إنطفاء عيون الدهشة

أين ذهبت دهشتنا تجاه الأشياء ؟!

هل هاجرت إلى بلد أخر يحتاج بشدة إلى عملها ..
بعد معاناه طويلة من البطالة فى هذا البلد ؟!
هل رحلت بأختيارها أم تم ترحيلها بالقوة .. لأننا لا نستطيع دفع ثمن الدهشة.. ولم تعد لدينا القدرة على سداد فواتير الدهشة .. التى تزيد كل سنة ؟
هل سافرت الدهشة للعلاج بالخارج بعد أن أمرضناها بكل الأمراض الممكنة وغير الممكنة وبخلنا عليها بنفقة الدولة ؟
أنسدت شرايين الدهشة – أمتلات رئتاها بالماء الملوث .. والخمول .. أنطفأت عيون الدهشة .. أصاب الصمم أذنيها من الصخب المزمن المتوطن – الذى تنمو فيه جراثيم الهوس.. وفيروسات قلة الحياء .
أنخرست ألسنة الدهشة .. فالكلام حولها يفتقد اللغة واللياقة .. والحوارات الدائرة بجانبها يعوزها أدب الحوار .. والمناقشات التى تحاصرها من الجهات الأربع – ينقصها موضوع للنقاش والصور الملونة في المجلات والجرائد ( مجرد صور ) .. أما الأصل فلم تلفظه أرحام بعد .
سافرت الدهشة التى لم تعد ترى أو تسمع .. أو تتكلم .. على متن الحسرة وخيبة الأمل .
استهواها الحال هناك حيث شفيت من كل داء.. وتم تلبية جميع رغباتها المكبوتة وليست فى نيتها الرجوع.

أين ذهبت ( دهشتنا ) تجاه الأشياء ؟! .. من رحم الدهشة ولد التساؤل .. من رحم التساؤل ولد التفلسف .. من رحم التفلسف ولد العقل الواعي .. الناقد – المبدع – الشجاع – المبتكر – المكتشف – العادل – الحر – المتمرد.
ومن رحم العقل الواعي – الناقد – المبدع – الشجاع – المبتكر – المكتشف – العادل – الحر – المتمرد.. ولد كل تقدم شهده الجنس البشرى على مدى التاريخ.

أين ذهبت دهشتنا تجاه الأشياء ؟! ترتكب أفظع الجرائم نقول عادي .. تقترف أبشع المذابح نقول ( عادي ) .. تقتل النساء بحجة الشرف نقول ( عادي ) .. الفساد الأخلاقي منتشر كالذباب نقول ( عادي ) .. مقالب القمامة في كل مكان وفي إرتفاع الأهرامات نقول ( عادي ).

نعاصر التجارة بالدين نقول ( عادي ) – نشهد محاكم التفتيش المودرن نسخة الألفية الثالثة نقول
( عادي ) – الأزدواجيات من كل نوع وشكل نغسل بها يوميا وجوهنا ونقول ( عادي ) .
مشاهد الفقر المتزايد نقول ( عادي ) الغناء المتدني في الكلمة واللحن نقول عنه ( عادى ) والدراما على الشاشة الصغيرة أو على الشاشة الكبيرة ممتلئة بالزعيق وضرب النساء وتكرار الواقع كما هو دون رؤية فلسفية وجمالية لتجاوزه نقول عنها ( عادي ) .

الثراء الفاحش من أعمال غير منتجة ( عادي ) والضوضاء ( عادي ) – ومظاهر عدم المواطنة
( عادي ).
الظلم ( عادي ) ..حظر العدالة والحرية على النساء لأبقائهن تابعات لرغبات الذكور ( عادي ) .

التعصب الديني ( عادي ).. والتعصب الفكري ( عادي ) .. والتعصب العاطفي ( عادي ).

انهيار الأخلاق المستقيمة والعقارات ( عادى ) البلطجية ( عادى ) .0 والخيانات الزوجية(عادى)
( عادى ) هذا هو الشعار السائد الأن ( عادى ) ..كله ( عادى ).. ( عادى ) كلمة تضرب الدهشة فى مقتل ..وتجعلنا أقرب إلى الموتى..وإن كنا نأكل ونشرب ونتكاثر ونزعق.
فقط الموتى الذين قدر عليهم موت الدهشة..فقط النائمون تحت الثرى النوم الأبدى الذين لا يندهشون ..فقط الراقدات تحت التراب اللائى لا يندهشن.
الدهشة حق لنا وواجب علينا..طالما أننا نعيش دون ممارسة فعل الدهشة..طالما أننا سمحنا للدهشة بالرحيل..أو أجبرناها على الهجرة..طالما أننا تركنا وردة الدهشة دون شمس..دون ماء..دون يد تمتد فى حنان.
طالما أننا أمام كل الأشياء التى لا يصدقها عقل ولا يقرها منطق..لا نملك إلا قول عادي.
إذن فكل ما يحدث لنا وكل ما يحدث فينا..وكل مظاهر تأخرنا الفكرى..يكون بقى ( عادي )
[ بعدك
تطردنى كل الفنادق
تلفظنى جميع الموانى
بعدك
لا وطن يريد استضافتى
ولا عيون تريد أن تراني
بعدك
يحتجب عنى العطر
يهجرنى السحر
يغضب دمى
وتجف منابع الشعر
رؤوف علوانى