مقالات

الحكمة من خلق الإنسان (4)

بقلم الباحث محمد سعيد أبوالنصر
1-خَلْق الإنسان :
خَلَقَ اللهُ الإنسان في أجمل صورة وأحسن خلقة وأبهى منظر، قال تعالى {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4] وبالنظر إلى الإنسان من منبت شعره إلى أخمص قدمه سوف تجد الحكمة بادية في خلقه، ظاهرة في صنعه .
2-عقل الإنسان :
انظر إلى عقل الإنسان كيف خُلق ، وكيف يأتي بالمعلومات في أقل لحظة ؟ ولماذا حرم الشارع والإله الخالق عليه شُرب الخمر ؟ أليس ذلك صيانةً له ومحافظة عليه من أن يكون مخمورًا مسكورًا، يترنح على الأرض كالبهائم ،وبذلك يفقد إنسانيته ورزانته، واحترامه من البشر فضلاً عن سخط خالقه وشقائه الدنيوي وعذابه الأخروي ! إنَّ الخالق العظيم عندما خلق هذا العقل شرع له ما يحفظه حتى لا ينحط الإنسان إلى أسفل من درجة الحيوان البهيم، وهو الذي قد هُيِّئ ليلتحق بعالَم الملائكة الكرام .
3-شعر الإنسان :
خلق الله رأس الإنسان وزينها بالشعر النامي المستمر في الطول فماذا لو كان رأس الإنسان “أقرع” لا ينبت فيه الشعر، ألا يُغضب هذا الإنسان ويبذل لإنبات شعره المال الوفير من أجل شعرات في الرأس، ثم تأمل حكمة الرحمن في خلق شعر الرأس ، وكيف جعله سبحانه متنوعًا في خلقه ووقت نباته واتجاه نموه وكل ذلك وفق الحكمة والرحمة وإحسان الخلق وإتقانه قال تعالى { الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7)} [السجدة: 7] فشعر الرأس يبدأ نموه قبل ولادة الطفل ويستمر نموه طول عمره. وشعر اللحية للذكر لا ينبت إلا إذا كبر، ويطول غير مستمر في الطول كشعر الرأس، بل يقف عند حد حدّه له خالقه، فالذي منع نبات شعر اللحية في حال الطفولة والصبا لعدم اللياقة وعدم الحاجة لذلك هو الذي أنبت شعرها في الحال والوقت المناسب، فمنعها حكمة ورحمة ونعمة قبل سن الرجولة و إِنْباتها في وقتها كذلك، فسبحان الذي أتقن كل شيء خلقه.
وانظر إلى المرأة وكيف منع سبحانه شعر اللحية أن ينبت على وجنتيها، فكيف خلقه للرجل ومنعه للمرأة !؟ أليس الذي خلق للرجل شعر اللحية هو الذي منعه عن المرأة!، وبما أن الأمر كذلك فلك أن تتصور امرأة بلحية، فهل يستحسن ذلك أحد؟!، ستقول: بل لا أحد إلا ويستقبح ذلك ويراها مُثْلة وتشويهاً؛ وبما أن الأمر كذلك فالخالق الحكيم سبحانه هو الذي فعل هذا، وقد أخبر عز وجل أن أفعاله تجري على مقتضى إحسان خَلْقه وإتقانه، وتأمل قوله سبحانه في الآيات المتقدمة “أحسن” و”أتقن”.
قال الإمام ابن القيم –رحمه الله-: “ثم تأمل إذا بلغ الرجل والمرأة اشتركا في نبات العانة، ثم ينفرد الرجل عن المرأة باللحية؛ فإن الله عز وجل جعل الرجل قيّماً على المرأة، وميّزه عليها بما فيه من المهابة والعز والوقار والجلالة، لكماله وحاجته إلى ذلك، ومُنِعَتها المرأة لكمال الاستمتاع بها والتلذذ .. لتبقى نضارة وجهها وحسنه لا يشينه الشعر، واشتركًا في سائر الشعور للحكمة والمنفعة التي فيها”
4-اتجاهات الشعر :
تأمل في خلق هذا الشعر وفي اتجاهات نموه المختلفة ، وكيف تتجه كل شعرة إلى ما وجهها إليه خالقها، فشعر الحواجب يتجه خِلقة إلى جانبي الرأس، وكل حاجب يأخذ شعره اتجاهاً معاكساً للآخر، فتصور لو تقابل شعرهما كيف تكون البشاعة!، كذلك لو كان شعرهما متجهاً في نموه إلى الأعلى أو الفوْق أو إلى الإمام كالرموش .. كيف تكون البشاعة!، ثم انظر إلى طبيعة الشعر جملة كيف ترى نعومته وطراوته، ولو كان يابساً صلباً لتقصّف وفات الغرض المراد منه، ولو كانت نعومته كالحرير فكذلك لا يتأتى المراد منه على الكمال والزينة والجمال فسبحان { الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2)} سورة الأعلى، الآية : 2] “أي خلق الخليقة وسوى كل مخلوق في أحسن الهيئات”
5-وتأمل في شعر الحواجب:
الذي يبدأ نموه قبل ولادة الطفل ولا يستمر في الطول كشعر اللحية ولا كشعر الرأس بل أقل. وماذا لو قيل لإنسان : احلق حواجبك ونعطيك ما شئت من المال الذي يغنيك لما فعل لعلمه أن ذلك تشويهاً لخلقه وتقبيحاً لصورته.
6- وانظر إلى رموش الأجفان:
فهي تبدأ قبل الولادة –أيضاً-، ولكنها أقل الأنواع نمواً كما هو مشاهد معروف، ومن الذي منعها من الطول والاسْتَرْسَال والمتانة وإيقافها على حد لا تعدوه، فإنها لو طالت زيادة على حدها أو قَصُرت لحصل التشويه .. إنه لا أحد ينازع في أن رموش العين جمال وزينة، ولذلك لو تصورت أجفاناً بلا رموش لاستقبحت الصورة، وبقي عدم وجود الرموش في الأجفان مُثْلة وتشويه خلقة، كذلك لو كانت الرموش مقصوصة، فالذي جعل رموش الأجفان جمالاً وزينة هو الذي جعل اللحية للرجل جمالاً وزينة ومنعها وجه المرأة جمالاً وزينة.” وتأمل ماذا لو كان نمو هذه الرموش قائماً إلى الأمام ، كالحواجب يأخذ في الجوانب أو إلى أعلى أو فوق أو إلى تحت كيف تكون البشاعة، ويفوت الغَرض المراد! .. وليس الكلام هنا عن الوظائف الأخرى للرموش وغيرها، وإنما الكلام على الحسن والقبح وحكمة الخلاق العليم من جانب واحد في معنى الآيات السابقة التي ذكر الله فيها إحسان تصويره لمخلوقاته وإتقان صنعه.
7-مواضع الشعر :
انظر إلى هذه المواضع وتأمل قدرة الله فيها وكيف منع الشعر عن بعضها وأضافه إلى البعض الأخر فانظر إلى باطن الكف وكيف كان غير قابل “لإنبات الشعر لأنه لو أشعر لتعذر على الإنسان صحة اللمس، ولشق عليه كثير من الأعمال التي تباشر بالكف، ولهذه الحكمة لم يكن هِن الرجل قابلاً لإنباته لأنه يمنعه من الجماع؛ ولما كانت المادة تقتضي إنباته هناك نبت حول هنّ الرجل والمرأة، ولهذه الحكمة سُلِب عن الشفتين، فلم ينبت الشعر فوق الشفتين وكذلك لم ينبت على باطن الفم، وكذا لم ينبت أيضاً على أخمص القدم وظاهرها لأنها تلاقي التراب والوسخ والطين والشوك، فلو كان هناك شعر لآذى الإنسان جداً، وحمل من الأرض كل وقت ما يُثقل الإنسان، وليس هذا للإنسان وحده بل ترى البهائم قد جلّلها الشعر كلها، وأُخليت هذه المواضع منه لهذه الحكمة.
أفلا ترى الصنعة الإلهية كيف سُلِبت وجوه الخطأ والمضرة وجاءت بكل صواب وكل منفعة وكل مصلحة!..
8-الخدان:
انظر إلى الخدين :لقد منع الله تعالى نبات الشعر في الخدين جمالاً وزينة، ولو طلع الشعر في الخدين لتشوهت الخِلْقة ولشابه الإنسان الحيوان؛ كذلك الجبين وظاهر الأنف، والخالق هو الذي نظم ورتب .
9- الأظافر:
إذا نظرنا إلى الأظافر نجد أنها جمال وزينة ولا يخفى على أحد أنها لو تركت مستمرة في نموها وطولها لتشوهت الخلقة، وصار الإنسان يشابه الحيوانات العادية المفترسة.
وليس الكلام هنا في تضرر الإنسان بتعرضها للتكسر والالتِوَاء وتراكم الأوساخ، وإنما الكلام في حكمة الله عز وجل ورحمته ونعمته فيما خلق جملة، فمن يُحصي ذلك ويقدر عليه لا سيما الإنسان .. هذا المخلوق المُعتنى به وقد ذكّره خالقه سبحانه ببعض نعمه عليه وما خصه به من الألطاف فقال تعالى {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)} [الذاريات: 21] وإنما الكلام فقط على حُسن الخلقة وقبحها وحكمة الله في خلقه وشرعه ورحمته وعنايته بتحسين صورة الإنسان، ولذلك جاءت الشريعة بالحكمة والرحمة والجمال والكمال بأن أُمر المسلم بقص أظافره وألا يدعها تطول، فتأمل العلاقة والارتباط بين الطبيعة والشريعة.
ومما يدل على أن الخالق واحد سبحانه، قارن بين ما تقدم في الاتفاق والاختلاف والتنويع في شيء واحد وهو رأس الإنسان وبين ما ذكر الله من تنويع النبات والثمار وذلك في أرض واحدة وتسقى بماء واحد، قال سبحانه : {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)} [ سورة الرعد، الآية : ٤ ]
فهذا تقدير الحكيم العليم الذي أحسن كل شيء خلقه، فهل تثمن وتقدر وتعي عقول العقلاء غير هذا الصنع والإتقان والإحسان من العلي القدير ! ..
10-العينان:
تخيل معي لو أن العينان انتقلت من مكانها وأخذت شكلاً غير شكلها ، وموضعاً غير موضعها ماذا يكون منظر الإنسان ؟ أليس خَلْقها بهذا المنظر قدرة قادر وصنع حكيم .
وللحديث بقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق