بقلم :وحيد القرشي
بعد يوم شاق من العمل المتواصل داخل غرفة العمليات ,ينهي الدكتور حاتم أخر عملياته الجراحية ,هو الان في طريقه للعودة لمنزله ,كالعادة سيجد زوجته جالسة تشاهد التلفاز في انتظاره ,عرف الدكتور حاتم بشخصيته المتواضعة وحبه للناس ومساعدتهم وخاصة الغير قادرين منهم ,أجرئ العديد من العمليات الجراحية بدون مقابل,فهو طبيب جراح ومشهور ,وما زال في الخامسة والاربعين من عمره
– انتي لسة مانمتيش لحد دلوقتي يا حبيبتي
– أنام ازاي ,ما انت عارف يا حبيبي ,مش هيجيلي نوم غير لما ترجع بيتك بالسلامة واطمن عليك ,اقوم اجهز العشاء
-لا انا أكلت شندوتشات ,قومي حضري لنفسك وكلي أنتي,وانا هدخل ارتاح شوية
-وانا كمان شبعانة يا حبيبي
يدخل الدكتور حاتم وزوجته حجرة النوم ويستلقي كل منهم علي السرير مع سماع بعض من الموسيقي الهادئة لتهدي الاعصاب بعد يوم شاق من العمل ,ليغمض كل منهم عينيه في عالم الخيال في جو الموسيقي الصاخبة ,وفي تلك اللحظات يتذكر كل منهم أحداث مرت بهما
– ياه أخيرا هرتاح بعد يوم طويل من العمل ,عملت أكثر من عملية النهاردة
– ربنا يوفقك يا حبيبي
-فاكر يا حتومة يا حبيبي اول يوم شوفنا بعض فيه لما كنت مع صديقك سالم في مدرج كلية الأعلام
– هو دة يوم يتنسي يا سارة,خديني ليكي من اول نظرة
– لا يا حبيبي انا الا حبيتك اول ما شفتك ,لاني شوفت فيك الطيبة والحنية والتواضع والطموح ,ودلوقت بقيت طبيب وجراح وليك أسمك ومعروف علي مستوي العالم
– كله بفضل دعاء أبوية وامي ربنا يخليهم لينا يارب ,وبفضلك يا حبيبتي
– أنام علشان بكرة مسافر احضر مؤتمر علمي في لندن وياريت تحضري الشنطة يا سارة
– حاضر يا حبيبي أستريح انت وكله هيبقي تمام
وفي تمام الساعة الرابعة فجرا تستيقظ سارة من النوم ,لتقوم بتحضير شنطة سفر زوجها حاتم ,أثناء تجهيزها تشعر بألم الولادة فهي في الشهر الاخير من حملها وفي أنتظار أول مولود لها
– الحقني يا حاتم ,باين عليه هولد
– أستريحي يا حبيبتي وانا هتصل بماما والدكتور حالا يا سارة وما تقلقيش يا حبيبتي
– يأخذ الدكتور حاتم زوجته ألي عيادة الدكتور المتابع لحالتها ,لم ينسي الدكتور حاتم في تلك اللحظات ان يقدم أعتذار عن عدم سفره وحضوره للمؤتمر العلمي المقام في لندن ,وفي تمام الساعة الثامنة صباحا خرجت زوجته معافية من غرفة العمليات بعد ان أنجبت طفلا
– الحمدلله انك بخير يا سارة,وجبت ولد شبهك وزي القمر يا حبيبة قلبي
– أسكت يا واد يا حاتم دة شبهك انت
-هاهاهاها حاضر يا ماما
– الحمدلله ,ربنا يبارك فيه يا حماتي ويخليكي لينا يارب
وفي الساعة الحادية عشر مساءا ,أتصل احد أصدقاء الدكتور حاتم ليخبره بحدوث عمل أرهابي في المكان المقام عليه المؤتمر العلمي الدولي ,وتم تأجيله لأجل غير معلوم ,وأسفر الحادث عن أصابة العشرات من الحضور ,لكل شئ ميعاد ولكل شئ قدر,وسبحان من يسخر كل شئ ليحدث في ميعاده المحدد له ,سبحانك يارب
وبعد عشرة أشهر من الولادة يسافر الدكتور حاتم وزوجته لعمل عمرة ,واثناء تأدية مناسك العمرة ,كلما كان يرفع يده لخالق السموات والارض بالدعاء يري أمامه أمراة عجوز تدعو ربها ,وكلما حاول الأقتراب منها تختفي ,أصبح في حيرة من أمرها ,من هذه السيدة ولماذا تأتي أمامه كلما دعا ربه وأغمض عينيه ,حتي في منامه أتت اليه ولم تفارقه ,حتي بعد عودته من العمرة ,ولكنه توكل علي الله وعلم انه خير قادم وأمرا أراده الله ان يكون وكل ما يريده الله خيرا.
وبعد عاما تقريبا تم تحديد ميعاد المؤتمر العلمي الدولي وايضا تحديد مكان اخر,حيث تلقي الدتور حاتم دعوة لحضورالمؤتمر ,وسوف يتم تكريمه علي أنجازته الكثيرة في مجال الطب والجراحة
– النهاردة تم دعوتي لحضور المؤتمر العلمي الا تم تأجيله العام الماضي ,وبعد يومين تحديدا هسافر ان شاء الله لحضور المؤتمر
– تسافر وترجع بالف سلامة يا حبيبي
تأتي الساعة المحددة للسفر وتقلع الطائرة بركابها وبعد ساعة من الطيران يعلن قائد الطائرة بوجود عطل في محركها ,بسبب الصاعقة والجو السئ وسوف تهبط الطائرة أضطرايا مطار وهذا الأمر سبب ذعرا وحالة من الغضب للدكتور حاتم ,فكل دقيقة في مجال الطب والجراحة تساوي أرواح من البشر ,وانه قد يتأخر عن ميعاد المؤتمر العلمي الدول, توجه لمكتب الأستعلامات لمعرفة ما يدور وأخبارهم بهذا الأمر
-أنا طبيب جراح مشهور ,والان في طريقي لحضور مؤتمر علمي ,وما حدث سيجعلني أتاخر عن الميعاد المحدد لبدء المؤتمر,ولا بد من وجود حل لديكم
– ممكن تنتظر حضرتك خمس ساعات لحضور طائرة أخري وان كنت علي عجل ,قوم بتأجير سيارة فمكان المؤتمر قريب من هنا ,وسوف تصل بعد ساعتين تقريبا
قام الدكتور حاتم بتأجير سيارة وقام بقيادتها وأخذ يسير بسرعة وعجل وفجأة تغير الجو وأمتلئ بالغيوم والسحاب وهبت رياح وعاصفة شديدة وأصبح لا يري أمامه ,ولا يعرف في اي طريق يتجه الي ان ضل الطريق ,ونزل وترك السيارة بحثا عن مكان يحتمي به من هطول الامطار والجو السئ ,وظل يبحث في كل مكان الي ان وصل الي بيت يشبه الكهف او العشة ,وصل الي البيت وطرق الباب ,فأذا بسيدة عجوز مقعدة
– السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,كنت أسير في طريقي بالسيارة وتغير الجو فجأة وسقطت الأمطار وضللت الطريق ولم أجد غير هذا المكان لأحتمي به
– أتفضل ,مكانك يا أبني
– يمكن ان أستعمل الهاتف
– يا أبني هل يمكن ان يوجد هاتف بداخل هذا المكان ,انظر اليه جيدا
– أسف يا امي
– المكان مكانك با ابني ,كل وأشرب ونام وخذ راحتك .
أكل وشرب الدكتور حاتم ,ثم نام وأستغرق في نومه ,فقد أرهق وأجهد اثناء بحثه عن مكان يحتمي به من الأمطار والرياح الشديدة ,في المساء أستيقظ ,وجد السيدة العجوز تصلي وتدعو ربها وبجوارها طفل صغير نائم علي سرير ,كلما تصلي تدعو ربها وتنظر اليه ,أستمرت في الصلاة والدعاء والتسبيح طويلا,ذهب اليها الدكتور حاتم يشكرها علي فعلتها معه
– شكرا لكي يا امي علي ما فعلتيه معي
– لا شكر علي واجب يا ابني ,انت ابن سبيل وضللت طريقك ,وقد أوصي بك الله في كتابه وسنة رسوله
-أريد ان اسألك سؤال يا امي
-تفضل يا أبني
– من هذا الطفل الصغير الذي كلما دعوتي دعاء تنظري اليه وكأنكي تطلبي في دعائك أمرا يخصه
-دعواتي جميعها فقد أجابها الله ,الأ واحدة ,اما هذا الطفل حفيدي ,توفي والديه في حادث مرور منذ ستة أشهر ,وأنا جدته جأءت به هنا ليكون تحت رعايتي
– ما الدعاء الذي لم يستجيبه الله لكي يا امي
– هذا الطفل مصاب في قلبه ويحتاج لعملية جراحية ,ذهب والده لكثير من الأطباء ولكن دون فائدة ,فالعملية تحتاج لمبلغ كبير من المال ,وقد سمعت عن طبيب جراح مشهور اسمه حاتم ,يقوم بعمل عمليات لغير القادرين بل مقابل ,ويعيش في مكان بعيدا عن هنا ,وانا لا أستطيع الذهاب بحفيدي اليه ,فطلبت من الله ان يجمعني بهذا الطبيب في اقرب وقت لأخباره بذلك الأمر
بكي الدكتور حاتم من كلام السيدة العجوز ,فهذا ترتيب الله وقدره ,لقد ساقه الله اليها سوقا
– ما تبكيش يا أبني فالله قادر ان يشفيه , حدثني عن أمرك انت
– انا الدكتور حاتم الجراح المشهور قد ساقني الله اليكي وتم ترتيب الله وقدره ليجمعنا في مكان واحد
– انه الله الذي يجيب دعاء من يدعوه فهو قريب من عباده المؤمنين
– نعم يا امي ,عندما تنقطع الأسباب لا يبقي سوي اللجوء لخالق السموات والارض ,في العام الماضي ,تمت دعوتي لحضور مؤتمر علمي دولي ,وقبل ساعات قليلة من السفر ,شعرت زوجتي بأعراض الولادة فبقيت مع زوجتي ,وقدمت أعتذاري عن حضور المؤتمر,وحدث عمل أرهابي في مكان المؤتمر , وتم تأجيله لهذا العام ,هذا المؤتمر يعقد كل ثلاثة سنوات فقط, وانا في طريقي لحضور المؤتمر هذا العام ,حدث عطل في محرك الطائرة وهبطت أضطراريا ,وسقطت الأمطار وتغير الجو الي ان جاءت لهذا المكان ليستجيب الله لدعائك يا أمي .
– سبحانك يارب ,يا من تجيب المضطر أذا دعاك ,بارك الله فيك يا دكتور حاتم
– كل ما حدث كان بفضل دعائك وأيمانك القوي بأن الله سوف يستجيب لدعائك
-نعم انه نعم المولي ونعم الوكيل
