مقالات

الإسلام دين الطهاره والنظام 

بقلم / محمــــــد الدكــــــــرورى
إن النظام في الإسلام يشمل جميع مجالات الحياة الدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والقضائية وغيرها ولو طوفنا مع هذه المجالات لوجدناها شرعت بنظام دقيق وتدبير محكم يتوافق وحاجات البشرية !! فالعبادات شرعت بنظام دقيق يحكم الزمان والمكان والحال والأشخاص فالصلاة نظام كامل، وتتألّف من أجزاء وشروط وأركان وعدد ركعات وحركات محدّدة، وهي أيضاً ترتبط بالزمان، بالليل والنهار، بالفجر وطلوع الشمس وزوالها، وبمغيب الشمس ومنتصف الليل. قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} والرسول صلى الله عليه وسلم غرس في نفوس الصحابة القدوة والنظام والترتيب بين أركان الصلاة وسننها القولية والفعلية فقال: ” صلُّوا كما رأيتُموني أصلِّي ” (رواه البخاري)، فلو قدم المصلي ركنا على ركن وخالف النظام والترتيب بطلت صلاته!! وإن اصطفاف المصلين عند إقامة الصلاة ووقوفهم متحاذين متساوين ليدل دلالة واضحة على أهمية النظام في العبادات!! وهذه قصة وموقف جميل يؤيد هذا الكلام:
عرض بعض المسلمين على رجل أمريكي مشهداً للحرم وهو يعجّ بالمصلين والطائفين قبل إقامة الصلاة في المسجد الحرام، ثم سألوه: كم من الوقت يحتاج هؤلاء لكي يكونوا في صفوف منظمة متحلقة حول الكعبة؟ فقال ساعتين إلى ثلاث ساعات، فقالوا له: إن الحرم أربعة أدوار!! فقال: إذاً اثنتي عشرة ساعة. فقالوا: إنهم مختلفو اللغات وحتى اللهجات ومن بلدان شتى!! فقال الخواجة: هؤلاء لا يمكن اصطفافهم أبداً. ثم حان وقت الصلاة.. فتقدم إمام الحرم بعد الإقامة.. وقال: استووا واعتدلوا.. سووا صفوفكم.. فوقف الجميع في صفوف متراصة حول الكعبة المشرفة في دقيقتين لا أكثر.
وهذا النظام والاصطفاف وقولهم آمين أغضب اليهود وحملهم على الحقد والحسد للمسلمين؛ وقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم بذلك حيث قال: ” إِنَّهُمْ لَا يَحْسُدُونَا عَلَى شَيْءٍ كَمَا يَحْسُدُونَا عَلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ الَّتِي هَدَانَا اللَّهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا ، وَعَلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي هَدَانَا اللَّهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا ، وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الْإِمَامِ آمِينَ ” والصوم أيضاً نظام كامل وهو يرتبط بالزمان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس؛ فعن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ – رَضِيَ اللَّهُ – عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا؛ وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا؛ وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ”. (متفق عليه ). ومما يدل على النظام في الصوم أن الشارع الحكيم حرم الجماع في نهار رمضان وغلّظ فيه العقوبة؛ مع أنه حلال في ليله : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ } والحجّ نظام وتنظيم كامل يرتبط بالزمان، فالحج أشهر معلومات، ومناسك وشعائر، يتنقل العباد من بعضها لبعض في نظام لا يخرجون عنه ولا يتجاوزونه؛ وفي الحج علمنا النبي – صلى الله عليه وسلم- النظام والترتيب والإتباع حيث قال: ”خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ” (رواه مسلم والنسائي).
وفي مجال الجهاد نجد أننا مأمورون بالنظام حتى في أشد حالات الخوف، وهو وقت الحرب، لم يقبل الإسلام فيه حياة الفوضى، بل أمر بتنظيم الصفوف والتخطيط والترتيب، قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ} وكان النبي عليه الصلاة والسلام يعدّل صفوف المقاتلين بنفسه يوم بدر، ووضع لهم نظاماً معيناً لكيفية أداء الصلاة جماعةً في أرض المعركة؛ فشرعت صلاة الخوف منظمةً بكيفيات متعددة كما ذكرها المفسرون وفي مجال الحياة الاجتماعية والأُسرية نظّم الإسلام السلوك والمعاملات، وسنّ القوانين والتشريعات في البيع والشراء والميراث؛ والزواج والطلاق والعلاقة بين الأزواج، وعلاقة المسلم بأخيه المسلم، وعلاقته بغير المسلم؛ وحث الإسلام على التزام الأدب واحترام القوانين والمحافظة على الذوق العام. ونحن نجد أن الله – عز وجل – بعد ذكر هذه القوانين والتشريعات يعقبها بالوعيد والتهديد لمن يخالف هذا النظام وتلك القوانين والتشريعات ( تلك حدود الله ) ؛ ( وتلك حدود الله )؛ كما جاء في سور البقرة والنساء والمجادلة والطلاق وغيرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق