الرئيسةمقالات

للحديث باقية

بقلم : إيناس الشيخ

صلاحيةُ الطعامِ أم صلاحيةُ الإنسانِ؟!
عندما تجدُ كلماتي تعثراً عن وصفِ وضعِ ماسأوي طالَ للأسف أغلب فئات الشعب المصري بدون رأفة.. فلم تكتف براثنُ الجوعِ عن نبشِ أمعاءِ الفقير فحسب، بل تغولُ لتنبشَ وبكل قوةِ أمعاءَ الشعب المصري في وطنٍ كرمَهُ الله في كتابه العزيز ليذكرَ وليحفظَ خيرات أرضه حين قال عز وجل لأهلِ موسى “اهبطوا مصرًا فإن لكم ما سألتم”…
“أسواقُ الطعامِ المستعمل ” أضعُها بين قوسين لأستوقفَ ذهنَ القارئ ليفكرَ معي قليلاً في أمرِ تلك العبارة الغريبة المؤسفة حقاً في مضمونها!!…. فليس بالجديد أن نسمعَ عن ملابسِ أو أحذية أو أغراض مستعملة، كل هذا من الممكن أن يُباعَ مستعملاً، فلا بأس أن يُعادَ تدويرهُ من جديد حتى وإن كان به بعض التشوهات التي من الممكن أن يُعادَ إصلاحها كي تكسيَ الجسدَ من التعري!…. كل هذا من الممكنِ أن نراه أو نتقبله!…. ولكن ما يَصعُبُ تَقبلُهُ هو فكرة (الطعامُ المستعمل)!!….بقايا طعامُ مجهولة المصدر لا تملكُ تاريخَ صلاحيةٍ أو ربما انتهت صلاحيتُها… فبدلاً من أن تُباعَ لإطعامِ الحيوانات تُباع لإطعامِ معدة الغلابة الجائعة!… هذه المعدة التي كفرت من الجوع ومن غلاء الأسعار و قلةِ الحيلة و سقمِ الجسد فباتت تبحثُ عما يخمدُ جوعها حتى وإن طالَ الجسدَ المرض!!…
في مشهدٍ يومي يستيقظُ من نومة ليذهبَ إلى سوقه الخاص “سوقُ الطعامِ المستعمل” هذا السوق الذي أُعِدَ له خصيصاً ليجدَ به ملاذَ معدته الآمن بما يتكافئ مع قوتِ يومه… بملامحِ من التعجبِ والغضبِ من حالٍ تُخفيه إبتسامةُ من الرضا كعادته _ فطيبُ قلبه لا يجد إلا الحمد والرضا سبيلاً _ يتجولُ لتشتهيَ عينُه هياكلَ وعظامَ وروؤسَ ورجولَ الطيور ليصنعَ منه وليمة يومه وعندما تزدادُ مرارةُ نفسه يجدُ من “كسر الجاتوه والحلويات” تحليةً له!!
فبينما يعتادُ أغنياءُ الفلوسِ على عمل الشوبينج في المولات لتذوقِ الأكل الهندي والتركي!! … يعتادُ أغنياءُ القلوبِ على عمل الشوبينج في سوق الطعام المستعمل لتذوقِ بقايا الطعام !
المشكلةُ هنا ليست إعادة تدوير الطعام فحسب ، بل ما أجدُ اسفاً فيه تساؤلاً هو : من أين تأتي هذه البقايا تحديداً؟ وكيف تُبِاعُ في الأسواق المصرية بدون جهةِ رقابيةِ عليه تضمنُ صلاحيةَ هذا الطعام؟ وما يحمئ هذا الجائعُ المستهلك لها من مخاطرها ويضمن له السلامة؟ وأي جهةٍ يستطع إليها أن يتوجُه بالشكوى إذا حدث له ضرر جراءَ تناولِ هذه البقايا؟!…… تساؤلاتُ لم أجدْ لها إحابةً منطقيةً، فبمنتهى البساطة من لا يراعي جوعَ الشعب _ وهو أبسط حق آدامي له_ هل سيراعي ضوابطَ الأمانِ و السلامةِ الصحية؟!!….
صلاحيةُ الطعامِ أم صلاحيةُ الإنسان؟!….. عندما تتوقفُ حياةُ الإنسانِ على اللقمة… فالجوع كافر !…. لا يسأل هنا عن صلاحية الطعام!…. فهل لدى معدته الجائعة وقتٌ لكي تتسألَ عن تاريخ الإنتاجِ والصلاحيةِ والمصدر!!… فغالباً لسانُ حاله يقول “احيني النهاردة وموتني بكرا”!!…فمن كفرِ الجوع استعاذَ الرسول عليه الصلاة والسلام منه بقوله “اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع”.

فإذا كانت حكومةُ مثل حكومة دولة الإمارات تبحثُ الآن عن تحقيق سعادة ورفاهية المواطن لتنشئَ له “وزارة السعادة” في عام 2016 !… فهل حان الوقت لتنظر فقط فيه حكومة دولة مصر “لسعادة معدة الشعب المصري” ونحن على أعتابِ عام 2019 !!!….. لم يطلبْ هذا الشعب القنوع ذو الإبتسامة الراضية سوى أبسط َحقوقه لحياةِ كريمة من مأكلِ وملبسِ ومسكن… أبسط حقوقه الآدميه للحياه…. فقد حان الوقت لوقفِ استباحة واستهلاك جسد الشعب…فلتعلم الحكومة ألا تُبنَئ دولُ بدون شعوبها، فمن يصنعُ الأمجادَ هو الشعب ومن يرفعُ العلمَ هو الشعب ومن يحفظُ الأرضَ هو الشعب … فلننظرَ بعناية إلى تلك الثروة البشرية والنعمة قبل أن تزول!.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق