الأدب و الأدباء

رواية فاطمة لسامية أحمد

بسم الله
الحلقه رقم(2) من روايه فاطمه

  الناشرة :رانيا يوسف

………………………………
خرجت وأنا لا أكاد أتبين طريقي من كثرة الغل والغضب الذي استولى على فمن أردت كسرها عصية على الكسر, وأنفها لازال شامخا كنت أتصور أنها ستتوسل لى لأرحمها وأعتق أهلها من ديونهم, أو حتى ترجوني لتأجيل موعد سداد الدين حتى تستطيع تدبير المال الكافي لكنها فاقت كل توقعاتي, ولازالت مصرة على إهانتي إن ما حدث لي اليوم على يديها لم يحدث لي في حياتي كلها

ذهبت إلى النادي, واستدعيت الشلة كلها بالجوال تامر ورأفت ووليد
لم يعتذر أي منهم, كان يكفي أن يسمعوا صوتي المنفعل ليعرفوا أن خطب جلل قد حدث
قررت السباحة حتى لا أضطر لانتظارهم وحدي دون فعل شيء فأقتل نفسي أو أحد آخر
وظننت أن السباحة قد تهدئ من ثورة غضبي ونقمتي, لكن هيهات أخيرا حضروا وجلست معهم حول إحدى الطاولات الموضوعة حول حمام السباحة وسكبت أمامهم كل ما حدث لي قبل أن تتفجر عروقي من الغيظ, فقد كانت النار تقتات في عقلي, وبعد أن حكيت لهم كل شئ قلت : لا أدري ما الذي يمكن أن يكسر مخلوقة كتلك لا شيء يؤثر فيها لا شيء حتى يخيفها
قال تامر بحمية : يمكننا أن نذهب إلى المحل ونجعله ركاما, وبهذا تكون قد كدت لها وانتقمت منها قلت ساخرا : ويذهب كل ما صرفته لشراء ديون المحل إلى الضياع
وليد : حقا, إن البضاعة التي في المحل هى الضمان الوحيد لاسترداد مالك
قلت : وليت ذلك يشفي غليلي
التفت تامر لرأفت : ها يا عبقري, لم نسمع لك صوتا من أول الجلسة
رأفت بتفكير : أتدرى ما الذي يشغلني حقا, كيف لفتاة بمثل هذه القوة والتحدي, فتاة لا تخشى شيئا كيف تخفي وجهها عن الناس, وأي وجه تحمل خلف نقابها!
وكأن كلمات رأفت قد أيقظت فضولا كامنا في أعماقي, أي شيء يقبع خلف نقاب تلك المرأة
أخذت أحاول أن أتخيل ملامحها ومع كل دقيقة تمر كان فضولي يزداد, وتؤججه رغبتي في الانتقام كشخص يجهل ملامح عدوه
قال تامر : كيف لم أفكر في تلك المسألة من قبل, لا شك أن رؤية وجهها هو في حد ذاته انتصار, عندها ستكون قد أجبرتها على شيء ترفضه
كلمات تامر كانت تفعل في عقلي الأفاعيل, وأخذت الفكرة تتردد في عقلي بقوة
فرؤية وجهها رغما عنها قد تكون جزء من انتقامي, أو قد تشفي بعضا من غليلي : ولكن كيف السبيل إلى ذلك؟
رد تامر بحماس : يمكننا أن نذهب كلنا إلى المحل ونقيدها ونكشف النقاب عن وجهها بالقوة
رأفت ساخرا: هكذا دأبك, مجنون دائما ومندفع ولا تقدر عواقب الأمور
إذا فعلنا هذا فسنلبس تهمة لا حل لها, أو ستستعين علينا برجال منطقتها, وعندها سنأكل علقة ساخنة وقد لا ننجو منهم
تامر ساخرا : وماذا تقترح أنت أيها العبقري؟
قال ببساطة: يمكنك أن تعرض عليها مالا, أو حتى تعرض عليها عرضا لا تستطيع رفضه
فلتساومها على ديونها, يمكنك مثلا أن تتنازل عن جزء من ديونك مقابل نظرة واحدة إلى وجهها
قال وليد ساخرا : تتحدثون بسذاجة منقطعة النظير, فهذا النوع من النساء لا يمكن كشف وجهه إلا في الحلال
تامر بانفعال : ما هذا الجنون الذي تقوله!
وليد : أعني بعقد زواج شرعي
المال لن يجدي معها, لقد رفضته من البداية, رفضت حتى الخضوع لتهديدك بالسجن وتشريد أسرتها, فلا تتوقع الآن أن توافق على اقتراح رأفت الساذج
قال تامر بانفعال : أتريده أن يتزوج من تلك المرأة, لا شك أنك مجنون
قال وليد : اطمئن, فهي لن توافق أبدا على ذلك, فشادي بالنسبة لها من الفسقة المرتدين
لقد أغلقت من كل جهة مثل لعبة الدومينو, وعليك أن تبحث عن طريقة لاسترداد مالك الذي دفعته حتى لا تكون الخسارة مزدوجة كنت صامتا تماما والأفكار تتردد من حولي على ألسنة أفراد الشلة, ولأنني لم أتوصل بعد إلى حل فقد بقيت صامتا وظلت الأفكار والكلمات تدور في رأسي في تلك الليلة وأعجزتني عن النوم حتى الصباح حتى قررت أخيرا أن أدمج بين فكرتي رأفت ووليد وفي نفس اليوم كنت عندها في المحل, وقلت لها بسرعة قبل أن تنفجر ثورتها في وجهي : لقد أتيت اليوم مهادنا, لا أدري حقا ما الذي أشعل الحرب بيننا بهذه الطريقة, لقد أتيت اليوم لأصلح الأمور
قالت ساخرة: أهي خدعة جديدة أتيت بها
قلت بجدية : لا ولكني أتيت لأعرض عليك عرضا محددا
ما رأيك أن تتزوجيني؟
قالت بصدمة : ماذا! إذا فهي لعبة جديدة كما توقعت
قلت بحزم : لا ألعاب ولا خدع, أنا أعرض عليك زواجا شرعيا على سنة الله ورسوله
قالت بشك: أتعتقد أنني من السذاجة لأصدق ما تقوله؟
أمس تهددني بالسجن والتشريد, واليوم تعرض على الزواج!
قلت بجدية: لقد قدمت عرضي, وأمامك مهلة للتفكير فكري جيدا وتذكري أننا عندما نتزوج فسيكون مالي هو مالك, ولن أطالبك بسداد ديونك, بل ربما محوت الديون كلها وجعلتها مهرا لكي وقد أساعدك في إقامة تجارتك من عثرتها
كانت صامته تماما من المفاجأة حتى أنهيت كلامي, فقالت بريبة: لم تفعل كل هذا؟ ما الذي ستستفيده؟
أنت لا تعرفني, لم ترى حتى وجهي, فما هى أهدافك الخفية من كل هذا حاولت السيطرة على أعصابي المشتعلة حتى لا أنفجر وأفسد العملية برمتها وقلت بهدوء : أنتي تسيئين الظن بي كثيرا
قالت بتهكم : أتريد أن تقنعني أن شاب مثلك ومن وسطك الإجتماعي يريد أن يتزوجني قبل حتي أن يرى وجهي!
قلت ببرود : ولم لا
قالت بحدة : إن هذا الكلام لا يمكن أن يدخل عقلي أبدا, ولا يمكن أن أصدق أن أهدافك من هذا الزواج نبيلة أمسكت أعصابي في آخر لحظة قبل أن أصرخ في وجهها وأسبها بأقذع الشتائم
قلت بعد أن غلفت كلماتي بالثلوج : إذا ما الذي يدفعني لذلك في رأيك؟
قالت بتفكير : إن ما يتبادر لذهني من غايات للأسف ليست نبيلة أبدا
لا أستطيع أن أجد سببا واحدا يبرر عرضك سوى رغبتك في تحطيمي وإذلالي وكسر أنفي
وأولى خطواتك نحو تحطيم شخصيتي هو اجبارى على فعل ما لا أريد وهو كشف وجهي, حتى لو دفعت في سبيل ذلك زيجة لن تدوم أكثر من عدة أيام على أكثر الفروض
صدمني ذكاؤها الذي لم أكن أتخيل إلى أين يمكن أن يصل
فقلت مدعيا الهدوء رغم توتري الذي فاق حد الاحتمال : إن فكرتك عني سيئة للغاية, أنا أتحدث عن زواج رسمي عند المأذون إن رفضك هو الغير مبرر, وخاصة وأنكي ستكسبين مكاسب ما كنتي لتحلمي بها ستحتفظين بالمحل, وتختفي ديونك كأن لم تكن, سيكون هذا هو مهرك
فكرى جيدا, فالفرصة لا تأتي للإنسان سوى مرة واحدة فقط
سأعود غدا لأعرف ردك, فإن وافقتى, سأذهب مباشرة لخطبتك من أبيكى
لأول مرة أخرج من هذا المكان بلا طرد, لقد تركتها حائرة مشتتة وهذا في حد ذاته نصر شفى بعضا من غليلي لم أكن واثق من موافقتها, ففتاة مثلها مفاجأتها لا تنتهي
فتاة!!
ترى ما شكلها وكيف هي ملامحها؟ ولم تغطى وجهها بهذه الطريقة الغريبة؟
لا شك أنها قبيحة, فأي امرأة جميلة لا يمكن أن تخفى جمالها وتصبح في عيون الناس شبحا مرعبا أحسست أنني تسرعت وأن قدمي زلت في كارثة قد لا أستطيع الخلاص منها
ولكن عنادها استثارني من جديد وانشغل عقلي بما سأفعله ان لم توافق على الزواج
ان هذا هو الحل الوحيد الذي يترائي لي الآن للسيطرة على ذلك الكائن العنيد المتوحش
بقيت مؤرقا أفكر حتى الصباح, وفى اليوم التالي شعرت لأول مرة بالتردد أمام باب المحل
كان مغلقا للصلاة, وجلست في سيارتي على نار الانتظار, وأكثر من مرة راودتني فكرة الرحيل, أو الهرب من تلك العروس المقلب ولكنني لم أرحل وأخيرا وجدتها تفتح باب المحل بنفسها وتدخل ترددت كثيرا قبل أن أستجمع شجاعتي وأفتح باب السيارة وأدخل إلى المحل

دخلت إلى المحل لأجدها خلف مكتبها وصوت تمتمات هامسة تصدر منها
قلت والتوتر يعصف بداخلي وأنا أحاول السيطرة عليه وأظهر الهدوء أمامها: لقد أتيت
لأول مرة أسمع صوتها يأتي هادئا, لكن لازالت الخشونة تكسوه وهى تقول : وأنا كنت أنتظرك
قلت والتوتر بداخلي يزداد : احم.. حسنا وما ردك على عرضي؟
قالت مباشرة : أنا موافقة
ألجمتني المفاجأة ولم أصدق أذني, أحقا وافقت!
قلت بدهشة: ماذا قلتي؟
قالت بصوت أعلى وبلهجة خالية من التحدي: قلت أنني موافقة… ولكن بشروط
ضربت رأسي الهواجس, هل ستطمع تلك البائسة وتبدأ في إملاء شروطها على؟
ماذا كانت ستفعل لو كانت في نصف جمال رودى ودلالها؟
أيحق لها إملاء شروط تلك الرجل المتنكر في ثوب امرأة!
وفى تلك اللحظة هاجمتني صورة في ذهني, أن عروسي المقبلة ربما تكون غطت وجهها لتخفى لحية وشارب حول فمها
قالت عندما طال صمتي : لم أسمع ردك
قلت بعد أن واريت كل مشاعري وأفكاري خلف قناع تمثيلي من الهدوء: وما هي هذه الشروط؟
قالت : أن تتنازل عن كل ديونك بورق مسجل باسم أبى, لا باسمي, كما أن عقد المحل باسم أبى
قلت : وأنا لم أقل بخلاف ذلك
أكملت : أن لا يكون مهري مالا, بل بضائع تملأ بها المحل, وكذلك الشبكة إن أردت شراء شبكة, لا أهتم بذلك كثيرا, فقط يمكنك أن تقدر قيمتها وتضيفه كبضائع للمحل
وحيث أنني سأترك العمل لبعض الوقت وأتفرغ للزواج, فعليك استئجار اثنين من الموظفين تخصص بصريات للوقوف في المحل وتدفع رواتبهم لمدة عام كامل على الأقل
قلت بضيق: وماذا أيضا!
ردت بجدية : هذه هي كل شروطي المادية
ولكن هناك شروط أخرى غير ذلك
قلت ساخرا: هاتى ما عندك
كما أنك طلبتني للزواج ووجهي مغطى, فاعلم أنني سأكون كذلك بعد الزواج, ومن أهم واجباتك كزوج أن تحفظ سترى وأن تحرص على ألا يراني غريب
قلت ساخرا: هل انتهيت؟
قالت : لم يتبقى سوى شيء واحد, وهو الأهم بالنسبة لي, ماضيك لا شأن لي به, وكذلك كل ما يصدر منك بعيدا عن سمعي وبصري
أعلم قدراتي جيدا, كما أعلم أنني لن أستطيع تقييدك أو السير خلفك في كل مكان, كما أنني لا أتحسس عورات الآخرين, ولا أحب التجسس
ولكن إن وصلني عنك انك ارتكبت فاحشة, فسيكون هذا فراقي
قلت ساخرا: يبدو أنك تعتقدين أنني شخص من الشارع أو من بيئة فاسدة
أنا ابن ناس, ومن عائلة كريمة
قالت بهدوء : لا يقيم الرجل بأهله وأسرته بل بأفعاله وتصرفاته
أفحمتني من جديد, فخرجت من المكان بسرعة قبل أن أنفجر فيها وأنا أقسم في نفسي أن أذلها وأكسر أنفها وأحطم كبرياءها
صرخت في وجه حفيدي بعد أن سمعت ما يكفى ليشنف آذاني: كيف تتزوج من فتاة بهذه الطريقة الدنيئة؟
وأي بيت هذا الذي يمكن أن يقام في ذلك الجو من التحدي والعدائية والرغبة في الانتقام؟
قال ساخرا : بيت من الذي تتحدث عنه؟ إن الأمر لن يتعدى بضعة أيام, أو أسبوع على أكثر تقدير, ألهو قليلا وأشبع رغبتي في الانتقام, وأكسرها
والأهم من ذلك, أن أعرف ماذا خلف النقاب
قلت وقد تملكني الذهول تماما من كلماته المستفزة : أأنت حقا حفيدي! أأنت حقا ذلك الصبي الطيب الذي كنت أحبه كثيرا وألاعبه!
قال ببرود : لا تكبر الموضوع يا جدي العزيز وتلبسني ثوب الشيطان
أنا لم أخدعها, على العكس, هي تعلم كل شيء, وتدرك جيدا لم تزوجتها
وكما قالت لي في آخر مرة التقيتها, أن الأمر ليس سوى صفقة وعقد شراكة بيني وبينها, وكل منا عليه أن يؤدى التزاماته نحو الآخر هي تتزوجني طائعة مختارة وهى تعلم أنني أود أن أخنقها وأذلها, في مقابل أن تضمن أن يبقى المحل باسم والدها وأن ترفع عنها ديونها وديون أسرتها لم يخدع أحد منا الآخر, على العكس, انه زواج قائم على الصراحة المطلقة, لم يخفى أحدنا شيئا عن الآخر
قلت بغيظ : هذا ما يسمى حقا يراد به باطل
أيها الشريف, يا بن العائلة الكريمة, أنت تلوى ذراعها وتستغل حاجتها للمال
قال مدافعا : لقد وافقت برغبتها, واشترطت على كل شروطها وأنا لم أرفض, ومنحتها ما تريد مقدما, أما المؤخر فلم تشترط فيه شيء, بل العكس لقد رفضت أن يكون هناك مؤخر صداق
قلت بفهم : يا مسكين, إنما فعلت ذلك لتسهل عليك تطليقها, وتزيل أي عقبة في طريقك لإنهاء الزواج في وقت قريب هي لا تريدك كما انك لا تريدها وتلاعبك كما تلاعبها تماما
قال بابتسامة ماكرة : وهذا أجمل ما في الأمر, أنني حر أتخلص منها في الوقت الذي أريده
أخذت أسترد أنفاسي التي تسارعت من فرط غيظي من ذلك الفتى الخبيث المستفز, ثم حاولت أن أحادثه بطريقة مختلفة : يا بني, ألا تخشى الله؟ إن لديك أختا, أتود أن يفعل بها كما تفعل أنت بهذه المسكينة؟
قال ساخرا: أختي ليست سليطة اللسان ومتوحشة مثلها تلك الشرسة تحتاج من يعلمها الأدب
قلت بحدة : وهل تعرف أنت الأدب لتعلمها إياه؟
إن ما تفعله هو شيء عديم الأخلاق
زفر شادي بيأس : إذا فأنت أيضا لا توافق على هذا الزواج؟
قلت: أفهم من كلامك أن أمك لم توافق؟
نعم, بالتأكيد لا يمكن أن توافق على تلك الفتاة التي وصفتها لي
قال بإحباط : أمي فقط!
إن العائلة كلها أعلنت الرفض القاطع بالإجماع, حتى أبى رفض فمن وجهة نظرهم فتاة كتلك لن تشرف العائلة الكريمة, حتى رشا, أتصدق إن اعتراضها عليها لأن اسمها لم يعجبها
قلت متهكما: عقليتها لا تختلف كثيرا عن عقلية أخاها
صمت محاولا التحكم في أعصابي حتى لا أثور عليه وأطرده, ثم قلت أخيرا : والآن أفهم تماما لم أتيت إلى, لأنك تحتاج موافقتي على زواجك لتقويك أمام ثورة العائلة
أكملت بسخرية مغتاظة : وأنا الذي اعتقدت بسذاجة أن حفيدي الغالي قد هداه الله وأتى أخيرا لزيارة جده بعد انقطاع يزيد على السنة نظر إلى باستعطاف وقال جملته الشهيرة التي يقولها كلما حاول استجدائي لأفعل شيء يريده : جدي, أنت تعلم أنني أحبك وأننا أصدقاء منذ زمن طويل, فهلا ساعدت صديقك؟
قلت هازئا : نعم, من أجل صداقتنا الوطيدة لم تزورني منذ غادرت بيت أبيك سوى مرتين فقط, آخرها منذ عام وثلاثة أشهر
قلت بألم: تغيرت كثيرا يا شادي, يا للخسارة, كنت أنت الأقرب إلى دون أفراد العائلة قاطبة
قال بلامبالاة: ما كان عليك أن تتشاجر مع أمي وتترك البيت
قلت متأففا: هل سنعيد القصة من جديد؟ ومن أخطأ ومن أصاب؟
عموما هذا المكان ملائم لي تماما, على الأقل لا أجد من يستفز أعصابي ويضايقني ويرشقني بكلماته المؤلمة كلما تحركت حركة أو تنفست نفسا
قال مغيرا الموضوع : والآن, ألن تساعدني وتؤيدني؟
لقد انتويت أن أدعوك لتشهد على عقد قراني
قلت مغتاظا : اتقى الله في الفتاة المسكينة, إن كل ما تريده من حياتها هو أن تعيش وتساعد أهلها على المعيشة الصعبة عار عليك أن تظلمها بتلك الطريقة المشينة
قال بنفاذ صبر : إذا فأنت أيضا ضدي مثلهم جميعا؟
قلت بحدة : بل وأشد منهم جميعا, ولكن أسبابي تختلف عن أسبابهم
هم يرون أنها لا تليق بك ولا بعائلتك الكريمة, وأنا أرى أنك أنت الذي لا تليق بها
شادي : حسنا, لقد فعلت ما يتوجب على فعله وأخبرت الجميع
قلت بعجب : إذا فأنت لا زلت مصرا رغم معارضة الجميع
قال بعناد : لو اجتمع أهل الأرض كلهم ضدي لإيقاف هذه الزيجة لتزوجتها رغما عنهم جميعا
صمت تماما والغضب يحرق كل قطرة من الدماء في عروقي, ثم رأيت في عينيه بعض الخوف والتوجس مما سأقوله, إذ يبدو أن منظري وأنا غاضب مخيفا
ابتلعت ريقي وقلت محاول تصنع الهدوء : أعلم أنك قادر, وإذا عزمت على شيء فلن يستطيع أحد إيقافك, حتى أنا إن كل ما أستطيع أن أفعله الآن هو أن أدعو الله دعاءا خالصا أن يجعل هاديتك وصلاحك على يديها
قال شادي باستغراب: أخبرني بصدق, هل تعرفها لتنحاز لها بهذه الطريقة؟
قلت بثقة : أنا لا أعرفها, ويكفيني حديثك عنها لأنحاز لها
فتاة طاهرة, نقية, عكسك تماما في كل شيء لا هم لها في الحياة سوى مساعدة أباها المريض وأسرتها أيها الأعمى, ألم يرق لها قلبك ولو للحظات وتقدر تضحياتها؟
فتاة تتقرب لربها بفضيلة من الفضائل تبيع الدنيا لتشترى رضا ربها ما الذي تريدني أن أعرفه أكثر من هذا لأنحاز لها؟
قال باستهتار : لا شيء لم يتبقى سوى أن أعرف ماذا خلف النقاب
قلت متهكما : إن كل ما أخشاه هو أن تأتى لتصيدها فتعلق أنت في الشبكة وتغرق, وعندها لن تجد يدا تمتد إليك لتنقذك
ضحك متهكما : اطمئن, لا يمكن أن أغرق مع واحدة تخفى قبحها عن الناس ولن يراه سواى
قلت بغيظ : يا مسكين, لقد شرع الله النقاب لإخفاء جمال المرأة لا قبحها
فالمرأة التقية التي تدرك قيمة جمالها بحق, هي التي تخفيه عن أعين الفاسدين
قال بتحدي : سنرى, واطمئن فحفيدك صياد ماهر, لو كانت مقلبا فسألقيها كما جلبتها
اهتم لنفسك واعذرني فلن أستطيع أن أدعوك لحفل زفافي, فعروسي التي لم أرى وجهها حتى الآن اشترطت على ألا يكون هناك حفلا للزفاف, وعلى أن أنفذ لها رغباتها لأصدق معها
قلت وقد خطر لي خاطر أفزعني : ذكرتني, نصيحة أخيرة لك, إياك أن تخبر أحدا ماذا خلف النقاب, إن كان خيرا أو شرا, لا تخبر أحدا أبدا, خاصة أولائك الفسدة الذين تعتبرهم أصدقائك
قال : اطمئن, فهي أيضا اشترطت على هذا الشرط, وأكدت على أن أكون سترا لها يبدو أن المقلب سيكون محترما شديد الوطأة
قلت بيأس : إذا فأنت مصر أن تعتبر الزواج مجرد لعبة؟
قال: لا تغضب على, فأنا لازلت شابا وأريد الاستمتاع بحياتي, لن يدوم الأمر سوى بضعة أيام, وبعدها سأعود كما كنت
قلت بحزن : ولكن الفتاة المسكينة لن تعود أبدا كما كانت
استجمعت كل غيظي وقلت بقوة: خذها منى يا حفيدي الغالي, بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في الخير, اللهم اجعلها قرة عين لك…….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق