منوعات

مقال قديم للعالم الكبير الشيخ محمود أبو العيون بعنوان ( مهمة رجل الدين فى الوقت الحاضر )

بقلم الباحث التاريخى الشريف / أحمد ُحزين العباضلى الشقيرى
الشهير بــــــ الشريف / أحمد شقير

من المعلوم أن علماء الدين يشكلون الركيزة الأساسية لعملية الإصلاح في المجال الحياتي فالقاعدة التي ينطلق منها عالم الدين تفرض عليه أن يتحمل هذه المسؤولية الخطيرة خاصة أنها من الأولويات الدينية والغايات العملية التي تبين واجباته ومسؤولياته.
وهذا الجانب قد أولي اهتماما بالغا من التشريعات والمنظومات الإسلامية
ونحن على موعد فى الحديث عن مقال عالم كبير من علماء مصر فى القرن العشرين
هو العالم الكبير الشيخ محمود أبو العيون….
ولد الشيخ محمود أبو العيون عام 1882 فى أواخر القرن التاسع عشر
عندما نتحدث عن الشيخ محمود أبو العيون يجب ان تعلم انك تتحدث عن العالم المجاهد والمصلح الاجتماعى الكبير والذى كان معاصرا لجهابذه العلماء من جيله مثل العالم الشيخ المراغى والشيخ الظواهرى والشيخ حمروش والشيخ عبد المجيد سليم ومأمون الشناوى الا انك بالمقارنة تجد ان الشيخ محمود ابو العيون كان أكثرهم نشاطا وإصلاحا وتداخل مع المجتمع .
كان الشيخ محمود أبو العيون الابن الأصغر للعارف بالله السيد ابراهيم ابى العيون
( الثانى ) من زوجته السيدة ترهونية وقد ولد فى نزلة ابى العيون فى عام 1882 م ونشأ وترعرع فى جو من مظاهر التقوى والورع وانتظم فى كتاب القرية وفيه أتم حفظ القرآن الكريم .
توفى والده وهو فى الخامسة عشرة من عمره فتعهده بالرعاية شقيقه الأكبر السيد ابراهيم ابو العيون الكبير الذى كان يكبره بحوالى الثلاثين عاماً فكان له بمثابة الأب الروحى الذى أثر فيه بتوجيهاته وارشاداته طوال حياته .
وفى سن الثانية عشرة سافر الى القاهرة للالتحاق بالازهر الشريف وبعد أن نال شهادة العالمية عام 1908 عين مدرساً بالأزهر الشريف الذى تدرج فى مناصبه الى مفتشاً عاماً فشيخاً لمعهد أسيوط الدينى فشيخاً لمعهد الزقازيق الدينى فشيخاً لعلماء الاسكندرية وأخيراً تولى منصب السكرتير العام للجامع الأزهر والمعاهد الدينية .
وفى أثناء اشتغاله بالتدريس فى الأزهر عمل كذلك بالتدريس فى بعض المدارس الأهلية حيث خالط لوناً جديداً من الحياة الاجتماعية واطلع على الآداب الأجنبية المترجمة الى اللغة العربية وفى هذه الفترة من حياته الف كتاب (تاريخ مصر والاسلام )
الذى ظل يدرس فى الأزهر طيلة حياته والذى جاء معبراً عن اهتماماته السياسية والوطنية والدينية .
وبلغت مشاعره ضد الاحتلال البريطانى أوجها عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى وتطلع المصريين للحرية فقاد أول مسيرة للطلاب تنادى بالحرية والاستقلال وعلى أثرها اندلعت شرارة الثورة فى مصر كلها وشارك الشيخ فى جمعية اليد السوداء السرية للكفاح المسلح ضد الانجليزوملك زمام منبر الأزهر الذى كانت تخرج منه المظاهرات الوطنية ضد الانجليز الذين اعتقلوه مرتين ولم يطلقوا سراحه حتى اعتلت صحته وأشرف على الهلاك .
وبعد حصول مصر على استقلالها وقيام الحياة البرلمانية والأحزاب ، ابتعد الشيخ عن السياسة ، ولكن آتون الثورة فى نفسه لم يخمد ، فراح ينادى بإلغاء البغاء الرسمى الذى اعتبره وصمة خلّفها الاحتلال فى مصر و دوت صيحاته الثائرة على صفحات الجرائد وفى مؤلفاته العديدة فترددت أصداؤها فى كل أنحاء البلاد ، وأكرمه الله قبل وفاته بإلغاء البغاء فى مصر عام 1949 . كذلك كانت له صولاته وجولاته العديدة فى كشف أمراض المجتمع وعيوبه حتى سار ذكره على كل لسان واقترنت الفضيلة بإسم ( ابى العيون ) فى مصر .
كما أهتم بالصحافة فكتب بجريدة المؤيد لصاحبها الشيخ على يوسف وكتب بالأهرام المصرية وبمجلة الهلال ولقد أخترت لكم من أرشيف مكتبتى مقال قديم جدا نشر قديما بمجلة الهلال للشيخ محمود أبو العيون بعنوان( مهمة رجل فى الوقت الحاضر )
وما جعلنى اضع المقال بين أيديكم أننى أثناء قراءة المقال وجدت ان الظروف التى تناولها فضيلة الشيخ محمود ابو العيون للمجتمع بهذه الفترة الزمنية التى كان يعيش بها تتشابه كثيرا مع الوضع الحالى .
تناول الشيخ محمود ابو العيون بالمقال الحديث عن حدوث خروج على الاخلاق والاداب وصفها بإنها حركة انقلاب شديدة على حد وصفه .
كما تحدث عن زعزعة العقيدة فى الله لدى كثير من الشباب وجنوح كثير منهم الى الإلحاد كما تحدث عن محاربة العلمانية لطهارة الدين وقداسة الايمان
كما كانت نصائحه بالمقال ان يكون هناك رجل دين ذكى على جانب كبير من الذكاء وسعة الاطلاع وطلاقة اللسان وان يكون ذا ثقافة وتعليم لائقين بمقتضيات عصر العلوم والمعارف والمدنية وملما بفلسفة الأديان وبالمجادلات الكلامية وبكثير من اللغات الحية حيث أشار الى ان مهمة رجل الدين مهمة شاقة ومجهدة فلقد مضى الزمن الذى كان يهيب فيه الزعيم الدينى فتغنو له الوجوه وتخضع له القلوب
كما تضمنت مقالة الشيخ محمود أبو العيون وصايا هامة لكل رجال الدين مثل الحث على حب الوطن ورفع رايته والدفاع عن بيضته.
فى الحقيقة عندما قرأت المقال القديم للشيخ محمود أبو العيون وجدت عالما قد سبق علمه زمانه فهو عالم فريد عندما تقرأ كلماته تجد صداها فورا داخل النفس والعقل
أيها الاعزاء أن عالم الدين له دور كبير في تفعيل وتبني منهج الإصلاح و يتمحور حول عدة نقاط رئيسية مهمة إذا اتبعت وطبقت كان له الدور الريادي والقيادي الأمثل في تجلى الإصلاح:
أولا: يجب أن يكون تبني مفهوم الإصلاح خاليا من المصالح الذاتية التي تشكل عالقا تربويا ومنهجا فلسفيا يقوم على الحكمة الغائبة بالنسبة للمصلحين فالإنسان الذي يقوم بوظيفة شرعية في سبيل مآرب أخرى وغايات مصلحية هذا الجانب لا يحقق السلوكيات المطلوبة التي تكمن في صناعة الشخصية الرزينة العاقلة البعيدة عن مظاهر الغايات غير النبيلة التي قد تحدث عند البعض بسبب سوء الفهم والالتباس في تفسير المفاهيم الدينية لأن المصلح متى ما كان هدفه ونيته صافية وطيبة وغير مختلطة بشوائب آنئذ تعطي ثمارها ووظيفتها السامية داخل كيان المجتمع الواحد.
منهج الإصلاح يحتاج إلى نفوس صالحة وخير من يكونون صالحين لإصلاح نفوس الآخرين هم علماء الدين لأنهم خير مبلغ وراشد لشتى قضايا المجتمع والتي تحدث خاصة في خضم المشكلات والمعضلات العالمية فهم الوجه الحقيقي لأي مجتمع وأمة وهم العماد الذي يستند عليه عند حدوث أحداث جسيمة تهدد خطر المجتمع وأمنه الوطني وبدونهم يفقد الإنسان التوازن الحقيقي الذي يشكل جسرا بينه وبين كافة شرائح المجتمع الذي يعيش ضمنه.
عالم الدين هو المحرك الأساسي لعملية صهر الإصلاح داخل أبناء وطنه وبه يرهن هذا الجانب الأساسي وإذا كان عالم الدين لا سمح الله بعيدا عن هذه المهمة وتجاهلها عندئذ يكون المأزق السلبي المرتجى توقعه والعياذ بالله
نسأل الله أن يجعلنا من المصلحين الصالحين الذين يقومون بوظيفتهم الشرعية أمام الله وأن يجنبنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يقي مجتمعنا وأمتنا الإسلامية كل الويلات والمخاطر التي قد تنجم بسبب الأعداء والمغرضين.
وأختم حديثى بما كتبه الشيخ العلامة الشيخ محمود أبو العيون حيث كتب فى اخر المقال
( ونحن نعتقد مخلصين ان رجل الدين اذا بلغ حكم الله وأدى الرسالة التى ورثها عن الأنبياء والرسل وصبر كما صبروا وساندته من خلفه صحافة قوية مخلصة وحكومة رشيدة عاملة وقامت بجانبه معاهد التربية والتعليم الدينى فى دور العلم فأن الأمل فى إصلاح الحال يكون قويا والرخاء عظيما )
وللشيخ طرائف كثيرة في الدعوة الي آرائه ‏ حيث لا يؤمن بالتفكير النظري‏ فكان يفكر وهو يعمل‏ ويعمل وهو يفكر ومن آرائه الدائمة المتكررة التي كان يرددها ضرورة أن تكون ملابس المرأة لائقة ومحترمة وبعيدة عن الابتذال والاثارة ‏ وهو يروي في حديث صحفي هذه القصة فيقول‏:‏ ذات مرة بينما كنت اركب الترام شاهدت فتاة علي جانب كبير من الجمال‏ فانتقلت الي جانبها وقلت لها‏:‏ أنت مش شاعرة إنك حلوة قوي؟ فقالت‏:‏ العفو يا سيدنا الشيخ فعدت أقول‏:‏ العفو إزاي‏..‏ إذا كنت حلوة ولطيفة ولا فيش بعد كده جمال وكانت الفتاة تلبس فستانا قصيرا يكشف عن جزء غير قليل من جسمها ـ وسكت أنا قليلا ثم قلت لها‏:‏ لكن يا بنتي مش حرام تبهدلي جمالك بالشكل ده؟ تعرفي لو كنت تخبيه شوية عن عيون الناس يبقي أجمل وأجمل‏
واحمر وجه الفتاة وأصابها الخجل وقالت‏:‏ كلامك تمام يا سيدنا الشيخ‏ إن شاء الله عمري ما ألبس فساتين بالشكل ده تاني‏:‏ ويبدو أن الفتاة قد اقتنعت برأيي‏ فقد رأيتها في يوم آخر تركب الترام وقد ارتدت ثيابا طويلة ليس فيها أي إثارة‏ وقد زادتها هذه الثياب جمالا
وقد ابتسمت لي من بعيد فبادلتها التحية وأنا في غاية السرور‏.‏ وسوف ينتقد البعض هذا التصرف من جانب الشيخ‏ لانه نوع من التدخل في الحرية الشخصية بغير حق ولكن انظر كيف كان تدخل الشيخ‏ فقد كان تدخله حكيما سمحا مهذبا كريما‏ فلم ينهر الفتاة ولم يهددها بالعذاب الأليم‏,‏ ولم يعرض عليها أموالا لكي تأخذ برأيه‏ ولعل الفتاة قد شعرت بذلك وأدركت ان الشيخ يتحدث اليها حديث الأب المحب‏ فتقبلت هذا الحديث بقبول حسن‏.‏ علي أن هذه الملامح في شخصية الشيخ ابو العيون لا يجوز ان تنسينا انه كان في الاصل عالما جليلا ومفكرا كبيرا‏ وله العديد من الكتب‏ اهمها كتابه عن تاريخ الازهر وأعلام شيوخه‏ وما طرأ علي مناهج التعليم فيه حتي تاريخ صدور الكتاب سنة‏1949.‏
هذا الرجل العظيم الذي اتفق معه البعض واختلف معه آخرون‏ ‏ وأحبه الجميع ‏ لم ينل منا إلا إطلاق اسمه علي أحد الشوارع بمدينة نصر بالقاهرة وأظن أنه يستحق منا أكثر من ذلك بكثير‏.‏

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق