مصر
شوف الزهور ..واتعلم !
حبشي رشدي
كنت اظن ان الانيميا التي اصابت عدد محلات بيع الزهور في محافظاتنا ، يعزى الى اضمحلال عدد الاجانب الذين كانوا يعيشون بيننا ، و يتركزون في الاحياء الراقية ذات التاريخ ، مثل المعادي و جاردن سيتي و الزمالك و مصر الجديدة ، و لكني تبينت ان زبائن هذه المحلات ليسوا جميعهم اجانب ، بل ان عددا وافرا من المصريين صاروا زبائن هذه المحلات ، و يستهلكون الزهور استهلاك الاجانب لها ، و ان المطربين المصريين الذين يغنوا للحب و الزهور يغنون واقعا ، بل وكانوا يستشرفون ان الزهور المصرية سوف يستهلك جزء كبير منها محليا و لا حاجة لتصديرها ، رغم ان الجفاف الراهن الذي يهدد و يستشري في القارة العجوز البيضاء سيقضي على زراعة العديد من المحاصيل ، وبالخصوص الزهور ، مما يعزز فرص الزهور المصرية في اجتياح السوق الاوروبي
كما كنت اظن كذلك ان ثمة علاقة طردية بين الزهور و الحب ، فالثاني يتعزز في مجتمع يحترم و يعشق الزهور ، لان الزهور البشرية الانيقة تتعلم من الزهور الطبيعية نضارتها و حسنها و يبهجها شذاها و الوانها ، و الا ما غنت كوكب الشرق لعمنا بيرم التونسي رائعته التي يقول فيها : ” شوف الزهور و اتعلم .. بين الحابيب نتكلم ..شوف .. شوف .. شوف الزهور .. واتعلم” فالشاعر في بيرم التقط في الزهور قدرتها على صبغ سلوك الناس بدلاها الفتان “
وقد حكي لي بائع زهور عن شاب اعتاد قصد محله كل صباح ليشتري وردة بلدي جورية واحدة فقط بتلاتها العريضة حمراء اللون ، و يهديها الى حبيبته التي كانت تنتظره على بعد خطوات من المحل الذي يغص بانواع من الزهور و الورود ، و بعد ما يزيد عن ثلاث سنوات باع خلالها لهذا الشاب زهاء الالف وردة لم يعد يراه ، فقد اختفى هذا الشاب ، و لم يعد يجهز له كل صباح الوردة الجورية الجميلة ، و حينما استفسرت من بائع الزهور عن اسباب توقف هذا الشاب عن شراء زهرة كل يوم ، قال لي الرجل : أكيد هذا الشاب تزوج!! ، و كأن الزواج يتسبب في كساد تجارة الزهور
و لفتني هذا البائع الراصد بثقافة لاحوال المجتمع بقوله : أكيد ان الزهور لم تكن ، على الاطلاق ، في قاموس قتلة حبيباتهم ، فمن يدثرون في جيوبهم نصول حادة للقتل بهذا التوحش لا يعرفون طريقا الى محلات الزهور و يأنفون حمل باقاتها ، و قد لا يشمون شذاها ، فالزهور و الحب الحقيقي صديقان بجد !!، أما الحب الانوي البغيض فلا يعرف الزهور ، و لا يهديها ، و ربما لا يلفت بصره جمالها و الوانها و حسنها
لكل ذلك سيكون من المبهج ان يزيد استهلاكنا من الزهور ، اما ان كسدت هذه التجارة في محلاتها ، و اضطر بعض اصحاب هذه المحلات الى اغلاقها او تغيير تجارتهم لتكون لعب اطفال من المفرقعات و الاسلحة ، و ماسكات الاشباح …الخ فلنجتهد حينئذ ، و نصدر زهورنا الى القارة العجوز البيضاء ، الا اذا تفشى و تصاعد غلاء المعيشة هناك ، و اضطر الناس الى شطب الزهور من قوائم مشترياتهم تحت ضغوط الفاقة التي تتسبب فيها حروب كامنة في الضمائر ، و قد تندلع و تتسع فيزيد ذلك من غضب طبيعة كانت تزهو بجمالها الأخاذ !