مقالات

وحيد القرشي يكتب”رتوش قلم”

مقال الأسبوع “الراية يا جعفر”

العنوان قد يكون غريبا بعض الشئ ,للعوام والخواص ,وقد يحدث تسأؤلات كثيرة ,هل نرجع لزمن الراية والجهاد والسيف , ذلك ليس مقصدي ,لقد أخترت هذا العنوان “الراية يا جعفر” لمقالي لأوضح ان عمق الايمان الداخلي وليس الظاهري ,سبب النصر علي العدو مهما كانت قوته وعدده,وضع أيضا للعبرة والتأمل والأعتبار ,وليس لخرافات وهمية لا تسمن ولا تغني من جوع ,نحن لا نحتاج جيوشا للقتال والدفاع عن المسلمين المضطهدين في كثير من دول العالم ,لانه لن يحدث ولن يكون الا بقدرة خالق السموات والارض وذلك في علم الغيب لا يعلمه البشر,نحن نحتاج للعلم والتعلم والقراءة والتثقف ,وحكام لديهم علم ودين,نحتاج لدين وتدين داخلي بيقين وتيقن وليس ظاهري بمظاهر كاذبة وخادعة ,ان نتحكم في أنفسنا وحياتنا ومقدراتنا ,ولا نترك أنفسنا فريسة للأخرين وخاصة الغرب الحقير,والأهم من ذلك ان نتبع ونطبق كتاب الله وسنة رسوله في كل تعاملاتنا في الحياة ,نعاني بلادة الفكر الجمعي الملقن ,ونؤمن بثوابت جعلتنا خشب مسندة ,وعقولا متحجرة ,ولعبة وأضحوكة لتجار الدين والتدين ووعاظ السلاطين,ومع تراكمات الازمنة العجاف ,بات المسلمون في غفلة ,لا يعرفون حقيقة تاريخهم ,وحاضرهم المصطنع لهم,ومستقبلهم في أيدي غيرهم ,ورغم ما يحدث لهم من قتل وتقتيل ,وعبودية في بعض الاماكن في العالم,ما زالو يدعون ويدعون ويدعون,بلا عمل وفعل ,وينتظرون الاستجابة من خالق السموات والارض ,هم فعلا اضحوكة العالم.

 

الامة العربية والأسلامية في خيبة كبيرة وتعيش حالة تخلف تزداد يوما بعد الاخر,اصبحنا في قاع الامم بسبب الفكر التقليدي العقيم, يقال قديما ان العقل اعدل قسمة بين البشر,الاختلاف الحقيقي ليس في الشكل والجسد او اي شئ اخر ,الاختلاف في تنمية ذلك العقل بالتعليم والفكر والبحث والتبصر ومعرفة حقيقة الامور وليس شئ اخر,اما العناد والجهل والجرئ وراء خرافات واوهام لا حصر لها نهايتها ما تعيشه الامة العربية منذ زمن بعيد,نحتاج لأعادة النظر في كل شئ ,في التاريخ,ان ننبش فيه لنعرف حقيقته ونجدده, ويجب ان نتعامل معه علي انه متغير وليس ثابت ,ونستفيد منه ونأخذ دروسا وعبرة لما نحن فيه ولما أتي,فرنسا علي سبيل المثال ,كل عشرين او ثلاثين عام تخرج موجة جديدة من المؤرخين ليعيدوا النظر في تاريخ فرنسا ,اما نحن كل شئ ثابت ,ولا يستطيع احد التعمق والتكلم في هذه الامور,ولو تكلم أحد سوف يجد عاصفة من الشتائم والاهانات واقوال المشايخ بهلونات ذلك الزمن الغاشم ,الذين اكسبوا شعوبهم عقما وتعلق بخرافات انتهي زمانها ,فماتت عقولنا وتهنا وعشنا حروب وهمية مصطنعة.

 

لقد أخترت الحديث عن موقعة “مؤتة” في مقالي, لما فيها من دروس وعبر,لقد علمنا الرسول صل الله عليه وسلم ان قيمة المسلم عظيمة وثمنه غالي ,ودمه لن يهدر ,وحقه لا بد أن يرد ولو أستشهد المسلمون جميعا من أجل ذلك ,علمنا عزة النفس والكرامة والأخوة في الدين والوطن ,علمنا كيفية معاملة أسري الحروب وأحترام الادمية والانسانية,لنري ونتعرف ما حدث في غزوة “مؤتة”, أو سرية مؤتة، جرت الغزوة في جمادي الأول من العام الثامن للهجرة (أغسطس 629 م) بسبب قتل الصحابي الحارث بن عمير الأزدي رسول النبي محمد إلى ملك بصرى على يد شرحبيل بن عمرو بن جبلة الغساني والي البلقاء الواقع تحت الحماية الرومانية؛ إذ أوثقه رباطا وقدمه فضرب عنقه ,أمَّر الرسول على هذا البعث زيد بن حارثة، وقال: (إن قُتل زيد فجعفر، وإن قُتل جعفر فعبد الله بن رواحة)، وعقد لهم لواءً أبيضاً، ودفعه إلى زيد بن حارثة. وأوصاهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير، وأن يدعوا مَنْ هناك إلى الإسلام، فإن أجابوا وإلا استعانوا بالله عليهم، وقاتلوهم، وقال لهم: (اغزوا بسم الله، في سبيل الله، مَنْ كفر بالله، لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة، ولا كبيراً فانياً، ولا منعزلاً بصومعة، ولا تقطعوا نخلاً ولا شجرة، ولا تهدموا بناء). وقد خرجت نساء المسلمين لتوديع أزواجهن وهن يقولون “ردكم الله إلينا صابرين” فرد عبد الله بن رواحه وقال “أما أنا فلا ردني الله”.

 

هناك في مؤتة التقى الفريقان، وبدأ القتال المرير، ثلاثة آلاف رجل يواجهون مائتي ألف مقاتل. أخذ الراية زيد بن حارثة وجعل يقاتل بضراوة بالغة، فلم يزل يقاتل حتى شاط في رماح القوم، وخر صريعاً. وحينئذ أخذ الراية جعفر بن أبي طالب، وطفق يقاتل قتالاً منقطع النظير، حتى إذا أرهقه القتال اقتحم عن فرسه الشقراء فعقرها، ثم قاتل حتى قطعت يمينه، فأخذ الراية بشماله، ولم يزل بها حتى قطعت شماله، فاحتضنها بعضديه، فلم يزل رافعاً إياها حتى قتل ,روى البخاري عن نافع، أن ابن عمر أخبره أنه وقف على جعفر يؤمئذ وهو قتيل، فعددت به خمسين بين طعنة وضربة، ليس منها شيء في دبره، يعني ظهره,فعندما قتل زيد بن حارثة ,لم يترك الراية من يده ,بل ظل ينادي الراية يا جعفر,الراية يا جعفر,الراية يا جعفر, ,حتي لا تسقط راية الاسلام والمسلمين علي الارض, قال الله تعالي “مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا”,هؤلاء هم الرجال الحق دافعوا عن شرفهم وعرضهم لأخر قطرة دم ,بأيمانهم حكموا العالم حكما عادلا ,وكانوا سادة العالم ,وكان عجبا أن ينجح هذا الجيش الصغير في الصمود أمام ذلك الجيش الكبير من الروم، ففي ذلك الوقت أظهر خالد بن الوليد مهارته في تخليص المسلمين مما لقوه في تلك المعركة,قتل من المسلمين اثنا عشر رجلاً، أما الرومان فقتل منهم ثلاثة آلاف وثلاثمائة وخمسون رجل.

 

إن المتأمل بعمق في معركة مؤتة يعلم علم اليقين أن الإيمان بالله والاستبسال في سبيل الله وطلب النصر من الله هو الذي يصنع الأمجاد ويقلب الموازين ويعكس المفاهيم ويكسر القيود والأغلال وإلا فإن ثلاثة الآف جندي من المسلمين مقابل مائتي ألف جندي من الكافرين بمعنى أن الواحد منهم يقابل سبعين يعد مغامرة حربية وضرباً من ضروب الانتحار تعاقب عليه القوانين العسكرية, إنه حدث لم يشهد التاريخ مثله ولم يرى العالم شبيها له .

 

إن الرسول – صل الله عليه وسلم أراد أن يؤدب هؤلاء الغادرين الذين غدروا برسوله الذي حمله , رسالته إلى ملك بصرى فقاموا باعتقاله وتقييده وضرب عنقه فأراد صل الله عليه وسلم , أن يؤدبهم ليعلمهم أن لهذا الدين رجالاً يذودون عنه وينتصرون له ولرجاله وليعلم أولئك المعتدون أن للإسلام أبطالاً لا يتركون دماء أبنائه تضيع هدراً وتذهب سدى دون مساءلة أو عقاب فلما تفاجأ المسلمون بعدد وعدة عدوهم قرروا مواجهته مهما كانت النتائج لأنهم في النهاية إما منتصرين وإما شهداء وكلا الأمرين بالنسبة لهما يمثل فوزاً ونجاحاً ,أما التراجع دون لقاء العدو فليس من شيم الأبطال ولا من أخلاق الرجال إذ لا مجال للتراجع عند طلاب الجنان,هولاء هم الرجال الحق ,رحمهم الله نعم المولي ونعم الوكيل .

 

لننظر لما يحدث للمسلمين الان من قتل وتقتيل وعبودية في كثير من دول العالم , يعذب المسلمون في بورما لانهم مسلمون وينطقون الشهادة ويؤمنون بديانة وعقيدة الاسلام,ويتعرضون لأنواعا من التعذيب وبكافة الطرق والاجرام,وكأننا نعيش عصر الجاهلية الاولي,ففي عصر الجاهلية أتحدا المسلمون وأنتصروا,ودافعوا عن كرامتهم وعزتهم ,اما اليوم المسلمون في غفلة مع الزمن ,فحين ننظر لحال المسلمين في القرون الأخيرة نرى أنهم لم يزدادوا إلا ضعفاً، ولم تزداد أخلاقهم على مر الأيام إلا انحطاط وسوءا وتهوراً,ولا أحوالهم وشؤونهم إلا فساداً وضياعا ,أصبحنا فريسة سهلة لكل دول العالم ؛ فقد صدق الرسول صل الله عليه وسلم في حديثه حين قال “يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها”، قالوا: أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: “بل أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن, قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: “حب الدنيا وكراهية الموت” رواه أبو داود وغيره.

 

أن من اسباب ضعف المسلمين ,بعدهم عن الدين وغياب الإيمان والتدين وتطبيق تعاليمه في امور حياتنا,وزاد الامر سوءا الأخذ بتقاليد وعادات الغرب السيئة ,أيضا التفرق والاختلافات الداخلية,جعلتنا مطمعا للكثير ,أن ما يحدث الان للمسلمين من قتل وابادة جماعية ,شئ عادي وبات مظهرا من مظاهر الحياة,لانه يتم بمباركة دول الغرب وخونة الشعوب العربية والاسلامية ,ولو فعل ذلك المسلمين ,لوصفوا بالارهابيين ,فالمسلمون الحقيقون ليسوا بأرهابيين كما يدعي الغرب الحقير,ونحن من ساعدنهم علي ترسيخ ذلك في عقول الأجيال الحاضرة والقادمة أيضا ,فهم في الحقيقة من أوجدوا الارهاب بأفعالهم القذرة ,هم من جندوا الخونة المرتزقة لتنفيذ خططهم الماكرة,هم من أوجدوا طلبان وداعش ومعظم الجماعات التي أتخذت مسميات أسلامية تحت عباءة الدين والتدين ’هم من أوجدوا الخلاف والأختلاف بين الشيعة والسنة واولعوا نار الفتنة بينهم في دول عربية كثيرة,هم من سعوا بكل قوة لخراب وتدمير الدول العربية وشعوبها ,هم من أستطاعوا ان يحدثوا خلاف وقتال بين أبناء الوطن الواحد ,هم من صدروا لنا السئ لشبابنا ونحن ساعدنهم لفعل ذلك ,والمسلمون جميعا يعلمون ذلك جيدا وما زالو يتعاملون معهم بصفاء وغفلة مع الزمن وعدم الادراك واليقظة والحرص ,فالعقل في عالمنا العربي ,بات مسخرة ولعبة بكل المقاييس ,نحتاج لروافع تعلو بقيمته وشأنه,وليس ثوابت أفقدتنا الفكر وحجمت عقولنا وعف عليها الزمن, جعلت من شخصيات تاريخية أصنام نعكف عليها و تركنا وهجرنا ابن سينا و الفارابي و ابن رشد وجرينا خلف التمذهب و التسنن بأوهام لا حصر لها ,ولم يتبقي لنا سوى المبالغة والتلفيق و الكذب والدجل و التكفير والتقتيل,.نحتاج لأعمال العقل والمناقشة وترك مساحة للحوار والأختلاف ونبتغد عن السخف والسفاهة ,.لقد تم تزييف العقل الجمعي للعرب علي مر التاريخ لخدمة أهداف الحكام والسياسة ودول الغرب.

 

عندما نحقق وندقق في الماضي,نجده كتب بالعبث والخطأ وعلي هوي حكام الامور وسادتها,ووجه وأصدر لنا الجميل وحذف السئ ,وترجم ودرس لنا عبر سنوات بالخطأ دون وعي او احكام العقل,وحاضر لا يستقر علي حال ومشكوك فيه ومصطنع ,واذا كان الماضي خطأ والحاضر مشكوك فيه ومصطنع,فماذا عن المستقبل ,لكي نخرج من ذلك ان ننبش في الماضي ونصل للحقيقة لنعيش حاضرنا بواقع ملموس ونسعي لمستقبل افضل وبايدنا ,ان نحكم ونعمل العقل في الخبر ، فنفهم و نعي وندرك ما يؤول له, و نحدق في الواقع و نبتعد عن الإعلام الموجه المضلل للحقائق ، فنعي و نفهم ونستيقن ,ثم نبدء, و نستعمل أعلى طاقة لخيالنا الإبداعي ، فنستشرف المستقبل ونبدع ونصل لحقيقتنا ونكون ذو قيمة,وندافع عن أنفسنا بالعلم والتعلم ,والتحكم في مقدرات حياتنا ,ولا نكون غير محكمين وتابعين لأحد ,وقرارتنا حرة ,وقوتنا وجيوشنا في مواجهة من يخطئ في حقنا وكرامتنا ,وكرامة كل مسلم يعيش علي كوكب الارض.

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق