المشنقه ضد الرقبه ومع الشيطان ضد الله .. وتعلمت من خالد القشيري اننا عندما نكتب نبحث عن شركاء يقتسمون معنا لقمه خبز ولقمه حريه لقمه للبطن ولقمه للضمير .. وتعلمت من احسان عبد القدوس وانيس منصور وفتحي غانم واحمد رجب وعبدالنبي عبد الستار وناصر العشماوي والعباس السكري وعبدالرحمن الشرقاوي ومصطفي امين ومحمود السعدني كيف يكون التميز وسط العمالقه.. سعيت اليهم تلميذا مريدا مجتهدا متواضعا فغيروا من تركيبة الدم التي تجري في عروقي والحبر الذي يسيل من قلمي والفكر الذي يسيطر علي عقلي وعشق الوطن الذي يتفجر من قلبي .. لقد امنت مثلهم بان الكلمه اول شجرة زرعها الانسان علي باب الدنيا يوم كان الله يواصل تجاربه علي اللون الاخضر .. واول نجمه اهتدي بها قبل اختراع الشمع واول وسيله اتصال قبل ان نعرف البريد والاقمار الصناعيه واول تجربه صوتيه يوم كان العالم مسكونا بالصمت واول منشور ثوري كتبته البشريه احتجاجا علي سوء توزيع الثروه وغياب العدل وموات الحريه .. دخلت في دياناتهم نفذت تعاليمهم واصلت عبادتهم اكملت رسالتهم .. لكن بعد اربعين عاما من المتاعب النفسيه والسياسيه والمهنيه وجدت ان المكافئه التي تنتظرني هيا السجن..اليوم اطفئ شمعتي الاربعين من عمري الصحفي في عشرتي مع الكتابه اطفئها وانا موزع في نفس الوقت بين محكمتين وقضيتين وعقوبتين وزنزانتين .. محكمه جنوب القاهره تنظر ضدي قضيه الفنان عادل امام ومحكمه جنايات الجيزة تنظر قضيه نجوي فؤاد بخلاف قضايا اخري بالعشرات في محاكم ونيابات اخري لا يمر يوم دون نظر واحد منها.. وكان الجريمه الوحيده التي تستحق المطارده في مصر هيا الكتابه .. يموت الأاف من البسطاء في البحر ويتحول لحمهم الي بلوبيف شهي علي مائده اسماك القرش (براءه).. يسقط قصر مهيب عتيق الطراز بمركز منوف محافظه المنوفيه علي مئات من الفقراء وهم نائمون في غرفهم وعشوائيتهم ليصبحو مهروسين مثل لحم الكفته او الكبده النيئه(براءه) يحترق اعداد يصعب حصرها من الموهوبين والمبدعين والمتفرجين في لحظه دراميه مؤلمه بالمرج الغربيه ويصبحون نوعا من الشواء البشري المؤلم(براءه).. تتوالي حرائق المصانع والمباني وحوادث القطارات شبه اليومية في مسلسل لافت للنظر يهدد الشعور بالاستقرار ويشير الي وجود تنظيم خفي يستفز الحكومه ويثبت عجزها (براءه).. تكتب كلمه واحدة لا تعجب صاحب سلطه او صاحب ثروه او صاحب قوة تجد نفسك في قضيه ومحكمه ومطارده وتهديد بالادانه والحبس في زنزانه.. ان المطلوب من الكلمه ان تفقد حروفها لتصبح مثل لكمه بلا قبضه او مثل اقلام بلا اصابع .. مطلوب منها ان تصبح شاهد زور تقسم انها ستقول الحق ولا تنطق الا بالباطل تقسم انها شريفه وهي تخفي القبض عليها في قضيه اداب .. لقد دفعنا ثمن حريه الكلمه التي سعينا اليها ودافعنا عنها وتمسكنا بها فوجدنا انفسنا علي حافة الخط لا نتلقي واجب شكر وانما نتعرض لسوء ظن
رؤوف علواني
