مقالات

وقفات حول ” تجديد الخطاب الديني “

بقلم / محمد أبوالنجا
 نعم هو ذلك الأصطلاح ” تجديد الخطاب الديني ” والذي لا نزال نكرره بنهم شديد ، منذ أن أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي دعوتة الأولي لتجديد الخطاب الديني ، في أحتفالات ليلة القدر منذ ثلاث سنوات ، وأمام جمع من علماء الأزهر الشريف ، إنهال بعدها سيل من الدعوات المشابهة ، دون جدوي أو تغير ملموس حتي الآن ، لا سيما تزداد وتيرة تلك الدعوات ، كلما حلت بنا مصائب التطرف والأرهاب ، ونالت من البشر والحجر ، لكن حقيقة الأمر ، أن مشاحة الأصطلاح ، سببا رئيسيا في تلك الأزمة ، فتري الأعلام يجتر ، والمؤسسات تكرر ، دون تمهل أو روية ، أو دراية كافية ، في ماذا نقصد بتجديد الخطاب الديني ؟ وأي من أركانة الذي يحتاج لجديد ؟ وما الجديد الذي سنجلبة؟ وما هدفنا من تلك الدعوات ومدي أحتياجنا الشرعي والأجتماعي لها ؟ وهل يقتصر مفهوم التجديد علي الخطاب الديني فقط ؟ كل هذة الأسئلة وغيرها الكثير ، أعتقد أنها تدور برأس الكثير من المصريين ، والمهتمين بهذا الأمر ، وجميعها أسئلة مشروعة ، تمثل إجاباتها مفتاح الخروج من الأزمة ، ومفهوم التجديد في حد ذاتة لم يكن وليد اللحظة ، لكن أرساة النبي (ص) في قولة ” إن الله يبعث إلى هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ” وقد فسر العلماء ذلك بأن المقصود بالتجديد هنا هو تعليم الناس دينهم، وتعليمهم السنن، ونفي الكذب عن رسول الله (ص) من خلال تمييز الصحيح من الضعيف من أحاديثه (ص)، والقضاء على البدع وإحياء السنن الصحيحة، وعلية فالمقصودبالتجديد في الخطاب الديني هو تجديد الفهم الديني، ذلك الفهم الذي أنتجه العقل الإنساني على مدار عقود من الزمان من خلال قراءته وفهمه وتأويله وتفسيره للنصوص الدينية، وليس المقصود منه النيل من الثوابت أو تجديد هذه النصوص بالحذف أو الإضافة أو التغيير أو ما شابه ذلك ، لكنة إعادة النظر في الخطاب الدعوي للدعاة ، وكيفية صياغة رؤية فقهية جديدة لقضايا العصر ، التي لاتتماس مع الأصول الثابتة ، لمصدري التشريع ، القرآن والسنة ، لكنها رؤية جديدة فيما يقبل الأجتهاد فيما أستحدث من مستجدات عصرية ، مثلت فية العديد من روافد العولمة الحديثة لاعبا أساسيا ، في صياغة المفاهيم والأفكار المغلوطة ، لدي قطاعات كبيرة من الشباب ، بمختلف الشرائح الأجتماعية والثقافية ، من هنا تأتي حتمية التجديد ، وإزالة ما علق من رواسب فكرية ، حولت الخطاب الديني ، من لغة التسامح والسلام إلي العداء والكراهية ، ولا شك أن هذة القضية لا تستمد مما نراة من خسة الأعمال الأرهابية التي لا تفرق بين مسلم أو مسيحي ، ولا مسجد أو كنيسة ، لكنها ترسخ لشق الصف الوطني بين المصريين جميعا ، فتجديد الخطاب الديني ، يجنبنا ذلك الوابل من نيران الفكر المتطرف ، ويقوي مناعة المجتمع ، ويرسخ للأمن الأجتماعي بمفهومة الواسع ، وتلك العملية لا تخص أفرادا بعينهم ، أو مؤسسات محددة ، لكنها مسئولية مجتمعية شاملة ، تتشارك فيها مؤسسات الدولة مجتمعة ، الأزهر والكنيسة ، والتعليم والثقافة ، والفن والاعلام ، كل في عملة وإختصاصة ، فلا يصح مثلا أن يتحول مفهوم التجديد الي حالة من الجدل ، بين المثقفين والاعلاميين وغيرهم ، وكأننا نزيد الطين بلة ، فما يخص الشرائع والأديان يكون علي أيدي أهل العلم ، العارفين والمستنيرين يقول تعالي ” وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ”
فإحترام التخصص يجنبنا الجدل أو الزيغ عن الصواب ، إن الأزمة الحقيقية التي نعيشها ، تكمن في أننا نفتقد لوجود رجل الدين ، المستنير الواعي ، الذي يستطيع أن يمتلك أدواتة الفقهية ومعرفتة العصرية ، في التصدي للأفكار المتطرفة حال لجأ لة مستفتي ، وهنا لا بد لنا أن نحصر الداء ، لنعرف الدواء ، فتخلي الدولة عن واجباتها في النهوض بالدعوة ، وفتح آفاق جديدة للفكر المستنير والعمل المخلص ، وإكتفائها بتحول المؤسسات المختصة لبيوت للولاء والطاعة ، عن أي معيار أخر ، وتردي المستوي التعليمي بشكل عام ، كان أحد الأسباب الرئيسية ، في هذة المشكلة ، فإذا نظرنا لأئمة وخطباء الأوقاف ، نجد أن الكثير منهم إن لم يكن أغلبهم يمارس عملا أخر ، الي جانب عملة الدعوي ليتغلب علي الظروف المعيشية والتي لاتوفر لة الدولة ما يتناسب وأقل متطلباتة وأسرتة ، مما يؤثر سلبا علي تفرغة وأطلاعة ، للقيام بمهمتة السامية ، وفي نظرتنا لتجديد الخطاب الديني ، نجد أنة لا يمكننا أن نقتصر نظرتنا علي المسجد مثلا كدار للعبادة وإقامة الصلاة فحسب ، لكن لا بد أن تتحول لنظرة شاملة كمؤسسة تربوية وإجتماعية ودينية ، فهكذا كان المسجد في عهد الر سول (ص ) والخلفاء الراشدين ، نحاول من خلاله إجتذاب الشباب ، مما يراوغهم ويغريهم من مهلكات ، وهذا مانجحت فية الجماعات المتطرفة ، وأخفقت فية الدولة ، نريد خطابا يحمل دعاء الهداية لا الهلاك ، يحمل التسامح والتصالح بين أبناء المجتمع ، يناقش مشكلات الحياة والعيش ، التي ما كانت الشرائع والأديان إلا لصالحها ، نريد خطابا يراعي مستجدات العصر ويتعامل معها ، برؤية فقهية جديدة ، يرسخ للفهم والمعرفة وإعلاء قيم العلم والمحبة والتسامح ، لا الزجر والتخويف ، نريدة خطابا متوازنا بين متطلبات الدنيا والدين ، نريد خطابا يوضح بأن الدين لا يمكن أن يتصادم مع الحياة ، ولا يمكن أن يستحل الدماء أي ما كانت يقول تعالي ” ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ” فالاسلام يعني بالحياة ولا يعني بالدمار والهلاك ، ولا يمكن أن نقتصر مفهوم التجديد علي الخطاب الديني فقط ، أو أن نسبح في هذا الفلك دون غيرة ، لكننا نريد صحوة مجتمعية شاملة ، بالنهوض بالتعليم والخطاب التربوي للنشء ، الذي يتعامل وأحدث وسائل الأتصال العصرية ، والتي تجذبة اليها بكل قوة ، والتي لابد أن يكون التعامل ، من خلالها كأحد الأدوات الأيجابية ، لاسيما أنها أصبحت ، وسيلة أساسية في صياغة الفكر ، ولغة الحوار ، لا بد لنا من أعادة النظر في خطابنا الثقافي بشكل عام ، والنظر في كيفية مخاطبة الشرائح المجتمعية ، بأسلوب جديد ، وإعلاء قيم العمل والمشاركة والمواطنة ، لابد من أعادة النظر بشكل كامل في الخطاب الأعلامي ، الذي مثل الهم الأكبر ، في حالة الأنحدار المهني والأخلاقي منذ ثورة 25 يناير ، وحتي الأن ، ولا يمكن أن ننفصل عن حاجتنا لخطاب سياسي جديد ، يدعم المشاركة السياسية الفاعلة ، ويتجنب الأستئثار بالرأي ، ويعلي قيم الحرية المسئولة ، والديمقراطية العادلة ، كما أنة لا بد من أعادة أحياء دور الدولة في الأهتمام بالفنون ، وأستخدامها كوسيلة سريعة ، تستطيع من خلالها بأن تصيغ مفهوما قيميا جديد ، فكل ذلك جزء لا يتجزأ ، من مسيرة التجديد التي لا تقتصر علي الخطاب الديني وحدة ، لكننا نحتاجها في جميع جوانب حياتنا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق