بقلم / محمد سعيد أبوالنصر
1-أحبال الوهم.
ﺳﺄﻝ ﺭﺟﻞُ ﺟﺎﺭﻩ ﺣﺒﻼً ﻳﺮﺑﻂ ﺑﻪ ﺣﻤﺎﺭﻩ ﻋﻠﻲ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﺪﺍﺭ ﻓﻘﺎل ﻟﻪ: ﻟﻴﺲ ﻋﻨﺪﻱ ﺣﺒﻞُ ﻭﻟﻜﻨﻲ ﺃﻧﺼﺤﻚ ﺃﻥ ﺗﻘﻮﻡ ﺑﻨﻔﺲ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺣﻮﻝ ﻋﻨﻖ ﺍﻟﺤﻤﺎﺭ ﺗﺘﻈﺎﻫﺮ ﺃﻧﻚ ﺗﺮﺑﻄﻪ ﻭﻟﻦ ﻳﺒﺮﺡ ﻣﻜﺎﻧﻪ !.. ﻋﻤﻞ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺑﻨﺼﻴﺤﺔ ﺟﺎﺭﻩ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻐﺪ ﻭﺟﺪ ﺍﻟﺤﻤﺎﺭ ﻓﻲ مكانه ﺗﻤﺎﻣﺎً! ﺍﺑﺘﺴﻢ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻭﺭﺑﺖ ﻋﻠﻲ ﻛﺘﻒ ﺣﻤﺎﺭﻩ ﻭﺃﺭﺍﺩ ﺍﻟﺬﻫﺎﺏ ﺑﻪ ﺇﻟﻲ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﻓﺄﺑﻲ ﺍﻟﺤﻤﺎﺭ ﺃﻥ ﻳﺘﺰﺣﺰﺡ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻪ! ﺣﺎﻭﻝ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺟﺎﻫﺪﺍ ﺃﻥ ﻳﺤﺮﻙ ﺣﻤﺎﺭﻩ ﻭﻟﻜﻦ ﺩﻭﻥ ﺟﺪﻭﻯ ﻓﻄﺮﻕ ﺑﺎﺏ ﺟﺎﺭﻩ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻱ ﻳﻄﻠﺐ ﺍﻟﻨﺼﻴﺤﺔ؟ ﻓﺴﺄﻟﻪ : ﻫﻞ ﺗﻈﺎﻫﺮﺕ ﺃﻧﻚ ﺗﻔﻚ ﺍﻟﺤﺒﻞ؟ ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﺮﺟﻞ .. ﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎﻙ ﺣﺒﻞ ﺃﺻﻼ !… ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ: ﻫﺬﺍ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻚ .. ﺃﻣﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺤﻤﺎﺭ ﻓﺎﻟﺤﺒﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ . ﻋﺎﺩ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻭﺗﻈﺎﻫﺮ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﻔﻚ ﺍﻟﺤﺒﻞ ﺛﻢ ﻗﺎﺩ ﺣﻤﺎﺭﻩ .. ﻓﺎﻧﻘﺎﺩ ﺩﻭﻥ ﻣﻘﺎﻭﻣﺔ !!
ﺇﺫﺍ ﻗﺮﺃﺕَ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺼﺔ ﻓﻼ ﺗﺴﺨﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻤﺎﺭ .. ﻓﺎﻟﻨﺎﺱ ﺃﻳﻀﺎ ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻧﻮﻥ ﻋﺒﻴﺪﺍً ﻟﻘﻨﺎﻋﺎﺕ ﻭﻫﻤﻴﺔ ﻭﻣﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻳﻔﻜﻮﺍ ﺍﻟﺤﺒﻞ ﺍﻟﺨﻔﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻠﺘﻒ ﺣﻮﻝ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ ﻭﻳﻤﻨﻌﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ للأمام ! ﻓﻜﻢ ﻣﻦ ﻗﺎﺩﺭ ﻳُﺨﻴﻞ ﺇﻟﻴﻪ ﺃﻧﻪ ﻋﺎﺟﺰ .. ﻭﻛﻢ ﻣﻦ ﺫﻛﻲ ﻳﻌﺘﻘﺪ… ﺑﺄﻧﻪ ﻗﻠﻴﻞ ﺍﻟﺬﻛﺎﺀ .. ﻭﻛﻢ ﻣﻦ ﻗﻮﻱ ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺑﺄﻧﻪ ﺿﻌﻴﻒ.. ﺃﻱُّ ﺃﻣﺔ ﺗﺘﻮﺍﺭﺙ ﺃﺟﻴﺎﻟﻬﺎ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﻀﻌﻒ ﻭﺍﻟﺘﺨﻠﻒ… ﻭﺍﻟﺨﻮﻑ ﻭﺍﻟﻔﻘﺮ ﺳﺘﺒﻘﻰ ﻣﺘﺄﺧﺮﺓ ﺣﺘﻰ ﺗﻔﻚ ﺍﻟﺤﺒﻞ ﻭﻳﺼﺒﺢ… حديثها ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻭﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺍﺕ ﻭﺍﻟﺘﺨﻄﻴﻂ ﻟﻠﺘﻘﺪﻡ ﻭﺍﻻﻧﺘﺼﺎﺭ..
2-الرَّحِيل المستحيل .
هل يمكن أن نزيل أحبال الوهم أم أنَّ الرحيل هو الحل ؟ لكن إنْ أردت الرحيل ،لأي بلاد سأرحل ، هل هناك أرض جديدة ،وبلاد بعيدة ، أرض وما أدرَكَتْها العُيونُ، ولا دَنَّستْها ذُنوبُ البشَرْ…هذا خيال إلَّا أنْ يكون التَّنقُّلَ بينَ الكواكِبِ أو بين النجوم ..وهل يوجد في الكون أرض تظلل مثلَ الشجرْ، وأرض تسامح كل البشر هل يوجد في الكون أرضٌ للفضيلة لأنَّ الحياةَ هُنا أصبحت مُستحيلةْ ولأنَّ الرذيلةْ حطمت فينا كل الصفاتِ النبيلة.. أظن أن وجود مثل هذه الأرض مستحيلة .
يقول عبدالعزيز جويدة حول هذا المعنى :”
أُرِيدُ الرَّحِيلَ
لأرضٍ جَديدةْ
لأرضٍ بَعيدةْ
لأرضٍ وما أدرَكَتْها العُيونُ
ولا دَنَّستْها ذُنوبُ البشَرْ
أُريدُ التَّنقُّلَ بينَ الكواكِبِ
يومًا أُسافرُ بينَ النجومِ
ويومًا أنامُ بِحِضنِ القمرْ
وحينًا أُغني كمثلِ الطيورِ
وحينًا أُظلِّلُ مثلَ الشجرْ
أُريدُ الرحيلَ لأرضِ المحبَّةِ
أرضِ التسامُحِ
أرضِ السلامِ لكلِّ البشرْ
أُريدُ الرحيلَ لأرضِ الفضيلةْ
لأنَّ الحياةَ هُنا مُستحيلةْ
لأنَّ الرذيلةْ ..
تُحطِّمُ فينا الصفاتِ النبيلةْ
وتَحرِقُ كلَّ المعاني الجميلةْ
فيا أرضُ أحمِلُها مثلَ عُمري
وأرحَلُ عَبرَ السنينِ الطويلةْ
فأينَ الطريقُ المؤدي إليكِ ؟
وكيفَ الوصولُ ؟
وأينَ الوسيلةْ ؟
أُريدُ الرحيلَ لأرضِ العدالةْ
فكلُّ الحقوقِ لَدينا تَضيعُ
ونحنُ نَعيشُ بعصرِ الجَهالةْ
قَتلنا الرسولَ ،
حَرقنا الرسالةْ
فكيفَ الحياةُ على ظَهرِ أرضٍ
تُخلِّفُ فينا عُصورَ الضلالَةْ
أُحبُّكِ يا أرضُ لَمْ تأتِ بَعدُ
ورَغمَ انتِظاري
أنا ما شَعُرتُ بطعمِ المَلالةْ
ستَبقينَ حُلمي
ولو كنتُ أُدرِكُ
أنَّ الوصولَ إليكِ استِحالةْ “أهـ
وما دام الوصول إليها استحالة لم يبقى أمامنا إلَّا بلدنا نعمرها، وأرضنا نزرعها ،ومصانعنا نشغلها بكل حب …عسى أن يكون فرج قريب أو إشراقة شمس جديده تجعل البلادةسعيدة .