قصة الأسبوع “البحر”

تأليف:وحيد القرشي

البحر وتلك المياه الراكدة العميقة الهائجة المائجة المانحة كانت سببا لفراق شهندة ,كلما اتذكر غرقها عندما كنا نسبح في مياه البحر اشعر بالاسئ والحزن وانه عدوي ,كنت اعشقه كعشقي لشهندة واهيم بالالتقاء به كلقائي بها ,تلك الكلمات قالها شيخٌ شاخص البصر للبحر الممدود من الأزل إلى الأبد ، ووراءه تقف صفوف من الذين اكتست عظامهم بالحب وهم مقبلون على الإبحار به ,ولكنهم يخوفون من الغرق ,قد يكون غرقا معنويا كغرق المحب في محبوبته والعاشق في معشوقته والهائم في هائمته ,ربما يخاف البعض من البحر وامواجه المتلاحمة المتلاطمة فوق بعضها ,خوفا من غرقا قد يكون حتميا ,من الذين عانوا وتألموا , فالموجوع حباً.. لن يغامر بتركً الضفاف والشاطئ والغوص في الاعماق,ولكنه القدر لا خيار لنا فيه، حتى من يخاف ويحسب الحسابات لايمنعه الوقوع في الغرق والغوص في الحب،والعشق،والهيام.
تعرفت عليها في زفاف أحد اصدقائي كانت كالشمس المضيئة والقمر المنير ,عندما رأيتها امتلئ قلبي حبا بها وشعرت بلذة الانجذاب والاستمتاع والنظر اليها ,أقتربت منها للوصول للمرغوب فيه,أستحضار المحبوب وجذبه لبدء الوصال يسير ..بقائه ودوام الصلة والتواصل عسير ..وما بين اليسير والعسير قلب متقلب ,وجدتها طيبة المنبت والمخرج وما تحتويه,لسانها كالشهد والعسل ,يخرج كلمات بنكهة جميلة وبطعم ومذاق أجمل.
-مساء الخير
-مساء النور
-حضرتك قريبة حسام العريس صديقي ,وواقفة ليه لوحدك.
-لا انا صديقة ولاء عروسته,لا ما فيش حاجة ,انا منتظرة احدي صديقاتي علي وصول
-عبقال ما نفرح بحضرتك
-شكرا لحضرتك,عقبال الجميع .
-ممكن أعرف اسم حضرتك
-ممكن اعرف ليه
-غادي ,حابب اتعرف عليكي,
-اسمي شهندة
-الله اسمك حلو اوي يا شهندة
-تسلم وشكرا لحضرتك,بعد أذنك صديقتي وصلت
-أتفضلي
الحب هو أجمل شعور يشعر به الإنسان ، هو نبض للحياة والامل والاحتفاء بها، هو أكسجين للبقاء ، شيء يعجز الإنسان عن وصفه كونه شعور داخلي وحسيي ومتغير ومتقلب، هو شعور بالاهتمام و شعور بحب اللقاء واللتقاء بمن نحب ، هو دعاء و انتماء وبقاء، و كلمة مفعمة بالحياة والوجود ، و لا يمكن أن نقول أن الحب حرام او ننكره، فهو أمر فطري ليس بيد الإنسان ,وجد بوجود البشر ،الحب يجعل الحياة يسيرة هادئة وراحة نفسية وطمئنينة قلب ,فالقلب يرى الحب قبل العين ليرتوي وينتعش ويشع الجمال في عينه,حالة لا يمكن وصفها سوي بكلمات رقيقة وحسية انه الوجود ,ففي لحظة اللتقاء بالمحبوب او سماع صوته يشعر المحب بانه دخل الجنة وارتوي من مائها .
تلك الكلمات الاولي بيني وبين شهندة ,لم يطول الوقت بنا ولكني اقتربت من المحبب لقلبي واستمعت لصوتها الملائكي,لم انتظر طويلا ,بعد اسبوع من زواج حسام صديقي,والأطمئنان عليه,سألته عن شهندة واخبرته انها صديقة زوجته ولاء,لم يتواني حسام لحظة وسأل زوجته عنها, واخبرته انها انسة متعلمة مثقفة ,ومن بيت عريق أصيل ينتمي لجذور صعيدية بنكهة بحروية,وعلمت كل شئ عن شهندة,وطلبت من زوجة حسام ,ان نلتقي انا وشهندة هنا في شقتها,للتعارف والتقارب لعل الامور تكون خيرا ان شاء الله,فالقلب ينبض اشتياقا لرؤيتها والاستماع لنبرة صوتها الملائكي مرة أخري
في الحب سمو وارتقاء وصفاء واعلاء لقيمة الانسان,لولا الحب والعشق، لانعدمت القيم العليا الثلاث، التى تجعلُ من الإنسان إنساناً.. فالجمالُ لا يري إلا بعين عاشقٍ، ولا يراه الكارهون الحاقدون.. والحقُّ لا يتضح إلا حين نُحبُّ الحياة، فنحتفى بما يحفظها. والخير لا يفعله ولا يتمناه إلا الذين تفيض قلوبهم محبةً لأنفسهم وللاخرين.
تمر الايام وألتقي بشهندة واتعرف عليها بقرب ,آية الحسن ونعم القدر دون النساء ودون البشر ,نورا يشع من حنايها,يملئ الكون جمالا ونورا,عجز لساني عن وصفها,فكيف يوصف ملاكا في صورة بشر ,وكيف يوصف حسنها مع كثرته ,سبحان من خلق وابدع في خلقه فأوجد اجمل البشر في حسنها واخلاقها,اقتربنا فأتفقنا وفرحنا وسعدنا وكان كل شئ سهلا واضحا ,فلم يمر سوي شهور عدة وكنا في بيت الزوجيه ,وفي شهر العسل طلبت شهندة ان نذهب للبحر لقضاء أوقاته والاستمتاع به,في البحر ذكريات وحكايات , ينقل الإنسان إلى تلك الواحات الضائعة من الطهارة والنضارة والشعر والموسيقى لكي يستمتع بعذوبة تلك الذكريات الجميلة التائهة في بيداء الروتين اليومي المعتم للحياة وما فيها , وكأنما هي جنات من الجمال والبراءة والصفاء في وسط صحراء الكذب والتصنع والكبرياء,يخرجنا من عالم التحنط والرضوخ لعالم الكلمة والشعر والذوق والجمال.
وأثناء جلوسنا علي شاطئ البحر نتكلم حبا وعشقا,فالتقاء المحب بمحبوبته,أرتواء وأحتواء وأشتهاء,وأستدراك ما لا يدرك قبل بداية الرجفات ,فان تألفا وحدث الوفاق والاتفاق واحتضن كل منهما الاخر بات العشق قريبا من قلب المحبين,وان تخالفا واختلفا بات الفراق الحتمي دون رجعة ,لان الطريق لم يكن واحد,وحاتم وشهندة كان الطريق واحدا منذ البداية والوهلة الاولي,فقد طلبت شهندة النزول لمياه البحر للسباحة وان اقوم بتدريبها علي السباحة والعوم,وفي تلك اللحظات الجميلة القابعة في القلب ,غطست شهندة ولم تخرج ,حاولت مرارا وتكرارا وبلهفة وجهد وعناء ان اجدها فلم يكون ,صرخت لأجد من منقذ فلم اجد ,قاتلت وحاربت البحر الذي لم يغلب وبقهر ,ولكني لن اترك روحي وعمري يضيع في طلماته ولن اترك شهندة ,ووسط تلك المعاناة والالم والخوف من فراق شهندة,سمعت صوتا يناديني .
– حاتم يا حاتم ,مش هتصلي الجمعة يا حبيبي ,القران بدء
-يالله ,كنت احلم ,الحمدلله انه حلم وكابوس ولم يكن حقيقة
-مالك يا حاتم ,كابوس اية
-خير يا حبيبة قلبي,اقوم اجهز نفسي علشان صلاة الجمعة
الحلم الكابوسي لم يفارقني طيلة اوقاتي خوفا علي شهندة ,العشق قلب متقلب وعقل مجنون لانسان ,يجعله يري اليسير عسير وخطير,والعظيم هينا ويسير,و من الكلمة الواحدة كلمات لا نهاية لها,تحلق في الافق وتعلو لترسم همسات العشق علي شفاه العاشقين ,ومن الرسالة القصيرة العابرة ’وهج ولوعة وقنبلة موقوتة لو أنفجرت لاكتسحت,او أضأت ما حولها , وهدمت,او أقامت ما دونها وما اقصها ,وتمر سنة علي زواجنا ,وتطلب شهندة ان نذهب لقضاء اسبوع علي البحر لنتذكر عهدنا وأول اسبوع لنا في شهر العسل وان يكون نفس المكان ,فرفضت خوفا من حدوث ما يقلقني ويثير فكري وعقلي ,وذهبنا لمكان اخر بينه وبين البحر مسافات ومسافات ,الحياة متقلبة متشعبة ,مانحة مانعة ,أفراح واحزان واوجاع , وفي داخل تلك اللحظات العظام لمسات سحرية وهبات ربانية لا ندركها الا حين نحب,رغم حزنها من عدم الذهاب لنفس المكان علي البحر كما تواعدنا وتعهدنا ,لكنها اظهرت مدي حبها وسماع كلام زوجها برضا وارتضاء وقلب محب وعاشق لمن احب .
تمر الايام والشهور,وحبنا يزداد ويكبر ,وفي يوم من الايام اثناء عملي ,طلبني المدير ليخبرني باني معار لاحد شركات البترول في دولة الكويت ,ولا بد ان اجهز اوراقي ونفسي للسفر خلال اسبوع,فرحت كثيرا انا وزوجتي شهندة,وسافرنا لدولة الكويت للاعارة لمدة خمس سنوات ,وبعد سنة تقريبا جاء وقت الاحتفال بعيد ميلادنا الثاني ,شهندة تحسب الايام والشهور للاحتفال والاحتفاء بذلك اليوم العظيم في تاريخ حياتنا,طلبت مني ان نسترجع الذكريات علي شاطئ البحر لنعيش ونتذكر اجمل لحظات بيننا ,ولم ارفض لها طلبا لاني اعشقها حد الجنون,في العشق نقترب فنشتعل,ونبتعد فنتمزق ونتقطع..للمحب العاشق عين لا تري سوي الحسن والجمال في المحبوب,ومن ثم لا تري في الكون قبحا ,وتري في كل شئ جمال وجمال,فأن التهب واكتوي العشق في القلب ,واكتمل وزاد وعم واحتوي ,لم يشع في عين العاشق سوي الجمال .
-نفسي نقضي يوم احتفالنا بعيد زواجنا علي البحر زي اول اسبوع لينا في شهر العسل
-حاضر يا حبيبتي ,انتي تؤمري وانا انفذ
-حبيبي ربنا يخليك ليا وما يحرمني منك ابدا
في اليوم التالي يذهب حاتم وشهندة لقضاء الاحتفاء بعيد زواجهم الثاني علي البحر ,وقد نسي حاتم الكابوس المقلق لغرق شهندة في مياه البحر,فالايام والشهور وصعوبات الحياة ارهقته وجعلته يفكر في اشياء اخري ,واثناء الجلوس علي الشاطئ ,تدخل شهندة في اعماق البحر للسباحة والعوم ,وسط فقدان حاتم لذاكرته وما فيها من احلام قد تجعله حذر وحريص,ولكن قدر الله عندما ياتي لا ينفع حرصا ولا حذر,وفجاءة تصرخ شهندة دون جدوي ,فقد غرقت في مياه البحر ليتحقق حلم زوجها ,ليصبح امر الله نافذ لا محالة ,ولو خوفنا وابتعدنا عن المقلق سيأتي قدر الله لو كنا في بروج مشيدة .