الرئيسةمقالات

في حضرة أم المساكين.. «حنين القلب وأنين العمال».. رسالة إلى وزير الأوقاف

بقلم | نها رضوان

لأنها رئيسة الديوان، حفيدة سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، يهفو قلبي لزيارة مقامها الطاهر المبارك، أعيش أجمل لحظات حياتي في رحابها، هي أم المساكين، أم العواجز، يفيض حنانها على جميع زائريها، تربت على أرواحهم، تطيب خواطرهم، سيدتي السيدة زينب، بلسم المجروحين من عذاب الدنيا، من التجأ لجنابها تفيض عليه بالحب والحنان والصفاء الروحي، سلام عليك سيدتي في الأولين والآخرين، سيدتي الطاهرة النقية التقية البتول، رضي الله عنك وعلى آل بيت النبي المصطفي صلى الله عليه وآله وسلم.

على مدار 3 سنوات تقريبًا كنت زائرة لمسجد السيدة زينب أسبوعيًا، ولبيت نداء سيدتي، لأكون زائرة شبه يوميًا، أتواجد في المسجد 3 أيام على الأقل، عشت خلال تلك الأيام في جو من الروحانية و الهدوء النفسي و الطمأنينة.

حالة روحانية تنتابني في مسجد ومقام أم العجائز وأم المساكين،  الطاهرة السيدة زينب بنت على رضى الله عنهما وعن أمها وأخويها وصلى الله وسلم على جدها، هذه الحالة الروحانية تبدأ مع دخول المسجد أو المقام، حيث أشعر أني أدخل إلى عالم آخر، تاركة خلفي هموم الدنيا ومصاعب الأيام، في مكان يفيض برائحة المسك، في مسجد يحتضن الجميع فقيرًا وميسورًا، عالمًا وجاهلاً، الكل في حضرة “الست صاحبة المقام سواء”، يجمعهم  حب السيدة زينب، التي تعد أقرب نسل النبي (صلى الله عليه وسلم) لقلوب المصريين.

أجلس وحيدة، نادرًا ما أتحدث إلى أحد، أكون في صمت روحاني، أسمع خلاله حنين قلبي لجلال إيمان أشتاق إليه، ولوعة نفس تحتار ما بين الدنيا والارتقاء إلى الآخرة، حيث أخرج من منزلي محملة بالهموم، وعلى وجهي نظرة عابسة تقول “أين المفر”، إلا إني أجد الإجابة في “ففروا إلى الله”، فأهرول لأحضان المكان وتجلياته، في رحلة إيمانية عمرها سويعات قليلة، لأخرج للدنيا وعالمها مرة أخرى بعد إنتهاء تلك الرحلة، إنسانة محملة بجرعة زائدة من الأمل، وراحة نفسية ما بعدها راحة، أذوق فيها وأذوب في جمال العشق الرباني.

إلا أني مع حنين قلبي أشعر بأنين العمال والعاملات في المسجد والمقام، و الذين أعرف بأسمائهم الرجال قبل السيدات، بدءً من العمال و العاملات مرورًا بالفنيين وصولاً بالمسئولين عن الإدارة إلى إمام المسجد،فهم كخلية نحل، كل في مكانه، فهم خدام السيدة، مبتسمون دائمًا في وجوه الزائرين، ويطمئنون الزوار بأنهم في خدمة السيدة وعشاقها، يرصدون المكان بعين فاحصة، كل يحمل سلاح عمله في عمل ينهك الأبدان، من نظافة المكان وتنظيم الدخول والخروج، وتوفير الأمن، وأشعر بنوع من الأسى عليهم، فعددهم قليل مقارنة بالزائرين والزائرات، يتعاملون مع أناس من كل الفئات، يقاومون الشحاذين، ويحاصرون المشعوذين، يناضلون من أجل حماية المكان من كل الفئات وخاصة اللصوص – لصوص في المسجد – نعم وللأسف الشديد هناك من يدخل المسجد ليسرق، وهناك من يدخل المسجد ويتعامل معه كأنه مكان للتنزه، مصطحبين معهم ألوان مختلفة من الأطعمة – تصل إلى المحشي والرنجة – وأطفالهم يهرولون في كل مكان، مخلفين ورائهم القمامة.

وهناك فئة تحترم قدسية المكان، وأخرى تنتهكه بجهل صريح، وعند فاجر ومكابرة على عدم الاستماع للعمال والعاملات، وتنفيذ الإرشادات، واحترام المكان.

حتى المسئولين عن المكان من المسئولون عن العمال و الإداريين و الفنيين فهم في عمل دائم للتأكد من سير العمل على أكمل وجه، و ملاحظة العمال، و التأكد من عمل الأجهزة وسلامة الصوت واستمرار عمل المراوح، وكل ما يتعلق بأمور الكهرباء والإضاءة وغيرها.

و لو تحدثنا عن أئمة مسجد السيدة زينب المتعاقبين، فدائمًا ما تحرص وزارة الأوقاف على اختيارهم بعناية، فأنا أحيي فيهم السماحة والفصاحة والتقى، زادهم الله علما، وأحيي فيهم أصحاب العمامات، وأتذكر أبيات من قصيدة للشاعر الشيخ يوسف الأبنودي عن  الأزهر ورجاله، وهي : “سل عن شيوخ لم يهابوا حاكمًا  .. أو يرهبوا متكبرًا متجبرًا .. في الحق لا يخشون لومة لائم .. في العلم والأدب كانوا أبحرا .. كانوا الأمان لخائف وإذا التقوا.. بعد وهم لا يرجعون القهقري”.

لكن مع كل هذا هناك عدة تساؤلات ورسالة إلى وزير الأوقاف، إرسلها إليه كزائرة ومحبة لمقامات آل البيت، أوجزها في نقاط.

فإلى الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، الذي تشرفت بلقائه في مرات سابقة، وأرى فيه السماحة والتسامح ولين القلب والحكمة:

أولاً – هل مسجد السيدة زينب لا يستحق أن تخصص له قوة أمنية تساعد العمال والعاملات في حفظ الأمن، وأقصد هنا قوة من وزارة الداخلية من رجالنا البواسل ، رجال الشرطة، وليس شركة أمن خاص، فهذا سيخفف كثير من العبء عن كاهل العمال والعاملات، ويساعد في حفظ الأمن واحترام قدسية المكان؟ وإن كانت وزارة الأوقاف قد طالبت وزارة الداخلية بذلك وكان التقصير من الداخلية، فإني أنقل عتابي إلى وزير الداخلية في هذا الشأن، قائلة له “يا وزير الداخلية مسجد السيدة زينب يحتاج إلى دعم رجالك ألا يستحق ذلك”.

فأنا أتمنى أن أري صورة حضارية للمسجد العريق، التي أختفت مع وجود المتسولين والشحاذين على الأبواب وداخل المقام، اختفت مع احتلال المجاذيب للمسجد ولا يستطيع العمال والعاملات التعامل معهم، ولن تتصور المعارك التي تدور بين العمال و هؤلاء المجاذيب و الشحاذين و التي تنتهي بهزيمة العمال أمام هذا الجمع.

و أنا هنا لا ألوم الإداريين أو العمال عن هذا، لكن الوضع أكبر من أمكانياتهم، فلن تتخيل سيادتكم أن سيدات ” من العامة” يحضرن للمسجد للذكر و المدح، وفجأة تقلب حلقة المدح إلى رقص و شعوذة، وعندما يتدخل مسئولي المسجد، لا يستطيعون السيطرة على النساء ” احترامًا لكونهم نساء” .

وأيضًا مع تكرار حوادث السرقات يضطر العمال ومدير الإدارة إلى التعامل مع اللصوص، ومحاولة استرجاع المسروقات قبل خروجها من المسجد أو المقام، فكيف لموظف في الأوقاف له أن يتعامل مع لص ..؟

فأنا أظن أن رجال وسيدات وزارة الداخلية يستطيعون التعامل مع كل هذا ، مثلما يحدث في مسجد سيدي الحسين رضى الله عنه، فالمكان هناك حضاريًا بسبب النظام الذي يفرضه وجود الشرطة، شرطة مختصة بالمكان وليس شرطي من القسم التابع للحي غير متفرغ للمسجد، وأكرر ليس مجرد حارس أمن تابع لشركة خاصة .

يا معالي وزير الأوقاف .. أنت أكثر دراية مني بأن مساجد ومقامات آل البيت هي نفحة من رسول الله صل الله عليه وسلم، فقد أنعم الله على بلاد الحجاز بوجود البيت الحرام ومسجد وقبر رسول الله، لكن الله لم يحرم مصر من تلك النفحة الكريمة، باحتضان مصر لمقامات عدد من آل البيت .

ثانيًا- تفاجأت بوضع صناديق أمام أماكن وضع الأحذية، وعندما سألت عن سبب وجودها، فأجابني أحد العمال بأنها لوضع النقود، فقلت لأي نقود، فرد نقود الأحذية – ولمن لا يعلم فعند وضع الأحذية في أماكن الحفظ خارج المسجد، يقوم البعض بإعطاء العمال مبلغ صغير في الأحيان يكون 50 قرشًا أو جنيه أو أكثر للعامل، هذا بخلاف أموال النذور فهي لها صناديق أخري داخل المسجد.

والسؤال هنا إلى معالي وزير الأوقاف: هل الوزارة إلي هذا الحد تحتاج إلي الخمسين قرشًا أو الجنيهين التي يعطيها بعض الأشخاص للعمال كـ “إكرامية” لهم، لتضع صناديق لجمع هذه الأموال؟ فعذرًا لسيادتكم هذا المال حق للعمال.. فهم لا يجبرون الناس على إعطائهم هذا المال.. وهناك أناس لا يدفعون.. فالحصيلة ليست بالكبيرة لتطمع فيها الوزارة، فهي مجرد ترضية لعامل لا يصل راتبه مع كل هذا العناء والوقت الطويل في العمل إلى حد الحصول علي 2000 جنيه شهريا.

لماذا لا تترك الوزارة العريقة أموال الحذاء لعمال يعملون ضعف عد الساعات المقررة وفقًا للقانون، فأنا أراهم في عملهم منذ الصباح وحتى موعد الإغلاق، عمال لا يغادرون إلى بلادهم إلا يوم واحد في الأسبوع، فهم مغتربون، عمال مهنتهم خدام مسجد لكنهم يعملون في النظافة وحفظ الأمن و حفظ النعال والأحذية، حتى أنهم محرومين من الصلاة في جماعة، بسبب أنهم مجبورون على القيام بعملهم أثناء صلاة الناس، عمال مجبورين على الوقوف دائمًا دون الجلوس ولو دقائق للراحة.

سيدي وزير الأوقاف .. عمال و عاملات مساجد ومقامات آل البيت وضعهم يختلف كثيرًا عن العمال و العاملات في المساجد الآخرى، فهم في عمل مستمر دون راحة، و جهد شاق .

فلماذا لا يترك لهم هذه المبالغ الصغيرة نظير حفظ الأحذية، فهي مبالغ رمزية، قد تكون لهم ” جبر خواطر” لما يعانوه، ويكفي الوزارة الحصول على أموال النذور و التبرعات .

ولا يليق بوزارة الأوقاف وضع هذا الصندوق على الباب .. فوزارة الأوقاف أعظم وأكبر من أن تستجدي أموال من وضع الحذاء.

هذه رسالة أرسالها لسماحة المختار العالم الجليل الدكتور محمد مختار جمعة، من زائرة تذوب في عشق “أم المساكين”.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق