1win aviatorpin up casinomostbet casino1win gameslacky jet1 winmosbetpin up casino game4era betмостбет кзlucky jet4rabetpinup login1 win kzmostbetmosbet casinomosbet kz1 win az1 winpin up kzmosbetmostbet casinomostbet aviator loginmostbet casinomost betmosbet indiaparimatchlucky jet online1win aviator1win apostaaviatorpin up kz1win lucky jetlucky jet onlinepinuppin up betting4rabet loginmostbet kz1win kzluckyjeypin up1win online1winonewin casino1 winparimatchpinuppin up betmostbet4rabet pakistanaviator 1 win
الأدب و الأدباء

رواية فاطمة لسامية أحمد

بسم الله
الحلقه رقم(3) من روايه فاطمه
الناشره/رانيا يوسف
ابتسمت ولاء ابتسامة واسعة عندما وصل الجد إلى هذا الجزء وقالت : لا تقل لي, لقد أصابته دعواتك, أليس كذلك؟

قال الجد باسما: لم توقعت هذا؟

تحولت ابتسامتها الواسعة إلى ضحكة خافته : لأن ذلك المحظوظ نال القمر فى السماء

ألم تكن هي التي زارتك اليوم؟

قال بضحكة ماكرة : نعم , وتحايلتى وتماكرتى لترى وجهها, أليس كذلك؟

خفضت عينيها في خجل قائلة : فضولي الزائد يتسبب لي دائما بالمشكلات

قال الجد وهو يشرد بعيدا : نعم, إنها هي فاطمة أجمل من خلق ربي

اشتعلت عيناها ببريق الفضول وقالت بشغف: وماذا فعل عندما عرف ماذا خلف النقاب؟ انه الحب من أول نظرة, أليس كذلك؟

ابتسم الجد : أنت متعجلة وشغوفة للغاية, ولكن لا تتسرعي في الحكم على الأمور, فالحب من أول نظرة لا يصلح مع نوع له غرور حفيدي, نوع لف ودار ورأى نساء لا تحصى, مما أورثه كبرياء عنيف يمنعه من الاعتراف بالحب وحتى تتضح الصورة, فالأمر أكبر بكثير من مجرد جمال الوجه أو الجسد, فذلك الأحمق نال قطعة من الجنة تمشي على الأرض

ولاء بشغف : كيف؟

يعود عم محمد للقصة : زارني الأحمق بعد أربعة أشهر, وأخذ يحكي لي ما حدث بالتفصيل

ذبت الى بيتها في أحد الأحياء الشعبية القديمة, لم يكن هناك أى مظهر من مظاهر الفرح في المكان سوى عناقيد النور التي أصر والدها على وضعها على جدار البيت ليظهر للجيران أن له ابنة تتزوج, كان كل شيء هادئ تماما وبعد عقد القران طلبت منها أن تخلع النقاب, ولكنها قالت بهدوء : لا تتعجل, فلنذهب إلى بيتك أولا أخذتها ورحلت دون أن نتبادل أية كلمة, وأنا أتوعدها في سري, وعندما وصلنا إلى البيت أشرت لها على الحجرات والمطبخ والحمام, وتركتها ودخلت الحمام لأتحمم, وعندما خرجت وجدتها تصلى على سجادة صلاة لم تكن موجودة في البيت, وأدركت أنها أحضرتها معها, كانت من النوع الذي تم تركيب بوصلة فيه لمعرفة مكان القبلة التي لو سألتني عنها ما عرفت بماذا أجيبها

انتابني الضيق الشديد ولم أنظر إليها حتى ارتديت منامتي وخرجت من الحجرة متأففا وجلست في الشرفة الواسعة وأخذت أسلي نفسي بعمل بعض المكالمات للشلة, وكنت قد أخبرتهم أن اليوم زفافي إلى فتاة النظارات, وكانت دهشة الجميع عارمة أن العنيدة وافقت على زواجي منها, وعرفت أن تامر يقيم حفل صاخب في شقته, وأخذت أتحسر على نفسي وعلى البركة السوداء التي سقطت فيها, وأصدقائي في الهناء صخب وضحك ورقص وفتيات حتى الصباح

تامر : ما بك أصبحت كئيبا, هل نضحت عليك وأصابتك عدواها؟

قلت بتأفف : لا يا صديقي, يبدو أنني أخذت مقلبا محترما إبليس نفسه لن يتحمل تلك الجلسة التي أجلسها الآن أتتني ضحكاتهم الساخرة, وفهمت أن تامر فتح السماعة الخارجية للجوال ليسمعني الجميع

قلت بضيق : لا تضحكوا كثيرا, انتظروني سألحق بكم, فلن أتحمل ساعة أخرى في هذا المكان الكئيب, ومع مخلوقة كتلك لم أدرى أنى قد استغرقت أكثر من نصف الساعة في المكالمة الا عندما أنهيتها اتجهت إلى الحجرة وأنا في قمة الضيق, يبحث عقلي عن وسيلة للخروج من البيت في هذا الوقت, وأخذت أفكر جديا في ارتداء ملابسي والخروج سريعا لألحق بالشلة في شقة تامر عندما دخلت إلى الحجرة توقعت أنها لا زالت تصلي, لكني وجدتها قد أنهت صلاتها وجلست على طرف الفراش أول ما شد انتباهي أنها أنثى عادية, ترتدي ملابس النوم المكشوفة وتترك شعرها منسدلا على كتفيها

لكن ما أثار اهتمامي أكثر هو أن شعرها كان مصففا بعناية بأحدث التسريحات, بل انه أجمل من تصفيفة شعر رودى, كان ناعما للغاية ويخفي أغلب وجهها الذي ينظر إلى الأرض, والأروع أن تدرجاته اللونية خلابة لم تكن سيئة أو قبيحة, إذ يبدو أن كلامك كان صحيحا إلى حد بعيد, والآن بدأ الفضول يأكلني لرؤية وجهها, فاقتربت منها وجلست بجوارها في هدوء, وأدرت وجهها إلى, وتجمدت كل عضلة في, حتى أنفاسي, فقد فوجئت أمامي بكم من الجمال المبهر لم أكن أتوقعه إطلاقا بقيت مشدوها لفترة لا أحرك ساكنا لفترة لا أعلم مداها, فقد أذهلتني تماما تلك الفتاة العجيبة, وفي عقلى أخذت أقارن بينها وبين رودي, لكنها كانت أجمل منها بمراحل

في هذه الليلة لم أستطع أن أغادر البيت وأذهب الى الشلة, فثاني المفاجآت التي أذهلتني أن الشرسة العنيدة سليطة اللسان لم تكن فقط جميلة, بل كانت وديعة وهادئة الى درجة الصمت التام, فلم تفتح فمها مطلقا, ولم أسمع صوتها أبدا

صوتها!!!

أهو جميل أيضا كوجهها؟ أكانت حقا تغطيه بغطاء الخشونة لتخفيه عن آذان الرجال كما فعلت بوجهها؟

تمنيت أن أعرف لكنها لم تمكنني من ذلك على الرغم من محاولاتي لإستفزازها لتتحدث الى وأسمع صوتها
استيقظت عند الفجر على رنات جوالي وأنا في شدة الغيظ من ذلك السمج الذي أيقظني من نومي, وتوقعت أنه أحد أفراد الشلة يستظرف , أمسكت بالجوال وأنا أنوى أن أشتمه, لكن الرقم لم يكن من مصر, كانت مكالمة من فرنسا, لا شك أن أحد أفراد الشلة قد أخبر رودي, صرخت بضجر : يووووووه
وألقيت بالجوال بعنف إلى الجدار ليتفتت إلى قطع, وهدأت عندما تخلصت من الجوال المزعج الذي هو همزة الوصل بيني وبين الشلة, فالجوال الثاني كان عائليا فقط ولا أحد من الشلة يعرف رقمه تذكرت فجأة أنني تزوجت بالأمس, فانتفضت أبحث عنها وأنا متوقع أن تكون هربت, لكني وجدتها تصلي على سجادتها, فعدت لنومي مطمئنا, ثم استيقظت عند الظهيرة أبحث عنها وهناك هاتف بداخلي يقول أنها ستهرب مني وتعود إلى بيت أبيها, وارتحت أن وجدتها في حجرة المعيشة تتابع الأخبار في التلفاز, فقلت لها : أنا جائع, هلا أحضرتي شيئا من الثلاجة لنأكله؟
لم تنظر إلى أبدا, لكنها تركت جهاز التحكم في القنوات وهبت قائمة إلى المطبخ ومنه إلى المائدة, لأفاجأ بعد قليل بأن المائدة امتلأت بأطايب الطعام الساخن, وجمعت فيها بين وجبتي الإفطار والغداء معا جلست إلى المائدة وأخذت أتأملها وهى تذهب وتجيء بنشاط عجيب من المطبخ إلى المائدة, وأعجبتني للغاية ملابسها الأنيقة واختيارها للألوان, وأخذت أستمتع بذلك العبير الرائع الذي يصافح أنفي كلما مرت بجواري, وفكرت أن أسألها عن اسمه, ولكني لم أشأ أن أكون في عينيها أبلها لا يدرى نوع العطر النسائي الذي تضعه, فأنا خبير في العطور النسائية من كثرة ما اشتريتها كهدايا لصديقاتي, أما هذا العبير فلم يرد على من قبل
وتعجبت من جديد, إذ كيف باستطاعة فتاة في عمرها أن تخفي كل هذا الجمال وتلك الأناقة تحت خيمة كبيرة مغلقة النوافذ والأبواب, لا يبدو منها شيء ومر الوقت على دون أن أشعر لأفاجأ بأنني لم أركب سيارتي, أو أرى الشارع الذي أسكن فيه من أسبوع كامل ضحكت وضحكت وضحكت حتى كاد قلبي أن يتوقف, ودمعت عيناي بشدة اغتاظ شادي وسألني : لم تضحك الآن!
قلت ساخرا : أضحك من حمقك, إذا فاليمامة الوديعة حبست الصياد المغرور في البيت أسبوع كامل, وأذهلته عن الدنيا, حتى أنه لم يعد يفرق بين ليل أو نهار, ولم يعد يعرف في أي يوم هو من أيام الأسبوع!!
قال بغيظ : من حبس من؟
أتريدني أن أترك لها البيت وأخرج دون أن أضايقها وأنغص عيشها؟, وهل هذا يعد انتقاما! تذكر أنني تزوجتها لأنتقم منها, ولا تبالغ في استنتاج الأشياء
قلت بشماتة : أنا لا أبالغ, ما أقوله هو أقل من الحقيقة, فأنت لم تكن تبتعد عن أصدقاءك ساعة واحدة, ولا يمكن أن تضيع سهرة صاخبة مثل سهرة تامر
قلت محاولا استفزاز غيظه وغضبه قدر ما أستطيع : ولكن, أخبرني بصدق, ما الذي جعلك تترك كل شيء وترابط بجوارها؟ أهو سحرها أم جمالها, أم فتنتها؟
فوجئت بأنني أخفقت في اغاظته, بل انه تقبل كلماتي ورد بطريقة عادية : الحقيقة أنها جميلة للغاية, لكن مشكلتي معها أنني عاجز عن الإمساك بخطئ واحد لها أعاتبها عليه أو ألومها أو أصرخ في وجهها, أو حتى أنغص حياتها, فهي تتصرف بمثالية كبيرة, تطيعني إلى درجة الطاعة العمياء, لا تقول لا أبدا لأي شيء أطلبه منها, أتمنى أن أجد لها خطأ واحد
قلت بغيظ : يا لك من أحمق كبير, والآن, ما الذي أتى بك إلى هنا الآن؟ لا شك أن خلفك مصيبة كبيرة, فأنت لا تأتي إلى إلا إذا كنت غارقا في مشكلة, أو تحتاج إلى شيء قل الحقيقة مباشرة, هل طلقتها, أم تريدني أن أخترع لك سببا مقنعا لتتخلص منها, فأنا أفهمك جيدا, ليس لك في الطيب نصيب هتف بدهشة : أطلقها!!!
وكيف أتمم انتقامي إذا؟ وماذا عن مالي الذي دفعته, هل أخسره هكذا بكل بساطة دون حتى أن أحصل على مقابل لما دفعته!
هتفت بغيظ : أتعلم أنك تثير اشـ ..
أمسكت الكلمة على طرف لساني, ثم زفرت بضيق وحاولت أن أتصنع الهدوء: ما علينا.. والآن, بعد أربعة أشهر كسرت أنفها ولويت ذراعها وأجبرتها على كل شيء تريده, وعرفت ما خلف النقاب وشفيت غليلك منها, ما هي مشكلتك؟
قال بإحباط: المشكلة أنها لا تغضب ولا تتأفف مهمة طلبت منها, أو أمرتها بشيء
قلت ساخرا: تريدها أن تصفعك إذا ما أمرتها بشيء؟
قال: لا بل أريدها أن تناقشني, أن تغضب, أن تصرخ في وجهي, أن تقول حتى لا أنا متعبة, أنا مريضة حتى الآن لم أسمع صوتها جيدا, كل ما ترد به بصوت خفيض, (حاضرة, سأفعل ان شاء الله, كما تريد)
قلت بوجل : آآه, إن كل ما أخشاه أن يكون أحد غيري قد سمع منك هذا الكلام
قال باسما : لا اطمئن, إن نصائحك كطلقة رصاصة, لا تصد ولا ترد, فعندما خرجت من البيت بعد أسبوعين وذهبت إلى الشلة انطلقت أضحك من جديد, واغتاظ شادي مني, ورغم ذلك أكمل الحكاية, فلم يكن له لديه أحد يثق به ولا يحكي له سواي فقال مبررا : كنت مضطرا أن أذهب إليهم, وإلا لزاروني في البيت, حتى تحذيري لهم بعدم الإقتراب من البيت لم يكن ليجدي بعد كل هذه المدة من الغياب, وهنا ستقع كارثة ولا شك بمجرد أن رأوني, احتفلوا بي بصخب وتجنبت بصعوبة مشاركتهم الشراب حتى لا أنكشف عندما أعود إلى البيت وكان أول سؤال عندما جلست بينهم هو ماذا خلف النقاب؟
قال تامر : هيا, أخبرنا, ماذا وجدت خلف النقاب؟
قلت بتردد: ماذا وجدت خلف النقاب؟؟
تصنعت التفكير العميق وكأنني لا أجد أوصافا مناسبة : امممم, أنها جيدة, في المجمل جيدة
رأفت: ماذا تعني؟ أهي جميلة أم لا؟
قلت : احم, آآ.. في بعض الأحيان قد تكون جميلة
تامر بإشفاق : ألهذه الدرجة!
قلت مستنكرا : لا لا لا تفهموني خطأ, أنها جميلة, لديها جمال وليست خالية منه
يضحك رأفت : يبدو أنك شربت مقلبا كبيرا
قلت مدعيا الدفاع عن نفسي: لا, لا تقل هذا فهي جيدة قلت لك
قال تامر : في العادة لا توصف المرأة بذلك الوصف, فهي إما جميلة أو لا
أخذت أحك رأسي وأنا أفكر في فكرة, أية فكرة للهروب من الموقف, أعرفهم جيدا عندما يجتمع الفضول بينهم تذكرت فجأة شيئا قد ينقذني, فهتفت فيهم بغضب : ما هذه المقالب السخيفة؟ كيف تفعلون بي هذا, أهذه هي أصول الصداقة؟
صمت الجميع فجأة مندهشين, فأكملت مدعيا الغضب بعد أن أفلحت في إبعاد تفكيرهم عن زواجي : كيف تفعلون بي هذا؟
قال تامر بحيرة : وماذا فعلنا؟
قلت ثائرا : إنه أنت يا تامر, أليس كذلك؟
قال بدهشة: أنا؟؟ وما الذي فعلته؟
قلت : اتصلت برودي وأخبرتها بأنني تزوجت حاولوا كتم ضحكاتهم للحظات, لكنهم فشلوا وانفجروا جميعا بالضحك فقلت مغتاظا : أتعلمون ماذا فعلتم؟ لقد خربتم العلاقة بيني وبينها, كيف أصلح الأمر الآن؟ وما الذي يمكن أن أقوله لها عندما تعود؟
قال وليد بهدوء : ألهذا أغلقت جوالك طوال هذه المدة؟
قلت : نعم, لقد اتصلت بي ولم أرد, لا شك أنها غاضبة
رأفت : اطمئن, ستنسى سريعا بعد أن تطلق زوجتك وتجدك حرا من جديد
قال تامر ونظرة ماكرة تتراقص في عينيه : أم أنك لن تطلقها؟
نظرت اليه صامتا لا أدري ماذا أقول, فقال بتخابث : لم تخبرنا بعد, هل وجدتها جميلة, أم قبيحة؟
قلت بارتباك : لا, لا انها جميلة, لا بد أن تكون كذلك
نهض وليد فجأة من كرسيه وهو يقول بتأفف : هل سنقضي الليلة في الكلام عن هذا الموضوع؟ شادي, أريدك في خدمة لي ذهبت معه وأنا شاكر له للغاية أن أنقذني منهم
خرجنا من النادي وتمشينا معا نحو موقف السيارات, وقلت متسائلا: لم أنت صامت؟ ألم تكن تريدني في شيء؟
قال ببساطة: لا, لم أكن أريدك في شيء, ولكني شعرت أنك بحاجة للخلاص من الموقف, فأردت أن أساعدك للخروج من هناك ابتسمت مقدرا ما فعله, لا زال وليد هو الأقرب وجدانيا الى أكثر من أي شخص آخر أكثر حتى من تامر شريكي, فعلاقتنا في العمل مادية أكثر منها معنوية, وخارج العمل لا يجمعنا سوى المرح واللهو, لكن يظل وليد هو صديقي الحقيقي الذي يفهمني بسرعة قلت له بغرض السؤال عن أحواله : كيف حالك مع رانيا؟
قال بإحباط : لا شيء, لقد انتهت تلك القصة منذ زمن
قلت باستغراب: كيف تستسلم بتلك السهولة؟ وبعد كل هذا الحب؟ لقد كانت قصة حبكما مضرب المثل في النادي قال بلهجة يائسة : مثلها مثل أية قصة حب أخرى فشلت في النهاية وانتهت
تركت الكلام في هذا الموضوع, فلم أشأ أن أثقل عليه, فوليد هو الرومانسي الوحيد بين أفراد شلتنا, وكم كنا نسخر منه بسبب رومانسيته الزائدة, والآن بعد صدمته في حبه الكبير, أصبح مثلنا تماما, لا يهمه شيء سوى المتعة
وصلنا حيث ركنت سيارتي فقال بسرعة: سلام
قلت : إلى أين؟
قال : سأعود إليهم فلم يعد لي غيرهم
لوحت إليه بيدي مودعا, لكنه استوقفني وأنا في السيارة : شادي
نظرت إليه باهتمام فقال : هل صحيح أنها مقلب كبير؟
ابتسمت له فبادلني الابتسام بصمت وانطلقت بسيارتي وطوال الطريق وفي ذهني فكرة تلح على, ماذا صنعت لي من أطايب الطعام على العشاء؟ وما الذي ستلبسه ونحن نتعشى سويا؟ وأي ألوان ستختار؟
ثم عاد تفكيري يشرد وبدأ يهاجمني الضيق عندما تذكرت أنني لن أسمع منها أية كلمة
ترى, كيف ستكون تلك المرأة إذا ما تكلمت؟ وكيف الحال إذا ما جرت كلمات الحب على لسانها؟ كان صمتها هو أكثر ما يضايقني ترى كيف ستكون العلاقة بيننا إذا ما انطلق لسانها وعبرت بحرية عن مشاعرها؟
كان شادي شاردا تماما وهو يتحدث عنها, وارتسمت في عينيه نظرة لا يمكن أن تفسر إلا بتفسير واحد فقط, فسألته سؤال مفاجئ : لم لم تجب على سؤال تامر؟
عقد حاجبيه بتساؤل: أي سؤال
قلت : هل تنوي أن تطلقها أم لا؟
قال بعد تفكير : لم تسألني هذا السؤال؟
قلت : لأنني قضيت أربعة أشهر كاملة في انتظار نبأ الطلاق وأنا أتساءل كلما مر على يوم جديد ولم يصلني النبأ الذي أتوقعه : ما هذا الفتى! لقد حقق كل ما تمناه, كسر أنفها وسيطر عليها وأذلها, فلم يبقي عليها حتى الآن؟
والآن عرفت السبب, أراه الآن في عينيك
قال ساخرا : وما الذي تراه في عيناي؟
قلت بثقة وخبرة : أرى مشاعر جديدة قد بدأت تنبت بداخلك, خلاف مشاعر الانتقام والرغبة في السيطرة قد تكون ميلا, أو إعجابا, أو أنك قد أدركت أخيرا أنك قد حزت شيئا ثمينا ومن الخبل التفريط فيه بهذه السهولة أعلم طبيعة حفيدي جيدا, فهو عندما يعجز عن إيجاد رد مناسب على كلامي يصمت تماما, وأفهم أنا أنني قد أصبت شيئا بداخله وهذه المرة خرس لسانه, وبقيت أفكر ماذا يمكن أن أقول له ليحفظ النعمة التي هبطت عليه من السماء؟
لكني فجأة انتابتني رغبة قوية فصارحته بها على الفور : شادي, لو طلبت منك طلب فهل تنفذه من أجلي؟
قال كعادته : بالطبع يا جدي, تعلم أننا أصدقاء من زمن وأنا أحبك
قلت بضيق : لا تكرر هذه الجملة أمامي, فأنا أتشاءم منها
قال : حسنا. جرب أن تطلب أي شيء
قلت بلهفة : أريد أن أراها
قال بتساؤل : من تقصد؟
قلت : زوجتك يا بني آدم, هل فقدت الذاكرة؟
قال بتردد : ولكني وعدتها ألا يراها غيري, إنها تخفي نفسها عن كل عين, حتى أنها لم تغادر البيت منذ أن تزوجنا إلى الآن حتى أهلها انقطعت عنهم, فلم أرى أحد منهم من يوم الزواج
قلت بغيظ : أتغار عليها مني يا متخلف!!!
وهل أنا غريب عنها؟ أنا حموها, ولا حرج أن أكلمها أو أرى وجهها
قال وهو يستعد للرحيل : حسنا, أعدك أن أخبرها, ولكن إن لم تأتي فاعلم أنها رفضت
قلت بثقة : اطمئن, فتاة بهذا الخلق لا يمكن أن ترفض دعوة من حموها

(للمرة الثانية صدق توقعك)
هكذا قال لي شادي وهو سعيد عندما زارني في الدار بعد عدة أيام قليلة
قال بمرح : لقد وافقت بسهولة ودون اعتراض, وقالت لي كعادتها كما تريد, وها هي أمامك
وقفت أتأملها بسعادة, فبرغم أنها كانت مغطاة الوجه لكن جمالها كان يبدو لي حتى من خلف نقابها, ربما يبدو لي أنا فقط من خلال عيون شادي أنا الذي أعرفها حق المعرفة وأعرف أخلاقها وأعرف جمالها من خلال الصورة التي ألقاها شادي في عقلي بكلامه عنها
جلسنا حول إحدى الطاولات في ركن بعيد من أركان الحديقة, وسألها شادي : ألن تخلعي النقاب؟ إن جدي ليس بغريب دارت عيناها في المكان, ثم قالت بهدوء : كنت سأفعل, ولكن المكان غير مناسب فهمت ماذا تعني, فقلت لها : ربما لو جلست في مقعدي أصبح الأمر أسهل
تبادلنا المقاعد فأصبح ظهرها للحديقة المليء بالزائرين والمقيمين, ووجهها لسور الحديقة المكسو بالأشجار وهنا فقط رفعت نقابها لأجد خلفه أجمل ابتسامة ود مشرقة, وأدركت من تعبير الدهشة الذي ارتسم على وجه الأحمق حفيدي أنه لم يحظ منها ولو بجزء صغير من تلك الابتسامة الجميلة قلت بصدق : إن ما أخبرني به شادي عنك هو أقل من الحقيقة بكثير, خفتت ابتسامتها قليلا, لكنها قالت بود : أنا سعيدة للغاية أنني التقيت بك, انه حقا شرف لي, وأرجو أن تسمح لي أن أناديك جدي
قلت بود خالص : سأحزن كثيرا ان دعوتني بغير ذلك نظرت إلى الأحمق ضعيف العقل, المسكين حرم نفسه من صوتها الجميل ومن كلماتها الرقيقة الودودة الراقية المجاملة, كان جالسا بجواري مشدوها يتأملها وكأنما لم يرها من قبل, فهتفت به : هل ستقضي اليوم تتفرج علينا؟
قال وكأنما قد فزع لتوه من نوم طويل : ماذا! وماذا تريدني أن أفعل؟
قلت: أحضر لنا بعض العصائر نهض ملبيا, فقلت ثانية : وشاي أيضا, وبعض الحلوى
قال باستسلام : حاضر, أية أوامر أخرى؟
قلت بفرح : لا تحضر أي شيء مما قلته لك, أحضر لنا غداءا فاخرا, هل سمعتني جيدا, فاخرا جدا اسمع, أحضر لنا كباب وكفتة نظرت الى زوجة حفيدي التي اتسعت ابتسامتها حتى أنارت وجهها وقلت بود : أم أنكى تفضلين أسماكا؟ هل تحبين الدجاج؟
قالت وقد ضاقت عيناها من فرط اتساع ابتسامتها : سآكل مما تحبه أنت يا جدي
قلت بسعادة غامرة : أسمعت ما قالت؟
لم يرد على, فنظرت إليه ووجدته يقف شاردا يحملق فيها بصمت من لا يسمع شيء حوله, أما هي فلم تكن تنظر اليه بل كانت تتأمل المكان حولها بتمعن
هتفت به: شادي, شادي, هل صمت أذناك؟
التفت إلى قائلا : نعم, سمعت, أتريد شيئا آخر؟
قلت بلهجة آمرة: كباب وكفتة من أرقي المحلات, وأكثر من السلطات غادرنا شادي, فسألتها بعد أن هدأ الجو : كيف حال شادي معك؟ هل هو حسن السلوك؟ هل يعاملك معاملة جيدة؟
لم ترد سوى بكلمة واحدة وعلى وجهها ابتسام دبلوماسية : الحمد لله ثم أتبعتها بسؤال وكأنما تغلق على باب مناقشة علاقتها بشادي, أو حتى الاقتراب منه لحظتها أدركت كم هي ذكية للغاية وحساسة ولا تنزلق بسهولة خلف أية كلمة حانية تقال لها, وأن حياتها الخاصة عصية على الاقتحام هنا فقط, قررت أن أكسب صداقتها بصرف النظر عن علاقتها بحفيدي إن كانت جيدة أم لا أما السؤال الذي سألته فهو : لم لم تطلب الطعام من مطعم الدار؟ أهو سيء, وليس على المستوى المطلوب؟
أخذت السؤال بظاهرة, وأجبت بطريقة عادية, لكنني لم أفهم المغزى الحقيقي من سؤالها إلا عندما أدركت أنه مجرد بداية لسلسلة متدرجة من الأسئلة التي انتقتها بعناية وبألفاظ غاية في الذكاء والرقي, وكأنما هو حوار يتسلي به اثنان لأول مرة يلتقيان, فأخذت تسأل عن كل جزء من الدار التي أقيم فيها, من الحديقة إلى الحمامات إلى المطبخ والطعام, مرورا بالنزلاء والعاملين والمشرفين, ولم تنسى أن تسألني عن مرضي المزمن وعلاجي وطبيب الدار الذي يباشرني إلى أن وصلت في النهاية إلى السؤال الذي كان هو الهدف الأساسي الذي قطعت له كل هذا الطريق من الأسئلة والحوار الودود
فقد سألتني في النهاية : هل أنت مرتاح في هذا المكان يا جدي؟ هل هو حقا الأنسب لك
صمت ولم أرد, فقد كنت متعجبا للغاية, فالفتاة الشابة التي ألتقيها لأول مرة في حياتي سألتني سؤالا لم يسأله لي حفيدي الذي هو زوجها, بل لم يسأله ابني الذي خرجت من بيته شبه مطرود من سنوات لم يهتم أي من أفراد عائلتي أن يسألني ذلك السؤال البسيط, (هل أنت مرتاح في هذا المكان؟)
وما جعلني أكثر تعجبا أن الفتاة بذلت جهدا كبيرا, وأدارت حوارا طويلا, حتى يأتي السؤال بصورة طبيعية دون أن يجرح مشاعري لم أجيب على السؤال, فقد وصل البائس المعتوه بالطعام, والتهينا فيه وفي التحدث في مواضيع عامة, لكن ذهني كان مشغولا تماما بحفيدي, أيمكن أن يكون ذلك المسكين قد خسر قلب تلك الحورية التي من قلب الجنة؟
عندما كان يحكي لي عنها ظننت أن برها وطيبتها وحنانها وخلقها لأهلها وعائلتها فقط
لكن ما رأيته اليوم منها كان يفوق تصوري, فهي تهتم وتتأثر وتحنو ليس فقط على أقربائها, بل على أنا أيضا مسكين شادي.. أين هو من كل هذا الحنان والرحمة التي تنضح من جوارحها على الآخرين!!! هل له نصيب من كل هذا, أم أنه قد حرم نفسه بغبائه لتتحول الحياة بينهما الى روتين جامد بلا مشاعر حقيقية كان النهار الذي قضيته بصحبة هذين الشابين هو أجمل ساعات مرت على منذ زمن طويل, طويل للغاية فلأول مرة أشعر بأن هناك أحد يهتم لي ويحنو على ويحرص على صحبتي يهتم إن كنت سعيدا ومرتاحا أم لا ولو حتى كان مجرد سؤال في نهاية اليوم, دعتني لزيارتها في بيتها, وألحت على بقوة أن تكون الزيارة قريبا
كنت سعيد للغاية بدعوتها, لكن هذا لم يمنع عقلى من التفكير من جديد في أن الدعوة لم تأتيني من حفيدي, بل منها هي لذلك قررت في نفسي ألا أدخل بيت حفيدي أبدا حتى لو حاول أن يحسن موقفه أمامها ويقول جملته التي تعفنت من كثرة تكرارها : يجب أن تأتي, تذكر أننا أصدقاء منذ زمن وأنا أحبك نظرت إليه نظرة فهمها هو جيدا, مفادها أنني لن أدخل لك بيتا أبدا ما حييت, فصمت تماما وبدا عليه الإحراج لكنني انهرت في لحظة واحدة أمامها, وبدلت رأيي من أجلها, وألقيت بقراراتي عرض الحائط عندما سلمت على بحرارة وانحنت أمامي وطبعت قبلة احترام وتقدير على ظهر يدي وهي تقول : سأنتظرك يا جدي, لقد وعدتني ولن تخلف وعدك, أليس كذلك؟
من المستحيل فعليا أن أقابل فتاة تحمل هذا الخلق الرفيع والذكاء الطيب والروح الرحيمة الحنون وأرفض لها أول طلب تطلبه مني قلت وأنا أخفي الدمع بين جفوني : سآتي, حتما سآتي
نظرت إلى الأحمق زاجرا : ليس من أجلك, بل من أجل تلك الحورية من الحور العين والتي ضلت طريقها الى الجنة لتهبط في بيتك أنت أيها البائس الفقير
تململت ولاء في جلستها وظهر في وجهها عدم الرضا
فسألها عم محمد: ما بك؟ هل هناك ما يسوء؟
قالت : لا يعجبني هذا
قال : وما الذي لا يعجبك؟
قالت : تحويل البشر إلى ملائكة لا يخطئون, وإضفاء صفات الملائكة عليهم, البشر خطاءين, مهما بلغت نسبة التزامهم واقترابهم من الله
قال بهدوء: سأسألك سؤال: عندما تحبين شخصا ما, كيف يكون هذا الشخص من وجهة نظرك؟
قالت بسرعة : ملاك نازل من السماء
قال : هكذا كانت فاطمة في عيني, حورية من الحور العين حظي بها حفيدي إن الحب يصغر العيوب إلى درجة أن ننسى وجودها
قالت بعدم اقتناع : ولكنك لم تلتقيها سوى يوم واحد فقط
قال : هل سبق لك أن أحببت شخصا بلا سبب بمجرد أن قابلتيه لأول مرة
قالت : حدث لي ذلك مرات عدة, وخاصة مع الأطفال
قال : إذا فالحب لا أسباب محددة له, بل هو هبة من عند الله يهبها لعباده الصالحين ومن يحبهم
فكما جاء في الحديث الشريف
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : (( إذا أحب الله تعالى العبد، نادي جبريل، إن الله تعالى يحب فلاناً، فأحببه، فيحبه جبريل، فينادي في أهل السماء : إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض )) متفق عليه
وكما قال عن موسى عليه السلام ((وألقيت عليك محبة مني))
إن فاطمة من هذا النوع, أضيفي لهذا شخصيتها الرائعة وصفاتها الحميدة وحنوها على الآخرين
قالت : بالتأكيد هي أيضا لها أخطاؤها, يكفي أنها لا تعامل زوجها كما يجب أن يكون
قال عم محمد بدهشة : ومن قال هذا!
ولاء : أنت قلت, وهو قال لك أنها في البيت صامته هادئة إلى درجة الموت, وفي الخارج متحدثة لبقة وشخصية رائعة وصوت شجي, أليس هذا تناقض!
عم محمد : ألم يخطر ببالك أنه قد يكون هو المسئول عما وصلت إليه العلاقة بينهما؟
قالت : بالتأكيد, ولكن بعد مرور شهور على الزواج أصبح الاثنين من مسئوليتهما إنجاح الزواج واستقرار البيت, وإذا كانت متدينة فعلا يقع عليها العبء الأكبر في إصلاح الأمور, كان عليها أن تستغل أنه بدأ يميل إليها ويسلم لها مفاتيح قلبه
قال بابتسامة : لا زلتي متسرعة, لا تحكمي على الأمور بظاهرها
قالت مستسلمة : حسنا, وماذا أفعل الآن؟
قال : تسكتي تماما وتدعيني أكمل الحكاية
قالت بمرح : سمعا وطاعة, أكمل يا عماه
أكمل الحكاية قائلا : لبيت الدعوة سريعا بعد عدة أيام, وكانت صاحبة البيت مضيافة ومتحدثة لبقة وربة بيت ماهرة تحسن تضييف الضيف, كانت تعاملني بحفاوة كبيرة كما لو كنت أقرب أقربائها, لكن ما حز في نفسي أن حفيدي كان صامتا تماما, يكتفي بمراقبة ما أمامه ببرود, أما هي, كانت تبدو عادية معه ولو لم أكن أعلم ما بينهما لمر الأمر عاديا دون حتى أن التفت اليه, ولكن الصورة المسبقة التي في رأسي جعلتني أعد الكلمات والحركات والشاردة والواردة وكأنما أحاول التأكد من كلام حفيدي عنها, لذلك فقد لاحظت أنها حقا مقلة معه في الحديث فلم تحدثه بربع الكلمات التي تحدثت معي بها ويمر الوقت الساعة تلو الأخرى وكلما حاولت الاستئذان للرحيل, أجدها قد حاصرتني بأسلوبها اللبق وكلماتها اللطيفة, وتبقيني بحجج واهية وأنا مستسلم لها مستمتع بصحبتها وكلما نظرت إليها تهاجمني أمنية حسيرة تظل معلقة في قلبي لا أستطيع البوح بها, فقط لو أن هذه الفتاة الرائعة من دمي,أي ابنتي أو حفيدتي, ثم أتذكر أنها زوجة حفيدي الفتى الضائع أحبه نعم, ولكني استخسرها فيه, وأدركت أن الأمنية لو تحققت بالفعل وأن هذه الفتاة كانت من دمي حقا,لما رضيت به زوجا لها, فالواقع المرير أنه لا يستحقها أبدا دخل الليل, وعلى المغادرة والعودة إلى الدار, ولكن في قراره نفسي أستأنس بصحبتهما كثيرا وأتمنى لو طالت أكثر, ولكن على الرحيل حاولت هذه المرة أن أكون حازما قدر ما أستطيع وأرفض دعوتها الكريمة بالبقاء وقضاء الليل في غرفة الضيوف حقا حاولت بجدية, لكنها كانت قوية في دعوتها وتمسكها برأيها, وأصرت ألا أرحل ليلا, فالنهار له عينان كما قالت, وأنها فقط مسافة الليل القصير نظرت إلى حفيدي الأبله الذي لم ينطق بكلمة واحدة, ولم يعلق على كلامها بالرفض أو القبول وتعجبت تماما, شادي الذي لم يكن أحد يستطيع فرض شيء عليه, وأن صوته من رأسه كما كان دائما يقول, ولكم كان عناده سببا في تفجر الكثير من المشكلات في محيط العائلة لم يعترض ولو بكلمة واحدة على رأيها ولم يؤيده أيضا, بل تركها تفعل ما تشاء وأنا أيضا تركتها تفعل ما تشاء وقضيت الليلة في حجرة الضيوف بعد أن جهزتها لى ولم تكف لحظة عن سؤالي : أينقص شيء؟ أتحتاج إلى شيء؟
وابتسامتها الواسعة الممتلئة بالحفاوة والحنان قبل كل هذا وبعده وقضيت الليل سعيدا هانئا وأنا أشعر بأن هناك من يهتم بي ويحنو على ويقدم لى ما يستطيع ليسعدني بعد أن أصبحت شيخا مسنا على هامش الحياة لا يحتاجني أحد, ولا يسعى إلى أحد لحاجة له
إنما هذه الفتاة تفعل كل هذا وهي تدري أنها لن تكسب من ورائي شيء كنت حقا سعيدا للغاية وحظيت بنوم هادئ عميق لكن في نفس البيت هناك من كان قلقا والدهشة تغرقه, فلأول مرة يرى الأحمق ذلك الوجه الجديد من زوجته, وكما روى لى فيما بعد أحداث هذه الليلة التى لا يمكن أن أنساها فقد بدأها بسؤال وهى تجلس بجواره على الفراش بعد أن استعدت للنوم وتوقع كعادتها ألا تجيبه سوى بكلمة أو كلمتين فقط : يبدو أنك قد انسجمتي مع جدي؟
لكنها بدلا من أن تجيب على سؤاله, سألته سؤال مفاجئ لم يكن يتوقعه: هل ستترك جدك يعيش وحده في دار المسنين؟
فوجئ تماما بسؤالها الغريب, فلأول مرة يثير أحد أمامه ذلك الموضوع وبتلك الطريقة
قال بعد صمت حاول فيه أن يستوعب الأمر جيدا ويجيب بحيث لا تصبح إجابته مثارا للانتقاد : وما الخطأ في ذلك؟ إنه يعيش هناك منذ سنوات, وهو سعيد ومرتاح, كما أنه لم يشتكي أو حتى يطلب أن يعود إلى بيت ابنه قالت بجدية : لكنه غير مرتاح هناك ولا سعيد, كما أنه مريض كما عرفت منكما بمرض مزمن, ويحتاج لمن يراعيه في شيخوخته وينظم له جرعات الدواء ويهتم به وبصحته, على الأقل إن اشتدت عليه أعراض المرض فلا يجب أن يجد نفسه وحيدا بين أغراب
قال بدهشة : كيف تفكرين في كل هذا, إن أهله وعائلته لا يفكرون بهذه الطريقة
صمتت ولم ترد, وصمت هو بدوره تاركا مساحة واسعة لعقله يفكر فيها, ولكنه قال بعد مدة : وماذا يمكن أن أفعل أنا! إن العلاقات متوترة للغاية بينه وبين أمي, ولن يقبل بالعيش معها ثانية, وهي أيضا ترفض عودته للبيت أما أنا فلا يمكن أن أتدخل فهي لن تقبل مني أية كلمة, فهي تقاطعني منذ..منذ…
صمت ولم يكمل, لكن الكلام واضح ولا يحتمل سوى تأويل واحد
زفر بضيق ثم قال : خلاصة الموقف أنه ليس بيدي شيء لأقدمه له
قالت بهدوء : على العكس, بيدك أشياء كثيرة لم يفهم ماذا تقصد, أو لم يكن يتخيل ما ستقوله أو يخطر له ببال, فقال متسائلا : مثل ماذا؟
قالت : بيديك بيت واسع يمكن أن يضمه, بيديك حب ورعاية تستطيع أن تقدمها له, على الأقل لو هاجمته أزمة مفاجئة ليلا فسيجد من يجرى ويتعب ليحضر له الطبيب والدواء
قال بذهول : أتقصدين أن يعيش معنا هنا!!!!!
هذا لا يمكن
قالت بهدوء : ولكنى أراه الحل الوحيد المنطقي للأمر, فهو يحبك ويعتبرك أقرب أحفاده اليه, بل أقرب إنسان له في عائلته, وأنت أنعم الله عليك بالمسكن الواسع والسعة في الرزق فما المانع؟
هتف بانفعال : لا يمكن, إن ما تقولينه مستحيل
صمت قليلا ثم تذكر شيء قد يفلح في إثنائها عن رأيها: وأنت, أنت كيف ستتحملينه؟ هل ستقضين نهارك وليلك في تمريض رجل مسن
قالت مباشرة وبشكل قاطع أدهشه كثيرا : أنا موافقة
صمت من المفاجأة, ثم بدأ يغلي بالغضب الغير مبرر, وقال بحدة وهو يحاول قدر ما يستطيع أن يخفض صوته حتى لا يخرج من غرفتهما: أنا لا أفهم!!! لا أفهمك !! لا أفهمك أبدا!!!! كيف تفكرين بهذه الطريقة وتتصرفين مثل هذه التصرفات؟
ليس هناك فتاة في عمرك تفعل هذا!!
قالت بهدوء مستفز : على العكس, هناك ملايين من الرجال والنساء يفكرون بهذه الطريقة ويتصرفون هكذا, بل ويعتبرون أن مثل هذه التصرفات هي الواجب والأصول, ولكن يبدو أنك لم تقابل أي منهم
قال بعناد : الفتيات عادة يفضلن الحياة في بيتهن وحدهن دون أن ينغص عيشهن أحد
قالت ببرود : ربما في وسطك الذي تعيش فيه, ولكن في وسطي الفقير المتواضع لم يعد هذا من أولويات الفتاة, واعلم أن أختي تزوجت في غرفة واحدة في شقة عائلة زوجها التي مساحتها أقل من مساحة هذه الشقة التي نعيش فيها, ولديها طفلان وهي تعيش سعيدة, ولم أسمعها يوما تشكو وهذا الرجل المسن المريض النائم في غرفة الضيوف هو حموي, ومن أول واجباتي كزوجة أن أساعد زوجي على بر ذوي رحمه ورعاية أهله صمت ولم يستطع الرد بعد أن أفحمته من جديد, وصمتت هي أيضا في انتظار أن يعمل عقله في الأمر ويقلبه على كافة الأوجه
لكن عناده هزم عقله, فقال بانفعال: لا, لا يمكن, لن أواقف, سأجد حلا آخر, أما ما تقولينه فهو مرفوض بصورة قاطعة, سأدفع له أجر ممرضة تمرضه, أو خادمة تخدمه
قالت بهدوء شديد محاولة امتصاص غضبه: رائع, هذا حل مثالي
هدأ قليلا واسترخى في الفراش, فأكملت هي بهدوء أشد : وما المانع أن تفعل هذا وأنت تضمه تحت سقف بيتك نظر إليها بذهول غاضب فأكملت هي دون أدنى انفعال : يبدو أنك تعلم جيدا من أين ينفق جدك, وهل تكفيه نفقاته وموارده المالية, أم يعيش على الكفاف دون أن يشكو
هاجمته رغبة ملحة أن يصرخ في وجهها, أن يعبر عن غضبه العنيف من كلماتها, أن يقول حتى (لا شأن لك)
لكن شيء في كلماتها أو أسلوبها عقد لسانه وألجمه تماما فصار أخرسا أمامها كل ما فعله هو أن أزاح الغطاء بعصبية واعتدل في الفراش متحفزا لمعركة معها لكنه لم يستطع أن ينطق أبدا, واستغلت هي صمته جيدا فقالت بأسلوبها الهادئ : أتدري, عندما كنا عنده في الدار, ذهبت الى دورة المياه لأغسل يدي بعد الطعام, وعندما وصلت إلى مبنى الإدارة سمعت العاملين هناك يتحدثون بصوت مرتفع عن نزيل في الدار مات من أسبوعين, مات ليلا ولم يدرى عنه أحد إلا في صباح اليوم التالي, مات وحيدا هل تعتقد أن قصة كهذه يمكن أن تؤثر في نفسية جدك, أم أنه لا يبالي مثل الآخرين!
أخيرا استطاع أن ينطق فقال بلهجة تمتلئ استغراب ومرارة في نفس الوقت : لماذا! لماذا تفعلين كل هذا!!!
قالت بجدية : لأن هذا من حسن البر
هتف بضيق : لكن ابنه وعائلته لا يهتمون كما تهتمين أنت! إنه ليس من عائلتك ولا من دمك, ولن يلومك أحد إن لم تفعلي هذا!
قالت بعمق: لا أبالى كثيرا بلوم الآخرين, فكل نفس بما كسبت رهينة
هتف بغضب وشعور بالدونية بدأ يغزو أعماقه ويتسبب له في غضب عارم يطغى على عقله : هلا كلمتينى بالعربي قالت وهي تفكر في طريقة تفهمه بها : عربي! امممم
أخذت نفس عميق ثم قالت دون أدنى انفعال : الأمر ببساطة هو أن عليك أن تشتري قطعة أرض صغيرة في مكان جميل وراقي, وتبنيها على أحدث طراز, وتؤثثها بأفضل أثاث, وتستأجر لها مجموعة منتقاة من أفضل الموظفين والعاملين والمشرفين وتصنع منها دارا للمسنين جميلة ومريحة لتؤويك عندما تكبر ويتخلى عنك الجميع أحلاما سعيدة ونوم هانئ
أدارت وجهها ووضعت رأسها على الوسادة وهدأت تماما وتركته يغلي وينتفض من الغيظ
يتبع

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق