مقالات

مجتمع الخطيئة

كتب – عبدالله حسين

في مجتمع الخطيئة، يُشنق الحق على مقاصل القذارة والدنو.. تموت الأخلاق وتُغتال الفضيلة ويسود الباطل بعد تمرده، في أروقة القرى الظالم أهلها، يخفت صوت الحقيقة بين ثنايا الكذب المحض، وتختفي القيم التي مثلت للقرويين قانونًا عرفيًا يسيرون على نهجه دون حيدة، يكثر الظلم ويستفحل سوء الخلق إيذانًا بنزول عدالة السماء على تلك القرى الظالمة، وفقًا لقول الحق عز وجل «أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ»، صدق الله العظيم.
السنوات الأخيرة التي أعقبت ظهور ثورة الاتصالات، جسدت منحنى خطر فيما يخص تراجع القيم والعادات التي تربى ونشأ عليها المصريون وخاصة في القرى الريفية، ظهرت أجيال شابة لا تؤمن بالحلال والحرام، تهرول وراء نزواتها وما يشبع رغباتها حتى ولو كان محرمًا، وسط تراجع التدين وغياب القدوة، انتشر بيع المواد المخدرة بطرق فجة وصارت وكأنها «موضة»، واجبة على الشباب، كثرت العلاقات الأثمة، ما ظهر منها وما بطن، وسط غياب دور الأسرة عن القيام بمهامها، وسيطرة الهموم على عقول المدرسين الذين باتوا مُحملين بضغوط الحياة التي تفوق طاقاتهم المادية، فلم يكن أمامهم سوى البحث عن وسيلة للحياة بسبب تدني رواتبهم، فتحولت العملية التعليمية من تربية النشء على الأخلاق والقيم، إلى وظيفة يؤديها المُدرس المتلهف في البحث عن أي مصدر رزق آخر لتدبير احتياجات أسرته، تاه المعلم في غياهب الحياة المادية البائسة وصار تلاميذه ضحايا لسياسات تعليمية فاشلة أهملت وضع المعلم وظروفه بل باتت تحاربه في مصدر رزقه بدعوى القضاء على الدروس الخصوصية التي أصبحت المصدر الوحيد لإعالة أسرته.
فقدت المدرسة دورها بسبب إهمال المؤسسات التعليمية للمُدرس، وفقدت الأسرة دورها نظرًا لانهماك رب الأسرة في البحث عما يدبر احتياجاته اليومية لمواجهة أعباء الحياة، كما غاب دور الدولة التثقيفي بعد تراجع دور المؤسسة الدينية والمنظمات الأهلية التي انشغلت في علاج المرضى وملاحقة بؤس الفقر في القرى والنجوع، بات همْ الجميع هو المال.. فالدولة تبحث عن تحسين الأوضاع الاقتصادية والمواطنون يهرولون وراء لقم العيش دون كفاء، فتناسى الجميع النشء الصغير وتركوه فريسة للأفكار الدخيلة على مجتمعنا بعد ظهور الإنترنت الذي تفشى في كل بيت وصار الأداة الوحيدة التي يستقي منها الأطفال والشباب فكرتهم عن الحياة والمستقبل.
ويبدوا أن ما تتعرض له الدولة المصرية، مؤامرة تستهدف الأجيال الجديدة، عبر خطط ممنهجة ظهرت إبان ثورة الإنترنت التي أعقبها فوضى الربيع العربي، وبروز الأزمات الاقتصادية في الدول العربية، لتكون بداية حقيقية لاستهداف الشباب والأطفال إثر انهماك الحكومات والمؤسسات التربوية وأرباب الأسر في تدبير نفقات الحياة، ليصير الإنترنت ومحتواه هو الموجه الأول لعقول الشباب عبر تغيير مدركاتهم وثقافتهم، والمؤثر الحقيقي في النشء، ما يستوجب ضرورة الانتباه إلى تطلك الظواهر ودراستها من قبل علماء النفس والاجتماع والجهات المعنية للوقوف على حقيقة ما يتعرض له الشباب ومحاولة تغيير الأنماط السلوكية عبر التحكم في المحتوى الظاهر على شبكة المعلومات الدولية أو توجيه برامج تثقيفية للتوعية بخطورة ما تمر به الدولة وشبابها، قبل أن ينزل علينا عقاب الله. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق