الأدب و الأدباء

قصة الأسبوع “التوأم”

بقلم:وحيد القرشي
ياه علي الحظ ,بنتين توأم,ربنا يساعد مسعود ويقدر علي مصاريفهم ,هيشيل همنا واللي هم أمه اللي محتاجة كل شهر دواء ب 200 جنيه ,والدنيا أتملت حقد وكره ,وما حدش حابب حد,والاسعار زادت في كل حاجة والدنيا غليت وولعت ,بس دا حكم ربنا وارادته واحنا راضين بحكمه ,اه والف اه علي الوجع والصداع من التفكير.
-مالك يا حميدة حاطة أيدك علي خدك وشيالة طاجن ستك ,بتفكري في ايه يا وليه
-أسكت يا مسعود بفكر في البنتين التوأم ,ربنا يقدرك عليهم
-كله برزقه والحمدلله علي كل حال
-تمر السنوات وتبلغ البنتين ثلاثة اعوام ,ومع زيادة السن تزداد المصاريف ,لزيادة المستلزمات والاحتياجات ,ومسعود رجل أرزقي يعمل باليومية ,وما يتحصل عليه قليل ,ويوم عمل وعشرة علي ارصفة الكباري أنتظارا للفرج وما باليد حيلة.
-هتعمل اية يا مسعود ,البنتين كل يوم بيكبروا وبتزيد مصاريفهم ,وانت علي قد حالك
-هعمل اية يا حميدة ,كله بارادة ربنا .
-انا بفكر ان وحدة منهم تعيش مع جدتها في الصعيد وبالمرة تخدمها وتقلل من مصاريفك يا مسعود
-الا تشوفيه يا حميدة
-علشان نقدر ندخل وحدة منهم المدرسة ,يمكن تنجح وتنفعنا يا مسعود
يأتي عيد الفطر المبارك الذي ينتظره مسعود والكثير ايضا لزيارة الاهل والاقارب والاطمئنان عليهم ,يأخذ مسعود زوجته وبناته التوأم في زيارة لوالدته العجوز,والتي تعيش في أحدي قري محافظة سوهاج ,وبعد يومين من الزيارة مرضت أبنته سميحة ولازمت الفراش ,وذهب والدها لطبيب الوحدة بالقرية للكشف عليها,وطلب منه الطبيب ان ترتاح وتلازم الفراش لمدة اسبوع لاصابتها بنزلة شعبية حادة ,القدر لعب دوره في تلك اللحظة المؤثرة والوقتية ,وارادة الله نافذة لا محالة ,رغم ترتيب البشر,فقد كان المتفق عليه بين مسعود وحميدة ان يتركوا سماح مع جدتها ,فمرض سميحة احال حدوث ذلك لتبقي مع جدتها ,وترجع سماح مع والديها لتعيش وتتربي معهم ,وجاءت لحظة الفراق ,الام تترك أبنتها لتعيش وتتربي بعيدة عنها ,والاب حرم من ابنته بسبب الفقر وقلة الدخل ,التوأم سميحة وسماح ,فقدوا طفولتهم التي استمرت معهم لسنوات قليلة ,فقدوا لحظة الاندماج الاخوي والحب والحميمية ,وحرما من بعضهم لاجل غير معلوم وامرا كان محتوما ,فالفقر قاهر الحياة وموجعها ومؤلمها لكثير من البشر ,تشبعت لحظة الفراق, تلك اللحظة الفارقة في حياة كل منهم ,بدموع والم وحسرة علي فراقا كان حتميا وامرا وقدرا لا مناص منه .
– اسكتي يا حميدة ما تبكيش قدام البنتين,هو انا فرحان للابيحصل ,انا شايل في نفسي وساكت
-هنفرقهم ونحرمهم من بعض يا مسعود وهنظلم سميحة
-مين قال كدا ,كل شهر ومناسبة هنيجي ونشوف سميحة وجدتها ونطمن عليهم
– ياريت يا مسعود,الخوف احسن تأخدنا الدنيا وننساها
-بتقولي أية يا وليه,اسكتي وسبيني في حالي,اسكتي يا حميدة
تمر السنوات وتكبر سميحة وسماح ,سميحة تعودت علي حياة وجو الصعيد وتأقلمت مع جدتها العجوز,وكانت بين الحين والاخر تلعب مع اطفال الحارة لتعيش طفولتها ,تعودت عليهم وتعلمت منهم وعاشت بجوارهم ,اصبحت جزء وكيان منهم ,اما سماح دخلت المدرسة في الصف الثاني الابتدائي ,الحياة مختلفة بين جو الصعيد بعاداته وتقاليده ,وبين الوجه البحري بأنفتاحه ومرونة وسهولة الحياة ,اصبحت لكل منهم حياة مختلفة تماما عن الاخري ,الاب والام أنشغلوا بحياتهم ومشاكلهم والتي لا تنتهي ,وانقطعت العلاقة والصلة بالصعيد ,اكتفي الاب بارسال مبلغ من المال شهريا لوالدته وابنته سميحة في المناسبات ,باتت شئ عاديا واصبحت الزيارة غير مالوفة وغير مرغوب فيها لبعد المسافة والانشغال .باتت الوجوه غير واضحة المعالم ومحيت من ذاكرة كل منهم ,نسي الاب والام ابنتهم سميحة ,وماتت ملامحها الطفولية ,قسوة الحياة جعلت البشر يقسون علي انفسهم ليؤلموها ففي كثير من الاحيان نحتاج لألما كبيرا واكثر وجعا,الما يلتهم كل الالالم والاوجاع لنتحول من حالة الاحساس بالوجع الي التخدر والنسيان وفقدان الاحساس,لتموت بداخلنا المشاعر والاحاسيس والعواطف لنقسو علي انفسنا وعلي الاخرين .
سنوات العمر تمر علي التوأم سميحة وسماح بصورة مختلفة ,سميحة صعيدية من الدرجة الاولي عاشت عاداتهم وتقاليدهم وباتت تشبههم في كل شئ ,اما سماح تدرجت في مراحل التعليم المختلفة الان في عامها الثاني في كلية الهندسة ,عاشت التمدن والرفاهية ,التوأم في شهادة الميلاد وفي الواقع والحقيقة شئ مغاير ,عاش كل منهما في مكان وطبيعة مختلفة وجو مختلف ايضا ولم يلتقيا منذ سنوات عدة ,سنوات الطفولة الاولي ,مشاكل الحياة وقسوتها انست الاب والام ابنتهم سميحة ,فماتت في قاموس حياتهم ,باتت شئ عادي وغير موجود بالمرة.
دخلت سماح في علاقة عاطفية مع شاب وزميل لها في كلية الهندسة ,شاب ثري من اسرة مرموقة ذات اصولا عريقة ,تعمقت تلك العلاقة وتشبعت حبا وقربا من كلا الطرفين ,ولم يتبقي سوي اعلان الارتباط الرسمي واشهاره
-قريب جدا هتقدم ليكي يا سماح ,انا كلمت بابا وماما عنك
-ان شاء الله يا ممدوح ,علي فكرة انا كمان كلمت بابا وماما عنك وعرفتهم بعلاقتنا
-والله ,يعني ممكن أجي البيت واشوف بابا وماما
-تشرف يا بشمهندس ,البيت بيتك يا هندسة
هاهاها ربنا يخليكي ليا يا بشمهندسة
سميحة الفتاة الصعيدية الملامح واللهجة كبرت واحلوت ,تقدم لها شابا من قريتها يعمل في فلاحة ارض والده ويسافر بين الحين والاخر للعمل في محاجر الطوب الابيض ,وجدت سميحة في هذا الشاب الملجئ والمخرج من حياة بدائية وبسيطة جدا لحياة ربما تكون اكثر حظا ويسرا ,ولكنها فكرت في جدتها القعيدة ,كيف تعيش لو تركتها وتزوجت.
-انا جتلك يا جدتي أتقدم واطلب ايد سميحة
-موافقة يا حبيبي ,ربنا يتمم بخير ,ساكتة ليه يا سميحة ,مش تقولي رأيك يا بنتي
-ليه طلب واحد يا جدتي
-اتفضلي يا سميحة ,قولي طلبك لعريسك
-طلبي اننا نعيش معاكي يا جدتي ,او تعيشي معانا في بيت زوجي
-انا موافق يا سميحة ,عندي بيت كبير لوحدي ابوية كاتبه ليه ,وتعيش جدتنا معانا وتونسك في غيابي
تم الاتفاق بين سميحة وعريسها ,وبعد ايام معدودة كان العرس والفرح بطريقة صعيدية ريفية بملامح مصرية اصيلة لتبدء سميحة حياة جديدة تمنت ان تكون سعيدة ومخرجا من الما وظلما أستمر معها لسنوات عمرها ,سميحة كانت تعلم بأن والدها ووالدتها وأختها سماح يقيمون في القاهرة ولم تراهم منذ زمن بعيد فأختفت ملامحهم من ذاكرتها ونسيت ان لها ابا واما واختا ,اما سماح تخرجت من كلية الهندسة واصبحت مهندسة ديكور ,تقدم لها ممدوح وتم الاتفاق علي كل شئ لتنقل ايضا من اسرة فقيرة وحياة بسيطة الي عالم اخر واسرة ثرية ومن طبقة مرموقة في المجتمع.
بعد عشر سنوات من زواج سماح وممدوح لم يرزقهم الله بطفل ,ذهب الاثنين لكثير من الاطباء وعمل التحاليل اللأزمة وارادة الله لم تأتي بما تهواه القلوب والانفس.
ممدوح بات في حيرة من أمره ماذا يفعل في مواجهة ألحاح والده ووالدته المتكرر بين الحين والاخر والسؤال الدائم لماذا لا تنجب زوجتك سماح حتي الان رغم مرور عشر سنوات علي زواجكم ,كان يهرب مرة بكذبة تبدو بيضاء ومرة بأنه سوف يقوم بعمل تحاليل لمعرفة السبب ومع الألحاح والتكرار زادت حدة النبرة والمواجهة ,ولا بد من اجابة وافية ومقنعة ومعرفة سبب تأخر الانجاب ,الاب والام يريدون حفيدا لهم ,هم في حالة شغف وأنتظار دام لعشر سنوات ,حفيدا لابنهم الوحيد ,ولو صرفوا ما يملكون مقابل ان يروا حفيدا لابنهم ممدوح واكثر من حفيد .
سماح أصبحت قلقة ,تبحث عن مخرج من ذلك الموقف الأصعب والأخطر في حياتها ,حدة الخلافات والمواجهة زادت مع والد ووالدة زوجها ممدوح ,ونظرة العتاب والالحاح المتكرر منهم ,اصابها بحالة نفسية سيئة ونوعا من الانعزالية والانغلاق والتفكير الدائم لوجود مخرج من ذلك ,سماح لم تري مخرج أمامها ,سوي ان تخبر والدها ووالدتها بتلك الخلافات ,مع اسرة زوجها ممدوح ,عسي ان يقدموا لها مخرجا وان لم يجدوا مخرجا فقد وضعتهم في حالة من التفكير والارتباك ايضا ,تلك الاسرة الفقيرة البسيطة تحولت بزواج أبنتهم سماح من ممدوح الي اسرة غنية ,حالة الخلافات مع ابنتهم سماح وضعتهم في حالة سيئة ايضا ,خوفا من ضياع كل ما اكتسبوه من تلك الزيجة ,وعلي مستقبل أبنتهم سماح .
-هنعمل اية يا مسعود هتسيب بنتك في خلافات مع اسرة زوجها ممدوح
-وانا بأيدي اية يا حميدة العمل عمل ربنا ,ربنا يرزقها بمولود يارب
-لازم نلاقي حل يا مسعود
-نامي يا حميدة وقولي يارب ,انا بفكر أزور امي واشوف سميحة ,يمكن ربنا يجيب الفرج من عنده ,ونغير جو الهم والمشاكل الا مش بتخلص
-دا وقته يا مسعود
-وقته والا مش وقته ,من زمن ما شفتش امي وسميحة واللي هي مش بنتك زي سماح يا وليه
-اسكت يا مسعود ,ما تقلبش المواجع ,نام يا راجل
بعد ثلاثة ايام يسافر مسعود وزوجته لزيارة والدته وابنته سميحة للأطمئنان عليهما ,فحالة البؤس والارتباك جعلتهم يهربون ولو لأياما معدودة لعل الايام تأتي بمخرج ويأتي الفرج من رب السموات والارض ,عندما تنقطع الاسباب لا يبقي سوي اللجوء لخالق السموات والارض ,وصل مسعود وحميدة لمنزل والدته ,وجده مغلق وسأل أحد الجيران عنها ,فعلم انها تعيش في بيت أبنته سميحة وزوجها ,وعلم ايضا ان زوج سميحة أصيب في عمله في المحاجر وتوفي في حينه ,وجد حالة من الحزن الموجع علي فراق شاب في مطلع الاربعين من عمره ,عادات وتقاليد الحزن والعزاء تختلف في الصعيد عن الوجه البحري ,حالة الحزن والوجع تكون أشد وتستمر لشهور ولسنوات,وجد ابنته سميحة في حالة نفسية سيئة وبكاءا وانهيارا متواصل ,لقد وجدت سميحة في زوجها الملجئ والمخرج من حياة مؤلمة وظلما دام معها لسنوات عمرها ,والقدر قد خطف وأخفي اللحظات التي تمنتها وعاشتها لسنوات معدودة ,ايضا القدر يتم أبنائها وهم في ريعان طفولتهم ,والاكثر وجعا لسميحة انها في الشهر الاول من حملها ,وماذا تفعل مع تلك الايام الغشام ,
-ياه علي الدنيا يا حميدة ,جينا نغير جو ونرتاح من هم ,نلاقي هموم,ربنا يكون في عونك يا سميحة
-اتظلمت من يومها وشالت الهم يا مسعود
– والطفل الا في بطنها وولادها لسة صغيرين ,ربنا كبير ويقف معاها
-جتلي فكرة يا مسعود هتريح الكل
-فكرة اية يا حميدة ,قولي وريحيني يا وليه
-في الليل لما الكل ينام ,هنقعد ونتكلم مع بعض يا مسعود
-ينتهي اليوم الثالث في استقبال العزاء في وفاة زوج سميحة ,وفي تمام الساعة الثانية منتصف الليل بعد وقت طويل قضته حميدة ومسعود مع ابنتهم سميحة في مواساتها والاخذ بيدها ,وقتا من العتاب الموجع والمؤلم في لحظة قاسية علي الابنة سميحة ,وعتابا عن سنوات مرت دون ان يزورها ويسألوا عنها ,عتابا عن ظلما وحرمان من الحياة ودفنها حية في مكان بسيط مع جدتها وسط بشر لا تعرف عنهم ولا يعرفون عنها غير انها حفيدة لجدتها العجوز القعيدة ,جاءت لتعيش معها,بكاءا وانهيارا وصراخا وعتابا ووجعا تزامنا مع لحظات قاسية ومؤلمة ايضا ,ووفاة زوجها ورب أسرتها ,يدخل الاب والام حجرتهم داخل منزل ابنتهم سميحة ,للراحة بعد يوما شاقا ومؤلم للنفس.
– البت كسرت نفسنا يا حميدة ,أتظلمت وكلامها يوجع
-وأحنا كان بأيدنا اية يا مسعود ,الفقر والحوجة كسرتنا وعملت فينا كدة
-الحمدلله علي كل حال,فكرة اية يا ولية,اللي هتريح الكل ,طمنيني ربنا يرضي عنك وعنا
-انا فكرت يا مسعود اننا نقنع سميحة انها تتنازل عن الجنين اللي في بطنها لاختها سماح ,مقابل مبلغ كبير من المال تدفعه سماح لاختها
-بتقولي اية يا وليه انتي أتخبلتي
يدور حوار طويل يصاحبه صياح وارتفاع صوت بين مسعود وزوجته ,حميدة تريد ان تخبر سماح زوجها ممدوح بأنها حامل في شهرها الاول ,في نفس توقيت حمل أختها التوأم سميحة ,وفي وقت الولادة تلد سميحة طفلا يكون لسماح وكأنها هي التي حملت وأنجبت ذلك الطفل ,وبذلك تضمن بقاء أبنتها سماح دون طلاق او خلافات مع اسرة زوجها المهندس ممدوح,في المقابل تأخذ سميحة الصعيدية مبلغ من المال من اختها المهندسة يعينها علي صعوبات وقسوة الحياة وعلي تربية أولادها اليتم ,وهي في حاجة لذلك بعد وفاة زوجها ورب اسرتها ,وبذلك تحل كل المشاكل دون ان يعلم احد بالسر غير الاختين التوأم والاب والام
-وبناتك هيوافقو علي كلامك يا حميدة
-ان شاء الله ,هكلم سميحة وأقنعها ,ولما ارجع هقعد مع سماح ونرتب الامور
-وهنروح من ربنا فين يا وليه
– ما انت شايف وعارف ان كل حاجة هتضيع منا يا مسعود ,وربنا غفور رحيم
في اليوم التالي,و في ساعات الليل الاولي ,جلست حميدة مع أبنتها سميحة في حجرة مغلقة لتخبرها بفكرتها الشيطانية ,تلك الفكرة لو نفذت لحلت كل مشاكلهم ,وبعد حوار دام لساعات طويلة ,شرحت الام لأبنتها كل شئ حول فكرتها ,أقتنعت سميحة بالفكرة ,لعلها تكون حلا لمشاكلها المادية وما باليد حيلة ,لقد مات زوجها وتركها تواجه الحياة وحيدة .
وفي ساعات الليل الاخيرة وقت الفجر ,يسافر مسعود وحميدة ,رجوعا للقاهرة ,لقد دب الامل في قلبهما مرة أخري ,املا في امرا قد يغضب الله ,لكن ظروف الحياة أجبرتهم علي فعل ذلك,قلة ايمان الكثير من البشر والخوف من صعوبات الحياة,تجعلهم يخطئون ويرتكبون المعاصي ومع تكرارها يقسو القلب ليصبح مظلما ومعتما وينطفئ نور الايمان والهدي بداخله ,ليكتب ذلك القلب خارجا من رحمة ربه ومغفرته.
بعد وصول مسعود وحميدة ,لم ترتاح الام ولو للحظة واحدة من مشقة ومعاناة السفر ,اتجهت مسرعة نحو الهاتف تخبر أبنتها سماح بوصولهم, طالبة منها الحضور اليها في امر هام ,وبعد ساعة ونصف تصل سماح لمنزل والدها في لهفة وترقب لمعرفة ذلك الامر .
تدخل الام وأبنتها حجرة بالدخل وتغلق الابواب ليدور بينهما حديثا طويل ,وبعد الشد والجذب والخوف ,تقتنع سماح بخطة والدتها ,لتبدء في ترتيب نفسها للتنفيذ
-موافقة يا ماما,بس وقت الولادة هنصرف أزاي
-ما تقلقيش يا سماح ,سيبي الامور تمشي علي طبيعتها ,وانا هرتب مع اختك سميحة
-حاضر يا ماما لما أروح هقول لممدوح اني عديت علي الدكتورة المتابعة لحالتي وطمنتني وأخبرتني بأني حامل في الشهر الاول
-كلمي الدكتورة وعرفيها,لو كلمها ممدوح تقوله كدا ,ما هي صحبتك مش كدا
-ايوة يا ماما ,ربنا يجيب الاخرة سليمة
-يارب يا حبيبتي
يأتي المساء ويرجع ممدوح من عمله ,يجد سماح جالسة تشاهد التلفاز وفي أنتظار عودته ,وبعد تناول العشاء,تدخل سماح وزوجها حجرة النوم ,وتخبره بأنها ذهبت للدكتورة المتابعة لحالتها كالعادة ,فأخبرتها بأنها حامل في شهرها الاول ,حالة الفرحة والبهجة ملئت قلب وصدر ممدوح ,حلمه وحلم والده ووالدته سيتحقق ووالي العهد في الطريق لأعلان وليته والاحتفاء به ,سعدا, وفرح ممدوح بذلك ,وطلب من سماح ان تخبر والده ووالدته وتفرحهم بذلك ,
تمر شهور والكل ينتظر المولود في لهفة وشوق ,ووالد ووالدة ممدوح ينتظرون ولي العهد وحفيدهم الاول بلهفة وترقب,اما مسعود وحميدة يتمنون ان تسير الامور علي طبيعتها وينتهي الامر علي خير ,اما سماح أحكمت الترتيب وعاشت دور المراة الحامل بأمتياز وأقتدار ,لعبته بكل تفاصيله ,لم تنسي كبيرة ولا صغيرة في ذلك الامر,القدر لعب دورا ايضا لتأتي الامور بما تهواه وتتمناه القلوب والانفس ,ممدوح يحتاج للسفر لمدة أربعة أشهر في احدي شركاته في دولة الكويت ,فالامر خطير ولا بد ان يسافر بنفسه ,ولا يحتمل التأجيل والانتظار
-في مشكلة كبيرة مع شريك لينا في دولة الكويت ولازم اسافر بنفسي
-سافر يا حبيبي ,ربنا معاك
-أسافر ازاي يا سماح ,وانتي في شهرك الاخير للولادة ولازم اكون جنبك
-ما تعولش هم حاجة يا حبيبي,هروح عند ماما وأولد هناك ان شاء الله ,شوف شغلك انت يا حبيبي ,ما تشغلش نفسك
-حاضر يا حبيبتي ,كدا أطمنت عليكي ,الحمدلله
يسافر مسعود للصعيد ليحضر أبنته سميحة ,فموعد الولادة أقترب ولا بد من وجودها في بيت والدها في القاهرة ,اما سماح جهزت شنطتها ومستلزمات الولادة والمولود المرتقب ومكثت في بيت والدها حتي يتم المراد .
في ساعات الليل الاولي يصل مسعود لبيته ومعه ابنته سميحة ,منذ زمن بعيد لم يتقابل الاختان التوأم ,والقدر جمعهم في لحظة لن تنسي ,ميلاد طفل لواحدة تحمله في بطنها شهور حملها,والاخري تأخذه لتربيه ليكون معها طيلة عمره وعمرها ,ليكون الاختين التوأم أما لطفل واحد ,أما اللحظة الاهم والمشهد المحزن والأكثر جذبا ,لحظة التقاء الاختين التوأم سماح وسميحة منذ أفتراقهما لسنوات عدة ,منذ طفولتهم الاولي,الملامح قريبة ولكن بطبيعة وعيشة مختلفة ,أحضان وأحتضان وشوق وأشتياق والما ووجعا وأحساسا بظلم ,لم يكن بأيديهم ومقدرتهم,ألتقي الأختين التوأم وتعانقا ليصبحا جسدا واحدا وظل العناق مستمرا لعله يخفف مما كان من ألما ووجع ,و ذكريات لسنوات عدة مفرحة ومؤلمة مضت.

تأتي اللحظة المرتقبة ميلاد ولي العهد والمخلص لكل المشاكل,تشعر سميحة بأعراض الولادة ,وتلتف حولها والدتها وأختها سماح ,المرأة الصعيدية لا تحتاج طبيبا للولادة ,هي صلبة وقاهرة لأي ألم مهما كان,وتلك طبيعتها ,بعد دقائق معدودة يصرخ الطفل بميلاده في الحياة ,القدر لعب دورا ايضا في تلك اللحظة ,فالمولود ولد ,لتكتمل الامور بما تهواه وتتمناه القلوب.
تسير الامور علي طبيعتها ,وكأن سماح هي من أنجبت ذلك الطفل ,يصل الخبر لوالد ووالدة المهندس ممدوح فيسرعا لرؤية ولي العهد والحفيد المرتقب ,تلك اللحظة المنتظرة بشغف منذ سنوات عدة
-الحمدلله علي سلامتك يا سماح ,والف مبروك يا بتي
-ربنا يبارك فيكي يا حماتي
-مش كنتي تتصلي وتعرفينا بأنك هتوضعي يا سماح
-معلهش ياعمي,الولادة كانت طبيعية وجت فجاءة
-انا اتصلت بممدوح وفرحته
-ممدوح كلمني من شوية ,واطمن عليه وعلي الطفل ,يا عمي
-وريني الواد يا سماح
-أتفضلي يا حماتي
-بسم الله ما شاء الله,طالع اسمر لمين ,انتي وممدوح بيض هاهاها
-ربنا يبارك فيه يا حماتي ويتربي في عزكم
-يارب يا بنتي وتملئ البيت عيال
-ان شاء الله يا عمي في عمركم يارب
تسير الامور علي طبيعتها ويصمم والد المهندس ممدوح ان يسمي الطفل أمجد علي اسم والده,ويتربي الطفل امجد وسط عائلة مرموقة ,ليتلقي تربية وتعليم علي مستوي راقي ,كل شئ متاح له .
بعد عشر سنوات تصاب سماح بمرض السرطان ,ذهب بها زوجها لأطباء كثر داخل وخارج مصر ,ولكن دون جدوي,فالمرض أنتشر في جسدها وأرادة الله نافذة ,عقاب الله باقي لا محالة وأصابة سماح بالسرطان قد يكون تخفيفا بذلك العقاب الرباني ونوعا من الجزاء والعقاب الدنياوي لها,لتكن عبرة لنفسها وغيرها ,تمر ثلاثة أشهر وسماح تعاني المرض وألمه,لتأتي أرادة الله وتفيض روحها الي خالقها ,ليدفن جزء من حقيقة الطفل أمجد ,ولكنا أراداة الله تغير ولا تتغير,وعنده كل شئ بمقدار قدر ,ماتت سماح وتركت أمجد طفلا عمره عشر سنوات ,تركته وحيدا يعاني الفراق والحرمان ,لحنان ورعاية الام ,ولو علم أمجد ان والدته الحقيقية التي حملته في بطنها تسعة أشهر علي قيد الحياة ,لذهب أليها مهرولا بلهفة يرتمي في حضنها ليرتوي من حنانها وترك كل شئ مقابل تلك اللحظة التي حرم منها في صغره.
تمر السنوات ويتدرج أمجد في مراحل التعليم المختلفة ,حتي وصل للصف الثاني في كلية الطب البشري,نال أمجد تربية سليمة وتعليم راقي وأهتمام الجميع,موت والدته سماح وحرمانه منها في طفولته,أجبر الجميع للأهتمام به وأحتضانه والتعامل معه بحذر وحرص خوفا عليه ,هو الابن والحفيد الوحيد لأسرته.
-ماما وحشتني أوي يا جدتي حميدة,ربنا يرحمها يارب
-وحشتنا كلنا يا أمجد ,مامتك سماح فرحانة بيكي يا حبيبي ,ربنا يوفقك وتكون اكبر دكتور يا رب
-أنا دخلت كلية الطب البشري علشان أتخرج وأخدم الناس المحتاجة ,مرض ووفاة ماما علمني درس مش هنساه طول عمري
-ربنا معاك يا حبيبي
تمر السنوات ويتوفي جده مسعود,وبعد اربعة شهورتتوفي الجدة حميدة,لتدفن حقيقة أمجد ,وتموت بموت حميدة ومسعود , ويتخرج ممدوح من كلية الطب,ويأتي تعينه في أحدي قري محافظة سوهاج,القدر لعب دور ايضا في تلك اللحظة ,تلك القرية ,تعيش فيها سميحة منذ زمن بعيد, والدته التي حملته في بطنها تسعة أشهر ,ثم أفترقا ولم ترأه منذ ولادته حتي حينه,وفي يوم من الايام وأثناء ممارسة أمجد لعمله وأجراء الكشف علي المرضي,أذا بسيدة عجوز تشبه والدته تماما ,واسم والدها علي اسم جده مسعود,انها سميحة مسعود,التوأم لأختها المرحومة سماح,وأمجد لا يعلم حقيقته وماذا تكون تلك السيدة له,هموم الحياة ومشاكلها جعلت سميحة تكبر قبل أونها وتمرض وتشيخ .
يرجع ممدوح لبيت والده في القاهرة في أجازته ,وبعد الراحة والاستراحة ,أخبر والده عن تلك السيدة التي تشبه والدته سماح شكلا ولكنها بطبيعية صعيدية فلاحة .
بابا ,ماما ليها أقارب في الصعيد
-لا يا حبيبي,بتسأل ليه
-في ست شبه ماما تماما , كشفت عليها في الوحدة الصحية بالقرية,والاغرب ان اسم والدها علي اسم جدي مسعود
-عادي يا حبيبي بتحصل كتير,ويخلق من الشبه اربعين
تذكر امجد والدته فدخل حجرتها ليريح نفسه ويتنفس هوائها ويتعمقه ليشعر بها ويجدها قريبة منه للحظة ,نظرا لصورتها المعلقة علي الحائط,التي لم يرأها منذ زمن بعيد ,أمتلئت عينه دموعا والما علي فراق كان حتميا, وحرمان في صغره,فخطر بباله ان يفتح صندوق والدته الخاص بها ,ليقرأ جزء من كتاباتها وذكرياتها لعله يستريح ويريحقلبه الهائج لرؤيتها,فوجد خطابا مغلق ومكتوبا عليه “لا يفتح الا بعد مماتي”,لم يتمالك أعصابه ففتح الخطاب بلهفة وشوق ليري ويعرف ما بداخله,وجده موجه لوالده ممدوح,ووجد فيه حكاياته منذ ان كان في شهره الاول في بطن أمه سميحة, وعلم ان والدته الحقيقية تعيش في الصعيد ,وأسمها سميحة,فتذكر وتأكد انها تلك السيدة التي قابلها في عيادته منذ بضعة أيام ,سماح أخبرت زوجها ممدوح في خطابها المغلق والمعلق فتحه لمماتها,عن حكايتها مع سميحة التوأم لها,وعن أبنهما أمجد,وأنها كانت تسعي بفعل ما تم حتي لا يفترقا ويحدث الطلاق ان لم يكن بينهما طفلا,أرادت ان تحافظ علي تلك العلاقة بينهم ,وان تغلق حالة الشد والنبرة المحرجة والمستمرة من والده ووالدتها,فلم يكن أمامها سوي فعل ذلك الامر,الحقيقة قد تكون مؤلمة في كثير من الاحيان ,ولكنها أستفاقة من عتمة وظلمة كانت وأنتهت ببزوغ النور وظهور الحقيقة, لانه لا شئ فى معترك الحياة يتحول الى حقيقة ثابتة إلا بعد التجربة وعندما تقع التجربة فان ثمنها يكون قد دفع بالكامل,بمرارة والم , فالحقيقة مثل النحلة تحمل فى جوفها العسل وفى ذنبها الإبرة.
ممدوح أصبح في حيرة من أمره,فهو موقف محرج ومحير له,والدته التي ربته سماح ماتت وأنتهي دورها,ووالدته التي حملته في بطنها ما زالت علي قيد الحياة,هل يذهب اليها ليطفئ حرمان السنوات في حضنها ويرتوي من حنانها,الأم هي روح الحياة وهي المستقبل والحاضر ومن غيرها لا طعم ولا لون لشيء، هي القلب الصافي وهي نبع الحنان، فالأم تصنع الأمة، فلا نجاح لبيت ليس فيه أم، ولا أمل في غدٍ إن لم يكن بتخطيط امرأة عظيمة كالأم، لم يخبر والده عما حدث وما كتب بداخل الخطاب من والدته سماح ,أراد ان يتأكد من ذلك وان تكون الحقيقة واقعية ملموسة أمامه ,لم ينتظر الي نهاية أجازته,فقد رجع لقرية والدته سميحة ,وعندما وصل لبيتها ,وجد حالة من الحزن تخيم علي المكان,وجد رجال يستقبلون العزاء,فأسرع نحوهم ,وعلم انها ماتت منذ ثلاثة أيام مضت ,القدر حرمه من والدته الحقيقية قبل ان يلتقيا ويحتضن كل منهما الاخر,القدر فرقهم قبل لحظة الالتقاء,الأُم هي الحُضن الحنون الدافئ الذي مهما كبر الشخص في العمرِ يظل محتاجا إليه، والأُم نعمة يجب أن تقدر؛ لأن عند فقدانها سيشعر الإنسان بندمٍ وسيشيخ من حزنِه,جلس امجد مع اخوته واخبرهم حكايته وما تم من التوأم سميحة وسماح, وما بداخل الخطاب,وبعد لحظات قاسية للجميع ومؤلمة ايضا ,وقف الابناء امام صورة والدتهم سميحة وتعانقا واحتضن كل منهما الاخر,وقررا الأ يفترقا مرة اخري وتبعدهم الايام عن بعضهم ,من أجمل اللحظات التي قد تحصل في الحياة، هي لحظة اللقاء خاصة بعد فراق طويل ، فترى هناك مشاعر الحزن والفرح ممزوجة بدموع الشوق وألم الفراق،سبحان من يغير ولا يتغير ,وكل شئ عنده بقدر ومقدار,ولا محالة في حكمه وقدره,جلس أمجد مع اخوته والتفا حول بعضهم يتذكرون ما كان,بصبر ممزوج بألم ,وايضا بفرحة اللتقاء لعل المسقبل والقادم يكون افضل مما كان .
– انا قررت يا اخواتي اني اعيش معاكم هنا واخدم اهل الصعيد المحتاج
-هتقدر يا دكتور أمجد ,وبابا هيوافق ويرضي
– ان شاء الله هيوافق,وهزوره كل فترة
-يبقي يوم السعد يا دكتور,وتشرفنا وتنورنا
-ربنا ما يحرمنا من بعض
– قومي يا بت يا سعدية اعملي الغدا
-تعالوا نروح الزرعة ونتغدا هناك
-وماله يا دكتور أمجد,وبالمرة نلعب الحطب ,هاهاها
-هاهاها

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق