الأدب و الأدباء

فاطمة لسامية أحمد

بسم الله
الحلقه رقم(10)من روايه فاطمه
الناشره/رانيا يوسف

لكن الأمور تطورت حتى وصلوا الى باب الشقة
فقد رن الجرس يوما وعندما نظرت فاطمة من العين السحرية لم تجد أحد, ولكنها وجدت ظرف كبير مغلق مكتوب عليه اسم شادي ألقي من تحت عقب الباب
تماما كالأفلام المصرية القديمة
لكن الجديد في الأمر أن الزوجة لم تفتحه هذه المرة, بل تركته على أعلى رف في المكتبة وذهبت لأشغالها
كلما فكرت في الأمر الآن أدرك كم كان حرصها ألا يقع الظرف في يد أحد سوى شادي فأبعدته حتى عن طفلتها لكي لا يتدخل فضول الطفلة وتمتد يدها الى الظرف وتفتحه
كنت أراقب فاطمة وردود أفعالها وعندما رأيت الظرف فوق رف المكتبة ورأيت سمكه أدركت أن به صور, من السهل استنتاج من صاحبها
لكن التصرفات الغريبة كثرت هذه الأيام, فلم تعد فاطمة ترد على هاتف البيت, وكلما رن جرس الهاتف تطلب منى أو من شادي الرد وتتعلل بكل العلل الممكنة حتى لا تلمس سماعة الهاتف
الا لو كان المتصل أباها أو إحدى أخواتها
أما جوالها الشخصي فقد اختفى تماما وكلما سألناها عنه تقول معطل, واذا ما طلبه شادي منها ليصلحه ترد بأنها وضعته في مكان ما ونسيت
الحقيقة أن أمر الصور والأفلام لم يعد هو مصدر قلقنا الرئيسي
بل تصرفات فاطمة التي جعلتنا على آتون مشتعل من الترقب والحذر
كانت تبدو كما لو كانت تخفي شيء ما أو تستعد لشيء نجهله
لم يكن من الممكن أن نتقبل كل تلك التصرفات الغريبة منها كأفعال عادية أو مصادفات لا رابط بينها
كما لا يمكن تصور أن انسانة بذكاء فاطمة تتحول فجأة الى عمياء صماء عن كل ما يدور حولها
أما شادي فلم يعد قادر على التحمل بعد أن احترقت أعصابه تماما
أصبح شديد العصبية لأتفه الأسباب ولم يعد يلاعب صغيرته كالسابق, فقط يعود من عمله ويتناول طعامه معنا أو يدعي ذلك ثم يختفي في غرفته
وأنا وفاطمة نتجنب الحديث معا بمشاهدة التلفاز أو بملاعبة الصغيرة لتعويضها بعض الشيء عن افتقادها لحنان أبيها
كانت فاطمة صبورة وحليمة لأبعد مدى, تمتص عصبيته بعقلها وهدوءها, وتزيد من جرعات الحنان والود والتدليل
كانت تبدو أمامنا سعيدة
أما شادي فقد وصل الى حافة الجنون
قاسى أسبوعين مريرين من هجوم شرس لا ينتهي وهو عاجز تماما عن صده
حتى فاجأته فاطمة بمفاجأة جديدة أربكته تماما
قامت فاطمة بدعوة أمه وأخته وعريسها لحفل عشاء منزلي على شرف العروسان
الغريب أن رشا قبلت الدعوة, والأغرب أن الأم أيضا قبلت
أفكر أنها قبلت لرغبة قوية بداخلها لإعادة العلاقة بينها وبين شادي بعد أن خلت الدنيا من حولها وغادر ابني البيت ورفض العودة
الحقيقة لم أكن مستسيغا أن يتم كل هذا دون أن يعلم شادي أو يكون مفاجأة له كما أخبرتني
لكنها كانت تخشى أن يرفض
والمفاجأة الحقة لي أنها طلبت منى أن أتصل بابني وأدعوه للعشاء ودون أن أخبره أن زوجته ستكون موجودة
وبعد الحاح كبير منها عجزت عن الوقوف أمامه, اتصلت به, في البداية اعترض, وكاد يرفض, ولكنني أقنعته أن شادي تغير
ويبدو أن ما أثر فيه حقا هو أنه شعر أنني أعيش سعيدا مستقرا في بيت حفيدي وأننى على وفاق تام مع زوجته, لذلك قبل أخيرا
وبعد كل تلك المفاجآت كان على أن أسألها لم تفعل كل هذا؟
أجابتني بإجابة زادت من حيرتي وشكوكي, فقد قالت : أكره أن يجلس شادي هكذا خالي البال بعيدا عن كل ما يخص عائلته
يجب أن يبقى عقله مشغول باستمرار بعائلته ويحمل بعضا من واجباته التي يتجنبها
عبارتها لم تريحني, ولا الطريقة التي قالتها بها
ويوما بعد يوم يتأكد لي أنها تدري شيئا, أو أشياء كثيرة وتكتمها بداخلها
ويوم العشاء المنتظر عندما عاد شادي من عمله وجاءني في غرفتي وأخبرته بما أعدت فاطمة كما طلبت مني, ثار بشدة إذ كيف لزوجته ألا تسأله أولا قبل أن تفعل هذا
خرج من عندي ثائرا الى المطبخ وجريت خلفه خشية أن يرتكب حماقة قد نندم عليها جميعا
ولكن بمجرد أن وقعت عيناه عليها وهي تبتسم تلك الابتسامة الدافئة التي امتلأت بها كل ملامحها وتقول برقة هائلة : شادي, حبيبي, متى عدت من العمل؟ لم أسمع صوت مفتاحك يدور في الباب وأنا هنا في المطبخ
رأيت بعيني الأسد الثائر الغاضب وهو يتحول الى قط هادئ وديع أمام تلك المخلوقة الجميلة قلبا وقالبا
كانت تتحدث اليه بمرح كبير وتبدي سعادتها البالغة بذلك العشاء الذي سيجمع شمل العائلة من جديد
ورأيتها وهي تسحبه من يده كطفل صغير لتختار له ما سيلبسه الليلة, وهو هادئ تماما صامت يعجز عن معارضتها
وهذا ما لاحظته بالفعل من بعد مولد نور, لقد تحول شادي الى عبد لها, فلا يمكن أن تطلب منه طلبا مهما كان ويرفضه , كما لا يمكن أن يصرخ في وجهها أو يؤذيها بكلمة
أما هي فلم تستغل أبدا حبه الشديد وانقياده لها, بل كانت تمنحه الاحترام الكامل والطاعة اللا محدودة
ولولا ما يحاك حولهما من مؤامرات وخوف شادي من أن تعرف بما فعله أو ترى الصور والأفلام لصار أسعد زوج في العالم
……………………………………….

دبرت فاطمة الموعد بحيث يصل ابني وزوجته أولا قبل رشا ووليد, وكان هدفها من ذلك أن يجلسان معا وحدهما ليتفاهما
وصل ابني أولا, فرحبت به فاطمة ترحيبا كبيرا, ورد هو عليها بدبلوماسية وتهذيب
وجلسنا في غرفة الاستقبال وتركتنا فاطمة وذهبت لتحضير المشروبات
كان اللوم والعتاب هما الغالبين على حديث ابني وحفيدي , وصمت تماما لأدع لهما الفرصة ليخرج كل منهما ما في نفسه
بعد قليل وصلت زوجة ابني, ووقفت مشدوهة أمام ذلك المنظر الذي أمامها, فهي لم تتخيل أبدا أن تكون فاطمة على هذه الدرجة من الرقي والذوق الرفيع في اختيار ملابسها وزينتها وتصفيفة شعرها
لقد كانت فاطمة رائعة الجمال في هذا اليوم بالذات
بالغت في أناقتها وزينتها وصففت شعرها عند مصففة الشعر لتبدو أمام عائلة زوجها في أجمل صورة
والى جانب جمال الصورة كان جمال المنطق والاستقبال والترحاب
مما أذاب بعضا من البرودة العنيفة في معاملة حماتها لها
وبرغم كل التخطيطات والترتيبات التي قامت بها فاطمة من أجل حماها وحماتها, الا أن الإثنان لم يتبادلا ولو حتى السلام, ولم ينظرا الى بعضهما البعض
كانا أشبه بغريبين في مكان غريب
وصل وليد ورشا, وأحضرا معهما هدية لشادي وزوجته
واستقبلهما شادي وحده فقد توارت زوجته بسرعة في غرفتها لتعود لنا وقد ارتدت عباءة واسعة أنيقة للغاية وتسترت بحجاب طويل وفوقه النقاب لتعود لصورتها الأولى
وبكلمات غاية في الرقة والترحاب رحبت بالعروسين وقدمت لهما العصائر, ثم تركتنا وخرجت من الغرفة لتعد المائدة, ومع خروجها عاد الصمت المتوتر يسري في المكان
الا عندما كسره وليد وهو يتأمل المكان : جميلة هي شقتك يا شادي, لقد غيرت الديكورات تماما, أصبحت أفضل بكثير
قال بفخر : انه ذوق فاطمة
نهض وليد من مكانه واتجه الى الشرفة وهو يقول : هل لازالت الشرفة كما هي أم أنك بدلت ديكوراتها أيضا؟
تبعه شادي قائلا : سيدهشك المنظر
توارا داخل الشرفة وخلفهما الصغيرة ظل أبيها, ولم يخف على أن وليد يريد أن يحادث شادي دون أن يسمعه أحد, وقام بتلك التمثيلية لينفرد به في الشرفة
وبمجرد أن أصبحا وحدهما حتى قال وليد بصوت منخفض يمتلئ بالتوتر : ما هذا الذي فعلته في بيت رودي؟!!
فوجئ شادي تماما بكلامه, ولكنه قال مستنكرا : ماذا تعني؟!!
قال : لا تخفي على صديقك, لقد وصلني الفيلم الذي تم تصويره لك في بيت رودي, بل ومرر الى كل الشلة
ضرب شادي سور الشرفة بغضب شديد : الكلب, عديم الأخلاق
وليد بتوتر : هل علمت زوجتك؟
قال : لا أدري
وليد : ماذا تعني؟
شادي : تصرفاتها غريبة هذه الأيام, أشعر أنها تعلم, ولكنها لا تتكلم أبدا في أمور كهذه
واثق أن ذكائها الشديد لا يمكن أن يمر عليه كل تلك الأحداث دون حتى استنتاج أى شيء, لكنها لا تبدي لي أى ردة فعل غريبة, بل تعاملني كأفضل ما يكون
وليد : اسمعني جيدا يا صديقي, لقد نجح زواجك نجاحا مبهرا عكس توقعاتنا جميعا, فحافظ على بيتك وزوجتك الطيبة بكل قوتك, وحارب من أجل استقرار بيتك, فتامر ورودي اتفقا ضدك ويشنان حولك معركة ضارية,ولم يستخدما كل أسلحتهما القذرة بعد
لكن مهما حدث فعليك أن تتمسك بهدوءك قدر ما تستطيع ولا ترتكب أية حماقة قد تقضي على مستقبلك وبيتك
امتدت أصابع الخوف الى شادي فقال بتوتر : ماذا تعني؟ هل, هل هناك شيء تخفيه عني؟ أخبرني
قال : لا تتعجل الأمور, فأيا يكن ما أخفيه عنك لن يبقى سرا طالما أن تامر يضعك في رأسه
كل ما أستطيع قوله الآن هو أن عليك أن تتحلى بالهدوء والحكمة ولا تعطي تامر فرصة ليصطادك ولا تخبر زوجتك بأى شيء حتى لا تخرب العلاقة الجميلة التي بينكما
لأول مرة يشعر شادي بالخوف, لقد أثرت به كلمات وليد, لا شك أن تامر يعد له خطة من خططه القذرة, لكن أكثر ما كان يثير خوفه هو أن تعلم زوجته بما حدث أو ما سيحدث
داخل الغرفة
كانت المناقشة بين ابني وزوجته قد اشتدت ودخلت في طرق شائكة وعلا صوتهما وأنا ورشا نجلس صامتين نراقب الى أين وصل الحال بابني وزوجته
انضم الينا شادي ووليد الذي جلس على الأريكة بجوار رشا التي ارتسمت اللامبالاة الشديدة في ملامحها وهي تستمع الى أبيها وأمها وهما يتبادلان الاتهامات العنيفة ويقلبان في الماضي عن أخطاء ولى الزمن عليها وأصبحت بلا معنى, لكنها في شجار كهذا تصلح للتراشق والقاء التهم
كان شادي صامتا وشاردا وكأنما ابتلعته مشكلته التي تؤرقه, وبدأ يظهر على وليد الضيق, فقال لرشا : هل نرحل الآن؟
قالت ساخرة : ونضيع علينا مشهدا كهذا!! منذ ترك والدي البيت لم أرى شجارا بين أبي وأمي
قال بتافف : أظن أنه علينا الرحيل
قالت بلامبالاة : لم؟!! لقد أصبحت فردا من العائلة, ألا تريد أن تعرف من ناسبت؟
بعد هذا الحوار بين رشا ووليد, وبعد صمت شادي التام وكأنما انفصل عن الواقع, لم أستطع عدم التدخل, فقلت بسخرية متأففة : جيد! هيا ارفعا صوتيكما أكثر لترى فتاة النظارات في أية بيئة نما شادي وتربى
تلك الفتاة التى تتعاليان عليها وترفضانها لأنها من بيئة متواضعة لم أسمعها يوما تتشاجر مع زوجها أو تصرخ هكذا
نهضت لأغادر الغرفة وأنا أقول : هذا هو المظهر اللائق فعلا لتظهرا به أمام زوجة ابنكما التى تحول جاهدة الاصلاح بينكما وتجميع العائلة التي تخربت وسار كل من فيها في طريق مختلف, شادي.. نادني عندما ينتهي الشجار
قال بسخرية مغتاظة : ولم لا نترك لهما الغرفة جميعا ليمارسا فيها هوايتهما المفضلة؟؟
أمسك بيد صغيرته : هيا يا صغيرتي لنخرج من هنا
خرجنا جميعا الى الصالة, وتركناهما وحدهما, ورأيت فاطمة وهي تتنقل بنشاط من المطبخ الى السفرة وقد كنت متأكد أنه سمعت المشاجرة
جلسنا في أحد الأركان وقال وليد لرشا قاصدا زوجة شادي التي تدور في البيت كالنحلة : ألن تساعديها؟
نظرت اليه شذرا, ثم لم تجد ما تفعله الا أن تنهض متأففة
هتفت فاطمة بسرعة : لا هذا لا يصح أبدا, فأنت العروس المحتفى بها
نهض شادي لمساعدة زوجته
هدأت أصوات المشاجرة في الغرفة, وأتى ابني وزوجته لينضما الينا في صمت, وانتهت فاطمة من اعداد المائدة كأجمل ما يكون ودعت الجميع للعشاء, ولكنها لم تجلس, بل قامت بتقديم الطعام بلطف بالغ واهتمت اهتمام خاص بحماها وحماتها التى قالت بلهجة متعالية : أليس لديكما خادمة!!
ظهر على شادي التأفف وعدم الرضا من أسلوب أمه, لكن فاطمة قالت بود : بلى, لقد استأجر لي شادي خادمة تساعدني, ولكني أحب أن أطبخ بنفسي
قال شادي بفخر : الخادمة تساعد في التنظيف فقط وترحل آخر النهار, لكن فاطمة تقوم بنفسها بكل شئوني وشئون نور, كما أنني لا آكل الا من عمل يديها
استقرت فاطمة أخيرا في كرسيها فقالت رشا بلهجة مستفزة : هل ستأكلين بالنقاب!! ألن تخلعيه؟!! أم أنك تعتبرين وليد غريب؟
قالت ولهجة الود لازالت في صوتها : بالتأكيد ليس بغريب والا ما كنت جلست معه على مائدة واحدة, وأو قدمت الطعام بنفسي
قالت بتهكم : ياللكرم.. ولكن ألن تشاركينا الطعام؟
أدركنا جميعا أن رشا لا تنتوي السكوت, ولن تكف عن استفزاز شادي وفاطمة بكل الوسائل, وذلك عندما قالت : ليس من اللائق ولا من سمات التحضر ألا تشاركينا الطعام
هتف شادي بضيق : ألن تتناولي عشاؤك أم سنظل طوال الليل في حديث وثرثرة؟
تجاهلت رشا كلامه, لكن فاطمة لم تتجاهلها, وردت ردا رقيقا لينا : بالتأكيد سأفعل, ولكن بعد أن أطعم صغيرتي أولا
أجلست الصغيرة على ساقيها وأخذت تطعمها وتدللها
لكن رشا التفتت الى وليد وقالت باستفزاز : ما رأيك يا وليد؟ ألا تشعر بالضيق وزوجة أخي لا تشاركنا الطعام؟ وتخفي وجهها أمامك كما لو كنت غريب غير مرغوب في وجوده؟!!
توقفنا جميعا عن تناول الطعام ولكن أحدنا لم يستطع أن ينطق أمام تلك الجرأة الغير محتملة من رشا, وكاد شادي أن ينفعل
لكن وليد قال بلباقة أثارت احترامنا جميعا : الحقيقة ليس لدي وقت لأشعر فيه بالضيق, فمن يرى ذلك الطعام الشهي والحفاوة البالغة والكرم الرائع, لا يمكن أن يشعر بالضيق
أنصحك أن تأكلي الآن والا سيفوتك نصف عمرك, واحترسي لأصابعك حتى لا تلتهمينهما من حلاوة الطعام
صمتت رشا أخيرا بعد أن ظهر على وجهها عدم الرضا, وأخذت تعبث بعقد أنيق مغلق في رقبتها بعصبية واضحة
وانشغلنا جميعا بتناول الطعام في صمت
لكن فاطمة لم تسكت, بل قالت عندما لاحظت أن رشا لا تأكل : ألا تأكلين؟
قالت بضيق : لا شكرا, فأنا أتبع حمية قاسية, وهذا الطعام لا يناسبني
قربت اليها فاطمة أحد الأطباق وهي تقول : ربما يناسبك الخضار المسلوق, خفيف وسعراته الحرارية قليلة
قالت رشا وكلماتها تقطر غيظا : لم تنسي شيئا, كل شيء في هذا البيت يتم على أكمل وجه
قالت فاطمة : أرجو أن تتذوقيه ربما ينال اعجابك
قالت رشا بتأفف : لن أفعل, فأنا لم أعتد أن آكل مع شخص يخفي وجهه عني
ألقى شادي بالشوكة بغيظ فاصطدمت بالطبق الخزفي محدثة صوتا عاليا جعلنا جميعا نتوقف عن تناول الطعام ونلتفت الى شادي الذي بدا عليه أنه سينفجر حالا
لكن فاطمة نظرت الىيه نظرة طويلة جعلته يسكت, ثم التفتت الى رشا وصوت الود لا زال يغلف كلماتها : لم يا عزيزتي, أنت فتاة مثقفة متفتحة وتدركين أن الأمر حرية شخصية
قالت بعصبية : لم أتعود أن أجالس انسان ولا أرى تعبيرات وجهه ولا أعلم ما الذي يكنه لي من كراهية أو ود
قالت فاطمة ببساطة : أنا عكسك تماما, أنظر الى أفعال الناس لا أشكالهم, وأدرك أن التعبير عن الحب والمودة لا يقتصر فقط على تعبيرات الوجه, بل هناك أيضا الكلمات الطيبة
كما أن أقوى أشكال التعبير عن الحب هو الأفعال والتصرفات
وكل انسان يعبر عما بداخله بطريقته الخاصة
صمتت رشا تماما رغم أنها لا تزال تعبث بعقدها بعصبية واضحة في حركاتها, وعدنا للأكل من جديد وفاطمة تقول : أذكر أن أحد التلاميذ حاول التعبير عن حبه وتقديره لمعلمته لكن خجله الشديد وتلعثمه في الكلام كان يمنعه, لكنه في النهاية استطاع أن يخرج مشاعره كلها في عمل فني رائع أهداه اليها
التفت شادي نحو خزانة الأطباق الخزفية الأنيقة وتطلع الى التحفة الفنية الخشبية التي وضعت بعناية فوقها وقال لزوجته : لا شك أنها أحبتها كثيرا وستظل تحتفظ بها بعناية كبيرة
انتفضت رشا من كرسيها بعصبية, فقال شادي بضيق : ألن تأكلي؟
قالت بلهجة خالية من التهذيب : لا
تركتنا ودخلت الى غرفة الاستقبال
وأخيرا أكملنا طعامنا في هدوء يتخلله كلمات الود والمجاملة مني أو من شادي, أما فاطمة فقد انشغلت بطفلتها وسكتت تماما
ولكن في النهاية كان علينا تناول الشاى والحلوى في حجرة الاستقبال
كانت رشا في الشرفة وكأنما لا تبالي بأى منا
أحضرت فاطمة كعكة فاخرة احتفالا بالعروسين, ولم يستطع ابني أن يسكت أمام ذلك المجهود الجبار الذي قامت به فاطمة وحدها احتفاءا بالجميع, وفي بعض كلمات المجاملة والاطراء أشاد بها وبادارتها لبيتها وبطعامها وطريقة تقديمها
وقفت رشا على باب الشرفة مسندة كتفها اليه, ورأيت في عينيها نظرة غريبة, فجأة نظرت الى شادي وقالت بتهكم : شادي, أتعلم, لقد وصلني فيلم قصير على هاتفي المحمول, عندما رأيته لم أتمالك نفسي من الضحك
ثم أكملت بحقد : لكم تمنيت أن أرسله الى فاطمة على هاتفها, أظنه سيعجبها كثيرا
انتفض شادي من مكانه وبدا عليه الغضب الهائل, واقترب من رشا وكأنما سيهم بعمل ما
لكنها وقفت ثابته تبادله بنظرات عنيفة الكراهية
توقفت فاطمة على الفور عن تقديم الأطباق والتفتت الى رشا وزقالت بصوت قوى وكأنما توقظ شادي من سيطرة الغضب على عقله : أنا لا أمتلك هاتف محمول يا عزيزتي
قالت بتهكم وعينيها في عيني شادي : لم؟!! حرام؟!! أم أن زوجك يمنعك من امتلاكه؟!!
ردت فاطمة بسرعة حتى لا يتدخل شادي : بالتأكيد لا هذا ولا ذاك, ولكني لا أحب أن أضيع وقتي في الثرثرة بلا داعي مع الأخوات والصديقات, وتبادل مقاطع الأفلام والرنات والألعاب وغيرها
هاتف البيت يكفيني تماما ويقضي احتياجاتي
فلدي أشياء أهم بكثير تشغلني
نهض وليد فجأة وقال بلهجة اعتذار : عفوا شادي, سامحني, كنت أود أن أقضي السهرة معكم ولكني حجزت تذكرتي سينيما لي ولرشا, وعلينا المغادرة الآن لنحضر العرض من بدايته
أخيرا حول شادي عيناه عن أخته وبدأ يعود لهدوءه, والفضل للباقة صديقه
سلم وليد على ابني وزوجته ولم يهتم لنظرات عدم الاكتراث وعدم الرضا الواضحة
ثم سحب رشا من يدها وهي ضائقة للغاية من تصرفه, ولكنها اضطرت الى مجاراته
وقبل أن يخرج قال لفاطمة : سيدتي, شكرا جزيلا لك على تلك الأمسية الرائعة, وتلك الحفاوة البالغة والطعام الشهي
أرجو أن تعذرينا فلا زلنا عروسان حديثان ونود التنزه والانطلاق
ننتظر منكم أنت وشادي وصغيرتكما الجميلة أن تزورونا في بيتنا
نظر الى رشا وهو يكمل : عندما يكون لنا بيت, أليس كذلك يا عزيزتي؟
تأففت بضجر شديد ولم ينتظر هو لترد على كلماته, بل سحبها من يدها وهو يمسح على شعر نور الصغيرة بحنان ويقول بلطف : وداعا يا أميرتي الجميلة
خرج مسرعا من البيت وبقي الجميع من بعده في حالة صمت متوتر
الحقيقة أن وليد أثار اعجابي للغاية بما فعله, حتى أنه بدأ يعود لي هاجس أطلقه شادي في رأسي, كيف يتزوج وليد من رشا؟!!
كان واضحا للجميع أنهما ليسا على وفاق وأن زواجهما غريب بعض الشيء, وازداد هذا الشعور لدى شادي, وبدأت أشك أنه يخشى على صديقه من أخته, فرشا لا تبدو لنا طبيعية أبدا, ويبدو أن ترك أبيها للبيت ترك فيها أثرا عميقا
نعود الى ابني وزوجته التى غادرت بعد ابنتها مباشرة
أما ابني فقد كان آخر المغادرين مما أتاح له الفرصة ليطلق لسانه ويشكر زوجة ابنه بحرارة ويصافحها بقوة, بل ويقبل جبينها بامتنان كبير
وأدركت أن كل هذا الشعور بالامتنان لم يكن مبعثه الوحيد ذلك العشاء
بل كان تقديره الكبير لها على عنايتها بوالده الشيخ الذي لم يتحمله أحد في هذه الدنيا سواها
لقد كان متأثرا للغاية وهو يرى العلاقة الرائعة التي بيني وبين زوجة حفيدي
لكن وجود زوجته وابنته منعه من اظهار مشاعره الحقيقية

‎بعد هذه الليلة لم يتغير شيء,لازال ابني بعيدا عن بيته, ولازالت رشا تعامل وليد بجفاف وشادي بكراهية عنيفة
‎ولازالت الصور والأفلام تنهال على شادي برغم أنه غير رقم جواله أكثر من مرة, لكنهم كانوا يصلوا اليه في كل مرة ولا أدري كيف؟
‎واذا لم يستطيعوا الوصول للهاتف المحمول, لا يكف هاتف البيت عن الرنين والازعاج
‎لكن الجديد أن مكالمات الهاتف من سيدات يطلبن فاطمة بالاسم
‎لكن فاطمة بعد مرة أو مرتين تركت الهاتف تماما ولم تعد تلمسه بيديها
‎حتى أخواتها لم تعد ترد علي اتصالاتهن وصار الهاتف في البيت شيء مهمل ويكون الجميع سعيدا عندما يتعطل أو ينزع أحدهم مقبس الكهرباء
‎أما شادي فقد تحطمت أعصابه تماما والصور تنهال عليه من تحت عقب الباب, ولكن هذه المرة في أظرف مفتوحة
‎لكن أكثر ما كان يحطم أعصابه تصرفات فاطمة العجيبة فهي لا ترى الأظرف اليومية التي تلقى من تحت عقب الباب, ولا تسمع صوت الهاتف أبدا, واذا ما ناديناها لأن امرأة تطلبها تقول : لن أرد على من لا أعرفه
‎واذا كانت واحدة من أخواتها تقول : أنا الآن مشغولة, أرجوك, أخبرها بأنني سأتصل بها فيما بعد
‎تحول شادي الى كتلة نار تحترق كل يوم وتحرق من حولها, حتى أن صغيرته أصبحت تخافه وتخاف صوت صراخه وتهرب الى أحضان أمها
‎لكن فاطمة لم تتخلى أبدا عن هدوئها, كانت ميزان البيت الذي يضبطه
‎عندها ويتوقف شادي على الفور
‎لكنها بدأت تشكو لي شكوى غريبة, لقد أصبح شادي فريسة للكوابيس اليومية
‎يستيقظ فزعا كل يوم, مرتعد الأطراف على كابوس واحد لا يتغير وتحاول فاطمة تهدئته بكل وسيلة حتى يعود الى النوم
‎طلبت مني الاستماع اليه ونصحه
‎وعندما استمعت اليه انقبض قلبي بشدة, وتعجبت كثيرا من ذلك الكابوس الذي يطارده
‎قال لي : أرى نفسي أقف على شاطئ البحر أنظر الى غريق يصارع الموت وسط الماء, وعلى الفور أعرف من هو, إنه.. إنه أنا
‎أحاول أن أمد له يدي لأنقذه من الموت, لكنني لا أستطيع
‎ثم أستيقظ فزعا, انه عذاب رهيب يتكرر كل ليلة ولا أدري كيف أتخلص منه
‎فهمت أن حالته النفسية وصلت الى الحضيض ولن يعود كما كان الا لو تخلص من الشبكة التى علق بها
‎قلت : عليك أن تجد وسيلة لإيقاف تامر هذا عند حده
‎قال بأسى : الأمل الوحيد هو أن يمل عندما لا يجد صدى لما يفعله, ويتوقف من تلقاء نفسه
‎قلت : واضح أنه يريد الانتقام منك, ولن يتوقف الا اذا شعر أنه حقق انتقامه الكامل وشفى غليله منك
‎ظهر عليه التوتر الشديد وهو يقول : هذا يعني أنه لن يتوقف عند حد, وقد ينتقل الى مراحل أخرى أكثر قذارة
‎صدق شادي في هذه أيضا, ففي يوم اشتدت على فيه آلآم الروماتيزم, مما أقعدني عن الخروج للمسجد لصلاة الظهر, وبينما كنت خارجا من الحمام بعد أن انتهيت من الوضوء والصغيرة تلعب في الصالة, سمعت صوت مفتاح يدور في باب الشقة, وتعجبت, ما الذي أتى بشادي في تلك الساعة المبكرة؟
‎ورأيت فاطمة تخرج من المطبخ قادمة في الممر وعلى وجهها الدهشة
‎لكننى تجمدت من الدهشة عندما فتح الباب ووجدت أمامي شخص آخر
‎انه تامر الذي ما ان رآني حتى ارتبك تماما وتنحنح وحاول أن يبتسم بود, وتراجعت فاطمة بسرعة حتى اختفت في المطبخ
‎قلت بخشونة : من أنت وما الذي أتى بك الى هنا؟
‎حاول أن يبدو ودودا وهو يقول : أنا.. أنا تامر يا عماه, ألا تذكرني؟ أنا صديق شادي
‎قلت بعنف : وما الذي تريده؟ وما هذا المفتاح الذي في يدك؟
‎قال بارتباك : لقد أعطانيه شادي, ألم أقل لك أننا أصدقاء؟ فقط أردت أن أفاجأه كما كنا نفعل في الماضي, ولكن يبدو أنني أسأت التصرف, أرجو المعذرة
‎التف ليخرج فقلت بقسوة : عندما تريد شادي فاذهب اليه في مكتبه واياك أن تأتي الى هنا ثانية والا أبلغت الشرطة
‎نظر الي نظرة أخافتني بحق, ثم نظر الى الصغيرة التي تقف الى جواري وتأملها قليلا ثم رحل مسرعا وأغلق الباب خلفه
‎أتت فاطمة مسرعة والغضب يكسو ملامحها, فقلت بغضب : ياللجرأة الوقحة من أي طينة خبيثة صنع ذلك الشخص!!
‎دخلت فاطمة غرفتها بصمت وعادت بعد قليل وقد ارتدت ملابس الخروج, فقلت بدهشة : الى أين؟!!
‎قالت وصوتها متوتر : سأحضر صانع المفاتيح ليغير مفتاح الباب
‎قلت بغيظ : كيف نسيت أن آخذ منه المفتاح؟!!
‎قالت بصوت غاضب : لا يهم, فهي بالتأكيد ليست النسخة الوحيدة, كما أنني لا أدري كم من أصدقاؤه القدامى لديه نسخة
‎هتفت بدهشة : ماذا!!!
‎كيف تقولين هذا؟!! لا يمكن أن..
‎قالت مباشرة : أنسيت أنها شقته عندما كان أعزب! وكانت مقر لتجمع أصدقاؤه, لا عجب, فهو نفسه نسي ذلك
‎ضغطت أسنانها بغضب هائل وقالت بصوت يكشف عما في نفسها من ألم : قضيت شهورا أتحرص وأتخوف من موقف كهذا, لكنني نسيت واعتقدت أن مخاوفي انتهت لمجرد أن شادي ابتعد عن أصدقاء السوء
‎انتابتني الشجاعة أخيرا وقررت التحدث اليها فيما كنت أتجنبه وأخشى مواجهتها به, فقلت بقلق : طمئنيني يا بنيتي لم أنت صامتة هكذا؟
‎لا يمكن ألا تكوني على علم بما يدور من حولك, إن شادي نفسه يكاد يجن من صمتك
‎قالت بألم والدمع يتجمع في عينيها : جدي, أنت أكثر من يعلم كم عانيت وتألمت لأحافظ على هذا البيت
‎في البداية عانيت أشد المعاناة لأتقبل حياتي وأرضى بها
‎والآن بعد أن رزقني الله الرضا وألقى في قلبي القبول والمحبة لكل من فيه فلست على استعداد للتضحية به أو خسارته مهما كانت الأسباب
‎أعلم أن هناك حربا ضارية تدور حولي لتحطيم أعصابي وانتزاع كل ما أملكه في الحياة
‎أرجوك ثق بعقلي وتصرفاتي
‎دعني يا جدي أخوض معركتي بنفسي ولا تقلق علي, فمهما كان قراري واختياري فلن أندم أبدا, فأنا لا أتخذ أي قرار قبل أن أسأل ربي أولا
‎لم أستطع أن أفتح فمي بعد ما قالته واستعدت هي للذهاب
‎فقلت بقلق : ألا تنتظري قليلا ربما لم يرحل بعد, لقد اختار ذلك التوقيت بين الأذان والاقامة لإقتحام البيت لأنني في العادة أكون في المسجد, وتكوني أنت وحيدة في البيت
‎قالت بثقة : لكن الله أحبط مسعاه, وجعل آلام الروماتيزم تشتد عليك اليوم لتبقى في البيت بجانبي
‎أتظن أن بعد هذا يمكن أن أخاف من أحد؟
‎قلت برجاء : أرجوك يا ابنتي, انتظري قليلا حتى نتأكد من رحيله, أو اتصلي بشادي
‎قالت بمرارة : شادي!!!
‎ثم أكملت : لقد قضيت مراهقتي في محل للنظارات أقابل بشرا على كل صنف ولون, وأتعرض لمواقف قد لا يتحملها الرجال
‎لكني كنت أثق دائما بأن الله معي ولن يتركني
‎لا تقلق على أستطيع التصرف جيدا
‎رحلت مودعة مني بالدعاء أن يحفظها الله من كل سوء, لكن شعور عجيب بالحماية والرعاية والأمن غمرني من ثقتها وعقلها
‎وأخذت أفكر بتلك المرأة وأمثالها, فبهن تعمر البيوت وتضاء ويربى الأبناء
‎بهكذا امرأة تثبت الأقدام وتكبر الرجال
‎أدركت أن هذا البيت سيبقى ببقاء فاطمة
‎واذا انهدم فسيكون السبب هو الدعامة الأخرى للبيت
‎وانتابني انقباض شديد عندما تذكرت أن الدعامة الأخرى هي دعامة هشة لا ترتكز على أساس سليم
…………………………………………
‎ عاد شادي من عمله وفوجئ بأن مفتاحه لا يعمل في الباب, وعندما فتحت له فاطمة أدرك من تجهم وجهها أن هناك خطب ما
‎قال بتوتر : ماذا حدث؟
‎ردت بغضب مكتوم : وعليكم السلام ورحمة الله
‎تركته ودخلت غرفتها, وشعر هو بالقلق فاتجه الى وسألني : ما بها؟
‎قلت بتهكم غاضب : لم تسألني أنا ولا تسألها؟ أتخشاها!!
‎قال بتوتر وهو يضع جواله ومفاتيحه على الطاولة الصغيرة : هلا أخبرتني بما يدور هنا مباشرة؟
‎حكيت له ما حدث فاحمر وجهه غضبا وانتفض من مكانه قائلا : على أن أضع حدا لهذا الوضيع وتصرفاته القذرة
‎قلت محاولا اعادة عقله اليه : جيد, وما الذي تنوي فعله؟ هل ستقتله لتقضي عمرك في السجن وتشرد طفلتك وأمها؟
‎قال والغضب يعميه : على ايقافه عند حده, لقد اقتحم بيتي وهو متأكد أن زوجتي وحدها
‎قلت وكلمات فاطمة في أذني : ومن أعطاه المفتاح؟!!
‎فوجئ بردي المؤلم والذي أخرسه تماما, وشرد قليلا
‎لقد كان ردي صادما له, يبدو أنه نسي بالفعل
‎انتفض فزعا على صوت جواله ينبئه بوصول رسالة, أخذ ينظر الى الجوال بتردد ولم يجرؤ على الاقتراب منه
‎قلت بضيق : ألن تفتح الرسالة؟
‎قال : لا, لم أعد أطيق ذلك
‎قلت : يجب أن تعرف الى أين وصل عدوك لتواجهه
‎أمسك الجوال وفتحه وبقي قليلا ينظر اليه, ولاحظت تغير لون وجهه وجحوظ عينيه وانفراج ثغره والغضب الهائل يتجمع في ملامحه
‎قلت بخوف : ماذا هناك؟ ما الذي وجدته في الجوال؟
‎سقط منه الجوال وانطلق يجري كالمجنون بلا وعي, حتى أنه أفزع طفلته فزعا شديدا, وغادر البيت جريا دون حتى أن يغلق الباب خلفه

‎ يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق