الشمس تئن انات الرحيل.. بصمت.. بهدوء.. بعمق.. مودعة النهار وعلى تمتمات الريح كطائر تتخبط جناحاه عند قرص الشمس الذى مال نحو الإصفرار .. قادتنى خطواتى الخطوة بعد الخطوة إلى قبر أخى الحبيب وعيناى غارقة بدمعة حنين.. يد تحتضن رفات عمر والأخرى تعانق باقة أزهار أضمها برفق إلى قلبى الحزين.. لم يبقى سوى شحوب الليل وضوء هزيل تلاشيت فيه كما يتلاشى السراب وسط حزن ألم أنين.. إنزويت أبكى على صدر الظلام وأنا أبحر فى مرافئ دمعى وأفواج أحزانى.
أخى الحبيب جئت إليك أحمل جراح سنين.. رفات عمر.. باقة أحزان..حاولت أن أنسج من ظلال حزنى أحلام حاولت أن أغرس في عروق الليل الأمان.. حاولت أن ألملم ما تبقى لى من حطام.. فكيف أعيد أساسات عمر تولى وها أنذا يتقدم بى الزمن حاملاً رفاتى على كفيه ويمضى بى تحت أقدامه ويسير.. كان بودى أن أعانق الزمن..أن أجد وطناً.. أرضاً تؤوى ما تبقى لى من حطام فسقط عصفور الحب وطائر الأمان.. لكنه مازال فى صمت يقاوم أحزان الرحيل.. فالزمن يسكر بجراحى والجرح من الجرح يغار فأنا فى الدرب تائه حائر أمضى لكى لا أكون أعلم أنه قدر مرير ولكن لن يجرى مع القدر قرار مصيرفسامحنى وأغفر لى.. سأسدل الستار وسأتخذ قرار فهذا نداء كبرياء فليس عندى أي إختيار سوى نهاية إنتحار.. أخى الحبيب فى قلبى عتاب مقهور ذليل علمتنى كيف أجوب البحار كيف أعيش الحياة وأمضى بقوة وإصرار علمتنى كيف أعلن عن وجودى وأظل دائماً من الأحرار.. ولكن لماذا يا أخى لم تعلمنى العيش وسط النيران ووسط الطغيان ووسط غابة الإنسان.. فيهجرنى السؤال من دمى إلى الرمال ويتلفحنى من كل إتجاه صوت باكى كاللحن الحزين (يا أخى كم يرق قلبى لك نجواى يا عمر الرحيل يا أبن الأيام والسنين يا أبن عمرى لا تهيم فى دنياك تحترف العذاب لا تبيع عمرك للسراب لا تبكى فلن تنبت الدموع زهوراً فما زلت يا صغيرى يا طفلى الوديع تحلم بالمستحيل فليس من طبع الليالى الأمان).
أقترب منه وأهمس إليه وأحنو عليه.. أخى لو كانت الأيام تعود فى صمت إلى الوراء لو..يقاطعنى صوته الحزين(لا يا أخى لن تعود الأيام ولن أعود وهاهى دموعى تنعى حظك العسير فإن أفلست فسوف أضمك إلى صدرى إلى قبرى إلى مملكتى فلن تكون أبداً وليمة للذئاب لن تكون).
فأصرخ بأعلى صوتى هيا يا أخى ضمنى إلى رفاتك وأحتضنى في قبرك هيا يا أخى لأحيا من جديد..أخى ألا تسمعنى رباه لا أجد مجيباً سوى صدى صوتى فى بئر الرياح يعوى يصرخ يبكى وهممت أن أقول وداعاً يا أخى.. رحلت الأن فى القلب الإجابات واعدتنى هل يا ترى ترجع لى كى أسألك ودمعتى كقطرة ندى فى مقلتى تكبر تنزلق مالحة بلون حزنى وتسحبها الريح لتروى باقة زهورى وتمتد أناملى المرتعشة إلى وجهى إلى عيني إلى الزاحفة على الخد فيفيض بكائى وتمتد إلى باقة أحزانى النائمة على صدرى..أرفع رأسى وأدير وجهى نصف إستدارة وأعطية للبراح المسكون بدم السنوات المجهدة الطويلة وحطام السنين من خلفى لإبتلاع مرارة الحلم المبتور وأضع على قبرة باقة أحزانى وقبلاتى وأمضى وقلبى يردد سيظل حبك في دمى في قلبى لحناً لا يرى يهز الأرض ويصعد للسماء وتردد الأنفاس شيئاً من الدعاء.
(يارب يارب إن لم أكن أخلصت في طاعتك فأنى أطمع في رحمتك وأن ما يشفع لى أنى قد عشت لا أشرك في وحدتك).
محمد بلية
