شعرمقالات

عبير محمود تكتب رابط الإنسانيه أعظم من رابط الدم

بقلم :عبير محمود 

رأيتها ليلاً في منتصف الطريق تبكي بحرقه، طفله يبدو أنها لم تبلغ حتي الثالثه من عمرها، أوقفت عربتي وركضت إليها، دارت أعيني بسرعه في المكان تبحث عن أناس فرأيت المكان خالي تماما من البشر، هرولت بسرعه جنونيه إلي هذا الملاك الصغير وضممتها إلي صدري بقوه غير مدركه ماذا سأفعل ؟! سرعان ما هدأت متعلقه برقبتي كالغريق الذي وجد القشه، أخذتها إلي بيتي وكنفتها في حضني أيام وأيام، بحثت شهوراً عن والديها وعائلتها لكنني لم أتوصل إلي شئ، وعلي غرار ذلك قررت أن أتبناها لتخفف عني غياب إبنتي التي إختطفها زوجي وحرمني منها وهرب بها خارج البلاد بعد إنفصالنا، راعيتها كأم وربيتها كما لو كانت من رحمي وظللت أسهر الليالي إلي جانبها حتي كبرت أمام عيناي، اليوم هي تبلغ من العمر السابعة والعشرين وابنها حفيدي الصغير يبلغ من العمر ثلاثة سنوات، رفضت أن تعيش بعيدة عني بعد زواجها وأصرت هي وزوجها أن أنتقل للعيش بمنزلهم لأظل إلي جانبها وتحت رعايتها، حقا إنها لمتعه عظيمه أن تعيش وسط دفء العائله ..
اما عن إبنتي الحقيقه بعد أن كبرت جاءت لي عدة مرات وكلها كانت لقائات بارده منها ، نعم لقد انتظرت منها مشاعر أكبر من ذلك، حاولت إحتضانها وتعويضها عن كل تلك السنوات لكنني كنت أشعر انها تبتعد أكثر وتنفر مني باستمرار، أتذكر انني ذات ليله رويت لها قصة اختطاف أبيها لها من حضني وكم جرحني وآلمني ذلك كالنار التي حرقت كل ما بداخلي لكن صدمني وبقوة رد فعلها عندما ضحكت وقالت: احمد الله أنه إختطفني ما كنت أتمني أبداً أن أعيش في هذه البلد، إبتسمت لها في هدوء ساخر فهي لم تشعر بوجعي مثقال ذره لم يهزها أبداً فقدانها لي كل هذه الأعوام، قلت في ذاتي ستنضج يوما ما، تزوجت ابنتي وسافرت خارج البلاد إلي حيث أبيها يقيم، وقبل آخر لقاء بيننا بلغتني في رساله أنها ستأتي لتحتفل بعيد مولدها الثاني والثلاثين غمرتني السعاده وذهبت إلي منزلي أزينه بكل الأشكال وعندما عادت كان لقائها لي بارداً جدا يخلو من المشاعر الدافئه ثم طلبت مني بصيغه جافه أن أبيع منزلي وأدع نقوده في حسابها البنكي لأنها ستسافر ولن تعود إلي هنا مرة أخري، لم تفكر في رؤيتي مرة ثانيه أو فيما سأشعر به إزاء فقدانها، إلتهبت كل مشاعر الأمومه بداخلي وأعلنت ثورتها،
هذه المرة طردتها من بيتي وأنا أثق تماما أنها ليست من رحمي أو لم يكن رحمي كافيا أن تكون ابنتي..

الشخص الحقيقي هو من يملك مشاعر حقيقيه قد لا تربطه بك أي صله سوي أن مشاعره حقيقيه نحوك وأن هؤلاء الذين يشتركون معك في نفس الحمض النووي ويحملون نفس دمائك لا يشترط أبداً أن تكون مشاعرهم حقيقه تجاهك..

رابط المشاعر والإنسانيه والموده والرحمه أعظم من رابط الدم الذي يخلو أحيانا من كل ذلك .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق