الأدب و الأدباء

قصة الأسبوع “حارة الحريم”

بقلم :وحيد القرشي 
ألحقوني يا ناس ألحقوني يا خلق ,البرطوشي هيقتل أبو رعد في الشارع ,بتلك الصيحات تصرخ بها نعمات في أهل الحارة ولا حياة لمن تنادي فقد ماتت قلوبهم وأصبحت خربة خوفا من بطش البرطوشي الوحشي وأعوانه بلطجية الحارة والحارات الاخري ,تدخل نعمات مسرعة حجرة أبنها رعد طالبة منه أن ينقذ والده من يد البرطوشي ورجاله ,ثم تخرج مسرعة الي شرفة المنزل وتصرخ بأعلي صوتا لها ألحقوني يا أهل الحارة البرطوشي هيقتل زوجي ,تخرج نسوة الحارة من شرفات منازلهم المطلة علي شارع حارة البرطوشي ويلقوا الشتائم علي البرطوشي ورجاله البلطجية ,أما رجال الحارة أكتفوا بالنظرات المختلسة ,وقفوا في أمكانهم كأنهم خشب مسندة أحياء بأجساد هابطة وأرواح يملؤها الخوف والجبن المتراكم عبر سنوات عدة من ظلم وأفتراء البرطوشي عليهم وما باليد حيلة فقد جبنوا وضاعت كرمتهم ,يستيقظ رعد من نومه علي صراخ والدته
– مالك يا أمي ,حصل اية
-ألحق أبوك يا رعد البرطوشي نازل ضرب فيه
-مالنا ومال البرطوشي يا أمي ,دة مفتري ربنا ينتقم منه ومن شره
يجري رعد مسرعا نحو باب الشقة لينزل الشارع لكي ينقذ والده من يد البرطوشي وأعوانه ولكن ما باليد حيلة ,ماذا يفعل الطفل الصغير الذي يبلغ من العمر أثني عشرة عاما ,في مواجهة البرطوشي الرجل الوحشي القوي البنية بملابسه المتسخة دائما ورائحته الكريهة القذرة من شرب الخمور والسهر مع العاهرات ,وأعوانه بلطجية الحارة والحواري المجاورة أرباب السجون ومن ليس لهم عمل وأهل
– خد يا رعد أستني يا حبيبي ,انت مش قد البرطوشي ,أستني انزل معاك ,ياريت ما كنت صحيتك يا رعد يا ابني
ينزل رعد الشارع يجد والده مرمي علي الأرض وينزف الدم من وجهه قد وضع البرطوشي حذاءه علي وجهه ,أما رجاله ألتفوا حوله ليضربوه بالعصي والسلاسل ,يجري رعد مسرعا محاولا أيقاف والده وأنقاذه من يد البرطوشي فيضربه برجله القوية وحذاءه السميك فيسقط رعد علي الأرض ,يقوم رجال البرطوشي بالأمساك برعد والألتفاف حوله
-ألعب يا أبني بعيد انت لسة صغير
– سيب أبوية يا مفتري ,انت ظالم وكل ظالم ومفتري ليه يوم
-أبوس علي أيدك يا معلم يا كبير حارتنا تسيب زوجي وتسامح رعد ,رعد صغير وما يعرفش حاجة يا معلم
-أسكتي يا أمي ,أبوية كان عمل اية ,دة مفتري ومش لاقي حد يقف قصاده
-هاهاهاها وأنت الأ هتقف قصادي يا كتكوت ,أربطوه يا بهايم
– حاضر يا كبير
– أبوس علي أيدك يا معلم سامحه المرة ديها ,أرجوك يا معلم
-سبوه يا بهايم,خدي زوجك وأبنك يا نعمات وديها أخر مرة ,لو شوفتك في طريقي تاني يا عثمان أنت وابنك الكتكوت هقتلكم وأخليكم عبرة لأهل الحارة
تحمل نعمات زوجها بين ذراعيها وتوقفه من علي الأرض ويمسك رعد يد والده ,فهو لا يستطيع الحركة من كثرة ما تلاقه من ضرب بالعصي والأحذية ,غادر البرطوشي الحارة متجها الي وكر الحشيش والبلطجية أمثاله ,في تلك اللحظة يتجه رجال الحارة وشبابها ليحملوا عثمان الي شقته ,قد جبنوا من المواجهة فماتت قلوبهم وأصبحوا جثث هامدة تمشي علي الأرض بل روح ولا نخوة
– مالك يا عثمان ومال البرطوشي أبعد عنه دة مفتري وظالم ومحدش قده
– دة الأ قدرته عليه يا رجالة ,فين نخوتكم لما البرطوشي بيضرب فيه ورجالته ومرمي علي الأرض قدام عينيكم وانتم واقفين والأ حياة لمن تنادي
– هنعمل اية يا أم رعد انتي عارفة كل حاجة الأ هيتكلم هيضرب وهياخد علي عينه ويعرض نفسه للقتل ,الناس خايفة من كدة ,البرطوشي مفتري وظالم ومحمي برجالته البلطجية
-أسكتي يا نعمات سيبي الناس في حالها هما ذنبهم أية ,قومي حضريلي هدومي علشان أدخل الحمام ,من سنين وأحنا عايشين علي كدة واتعودنا خلاص وما فيش حاجة هتتغير
-حاضر يا أبو رعد عقبال ما تغير هدومك اكون جهزت الغداء نتغدي مع بعض والا يهمك يا عثمان ما تشلش في نفسك يا حبيبي ,ربنا منتقم
يجلس عثمان وزوجته نعمات وأبنهم الوحيد رعد لتناول الغداء ,ينظر كل منهم للأخر نظرات ألم موجع وعتاب مؤلم ,الموقف كان صعب للجميع,الأب والزوج يهان أمام أبنه الصغير وزوجته ولا يستطيعون فعل شئ امام بطش وظلم البرطوشي ,رجال وشباب الحارة وصلوا لمرحلة الأستسلام والرضوخ في موجهة البرطوشي
– كل يا عثمان والأ تشيل في نفسك ,هنعمل أية يا حبيبي ,ربنا منتقم جبار
– هنعيش عمرنا كله في ظلم وأفتراء البرطوشي يا نعمات
-لا يا بابا لكل ظالم نهاية وربنا قادر ينتقم منه ومن أعوانه البلطجية
-أوعي تقف في طريقه يا رعد ,أحنا ناس غلابة يا أبني وعلي قد حالنا
– حاضر يا بابا
– أقوم أنام شوية يا نعمات
-أتفضل يا عثمان ,ربنا يخليك لينا يارب
– في سؤال يا ماما محيرني ومحتاج أعرف أجابته
– قول يا حبيبي ,اتفضل يا رعد
-ليه أسم حارتنا علي أسم البرطوشي الظالم المكروه من كل أهل الحارة
-لا يا حبيبي حارتنا نضيفة من زمان ومعروفة بناسها الطيبين وأصالتها وكان أسمها حارة الأبطال ,لأن أهل الحارة أتصدوا للأنجليز ومنعوهم من دخولها ,وضحي شباب كتيربعمره دفاعا عنها وعن أهلها ,وسميت بحارة الأبطال تخليدا لدور أهل الحارة في التصدي للأنجليز ,بعد فترة جمع البرطوشي بلطجية الحارة والحواري المجاورة وعملوا عصبة وفرض أتأوة علي أهل الحارة وأستعمل قوته ورجالته من البلطجية في جمع الفلوس من الناس ومعاقبة من يخالفه بالضرب بالعصي والسلاسل قدام أهل الحارة ,وأفتري علي ناس كتيرة لحد ما بقي فتوة الحارة ومحدش قادر يقف قصاده وسمي الحارة علي أسمه ومن ساعتها وأحنا عايشين في ظلمه
– ياه يا ماما من حارة تشرف وأبطال لحارة بلطجية وفين رجالت وشباب الحارة
– أسكت يا ابني ,الناس خايفة منه ومن ظلمه ,انت شوفت بعينك الأ حصل لأبوك ومحدش قدر يدخل من أهل الحارة
– لكل ظالم نهاية يا ماما ,أسيبك يا أمي زمان عمي زغلول فتح المحل وأنا أتأخرت عليه
– أتفضل يا حبيبي وخلي بالك من نفسك يا رعد
يذهب رعد الي محل الخياطة يجد عمه زغلول جالس علي كرسي أمام المحل ويقرء الجرنال كالعادة ,هذا الرجل المسن البالغ من العمر سبعين عام ,طلب من رعد أن يساعده في عمله ويعلمه مهنة الخياطة ,وجد فيه الشاب الأمين الطموح
– السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,أذيك يا عمي زغلول
– وعليكم السلام ,بخير يا رعد ,أتاخرت ليه يا حبيبي
– معلهش يا عمي زغلول ,البرطوشي ورجالته أتلموا علي بابا وضربوه ,ودة الأ اخرني لما أطمنت علي بابا
– عارف يا أبني ,الحارة كلها عندها علم بالأ حصل ,عثمان عامل اية دلوقتي
-بخير يا عمي زغلول ,أنا سبته دخل أوضه يرتاح شوية
-ربنا ينتقم من البرطوشي وكلابه ومن كل ظالم يارب
– عرفت من ماما سبب تسمية حارتنا بحارة البرطوشي ,وعاوز أعرف البرطوشي أبن مين وأهله وليه بقي كدة
– حكاية طويلة يا رعد ,البرطوشي كان من أسرة محترمة وبيت نضيف ,أبوه موظف وامه ست بيت وبنت أصول ,ابوه رفض طلب لأحد البشوات والأعيان وحافظ علي شرفه وسمعته,الباشا حطه في دماغه وأنتقم منه ومن مراته أشد أنتقام ,وأترفض من شغله ,البرطوشي شاف ابوه بيظلم ويتهان قدام الناس ومش قادر يعمل حاجة ,ابوه مات من حسرته ,وفي نفس السنة ماتت أمه ,قرر البرطوشي الأنتقام وغير أسمه من سليم ألي البرطوشي ,وكون عصبة من بلطجية الحواري والشوارع وأنتقم من الباشا وأستمر علي وضعه المعروف بيه حتي وقتنا هذا
– حكاية غريبة يا عمي زغلول
– ياما تشوف وكل يوم هتتعلم ,قوم يا رعد نفصل حتتين قماش ونشوف شغلنا يا أبني ,الوقت بيسرقنا والليل دخل علينا
– حاضر يا عمي زغلول
في الساعة الحادية عشرليلأ يقفل رعد محل الخياطة ويودع عمه زغلول متجها لبيته ,فيلمح في أول الشارع مجموعة من شباب الحارة مجتمعين لأمر ما ,دق قلبه خوفا لقد تذكر ما حدث لوالده في صبيحة ذلك اليوم ,فجري مسرعا نحو الشباب لمعرفة ما يحدث داخل الحارة
– خير يا شباب واقفين ليه كدة
– هيجي منين الخير ,طول ما البرطوشي كاتم علي نفسنا وملجم حركتنا
– أية الأ حصل تاني
– رجالته قاعدين يعاكسوا في بنات وحريم الحارة في الرايحة والجاية ,من ساعة البرطوشي وقف أخت وائل جارنا وطلب منها تجيلوا الشقة علشان تنضفها
– عيني عينك كدة,قدرتك يارب
– يا شباب طول ما أحنا ساكتين هيفضل الوضع كما هو ,والبرطوشي ورجالته كل يوم بيزداد ظلمهم والشر في قلوبهم ومحدش قادر يقف ضدهم ويمنع شرهم وظلمهم عن الحارة
– لازم نأخد موقف ونتحرك,الشر وصل لبنات الحارة وأمهاتنا
– أقولكم حاجة يا شباب
– قول يا رعد مستني ايه
– نشوف مكان ولتكن السرايا المهجورة الأ برة الحارة ,نجمع فيها كل يوم ,ونشوف هنعمل أية
– موفقين ,من بكرة نبد الأجتماع
في الساعة الرابعة عصرا يستيقظ البرطوشي دائما في هذا التوقيت ,بعد سهرة في شرب الحشيش والمخدرات والرقص والتمايل مع عاهرات الليالي ,ينزل الشارع ويجلس في قهوة الحارة ويلتف حوله رجاله البلطجية,ويقوم صاحب القهوة بخدمته خوفا من بطشه ,جلس البرطوشي في وسط الشارع أمامه شيشة مطعمة بالحشيش ,يعاكس في حريم وبنات الحارة ولا يستطيع رجال وشباب الحارة منعه من ذلك الفعل الهمجي الجبان ,أثناء جلوسه وغياب عقله المتخمر بخمور ومخدرات قذرة ,تمر أمامه علياء زوجة حسين الموظف الغلبان في شركة الكهرباء ,تتميز بجمالها الرباني وعودها الرشيق الطويل المرسوم وخصرها النحيف الذي يضيف جمالا اخر لجمالها ,وتتميز بشخصية متزنة هادئة ,يرأها البرطوشي فاقد الوعي فيلهث ورائها كالكلب الحائر
– أية الجمال والرقة والخطوة الأ تهز جبال ,خسارة في حسين الموظف الغلبان
– أحترم نفسك لو سمحت
– بتردي عليه يا بنت الكلب
– يقوم البرطوشي بضرب علياء بالقلم علي وجهها فتسقط علي الأرض وتصرخ طالبة النجدة ” الحقوني يا ناس الحقني يا حسين ” ولن تفيد تلك الصراخات وان أستمرت لأيام عدة في أموات ,وهياكل ماتت رجولتهم ونخوتهم ,وضعفوا في نطق كلمة واحدة في وجه البرطوشي ,ليس لديهم سوي النظرات المختلسة الغير واضحة الأتجاه والغرض ,ينزل حسين مسرعا الشارع ,يجد زوجته جالسة علي الأرض منهارة من البكاء ,ويلتف حولها رجال البرطوشي
– مالك يا علياء ,حصل ايه
– أهلا يا دكر علياء ,أنا ضربتها ,فرجني هتعمل ايه يا دكر
– أنت مش محترم ,ربنا ينتقم منك يا ظالم
– بترد عليه يا حسين ,أربطوه يا بهايم
يلتف بلطجية البرطوشي حول حسين الموظف الغلبان ,ويربطوه ليقوم البرطوشي بضربه وسحله علي الأرض أمام أعين الجميع وتبكي زوجته وتطلب من البرطوشي ان يتركه
– سيبوه يا مفتريين ,سيبوه يا ظلمة,سيبه يا معلم ,حسين غلبان ومش قدك
– سامع مراتك بتقول أية يا حسين
– سامع يا معلم
– أبعتها بالليل تنضف الشقة ,وأوعي تنسي المرة الجاية هربطك أسبوع في الشارع
– حاضر يا معلم,يا كبير حارتنا
تمر سنوات العمر ,يتوفي عثمان زوج نعمات,قد كبر رعد ووصل للسنة النهائية في الكلية ,وما زالت الحارة تعيش في ظلم وسيطرة البرطوشي ,رعد لم تفارقه لحظات تعدي البرطوشي وضرب والده وسط الشارع امام اهل الحارة ,أثناء عودته من محل الخياطة وجد البرطوشي ورجاله واقفون في مدخل الحارة
– كبرت يا كتكوت وطلعلك شنب
– أوعي تفكر انك هتفضل كدة ,كل ظالم وليه نهاية
هاهاهاها ,ماشي يا كتكوت روح لأمك تلاقيها قلقان عليك يا حيلتها
يرجع رعد للبيت يجد والدته في أنتظاره كالعادة ,يدخل الي حجرة نومه وعلي وجه علامات الأسئ والحزن ,الظلم قد أزداد وأنتشر والألسنة قطعت وماتت النخوة والرجولة أمام ظلم وبطش البرطوشي ,رعد أخذته حمية الشباب فقرر الأنتقام من البرطوشي والتصدي له ولا مفر من ذلك
– مالك يا أبني دخلت أوضك من غير ما تتعشي زي كل يوم
– معلهش يا ماما ,تعبان من الشغل ,ومحتاج انام وارتاح علشان أقدر أقوم بدري أروح كليتي
– تصبح علي خير يا حبيبي
– يطفئ رعد نور لمبة حجرته ,ويستلقي علي ظهره ليأخذه التفكير لساعات ,ينظر لكل ركن من أركان حجرته وفي كل نظرة يلمح صورة والده المعلقة أمامه علي الحائط ,فما حدث لوالده عثمان لم يغيب عن تفكيره لحظة واحدة,خطط كيف ينتقم من البرطوشي ورجاله ,وبعد ساعات من التفكير قام وفتح الدولاب واخرج صندوق به مبلغ كبير من النقود ,عدها ثم وضع الصندوق مكانه .
في صباح اليوم التالي ,أستيقظ من نومه ,أخذ وجبة الأفطار وكوب من الشاي ,ثم حمل حقيبته في يده ,متجها الي كليته ,بعد نهاية اليوم الدرسي ,رجع الي الحارة وقابل مجموعة من شبابها ,وطلب منهم مقابلته في السرايا المهجورة لأمر هام .
في الساعة الحادية عشر ,ذهب رعد الي السرايا المهجورة وأجتمع بشباب الحارة حيث أخبرهم بأنه قرر الأنتقام من البرطوشي وأعوانه البلطجية
– أهلا يا شباب ,اخباركم اية
– الحمدلله بخير ,خير يا رعد في حاجة والأ اية
– قررت أننا نحط أيدنا في أيد بعض وننتقم من البرطوشي ونخلص الحارة منه ومن ظلمه
– ياريت يا رعد ,بس أزاي
– أنا هقولكم علي كل حاجة ,شوفوا يا شباب ,انا معاية مبلغ من النقود ,هنشتري عصي وسلاح أبيض وسلاسل ,ومعظم الأ هنحتاجه في مواجهة البرطوشي ورجالته
– أزاي هتكون خطة الأنتقام
– طبعا انتم عارفين أن البرطوشي ورجالته كل يوم بيجمعوا في وكر خارج الحارة لشرب الحشيش والخمور والسهر مع الرقصات والعاهرات ,في الوقت دة بيكونوا في حالة فقدان للعقل والوعي والقدرة ,وبيرجعوا للحارة وبيوتهم في وقت الفجر ,أحنا هنهجم عليهم في الوقت دة ,ونبذل كل جهدنا وطاقتنا للأنتقام منهم وأبعادهم عن الحارة ,ومش هنتكفي بكدة ,هنستمر في حراسة الحارة لمدة طويلة لغاية ما ننهي علي البرطوشي ورجالته نهائيا ,أية رأيكم في الخطة
– طبعا موفقين ,هنبدء أمتي
– بكرة هنشتري الحاجة ,وبعد بكرة هنفذ الخطة ,نقرء الفاتحة ونتوكل علي الله ,وبعد كدة نروح يا شباب ومش عاوزين اي مخلوق من أهل الحارة والحواري المجاورة يعرف حاجة عن أتفاقنا
يأتي اليوم التالي ,يذهب رعد ومعه أحد الشباب لشراء مستلزمات تنفيذ خطة الأنتقام وطرد البرطوشي ورجاله من الحارة ,تم وضعها في السرايا المهجورة دون أن يرأهم أحد ,في الساعة العاشرة مساءا يجتمع شباب الحارة ورعد ,للأستعداد لليوم المنتظر ,بعد حديث طويل ,قرء الشباب الفاتحة لبدء تنفيذ الخطة ,يأخذ كل منهم سلاحه ويقف في مكانه المحدد له,أثناء الترقب والأنتظار يلمح رعد البرطوشي ورجاله عند أول الحارة ,ويعطي أشارة البدء للهجوم عليهم ,وفجأة يخرج رعد وشباب الحارة في مواجهة البرطوشي والوقوف في طريقهم
– أهلا يا برطوشي ,جي اليوم الأ هنرد أعتبار الحارة ونطردك أنت وكلابك البلطجية .
– هاهاهاها أبعد يا كتكوت من طريقي .
تلك اللحظة الحاسمة المرتقبة ,تبدء خطة الأنتقام والمواجهة ,تلك اللحظة كانت حلم صعب المنال وتحقيقه ,لقد تملك اليأس والرضوخ في قلوب أهل الحارة ,رضوا بالظلم وجبروت البرطوشي ,لكن الله قادر ان يغير كل شئ ويقضي علي الظلم ,وقد كان لشباب الحارة الكلمة الأخيرة لنهاية الظلم والأنتقام ورد الأعتبار وها قد بدأ الحلم يتحول لحقيقة .
أستطاع شباب الحارة السيطرة علي البرطوشي ورجاله في معركة لن تنسي ,تلك المعركة أحيت الحارة وولدت علي يد شبابها من جديد ,معركة أنهت ظلم وشر أستمر لسنوات عدة ,لم يستطيع أحد مواجهة البرطوشي طيلة تلك السنوات الغشام ,أسودت الحياة وأمتلئت القلوب خوفا وجبنا ,وقد جأت اللحظة الفارقة الحاسمة لتعيد لرجال وشباب الحارة كرامتهم وتتحرر من يد البرطوشي وبلطجيته ,أستطاع شباب الحارة طردهم خارج الحارة وأستولوا علي أسلحتهم ,وأصابة الكثير منهم أصابات خطرة,ولم يسلم البرطوشي فقد أصيب في ذراعه الأيمن أصابة بالغة ,تستيقظ الحارة علي صوت معركة الأنتقام والعزة والكرامة ,كرامة محيت منذ سنوات غشام عدة في تلك الحارة
– الف مبروك يا شباب ,بجحنا في خطتنا وقدرنا نطرد البرطوشي وبلطجيته برة الحارة ,وأصبنا الكثير منهم
– الحمدلله ,لكل ظالم نهائية
يلتف رجال ونساء وأطفال الحارة حول شبابها المنقذين وعمت الفرحة والزغاريد في كل بيت داخل الحارة
– يا شباب محدش يتحرك من مكانه ,لازم نكون علي أستعداد دائما ,ومن يصاب أثناء أي مواجهة مع البرطوشي ورجاله ,ينظف ويطهر جرحه ويعالج في مكانه ,لازم نكون صحيين تحت أي ظرف
– كلامك صح يا رعد ,ربنا معانا ان شاء الله

يهرب البرطوشي ورجاله الي مكان داخل الجبل خوفا من ملاحقة شباب الحارة لهم ,سيطر عليه حالة من الغضب والغيظ ,لم يكن متوقعا ما حدث من رعد ,والذي كان يلقبه بالكتكوت دائما ,ما حدث كان مفأجاة للجميع ,تحدث مع رجاله في محاولة لأحتواء الموقف والخروج منه بأقل خسارة ممكنة ,لأستعادة القوة مرة أخري ومعاودة الأنتقام والرجوع للحارة والسيطرة عليها ,وضع خطة للمرحلة القادمة وأعتبرنفسه في حالة حرب مع رعد وشباب الحارة لن تنتهي الأ بنهاية أحد الطرفين وقرر ان يكون هو المنتقم بأشد انتقام وعقاب للحارة أجمع , طلب من أحد رجاله الذهاب لصافي دلوعة الحارة المثيرة بأنوثيتها الطاغية وجمالها الصافي كأسمها
– خير يا معلم
– هيجي منين الخير يا صافي ,حد شافك من أهل الحارة وأنتي جاية هنا
– لا أنا كنت في السوق وحد من رجالتك ,خدني وجابني هنا
– أسمعيني يا صافي ,عاوزك تلعبي علي رعد وتملكي قلبه وتخليه خاتم في أيدك ,أغريه بجمالك ولعبيه في الريحة والجاية لحد ما يقع في حبك ,بعد كدة مش هيقدر يرفضلك طلب
– كمل يا معلم
-لما يقع في حبك وتتمكني منه ,أطلبي منه يأمن مستقبله ويعمل لنفسه قيمة وحس وسط الحارة ,ويأخد فلوس من أهل الحارة لحرستهم ويغير من أسلوب تعامله معاهم ,بكدة هنخلي أهل الحارة يكرهوه والشباب يبعدوا عنه ويتفككوا ,وفي اللحظة ديها هرجع الحارة وأنتقم من الكل وترجع الحارة تحت حكمي وسيطرتي زي ما كانت من قبل
– حاضر يا كبير حارتنا ,تأمر يا معلم
في ساعة متأخرة من الليل ,أثناء حراسة رعد والشباب للحارة ,أستعدادا لأي مواجهة مع البرطوشي ,تنزل صافي الشارع فيرأها رعد فيجري نحوها مسرعا
– خير يا أختي نازلة ليه في وقت متأخر
– تعبانة جدا ,صداع هيموتني ومش قادرة أنام ومحتاجة أروح للدكتور ,او أشوف اي علاج للصداع
– ربنا يشفيكي يا أختي
– ممكن تساعدني وتروح معاية
– حاضر ,اتفضلي
يذهب رعد مع صافي ,التي كانت تتمايل بجسدها الرشيق وقوامها الجميل ملتصقة بجسد رعد ,لعل الاقتراب يحرك قلبه ,وبين اللحظة واللحظة أخذته ونجحت فيما أرادت ,فجمالها أربك رعد وأيقظ رجولته فالشباب شعلة من النار تنتظر من يشعلها وقد قيل ان الشباب شعلة من جهنم أيضا وصافي نجحت في أشعال نار رعد المتوهجة للحب فهو شاب ويبحث عن ذلك ,بدء يقترب منها ويتحدث معها , بعد مشوار طويل ومرهق للجسد في شوارع حارة البرطوشي ,والحواري المجاورة ,وجد رعد صيدلية مفتوحة ,يقف الصيدلي المنوط بالخدمة ليقفل بابها الخارجي ,فجري مسرعا نحوه طالبا منه علاج ومسكن لألم الصداع ,وفي طريق الرجوع للحارة ,تطلب صافي من رعد ان يوصلها لباب شقتها ,خوفا من الأنزالق والسقوط علي درجات سلم العمارة ,هي تسكن الدور الخامس .
– شكرا يا استاذ رعد ,كتر خيرك
– لا شكر علي واجب أختي صافي
– أتفضل ادخل أستريح من تعب المشوار واشرب حاجة سخنة من البرد
– الوقت متأخر وما ينفعش
– أحنا اخوات ,وماما نايمة جوانا في أوضتها يعني ما تقلقش
لم يدرك رعد ان صافي تستدرجه وتلاعبه ليكون فريسة للبرطوشي للأنتقام منه,كانت تخفي علي أهالي الحارة عملها في أحدي الكباريهات الليلية ,أوهمت الجميع بعملها في مستشفي خاصة ,أما البرطوشي وحاشيته البلطجية كانوا علي علم بذلك ,لانهم أرباب تلك الأماكن .
يجلس رعد مع صافي ويأخذهم الحديت والحكايات عن حياتهم الشخصية والعاطفية ,قلب رعد بدء يقترب ويميل من صافي ,جمالها وطريقتها وأسلوبها جعله يتعلق ويعشق الحديث معها ,وقد تكرار ذلك المشهد اكثر من مرة وفي أكثر من مقابلة واصبح شئ معتادا وعاديا,ونجحت صافي في أخذ قلب رعد وأمتلاكه ,لتبدء في الخطوة الثانية في تنفيذ خطتها ووعدها للبرطوشي
– أنا بحبك يا صافي ,وحابب تكوني مراتي ان شاء الله
– وانا كمان يا رعد ,حابه اطلب منك طلب ,وياريت يا حبيبي تنفذه
– أكيد يا حبيبتي
– علشان نزوج لازم يكون معاك فلوس علشان تصرف علي بيتك ,وانت كل وقتك للحارة وحمايتها ,ولازم يكون ليك دخل يا حبيبي
-حاضر يا صافي ,أحاول أفتح محل عمي زغلول
– لا يا حبيبي مش هينفع ,انت دلوقتي كبير في نظر اهل الحارة ,ولازم تفضل كدة ,انت بتحميهم وبدافع عنهم ,ولازم تكون قوي معاهم ,وتأخد مقابل لكدة ومن كل اهل الحارة ,علشان الكبير والصغير يعملك أعتبار وحساب
– لا ما ينفعش ,وعمري ما هعمل كدة
– يبقي خلاص سيب حماية الحارة لحد غيرك ,وأتفرغ لبيتك وشغلك التاني
– بردة ما ينفعش
– يبقي لازم تسمع كلامي يا حبيبي
لم يستطع رعد رفض طلب صافي حبيبة القلب ,خوفا ان تبتعد عنه ,فيتألم ألما موجعا من فراق قد يكون ,قرر ان يأخذ مقابل لحماية الحارة ومن يرفض يعاقبه ليكن عبرة لغيره ولمن يحاول فعل ذلك ,لم يكن في حسبانه وتفكيره ,ان بفعل ذلك تحول لنسخة طبق الأصل من البرطوشي ,ذلك الوحشي الضخم البنية أستغل قوته ورجاله في أذلال وأخضاع أهل الحارة ,تلك الايام تلاعبنا كيفما تشاء الشاب العشريني الطيب القلب والمنبت المدافع عن حرية حارته بكل أستماتة تحوله امراة لعوب لنسخة وحشية كالبرطوشي فعشق امراة في الثلاثين من عمرها بفتيات العالم المراهقين ,سبحان القادر الذي يغير ولا يتغير ,تلك الحياة تعلمنا كل شئ ,كل دقيقة تمر علينا نتعلم شئ جديد درسا من دروس الحياة المفرحة والمحزنة أيضا .
لأول مرة يطلب رعد الجلوس وسط الشارع ليشرب الشاي والشيشة امام المارة ,لم يكن معتادا علي فعل ذلك ,فتلك أفعال البرطوشي
-سمير يا واد يا سمير ,أعملي كوبية شاي
– حاضر يا رعد
– رعد ,المعلم رعد يا حيوان
– معلهش يا كبير
يتأخر الصبي سمير ,في عمل الشاي ,فيقوم كالرعد والريح العاصف المقلعة لما حولها ,ويضرب الصبي ضربا موجعا وينهره علي مرأئ ومسمع اهل الحارة ,فينظروا بدهشة وأستغراب لما حدث ,أخذهم التفكير ودار في عقلهم السؤال المحير هل يتحول رعد لنسخة من البرطوشي ويفعل كما كا ن يفعل معهم ,أما انه موقفا عابرا استمر للحظات قليلة وأنتهي وأختفت ملامحه ,ولن يتكرار ,اهل الحارة نظروا لبعضهم البعض وكأنهم يقولون ماذا تخفي لنا الايام .
يأتي المساء ,ليلتقي رعد و صافي في شقتها كالمعتاد ,ليستمتع الأثنين بساعات من اللهو والمتعة والرقص والفرفشة ,تتراقص وتتمايل أمامه كالمرأة اللعوب وتغريه بجسدها وجمالها الفاتن ,فهي صاحبة الخصر النحيف ,فالرجال يتقاتلون علي المرأة صاحبة الخصر النحيف ,وتلك وحشية البشر,تطلب صافي من رعد وعليه السمع والطاعة والتنفيذ دون نقاش ,فقد أمتلكته وملكت قلبه .
في اليوم التالي تقابل صافي البرطوشي وتخبره بأنها أمتلكت قلب رعد وأصبح لعبة في يدها ,لن يرفض لها طلبا أبدا,يدور بينهم حديث طويل ثم يطلب منها ان تسحب رعد لمكان خارج الحارة بعيد عن أعين ومسامع الناس ,ليتمكن من الأنقضاض عليه وبلطجيته ويقوموا بقتله أنتقاما منه.
أثناء رجوع صافي للحارة ,تجد رعد جالس علي قهوة الحارة ليس برفقته أحد كما كان معتاد ,أبتعد عنه وعن صحبته شباب الحارة فرفقته أصبحت شئ مقلق ومحير بسبب أسلوبه ومعاملته وموقفه الأخير مع الصبي سمير العامل بالقهوة ,لم يكن متوقعا ان يتغير رعد ,كان معروفا بطيبته ومحبوب من الجميع ,القدر والأيام جعلته يقف في مواجهة البرطوشي الوحشي ,وجعلته ينتقم منه وللحارة ,وتدور الأيام والشهور ليقع رعد في فخ البرطوشي بلعبة قذرة من أمرأة عاهرة لعوب ,ولقد نجحت في ذلك ليصبح رعد فريسة سهلة للبرطوشي ورجاله .
– كنتي فين يا صافي
– كنت بزور واحدة صحبتي وأطمن عليها,تعالي أنا عايزاك
– أخر النهار هعدي عليكي
في المساء يذهب رعد لشقة صافي ,يجدها جالسة تشاهد التلفاز ,أمامها طربيزة عليها كأسات وزجاجة من الخمور والمزة ,وما شابه ذلك ,أستعدادا لليلة حمراء بعيدة عن صراخ البشر وأوجعهم ,ووسط حالة الأبتهاج والسكر يطلب رعد من صافي ان ترقص له ,فقد أزينت وأحلوت في عينه ,لم يكن يعلم أنه ألعوبة وفريسة لتلك العاهرة الملتوية بجسدها .
– ما تقومي ترقصي شوية يا صافي
– من عيوني يا حبيب صافي
– تسلميلي يا ست الحسن والجمال
تتراقص وتتمايل كالحية الملتوية في الرمال ,والمرأة اللعوبة صاحبة الكيف والجنس ,بعد قضاء ليلة حمراء ومن نوع خاص تطلب منه ان يذهب معها في الصباح لمكان خارج الحارة للقاء صديقة لها جأءت من الصعيد لرؤيتها والأطمئنان عليها.
في الساعة الحادية عشرة مساءا الميعاد المتفق عليه لذهاب رعد مع صافي لمقابلة صديقتها ,في مكان بعيد عن المباني والعمارات وضجيج وأصوات البشر ,هو أيضا المكان المحدد للأنتقام ,جلس رعد وصافي في ذلك المكان لتأتي اللحظة المتفق عليها بين صافي والبرطوشي ,وفجأة دون سابق أنذار يجد رعد البرطوشي واقفا أمامه كالرعد والصاعقة التي تصعق وتهز ما حولها ,ينظر رعد للبرطوشي ورجاله في حالة من الذهول وفقدان الوعي وعدم القدرة علي الكلام ,أما البرطوشي فقد أستعاد قوته وظهر الشرار من عينيه محملقا متهجما في وجه رعد كالأسد أستعداد لألتهام فريسته ,في تلك اللحظات القاسية أدرك رعد كذب وخداع ولوع صافي لأجل تلك اللحظة ,فقد باعته للبرطوشي وأعوانه ,نظر أليها نظرة غضب وأستدار نحوها وصاح في وجهها – يا خيانة ,لعبتي عليه علشان واحد كلب زيك
– أنا كلب يا كتكوت ,وحياة أمك هعرفك مين الكلب
– أمي أشرف منك يا جبان يا مفتري
– أربطوه وأرموه في العربية ,وحياة امك نعمات هقتلك واخليك عبرة لأهل الحارة
تلك الحياة تعلمنا كل شئ وتعطينا دروسا وعبر لا حصر لها ,لا بد من الاستفادة منها ,ولكل شئ بداية ونهاية ,والظلم لن يستمر أبدا ,وصوت الحق سوف يعلو علي الظلم والظالمين ,وحتي أن استطاع البرطوشي أسترجاع قوته مرة أخري وفرض سيطرته وظلمه علي الحارة ,سيأتي يوم ليس ببعيد لينتهي البرطوشي ورجاله من التاريخ بنهاية مأساوية وتاريخية أيضا ,وكتب التاريخ بما تحتويه من روايات وحكايات شاهد علي ذلك .
يأخذ رجال البرطوشي رعد لمنطقة بعيدة في قلب الجبل ,بعد ان ربطوه وقيدوا حركته ,ليفتح معه البرطوشي تحقيقا وحسابا عما فعله ,فساعة الأنتقام للبرطوشي أقتربت ,فقد أحكم خطته ونجحت العاهرة في تنفيذها .
0 هاهاهاها جاء اليوم يا كتكوت الأ هعلمك فيه الدرس وتكون عبرة للي يفكر يقف في وجه البرطوشي
– لكل ظالم نهاية يا برطوشي ,وفي ألف رعد غيري هيقفوا قصادك ويمنعوا ظلمك
– لسة ليك صوت يا كتكوت ,وحياة أمك هعلمك درس مش هتنساه وبعد كده هقتلك
-0جهزوا الحفلة لرعد حبيب قلبي يا بهايم
يأخذا رجال البرطوشي رعد في مكان داخل الجبل ويوقدوا حوله النار أستعدادا لجلده ومعاقبته ,فقد ربطوه من ذراعيه وقدميه وأفقدوه حريته ,يقف البرطوشي أمامه بقوته وجبارته ووحشيته ,لتبدء جلسة الحساب والمعاقبة ,تذكر البرطوشي في تلك اللحظة ما حدث معه من رعد وبين الحين والاخر يصفعه بيده القوية علي وجه ,ثم يقوم بجلده وسطوه علي ظهره ,ووسط تلك المعاناة والألم والصراخ ظهر رعد بحالة من الصمود وعدم الرضوخ للبرطوشي حتي أخر نفس ,وكلما تذكر البرطوشي ما حدث من رعد يزداد أنتقاما وتجبرا
– أخبارك يا كتكوت فين أهل الحارة علشان يتفرجوا عليك
– خليك فاكر لكل ظالم نهاية يا برطوشي وهيجي اليوم الأ ربنا هيذلك فيه
– لسه بتقاوح وتعلي صوتك عليه يا ابن الكلب يفقد البرطوشي سيطرته وتزداد حالة الانتقام ورد الأعتبار ليقضي البرطوشي علي رعد وينهي حياته ,ليتلفظ رعد أنفاسه الاخيرة ناطقا الشهادة .
وفي صبيحة اليوم التالي يأتي الخبر الموجع والغير متوقع ويعلم أهالي الحارة بمقتل رعد علي يد البرطوشي ورجاله من البلطجية لتسود حالة من الفوضي والخوف من عودة البرطوشي والأنتقام من أهالي الحارة ويقرر زجال وشباب الحارة الهرب والفرار خوفا من التصدي للبرطوشي ورجاله من البلطجية ,فأن الانتقام سيكون اكثر قسوة ودموية ووحشية ,ووسط حالة الخوف والهلع والفزع والأرتباك والشد والجذب بين رجال ونساء الحارة ,تخرج نعمات ام رعد لتقف وسط الحارة صلبة قوية ,في لحظة من أصعب اللحظات في تاريخ حياتها ,لم تبالي او تفكر في مقتل ابنها رعد علي يد البرطوشي ولم تحزن او تستقبل العزاء ,بل وقفت في وسط الحارة لتعلن الانتقام من البرطوشي
– فين النخوة يا رجاله ,سيبين حارتكم للبرطوشي
– انت في اية والا اية يا ام رعد ,البرطوشي قتل ابنك رعد ,وفي طريقه للحارة للأنتقام ورد أعتباره
-وهنقف ساكتين ونسيب الحارة للبرطوشي علشان يتحكم فينا ويرجع الظلم اكتر من الاول
– وهنعمل اية يا حاجة نعمات
وسط حالة الصراخ والفوضي التي عمت أرجاء الحارة يهرب معظم رجال الحارة تاركين بيوتهم واولادهم ونسائهم خوفا من البرطوشي والبلطجية ,تصرخ نعمات ام رعد بأعلي صوتا لها طالبة من نساء الحارة الأجتماع والحضور عندها في حينه
وفي لحظة من الصمت والخوف والترقب من مصير محتوم وقدر لا يمكن الفرار منه ,البرطوشي وبلطجيته في طريقهم للحارة للأنتقام ورد الاعتبار ورجال الحارة تركوا الحارة عارية لم يستطيعوا التصدي لجبروت البرطوشي فلحظة الانتقام قاسية ودموية ووحشية وبل رحمة ,ام نساء الحارة فقد أجتمعوا في بيت الحاجة نعمات ام رعد.
-أسمعوني كويس ,أحنا مش هنسيب حارتنا ومش هنقف نتفرج لما البرطوشي ورجالته ينتقموا منا ويغتصبوا بناتنا ,قدام عينيا
– وهنعمل اية يا حاجة نعمات ,الرجال هربوا وسبونا فريسة للبرطوشي
– نقدر نعمل كتير ,نحط أيدنا في ايد بعض
– فهمينا يا ام رعد هنعمل اية
-انتم عارفين ان رعد ابني وقف للبرطوشي وطرده وكان عنده اوضه مجمع فيها السلاح الابيض والسلاسل والعصي استعداد لمواجهة البرطوشي ورجالته في اي وقت
– وقدر يقتل رعد وراجع ينتقم مننا
– لا احنا مش هندية الفرصة ديها ,كل واحدة منا هتحمل سلاح وهنقف نتصدي للبرطوشي ورجالته ونمنعه من دخول الحارة
– بتقولي اية يا حاجة نعمات,احنا هنقدر علي الرجالة والبرطوشي المفتري
– ان شاء الله هنقدر ,لأننا بندافع عن الحق والظلم مش هيدوم
تدخل نساء الحارة الحجرة المكترسة بكافة المعدات وكل واحدة منهم تحمل سلاحا ابيض وعصا وسلسلة استعدادا للتصدي ومواجهة البرطوشي ,حالة الصمت والخوف والترقب تحولت بكلمات الحاجة نعمات المؤثرة لقوة واستماتة دفاعا عن الحارة واصبحت قضية شرف من الطراز الاول ودفاعا عن العرض والمال ,تلك الكلمات البسيطة أعطت القلوب طمئنينة ,فهي امراة بمائة من الرجال
وبعد ساعات قليلة ياتي النبا بوصول البرطوشي وبلطجيته علي مشارف الحارة ,فتصرخ الحاجة نعمات بأعلي صوت في نساء الحارة ,”الموت شرف لكم ودفاعا عن العرض والمال وافضل واعظم من الحياة بذل وانكسار طوال العمر ”
يصل البرطوشي وسط الحارة فيجد الحاجة نعمات ملتف حولها نساء الحارة ممسكين في أيديهم عصي وسلاسل
– أهلا بام البطل ,دفنتي الكتكوت والا لسة
-الكتكوت اشرف منك مات علشان الحق ,لكن انت ظالم ومفتري ونهايتك علي ايدنا 0
-هاهاهاها فين رجالتكم نص الكم يا حريم الحارة ,ما بقيتش غير بالحريم اخر الزمن
– هتشوف الحريم هتعمل فيك اية يا برطوشي
يقوم البرطوشي بصفع الحاجة نعمات علي وجهه لتسقط علي الارض ,وتبدء معركة المصير ,الذل او الحياة بشرف ,لم يكن في حسبان البرطوشي ان نساء الحارة سيتصدوا له ويمنعوه من دخولها الحارة ,وقفوا بجانب الحاجة نعمات بقوة وصمود واستماتة ,وسط حالة الصراخ والشد والجذب والدفاع والمقاومة ودماءا تسيل وكراسي تتساقط ,يعلم رجال الحارة الهاربين خارجها بما يحدث داخل الحارة ,ويصل الخبر ايضا لشباب ورجال الحارات المجاورة بما يحدث داخل حارة البرطوشي ,فيتجهوا مسرعين لأنقاذ نساء الحارة والتصدي للبرطوشي ورجاله ,لقد دبت النخوة والرجولة في دماء وعروق الرجال وشعروا بالخذي والعار من موقف النساء الشرفاء المدافعين عن الحق وبعد ساعتين تقريبا من القتال وحالة الكر والفر بين فريق يدافع عن الحق واخر يتمسك بالظلم ,يستطيع رجال وشباب الحارة والحارات الاخري القضاء علي البرطوشي ,فقد قتل في تلك المعركة خمسة من البلطجية وثمانية من النساء الشرفاء المدافعين عن شرفهم وعرضهم ,واصابة الكثير ,يقع البرطوشي في يد رجال وشباب الحارة ويلتفوا حوله للأنتقام من ظلم وقهر لسنوات عدة ,سقط علي الارض ودماءا تسيل من وجهه وجروح واصابات مزقت جسده ,تلك اللحظة أنتظرها الكثير ولكنها كانت غير متوقعة الحدوث ,ولو لا نساء الحارة الشرفاء الاقوياء لما حدث ذلك ,اما باقي رجال البرطوشي فروا هاربين خارج الحارة ,تتجه الحاجة نعمات نحو البرطوشي مسرعه وممسكة في يدها عصا أبنها رعد رغم سنها وحالة الاعياء والارهاق ,لكنها وقفت صامدة منذ بداية المعركة وحتي نهايتها
– سبوه يا رجالة ,علشان اخد حق أبني رعد بأيدي
تنظر الحاجة نعمات للبرطوشي نظرة أذلال وشعور بالعزة والشموخ
– لكل ظالم نهاية يا برطوشي ونهايتك ذل ومهانة
-انا ضحية زيكي وزي كل اهل الحارة يا ام رعد ,ضحية ظلم وافتراء وزمن الفقير الا ملهوش دهر هيداس عليه
– الزمن ماقلش نعمل كدة يا برطوشي
– مش الزمن يا حاجة نعمات ,بشوات وأعيان الزمن الا مش عاوزين حد جنبهم
ينظر البرطوشي نظرته الاخيرة لمن حوله ,نظرة النهاية ,وقف الجميع في حالة من الصمت والذهول من كلمات البرطوشي الاخيرة ,تلك الكلمات حركت مشاعر الكثير منهم ,لقد عاني الكثير من ظلم وبشوات ذلك الزمن ,حكاية البرطوشي وما حدث مع والدة الموظف الفقير ,حدثت وتكررت كثيرا ,تلك المواقف انهت أسر بأكملها بسبب ظلم بشوات ذلك الزمن الغاشم ,وافرزت بلطجية الحارات ,وسارقيها ,فظلم البشوات والكبار لم يتغير علي مر العصوروالتاريخ ,تغيرت المواقف والاحداث ,وكل كتب التاريخ شاهد علي ذلك ,يلقي البرطوشي نظرته الاخيرة ويتلفظ أنفاسه لتخرج روحه الي خالقها
ورغم مدي المعاناة والقسوة والدماء التي سالت والنساء التي قتلت ,واطفالا يتمت ونساءا مزقت جسدها دفاعا ونزفت دمائها ,كانت الفرحة اكبر واعم من ذلك,فرحة بنهاية وظلم وقهر دام لسنوات عدة ,لقد أستطاع نساء الحارة ان ينهوا اسطورة البرطوشي
وفي تلك اللحظات المفرحة والمحزنة ,يجتمع رجال وشباب الحارة والحارات المجاورة ,ويقوموا بتشيع جنازة مشرفة لشهيدات المعركة ,شهيدات حفروا أسمهم في ذاكرة التاريخ وذاكرة رجال ونساء وشباب الحارة والحارات المجاورة.
وفي ساعة متاخرة من الليل بعد تشيع الجنازة واستقبال العزاء ,اجتمع شباب ورجال الحارة والحارات المجاورة ,أرادوا ان يفعلوا شيئا تخليدا لما حدث ,ان تكون تلك المعركة شاهدة وحاضرة في تاريخ وذاكرة الاجيال القادمة ,تلك المعركة بين الحق والظلم ,قد يختفي الحق وافعال البشر الشريرة وأكاذيبهم المفتعلة ,ومع بداية اول ضوء وظهور علامة الحق يظهر ويشع الأمل ويختفي الظلم ليعم العدل ويملئ أرجاء المكان ,ودروس الحياة علمتنا ذلك ,قاموا بتغير لوحة الحارة من حارة البرطوشي ,ليطلق عليها حارة الحريم ,أحتراما وتخليدا لنساء الحارة ,أطلقوا ايضا أسم كل شهيدة علي شوارع الحارة والحارات المجاورة ,ليكونوا عبرة ودرسا للأجيال القادمة .
حارة الحريم عنوان للعدل وعدم الأستسلام للظلم مهما كان صاحبه وزمانه ومكانه وقوته , عنوان للفخر والعزة والأستماتة من اجل البقاء بحرية وليس بعبودية , قد يعيش الأنسان زمنا بعبودية ورضوخا للظلم وتلك لم تكن حياة ,لان الحياة بعبودية أذلال وخضوع لأفعال الغير ,اما الانسان الحر له حرية التصرف في كل شئ ,يعيش بأمل ما تبقي عمر ,لان قرارحياته بيده وبين الحياة بذلك وذلك ,قدرة وقوة الانسان والدفاع عن حريته ولو كلفه ذلك حياته العيش بشرف وكرامة وحرية افضل واحسن بكثير من العيش بذل وانكسار وخضوع ,حارة الحريم درس من دروس التاريخ الباقية والشاهدة للدفاع عن الحرية بكرامة وشرف ,عنوان للعدل والصمود

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق