الرئيسةمقالات

بسم الله  الحلقه رقم (8) من روايه فاطمه 

بسم الله
الحلقه رقم (8) من روايه فاطمه
بقلم / رانيا يوسف
‎كانت مفاجأة كبيرة بالنسبة اليه بعد كل هذه المدة من الانقطاع من الطرفين
‎قالت ولاء : لحظة من فضلك, وكيف تترك فاطمة الأمور هكذا!!
‎لم لم تتدخل بعقليتها المتدينة والتي لا يمكن أن تتقبل وزر قطيعة الرحم!!
‎قال : حاولت معه كثيرا, ودفعتني أكثر من مرة للتحدث اليه ومحاولة اقناعه أن يبادر بالسؤال عن أهله
‎لكن الأمر معقد وشائك, فشادي لا يحب تحمل المسئوليات ولا مواجهة المشكلات, كما لا يحب العيش في نكد وشجار
‎لذلك كان دائما بعيدا عن البيت ومشكلاته, يغرق نفسه في اللهو مع أصدقاءه, وعندما تزوج قدمت له فاطمة ما كان يفتقده في البيت, الراحة والسكينة والهدوء وتجنب المشكلات
‎لا أستطيع أن أنكر أن فاطمة حتى هذه اللحظة هي المسئولة الأولى عن طفلتها وتربيتها ومشكلاتها بل ومرضها ان مرضت, وشادي له اللعب والضحك والتدليل دون أن يشغل باله بأى شيء, فهو يترك لفاطمة مسئولية كل شيء كما يترك لها ماله دون أن يسألها كم أنفقت ولا ماذا فعلت
‎واستطاب له العيش بهذه الطريقة مع زوجة تحمل عنه همه وهم بيته وأطفاله, وطفلة تمنحه البهجة والسعادة
‎مع فاطمة لم يكن لديه اى استعداد للتضحية ببعض من وقته ليعود الى النكد والشجار ومشكلات أمه وأبيه
‎كما انني فهمت سببا اخر وهو موقف اسرته من زواجه ونظرتهم لفاطمة نظرة دونية جعلته يبتعد عنهم ويتحيز لزوجته وكرامتها فلقد ادرك ان الاختلاط باهله قد يجرح كرامتها ومشاعرها
‎لذلك اثر ان يبتعد كما اثرت فاطمة الصمت عندما وجدت ان الكلام في هذا الموضوع يضايقه وقد يثير بينهما المشكلات
‎قالت ولاء بتعجب: الى هذه الدرجة
‎لم ما الذي فعلوه لينقلب ضدهم الى هذه الدرجة
‎الجد: المشكلة ان شادي لم يتعود تحمل مسئولية شيء واقولها بكل صدق لولا فاطمة وصبرها عليه وعقلها ورزانتها وتحملها للمسئولية لما بقي هذا البيت ولما وصلا الى ما وصلا اليه
‎لقد علمته فاطمة كيف يتحمل المسئولية والان اتى اليه ما حاول ان يهرب منه طويلا وهو مضطر لمواجهة مسئولياته
‎لم يخف على امه ذلك التوتر والضيق الذي ملا وجهه
‎بقي متجمدا طويلا امام الباب لا يدري ماذا يفعل حتى نادته فاطمة من الصالة الداخلية: شادي شادي
‎لم يتحرك فاقتربت منه وهي تشير له من
‎لكن وقوفه متجمدا بهذه الطريقة جعلها تستنتج من على الباب
‎تقدمت بسرعة تلملم ما تبعثر منه فدفعت يده التى لا زات ممسكة بمقبض الباب وهي تنقل عينيها بينه وبين امه وهي تقول بارتباك مرحبا تفضلا تفضلا
‎افسح لهما المكان ودخلا بصمت الى غرفة الاستقبال
‎كان يبدو على الجميع عدم الرضا الا فاطمة التى رسمت على وجهها ابتسامة واسعة مرحبة : يا للزيارة الغالية والخطوات العزيزة اشتقت اليكم من كثرة ما حدثني شادي عنكم
‎كانت تقف بينهم تحاول بجد بث بعض المودة في الجو المتوتر
‎لكن محاولاتها لم تفلح امام صمتهم المتوتر
‎فقالت منسحبة لتترك لهم مجالا للحديث بحرية : ساحضر بعض الحلوى والعصائر
‎تركت الغرفة واغلقت الباب خلفها

‎لا تساليني اين انا من كل هذا لقد رايتهم وهم يدخلون غرفة الاستقبال فانسحبت الى غرفتي بصمت فالمودة مفقودة تماما بيني وبين زوجة ابني
‎بقي شادي صامتا لمدة طويلة لا يدرى ماذا يقول, حتى تكلمت أخته : ما كنت أعتقد أن زوجتك بكل هذا الجمال, ما اسمها؟
‎نعم, تذكرت فاطمة
‎قالت الأم : أهذه هي التي أخذتك منا!!
‎قال ببطء : تعلمين أن العكس هو الصحيح, لقد قاطعتموني وأقسمتم ألا تدخلوا لي بيتا والا تعرفوا زوجتي
‎الأم بجدية : ما كنت أعتقد أن الأمر سيستغرق كل هذا الوقت
‎ظننت أنك ستنتهي منها سريعا وتعود الى البيت فهي بالنسبة لي زيجة غير محسوبة
‎هتف بغضب : لم؟ أتظني أن الزواج لعبة
‎قالت أخته رشا : أظنك تذكر جيدا أن الأمر وقتها لم يكن يتعدى مجرد لعبة
‎وأنت أفضل من يلعب تلك اللعبة
‎قال غاضبا : ربما كان في الماضي, لكن الآن تغير كل شيء وأصبح لدي بيت وزوجة وطفلة هما الحياة بالنسبة لي
‎ظهرت في عيني أخته نظرة غريبة لم يرها أبدا من قبل
‎أما أمه فقد قالت : ونحن!! نسيتنا!! اكتفيت عنا بزوجتك وطفلتك, خطفتك منا وأنستك العالم
‎بربك, أهذه هي الزوجة التي تتشرف بها أمام الناس!!
‎أهذه هي التي فضلتها على ابنة صديقتي زوجة رجل الأعمال الشهير وعضو مجلس الشعب !!
‎قال بضيق : أمي, لقد انتهى هذا الأمر منذ زمن طويل, ولا داعي للتقليب في الماضي, كما أنني لم أكن لأتزوج ابنة صديقتك ولو لم أتزوج على الإطلاق
‎قالت : والآن, ألا تنوي أن تعود للبيت؟
‎قال بدهشة : كيف تقولين هذا؟ إن لي بيت الآن
‎قالت : ولكنني أمك
‎قال : وأنا أحبك وأرحب بزيارتك في كل وقت وسأزورك باستمرار, ولكن لن أكون وحدي, ستكون معي زوجتي وطفلتي
‎قالت هازئة : زوجتك من!! بائعة النظارات!!
‎قال بغضب : انها زوجتي, وعليك أن تعامليها على هذا الأساس
‎إما هذا أو لن أعود الى البيت ثانية ولو حتى زائرا
‎قالت رشا بتأفف : حتى لو علمت أن أبي ترك البيت!!
‎قال بصدمة : ماذا!! منذ متى؟
‎ردت : من أسابيع, ويرفض أن يدلنا عن مكانه, رغم أنه يتصل بي من حين لآخر على الجوال
‎قال بدهشة : ماذا حدث لكل هذا!! ولم لم أخبر من قبل
‎قالت هازئة : ألا تدري لم!! أصبحت بعيدا للغاية أصبحت غريبا عنا
‎قال بلهجة جافة : وإن كان الأمر كذلك فما الذي جد الآن!!
‎قالت بلهجة شديدة الاستفزاز : عقد قراني بعد أسبوعين, ولا أجد والدي ليكون موجودا أمام الناس ولم يتبقى لي سواك
‎قال بدهشة : عقد قرانك!! هكذا دون مقدمات!! دون أن أعرف من هوولا كيف تقدم لخطبتك!!
‎قالت ساخرة : أظنك آخر من يحق له هذه الأسئلة, عموما هو ليس بغريب عنك, تعرفه جيدا فهو صديقك المقرب ومن شلتك القديمة
‎انتفض من مكانه وهو يهتف بصدمة : تامر؟!! لا, مستحيل
‎قالت ببرود : عجبا, لم فكرت في تامر بالذات!!
‎عموما هو ليس تامر, إنه وليد
‎هدأ قليلا وعاد الى كرسيه وهو يقول بدهشة : وليد!!
‎قالت بتهكم : ما به وليد؟ ألديك اعتراض عليه أيضا
‎قال بتردد : لا, ولكن وليد…
‎صمت ولم يكمل
‎فقالت هي بلهجة جافة : عموما رأيك لا يهمني, وحضورك أو عدم حضورك عقدي هو سيان بالنسبة لي
‎أمي هي التي تصر على حضورك استكمالا للشكل الاجتماعي أمام الناس طالما والدي لن يكون موجودا, لقد قرر مقاطعة زواجي بعد أن صممت على موقفي رغما عنه
‎فقط أخبرك للعلم بالشيء, فالحفل سيتم بكما أو بدونكما
‎صدمه بشدة ردها وعجز عن قول أى شيء
‎فتلك الكلمات قد قالها من قبل عندما ذهب وحده ليتزوج, وهاهي رشا ترد له الصفعة بنفس القوة
‎الآن فقط شعر بألمها الموجع
‎الآن فقط أدرك كم آلمهم بكلماته وأفعاله
‎نظر الى أمه, لأول مرة يراها على هذه الصورة, صورة المغلوبة على أمرها, لان لها وقال برفق : وأنت يا أمي, ما رأيك؟
‎قالت بصوت كسير رغم محاولاتها أن تبدو قوية أمامه : لم يعد لي رأى بينكم, لم يعد أحد يبالي بمشاعري ولا يستمع لرأيي
‎شعر بخنجر حاد ينغرز في قلبه, وصمت شاردا
‎قطعت فاطمة الحديث بعدة طرقات على الباب دخلت بعدها تدفع أمامها عربة طعام أنيقة مملوءة بأصناف الحلوى والفاكهة والمشروبات الساخنة والباردة
‎وفهم شادي أنها كانت تفسح لهم المجال لتبادل الحديث بهدوء وحرية بعد أن حبست عنه الصغيرة التي تسللت بفضول طفولي خلفها الى داخل الغرفة, ثم جرت لتندس بين أحضان أبيها وقد ارتدت ثوب وردي رائع بعد الاستحمام والتعطر
‎وقد زينت لها فاطمة شعرها برباط شعر وردي كلون الثوب لتصبح آية في الحسن كأمها تماما
‎وقفت فاطمة تعد أطباق الحلوى وتصب الشاي
‎عجزت أم شادي عن اخفاء شوقها وتلهفها لجمال وسحر حفيدتها, أما رشا فقد انشغلت بتأمل فاطمة من شعرها الى قدميها ومراقبة حركاتها وسكناتها بفضول أنثوي يشوبه بعض الغيرة, ولا حظت فاطمة بذكائها نظراتها اليها ولم تظهر ذلك, لكنها انتبهت الى حماتها ونظراتها المملوءة بالشوق والحب للصغيرة فقالت بود : نور, هلا سلمت على جدتك
‎أخفت نور وجهها في صدر أبيها بخجل من يهاب الغرباء, لكن فاطمة تقدمت منها وقالت باسمة : صغيرتي الحلوة, الفتاة الطيبة تسلم على جدتها
‎أمسكت بكفها بحنان وسحبتها من بين ذراعي شادي برفق وقربتها من جدتها وهي تقول : هيا حبيبتي سلمي على جدتك
‎مدت الجدة يدها ومسحت على شعرها الناعم وهي تتأملها بحب, ثم قبلت وجنتيها وقد أشرق وجهها بابتسامة حنان
‎نهضت من مكانها وهي تنظر لشادي بلوم : سننتظرك الخميس بعد القادم, هذا إن كنت لا زلت تريد أن تعرف أسرتك
‎أخذت فاطمة تنظر لشادي نظرات لائمة وعندما لم يتكلم تكلمت هي : لا زال الوقت مبكرا على الرحيل, فلنتعشى سويا
‎نظرت اليها الحماة بصمت وتجاهلت ما قالته وخرجت من الباب
‎أما رشا فقد خرجت خلف أمها بصمت, لكنها عادت تلتفت اليه قائلة بلامبالاة : كما قلت لك سيان عندي, بل وأشك أنك ستأتي

لم يستطع شادي أن ينام الليلة كما أنه عجز عن مناقشة الأمر مع فاطمة, فهو يعرف رأيها دون حتى أن يسألها
وكانت فاطمة بحساسيتها الذكية تدرك حاجته للتفكير العميق دون ضغوط
وكذلك تفهم أنه يحتاج مناقشة الأمر مع فرد من العائلة يعرف ماضيهم وعاش معهم لفترة, لذلك فقد تركت لنا المجال والحرية للتحدث ودخلت لتضع طفلتها في الفراش ولم تظهر مجددا
وفي غرفتي باح لي شادي بكل ما يعتمل في صدره من ضيق وقلق ومخاوف, فرحيل والده عن البيت صدمه بشدة وقال بحنق : لا أدري كيف استطاع أن يفعل ذلك!! مهما بلغت الخلافات بينه وبين أمي ما كان عليه أن يترك البيت
قلت متحسرا : لم يعد يستطيع تحمل ضغوط جديدة, كما لم يعد لديه أمل في أى منكما
وبعد أن انقطعت أنت عنهم واشتدت الخلافات بينه وبين زوجته لم يتبقى له سوى ابنته
والآن تصر على الزواج دون ارادته
قال شادي : عليك أن تتصل به وتقنعه بالعودة الى البيت
قلت : وماذا عن رشا
قال بتعجب : رشا!!
لا أستطيع أن أفهم ما الذي جمع بينها وبين وليد!! فهو ليس من النوع الذي يمكن أن تفضله رشا
قلت بتساؤل : ألديك اعتراض على شخصه أو أخلاقه؟
قال : على العكس, وليد كان أفضلنا دائما خلقا وفعلا
قلت : اذا ما المشكلة؟
قال : المشكلة أن وليد رومانسي للغاية لا يمكن أن يتزوج الا اذا أحب حبا عنيفا, كما أنه لم يخرج بعد من أزمته مع رانيا
لقد تزوجت من شاب غني يعمل في أمريكا وتركته دون مقدمات, ولم يستطع وليد تقبل الأمر أبدا
قلت : ربما وجد في رشا عوضا له عما فقده
قال بحيرة : لا أدري, لا يمكنني الاقتناع بهذه السهولة
قلت : وكيف ستتصرف الآن؟
قال : على أن ألتقيه وأتحدث معه, سأذهب اليه غدا في صالة البولينج, بالتأكيد سأجده هناك
قلت بضيق : هل سنعود الى افاعيل الماضي؟
قال : اطمئن, أنا ذاهب لألتقي وليد لا لألعب
قلت : أخشى أن تحن الى الماضي وأصدقاء الماضي عندما تتعرض لتلك الأجواء
قال : اطمئن, فلدى زوجة أحبها وبنت هي العالم بالنسبة لي
قلت بتردد : إن كان الأمر كذلك فعليك أن تحفظ زوجتك وابنتك
قال باستنكار : ما هذا الذي تقوله يا جدي!!
قلت بهدوء : المشكلة أنني أكثر من يفهمك ويعرف طبيعتك الضعيفة أمام الماضي وملاهيه وأخشى أن تضعف في لحظة لا ينفع معها الندم
قال : عليك أن تثق بي, لقد تغيرت تماما
قلت : فقط خذها نصيحة من رجل مسن خبر الدنيا واكتوى بنارها, ان حفاظك على جنتك التى تحيا فيها الآن يعتمد عليك وحدك
لقد تعبت زوجتك واجتهدت لتحافظ على هذا البيت, فلا تهدمه بنزوة حمقاء
زفر بضيق شديد : يا جدي..
قلت مقاطعا : صدقني الأمر لا يتعلق بالثقة, أعلم أنك صادق في كل كلمة تقولها الآن, ولكن الضعف البشري فينا جميعا
وما عشت عمرك كله فيه لا يمكن أن تنساه بهذه السهولة فهذا ضد طبيعة البشر كما أنه لا زاد لك من صلاة وطاعة والتزام يحميك من الزلل
فإن كنت لا تستطيع أن تحمي بيتك بطاعتك لربك, فلا تهدمه بمعصيته, فما أخرج آدم من جنته الا المعصية, وليست حواء كما يدعي البعض
فاحفظ زوجتك بحفظك لنفسك
قال بتأفف : فهمتك
ولكني لا أدري حقا من أين سألاقيها!!
قلت : ما الذي يقلقك الآن؟
قال : أخبرتك من قبل أن هناك من يسرقني في الشركة
قلت : نعم, أذكر
قال : اتضح لي من يومين فقط أنه تامر صديقي
فهو يقوم بالاتفاق مع العملاء من خلف ظهري
قلت بدهشة : ماذا تعني؟ أوليس شريكا في الشركة؟
قال : نعم, ولكني أمتلك عددا أكبر من الأسهم وحق الادارة
كما أن العمولات والرشاوي والهدايا التي يحصل عليها أضعاف مكسبه من الشركة
لذلك فهو على استعداد لبيع الصداقة والشركة وكل شيء لمن يدفع أكثر
قلت : وماذا تنوي أن تفعل معه؟
قال : لا أدري ولكن يجب أن أقصيه عن الشركة بأى ثمن فهو لص, وسيتسبب بخسارة فادحة للشركة
ولكن على أن أفعل ذلك بأكبر قدر من الهدوء, فهو لا يدري حتى الآن أنني كشفته
قلت : أليس من الأفضل مواجهته؟
قال : اذا لأخذ حذره وقد يثير المشكلات, وقد يحاول أن يخرج بأية مكاسب من الشركة قبل أن يتركها
وأنا لا أريد أن أخسر فلدي بنت على أن أؤمن لها مستقبلها هي وإخوتها عندما يولدون
تبسمت ضاحكا وأعجبتني قولته, فهو يريد أن يكبر الأسرة ويوسع الدائرة
ذهب شادي الى صالة البولينج ونصائحي في رأسه كما كان يقول لي
وحاول قدر ما يستطيع أن يبكر حتى لا يلتقي أحدا سوى وليد
وهذا ما تم بالفعل وبمجرد أن وقعت عينه عليه حتى شعر بالشوق نحو صديقه القديم وأدرك أنه ابتعد عنه كثيرا
وحز في نفسه كثيرا أن رآه وحيدا الى هذه الدرجة
كان يدرك أنه رغم محاولاته أن يحيط نفسه بأشباه الأصدقاء
لكن نظرة واحدة من صديق حقيقي يستطيع أن يدرك ولو من بعيد كم تبلغ وحدته
وصل اليه شادي وفوجئ وليد بوجوده وسلم عليه بحرارة وقال ساخرا : أخيرا غادر الزوج السعيد البيت!!
فوجئ شادي بهوة كبيرة من البرود تفصله عن صديقه, ولأول مرة يشعر بالغربة في هذا المكان الذي شهد سنوات طويلة من عمره
جلسا في ركن هادئ, وأخذ شادي يسأله عن أحواله وهو يحاول تجنب النظر في عينيه ويشغل نفسه بتأمل المكان
قال وليد مباشرة : أعلم لم جئت الآن
فوجئ شادي بالأسلوب البارد الذي يتحدث به, وشعر ببعض الندم لإبتعاده عنه كل هذه المدة
أكمل وليد بنفس الأسلوب : وحيث أنك جئت الى هنا, فهذا يعني أنك غير موافق أليس كذلك؟
قال شادي بجدية : ليس الأمر كذلك,تعلم أنني ليس لدى اعتراض على شخصك, فأنت صديقي وأنا أعرفك جيدا
فقط أنا مندهش, أنت ورشا!! متى, وكيف؟!!!
قال : الأمر ليس بعيدا كما تظن, فهي تذهب الى النادي باستمرار
وفي السنة الأخيرة كانت تأتي كثيرا الى النادي وهناك كنا نلتقي باستمرار
نظر اليه شادي نظرة متحفزة فأكمل وليد هازئا : لقد كنت أراها أكثر منك
شيء ما في كلمات وليد آلمه بعمق, لكنه تجاوز عن ذلك وقال : ولكن, ماذا عن رانيا, هل نسيتها بهذه السهولة؟!!
أدار عيناه بعيدا ثم ضحك ضحكة قصيرة هازئة
لكن شادي استشعر فيها طعم المرار والألم, وهو يسمع وليد يقول : أخبرتك من قبل أنها قصة حب قديمة وفشلت
فما المانع الآن أن أكمل حياتي مع انسانة غيرها!!
قال شادي : يمكنني أن أتقبل هذا الكلام من غيرك, لكن أنت!!
كنت دائما تؤمن بأن الزواج لابد وأن ينبني على الحب, ولن تتزوج أبدا الا ممن تحبها
قال وليد باستهتار : ولم أنت متأكد هكذا أنني لا أحب أختك؟
شادي : لأنه لا أحد يفهمك مثلي, نحن أصدقاء, ورشا ليست هي الفتاة التي يمكن أن تحبها
قال وليد بلهجة غريبة : ربما لهذا السبب, لأننا أصدقاء
شادي بدهشة : لا أستطيع أن أصدق أن وليد يتزوج بلا حب
وليد بلامبالاة : وما الخطأ في أن أغير رأيي وأدرك أنني كنت على خطأ
وأنت أمامي كمثال, لم تتزوج عن حب ورغم ذلك فقد نجح زواجك على عكس ما توقعنا جميعا
أوجعته كلماته من جديد
وقال وليد : يبدو أن رأي رشا هو الأصح
قال شادي : ماذا تعني؟
وليد : كانت تراهن على أنك سترفض أن تكون وكيلها في العقد ولن تأتي الى حفل عقد القران
نظر اليه شادي متفكرا في كلماته ثم قال بعزم : سآتي, بالتأكيد سآتي
إن لم يكن من أجل صديقي فمن أجل أختي
ابتسم وليد له لأول مرة منذ أن جلسا ابتسامة صافية : ستظل دائما صديقي العزيز والوحيد

سأله فجأة : ألا زلت شريكا لتامر في شركة الكمبيوتر
قال : نعم, ولكن يبدو أن الأمر لن يطول
قال وليد باهتمام : ولكن, ألا ترى أن تلك الخطوة متأخرة بعض الشيء؟
قال شادى : ربما, ولكن لأن تأتي ولو متأخرة خير من ألا تأتي
قال وليد بفهم : يبدو أنه استخدم ضدك أساليبه القذرة
شادي بضيق : إنه لا يرعي صداقة ولا عشرة ولكن لم غيرت رأيك عنه؟
وليد : أنسيت أن هذا هو رأيي فيه منذ زمن بعيد؟ ولكنك كنت تغلق عينيك وأذنيك عنه
لقد استغرقت زمنا طويلا حتى تعرفه على حقيقته
التفتا على صوت ينادي : وليد
كانت رشا, فأشار اليها وليد أن تأتي, ثم التفت الى شادي وقال بسرعة قبل أن تصل اليهما : ابتعد عن تامر وحاول أن تخرجه من الشركة بأقل الخسائر الممكنة, وخذ حذرك جيدا فعضته تفضي الى القبر مباشرة
شرد شادي قليلا في كلماته حتى استيقظ على صوت رشا وهي تقول ساخرة :ما الذي جعل الزوج الصالح يترك أحضان زوجته ويأتي الى تلك الأماكن المفسدة!!
جلست الى جوار وليد وهى تكمل بتهكم : يبدو أن قصتنا تحرك الحجر والا ما ترك زوجته وابنته الجميلة ليأتي الى هنا في تلك الساعة
نظر اليها بضيق ثم قال لوليد : على الرحيل الآن, أراك فيما بعد
فجأة وجد شلته القديمة تتداعى الى المكان جماعات, والتفوا حوله يرحبون به ويسألونه عن فترة انقطاعه الطويلة عنهم, وهو يسلم عليهم بتحفظ محاولا بلباقة أن يتملص منهم بطريقة مهذبة
ورشا ووليد يرقبان الموقف بصمت
ثم أتى رأفت وسلم عليه بحرارة ومعه بدأت التعليقات الساخرة وبدأت أسئلة الفتيات الفضولية عن زوجته وشكلها ووجهها ولون عينيها وهو يجيب اجابات غير محددة ويتهرب من الأسئلة قدر ما يستطيع
حتى هتف وليد منقذا اياه كعادته : دعوه يرحل قبل أن تأتي رودي وتخنقه بيديها
لكن حيلة صديقه الحميم لم تفلح هذه المرة فقد وجد أمامه رودي ومعها تامر
تبادلا نظرات طويلة, ثم قالت رودي بتهكم : الى أين يا عريس!!
اذا حضرت الشياطين؟!!!
قالت رشا ساخرة : دعيه فهو ينام مبكرا
قال تامر : اجلس, لا زالت السهرة في بدايتها
لم يجد شادي مفر من أن يجلس معهم, وكان الحوار كله عن شادي وغيبته الطويلة وزواجه الغريب وزوجته التي تغطي وجهها
وكان فضول الفتيات كبيرا ليعرفوا لم تزوجها وكيف هو شكلها وكيف حياته الجديدة
وهو يتهرب تارة ويصمت تارة ويورى تارة
هتفت رودي وصوت الغيرة واضحا في كلماتها : عمن تتحدثون!! الأمر لا يستحق كل هذا
لقد كان رأي شادي أنها تغطي وجهها لتخفي قبحها. أليس كذلك؟
ضحكت رشا بتشفي : لا تقولي هذا الكلام فهو سيء في حقك
نظرت اليه نظرة متوعده وأكملت : شادي ذوقه في اختيار الفتيات لا يضاهى
حظه حسن دائما في كل شيء, حتى طفلته آية في الجمال
نظر اليها نظرة مهددة قاسية ألا تأتي على ذكر زوجته, وأخذ وليد يلكزها بقدمه من تحت الطاولة لتسكت
ورغم ذلك نظرت في عيني أخيها, وأكملت ببطءوالشماتة تنضح من كلماتها : هي صورة مصغرة من أمها, لكن الأصل أجمل بكثير
ألم أقل لكم أن حظه حسن في كل شيء, لقد فاز بامرأة لم تعرف رجلا قبله قط
انتفض شادي من كرسيه وترك المكان ورحل على الفور تودعه ابتسامة رشا المنتقمة
أما الجميع فقد هبط عليهم الصمت بعد أن فوجئوا بذلك التصريح الذي لم يخطر لهم على بال من قبل, ولم يعملوا عقلهم في التفكير فيه على تلك الصورة التى فجرتها رشا
سحب وليد رشا من يدها وهو يقول بضيق : رشا, أريدك في أمر هام
عاد شادي الى البيت والغضب يملأه ونقمته على رشا تزداد
فرشا فعلت ما فعلته عن قصد نكاية فيه, ذلك لا يخفى على عين, كما لو كانت تنتقم منه
حاول قدر ما يستطيع اخفاء ضيقه عن فاطمة, ولكنها كانت تشعر به وبتغيره منذ الزيارة الأخيرة لأمه وأخته, ولكنها لم تحاول أن تضغط عليه أو تضايقه حتى لا تزيد من همه وضيقه, وحتى لا يشعر أنه يفقد صورته أمامها
بل لجأت الى وأوصتني به لأحادثه وأحاول التخفيف عنه
ولكن كلما اقترب موعد العقد كان همه يزداد
وحاولت قدر استطاعتي أن أخفف من نقمته على رشا وأجعله يتعاطف معها بدلا من أن يكرهها
لكن في الحقيقة كنت أتفهم مدى غضبه فهو أكثر من يفهم معنى أن تصبح زوجته قصة ورواية بين أفراد شلته التى لم يكن لهم حديث الا عن الفتيات وصفاتهن والفروقات بينهن

يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق