مقالات
وحيد القرشي يكتب”رتوش قلم”
مقال الاسبوع “الرقص مع الكلاب افضل من البشر”
أثناء مشاهدتي لحلقة من حلقات مسلسل سوق العصر ,أعجبني مشهد من أقوي مشاهد المسلسل ..بين منصور وطلعت ..دار المشهد كالاتي ..
منصور..أنا كنت جأي أسال عن أخوك سيد
طلعت..أنا معرفش حاجة عن سيد ولا أحب اعرف
منصور..خلاص معدش فيكم حد يعرف حاجة عن التاني
طلعت..يا منصور كل حاجة أتغيرت العالم اتغير علشان الزمن اتغير ..كنت تحسب السنين كويس يا أخي
منصور..والزمن الأ أتغير دة يخليكم تنسوا بعض ويعمل كدة في الأخوات
طلعت..يا منصور احنا هنا مش في سوق العصر ..كل واحد يشوف مستقبله من غير ما يعطل أخوه دة المفروض علي الأخوات ياأخي
منصور..والمفروض علي الأخوات أنهم ما يفقدوش الذاكرة مرة واحدة يا طلعت ..بس الظاهر يا حبيبي ان احنا ما فقدناش الذاكرة بس ..لا أحنا فقدنا حاجات كتيرة .
توقفت عند تلك الكلمات وبدئت الكتابة ..الزمن المزمن بعجائب وطبائع البشر الفاقدين للعقل والضمير والاخلاق أتغير يا منصور …أتغير يا حبيبي .
كل شئ مباح ومتاح في زماننا هذا ,النفاق لغة العصر والحوار وفي كل الاوقات والمشاهد الحاضرة ..أنعدمت المشاعر وفقد الأحساس ومات الضمير ,وسمة العصر المصلحة تعلو الجميع ,مفهوم الأخوة أختفي ومحي في ذاكرة الكثير من البشر قبل ملامحهم الحائرة المائلة ,لأننا فقدنا الكثير من عادات وتقاليد أجدادنا ,وغاب الدين في أفعالنا وتعاملاتنا ..فضلت ملامحنا الطريق وأسود كل شئ أمامنا.
أصبح الخوف من المستقبل ومن القادم في عمق قلوب معظم البشر ..بات البحث عن المال هدف الحياة الأسمي علي كوكب الارض ..حياتنا مليئة بألم وأوجاع موجعة وقتلا مفتعلا مع سبق الاصرار والترصد, ونفاقا بات واضحا ومرضا مصطنعا بأيدينا,أو منحتنا أيه تلك الحياة من أخطأنا المتكررة وذنوبنا المفتعلة والغير عقلانية .
باتت حياتنا في غربة وترحال وتنقل من مكان لمكان ,جريا وراء المال,بشراهة وتجبر وظلم لكثير ..وحتي لو فقدنا مقابل ذلك أخلاقا وشرفا وقيما ومبادئ سمعنا عنها وكانت تحكي لنا في الروايات وقصة قبل النوم ..أختفت ملامحها وجوهرها في زماننا هذا ,أصبح الأنسان بلا قيمة تحترم ,خارجه ملونا ولامعا في عيون الأخرين ,وباطنه خوار وعدم بأخلاقا فارغة وبمحتوي ضعيف وهش.
المشهد الاخر ,الذي أستوقفني ,عندما خرج علينا الاعلام بكافة وسائله بمسمي “الراقص مع الكلاب” وعرف الجميع قصة الطفل عبد الرحمن الراقد مع الكلاب في شوارع مصر المحروسة بحثا عن لقمة عيش ومكان يأويه في غربة وظلمة الليل وقسوة البرد القارس وظلم الاب الفاقد لضميره وعقله .
وبعد ساعات معدودة من ظهور الطفل صاحب المسمي اللأمع والجاذب أعلاميا ,بات حديث الساعة ولكل ساعة رونقها وطبيعتها المختلفة حسب الوجوه الشاهدة واللأمعة عبر الشاشة وحسب ما تهواه القلوب والجيوب …ولو بحثنا في شوارع مصر لوجدنا عشرات الأف معدمة مثل الطفل عبد الرحمن ,لم يجدوا ذلك الاهتمام والاحتفال والاحتفاء والشهرة وحتي لقمة عيش تقيم صلبهم ومكانا يسترهم من ظلمة الليل وأشرار البشر …فليس المقصود عبد الرحمن بل أصحاب الوجوه السمحة والراحة الدائمة .
وبعد أياما جاء المشهد الأكثر ألما وقسوة الذي جمع عبد الرحمن واخوه الصغير مصطفي في مشهد حمل تفسيرات عميقة وفلسفية بحتة ,ولغة الجسد والحوار أعطتنا أكثر من مدلول ومفهوم للمشهد ,وما يكمن في أعماق ووجدان الطفلين .
وجأت بعض الأراء كالتالي ..عبد الرحمن بعد ضرب وتعذيب واهانه من مرات ابوه قرر انه يهرب للشارع وفي الشارع شاف كتير برد وخوف وضرب وتعذيب وظلم تاني من عيال اكبر منه.. وياخدوا فلوسه لانه كان بيبيع مناديل ويمسح عربيات بعدها … ونومه مع الكلاب علي الرصيف بعد المرار الطافح اللي شافه
الدنيا قررت تضحكله والقدر لعب لعبته …و رب العالمين يشاء انه يظهر في برنامج وبعدها دور رعايه تهتم به …ورجل الاعمال المعروف احمد ابو هشبمه يتبني الطفل عبد الرحمن, طبعا نظافه مع هدوم ولبس ورعاية واكل ونوم واهتمام في مكان نظيف غير الخروج والفسح مع ابو هشبمه والملاهي دريم بارك بعد كل الاهتمام ده فجأه شاف اخوه قدامه علي غير المتوقع…عنصر المفاجأة هنا عمل عنده زي صدمه يا تري ده اخويا الصغير مصطفي جاي ليه وازاي …واول ما شافه بيسالوا جيت ازاي ..
_عبد الرحمن اتزرع جواه نوع من الانانيه ولما شاف اخوه الصغير خاف ان حد يشاركه او يقاسمه ( العز ) او يرجعه تاني لبيت ابوه مش موضوع رومانسي وعاطفي بس عنده كبرياء وبيحاول يتماسك
-الطفل الكبير خايف من زوال العز والاهتمام والرعاية بعد ( صدمته ) بوجود اخوه فجأه
الطفل الكبير كان بيقول عايز اشوف اخويا لانه هرب من البيت قبلي في مخيلته انه مش هيظهر ولما ظهر اخوه الصغير خاف من كل شئ يضيع منه … او اهتمام باخوه الصغير اكتر منه مثلا او رجوعهم للبيت لابوه ومرات ابوه
-الواضح ان الواد الكبير عنده ذكاء عاطفي عارف انه لو خد الموضوع بعاطفية هيعيط فبيبعد عن دة بسؤال واحد انت جيت ازاي
-وطفل ايه ده.. في السن ده يفهم كبرياء ,دة لو فرض انه يفهم يعني ايه كبرياء مصيبه اكبر لان هنا احساسه ومشاعره ماتت والانسان ايه غير مشاعر واحساس باخوه وابوه واهله.
ازاي انا مفتقد اخويا واسال عليه واول ما اشوفه ولا دمعه ولا حضن ولا بوسه دا اخوه الصغير بيحاول يداري كسفته من اخوه بيقول للمذيعه دة ( مابيسلمش) وهو بيضحك من احراجه
دا ممكن لو اتحط في موقف اختيار بين اخوه وكرامته او كبريائه هيدفن اخوة تحت رجله بالحياه
-من اين يصنع المجرمين …طبعا من مثل هذه الظروف.لكن العلاج النفسي واعادة التهيل ومحاولة خلق علاقات طيبة معه ربما ستغيره وسيولد احساسه من جديد.
وبعد أستعراض بعض الأراء ..لو ربطنا بين المشهدين ,مشهد منصور وطلعت في مسلسل سوق العصر ,ومشهد مقابلة الطفلين عبدالرحمن واخوه مصطفي الراقدين في شوارع المحروسة هربا من قسوة مرات الاب والاب الفاقد لضميره وعقله ,مع أختلاف طبيعة الحدث والمكان والزمان والوجوه ,لوجدنا أن المشهدين يعبران عن قسوة أخوية كامنة او اجبرتهم ظروف وصعوبات الحياة علي أكتسابها وأفتعالها ايضا للخروج من عقدة الاخ الشريك في كل شئ ,خوفا من أياما حاضرة ومستقبلا قادم قد يكون صادما وموجعا ولا يعلم مداه الأ خالق السموات والارض .