مقالات

الحالات الحرجة.. الموت على أعتاب « العناية المركزة»

كتب – رؤوف علواني 

بات المرض هاجسًا يؤرق حياة الأمنين، يخشون لحظة الحاجة لمستشفيات الحكومة وهم يدعون الله سرًا وعلانية أن يكفيهم شر المستشفيات والقائمين عليها بعد أن تحولت الأخيرة إلى شر مطلق في الصورة الذهنية لكل مواطن فقير لا قدرة لديه لتدبير نفقات بضع أيام لمريض من ذويه في غرف العناية المركزة. «مفيش سرير»، صارت تلك العبارة متداولة على ألسنة الأطباء والمسئولين في المستشفيات، دائما ما يكون لها وقع الصدمة على ذوي المرضى وأصحاب الحالات الحرجة، يتحسسون جيوبهم الخاوية حينما ينصحهم الأطباء باللجوء إلى المستشفيات والمراكز الخاصة لإنقاذ الحالة، لا يملكون ما يمكنهم من حجز سرير ولو لليلة واحدة في تلك المراكز بسبب الاستغلال والجشع الذي يسيطر على أصحاب ومسئولي تلك الحالات، فعادة ما يطلبون مبالغ تأمين كبيرة قبل دخول الحالة، بالمخالفة للقانون الذي يسمح لمرضى الحالات الحرجة بالمكوث باي مستشفى خاص أو حكومي لمدة 24 ساعة. رحلة المعاناة تبدأ بتلك العبارة البائسة، فلا مناص من حجز المريض في العناية المركزة حفاظًا على حياته، وأمام قلة الحيلة وعدم امتلاك ذوي المريض المال اللازم، يدشن المقربون منه مبادرات لجمع المال من الأقارب والجيران لتدبير نفقات ليلة أو ليلتين في إحدى المستشفيات الخاصة، تزامنًا مع البحث عن «واسطة» للتدخل لدى المسئولين وحثهم على ضرورة توفير سرير للمريض، لتنتهي معاناتهم إما بالاستجابة أو وفاة المريض، والحجة الجاهزة نقص الإمكانيات. ملايين الجنيهات تُنفقها الدولة على تجهيز وتطوير أقسام العناية المركزة بالمستشفيات، بالإضافة إلى مئات الآلاف التي يتبرع بها المواطنون لذات الغرض، أملاً فى تطوير المنظومة الصحية، وتقديراً لدور قسم العناية المركزة فى إنقاذ حياة المرضى، إلا أن تلك الأقسام تحولت إلى أماكن محظور دخول المرضى بها، أو الاقتراب منها، وأصبحت جملة “مفيش أَسِّرة بالعناية المركزة”، شبح يهدد حياة أصحاب الحالات الحرجة، وتدخلت الوساطة بهذا القسم لتحرم المستحقين من العلاج المجاني، ما فتح الباب على مصراعيه أمام المراكز الخاصة، التي تتاجر بآلام ودماء المرضى، وساهم فى هذه التجارة عشرات الأطباء والممرضات، الذين منعوا الخدمة عن المرضى، ليوصوا أهالي المرضى بالتوجه للمراكز الخاصة. “نقص التمريض، وعدم وجود أَسِّرة كافية، ونقص أجهزة التنفس الصناعي” مبررات تتردد دائمًا في أقسام الاستقبال بالمستشفيات للمرضى، جعلت من دخول أقسام العناية المركزة أمراً مستحيلاً، فى الوقت الذى لم يجد فيه أهالي المرضى بديلاً عن المستشفيات الخاصة، وبسبب ذلك تنشب عشرات المشاجرات يومياً، وعشرات البلاغات والمذكرات التي تتهم إدارات المستشفيات بالإهمال والتقصير وخاصة في حق الفقراء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق