تأليف:وحيد القرشي
توجهت الطفلة ذات السادسة من العمر إلى حجرة نومها، و تناولت حصالة نقودها من مخبئها السري في خزانتها، ثم أفرغتها مما فيها على الأرض، و أخذت تعد بعناية ما جمعته من نقودٍ خلال الأسابيع المنصرمة، ثم أعادت عدها ثانية فثالثة و رابعة، ثم همست في سرها ” إنها بالتأكيد كافية، و لا مجال لأي خطأ “, و بكل عناية أرجعت النقود إلى الحصالة مرة أخري ثم لبست ردائها ، و تسللت من الباب الخلفي، متجهة نحو الصيدلية التي لا تبعد كثيراً عن بيتها.
وعندما دخلت الصيدلية، كان الصيدلي مشغولاً للغاية، فانتظرته صابرة، و لكنه استمر منشغلاً عنها و لم يعطيها انتباه، فانتظرته صابرة، إلاّ أنه استمر منشغلاً عنها، فحاولت لفت انتباهه دون جدوى، فما كان منها بعد أن يئست إلاّ أن أخرجت قطعة نقود معدنية بقيمة الجنيه من الحصالة، فألقتها فوق زجاج الطاولة التي يقف ورائها الصيدلي، عندئذٍ فقط انتبه لها، فسألها بأستياء ماذا تريدين أيتها الطفلة ؟ إنني أتكلم مع شقيقي القادم من الكويت، و الذي لم أرأه منذ زمنٍ طويل, فأجابته بحدة قائلةً “شقيقي الصغير مريض و بحاجة إلى دواءٍ اسمه “معجزة “، و أريد أن أشتري له هذا الدواء.
أجابها الصيدلي بشيء من الدهشة عفواً، ماذا قلت ؟
فاستأنفت كلامها قائلةً بكل جدية شقيقي “عمر”، يشكو من مشكلة في غاية السوء، و يقول والدي إن به ورماً في رأسه، لا تنقذه منه سوى معجزة، هل فهمتني ؟ فكم هو ثمن تلك المعجزة ؟ أرجوك أفدني حالاً.
أجابها الصيدلي مغيراً لهجته إلى أسلوبٍ أكثر نعومة أنا آسف، فأنا لا أبيع “معجزة” في صيدليتي .
أجابته الطفلة ملحة اسمعني جيداً، فأنا معي ما يكفي من النقود لشراء الدواء، قل لي كم هو الثمن من فضلك
كان شقيق الصيدلي يصغي إلى الحديث، فتقدم من الطفلة سائلاً ما نوع المعجزة التي يحتاجها شقيقك “عمر” ؟
أجابته الفتاة بعينين يملؤهما الدموع والحزن ” لا أدري، و لكن كل ما أعرفه أن شقيقي مريض جدا”، قالت أمي إنه بحاجة إلى عملية جراحية، و لكن أبي أجابها، أنه لا يملك نقوداً تغطي هذه العملية، لذا قررت أن أستخدم نقودي في مساعدة شقيقي عمر .
سألها شقيق الصيدلي بأهتمام كم لديك من النقود يا صغيرة ؟
فأجابته و هي مسرورة خمسون جنيه و خمسون قرش، و يمكنني أن أجمع المزيد إذا احتجت.
أجابها مبتسماً يا لها من مصادفة “خمسون جنيه و خمسون قرش”، هي بالضبط المبلغ المطلوب ثمناً لمعجزة أخيك الصغير.
ثم تناول منها المبلغ بيد، و باليد الأخرى أمسك بيدها الصغيرة، طالباً منها أن تقوده إلى منزلها ليقابل والديها، و قال لها أريد أن أرى شقيقك أيضاً.
لقد كان ذلك الرجل هو الدكتور ” حامد المصيلحي ”أستاذ جراحة الأعصاب المعروف.
و قد قام الدكتور حامد بإجراء العملية للطفل عمر مجاناً، و كانت العملية ناجحةً تعافى بعدها عمر تماماً, بعد بضعة أيام، جلس الوالدين يتحدثان عن تسلسل الأحداث منذ أن تعرفا على الدكتور حامد و حتى نجاح العملية و عودة أبنهم عمر إلى حالته الطبيعية، كانا يتحدثان و قد غمرتهما السعادة، و قالت الوالدة في سياق الحديث ” حقا إنها لمعجزة “.
ثم تساءلت : ” تُرى كم كلفت هذه العملية ؟ “.
رسمت الطفلة على شفتيها ابتسامة عريضة، فهي تعلم وحدها أن المعجزة كلفت بالضبط “خمسون جنيه وخمسون قرش” عندما يكون حب الآخرين صادقاً و نابعاً من القلب عندها ستكون المعجزة و لن تكلف الكثير,كل شئ سيتحقق وينجح بالحب
