الاسلاميات

الرد على من أباح للمسلمة التزوج من غير المسلم (3)

بقلم / محمد سعيد أبوالنصر
ما زلت أتابع الرد من القرآن الكريم والسنة المطهرة والإجماع والعقل والمحاورة والجدال العقلي على مَنْ أباح زواج المسلمة من غير المسلم ، وقد ذكرت في المقال الأول الأدلة من القرآن ، وفي المقال الثاني الأدلة من السنة المطهرة ردًا على الذين يبدلون دين الله ويحرفونه ويريدون أن يجعلوا من المرأة ألعوبة في أيدي غير المسلمين.. واليوم أعرض إجماع الأمة من العلماء المعتبرين
الذين قالوا بحرمة زواج المسلمة من غير المسلم ،كما أذكر الحكمة العقلية الأولى من حكم المنع .
ج- إجماع الأمة على تحريم زواج المسلمة من غير المسلم .
انعقد إجماع العلماء والفقهاء على حرمة زواج المسلمة من غير المسلم، وأن زواج الكافر بالمسلمة باطل لا ينعقد أصلاً؛ لمخالفته صريح القرآن الكريم؛ وقد نقل الإجماع ابن قدامة وابن المنذر، والرازي ،والقرطبي ، وأبو عمر بن عبد البر ، والشوكاني، وغيرهم. قال ابن قدامة في “المغني” -في شرح قول الخرقي: “وَلَا يُزَوِّجُ كَافِرٌ مُسْلِمَةً بِحَالٍ” أَمَّا الْكَافِرُ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى مُسْلِمَةٍ بِحَالٍ، بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ؛ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وقال ابن عبد البر في التمهيد: ومما يدل على أن قصة أبي العاص منسوخة بقوله : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } إلى قوله : ” ولا تمسكوا بعصم الكوافر ” إجماع العلماء على أن أبا العاص بن الربيع كان كافرا وأن المسلمة لا يحل أن تكون زوجة لكافر”.
وقال القرطبي ” أجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام .
3- الحكمة من تحريم زواج المسلمة من غير المسلم.
بعض الناس لا يفهمون – أو لا يريدون أن يفهموا – الحكمة في منع الإسلام زواجَ المسلمة من غير المسلم، مع إباحته زواجَ المسلم من الكتابية .. حتى لقد وصل الأمر ببعض هؤلاء الجاهلين والمتجاهلين إلى الافتراء على الشريعة الإسلامية، فوصفها أحدهم بالعنصرية، والتحيز للرجال المسلمين دون النساء والحق غير ذلك ويتضح هذا من خلال ذكر هذه الحكم:
1-غير المسلم لا يحترم عقيدة المسلمة .
يحرص الإسلام على توفير عنصر الاحترام من جانب الزوج لعقيدة زوجته وعبادتها، وفى ذلك ضمان وحماية للأسرة من الانهيار، أما إذا تزوج غير مسلم من مسلمة فإن عنصر الاحترام لعقيدة الزوجة يكون مفقودًا؛ فالمسلم يؤمن بالأديان السابقة، وبأنبياء الله السابقين، ويحترمهم ويوقرهم، ولكن غير المسلم لا يؤمن بنبي الإسلام، ولا يعترف به، بل يعتبره نبيّاً زائفاً وَيُصَدِّق – في العادة – كل ما يشاع ضد الإسلام وضد نبي الإسلام من افتراءات وأكاذيب، وما أكثر ما يشاع.
إن الإسلام عندما أباح للرجل الزواج من الكتابية فإنه أمر الزوج أن يحترم دينها لأن المسلم يؤمن بجميع الأنبياء، أما غير المسلم إذا تزوج من مسلمة فإنه لا يحترم عقيدتها، ولا يؤمن بنبيها مما يوقد النار في المنزل ويمنع السكينة والرحمة التي عليها قوام البيوت، فلهذا منع الإسلام مثل هذا الزواج ،إن المسلم يؤمن بكل الرسل بما فيهم موسى وعيسى عليهما السلام، وبكل الكتب بما فيها التوراة والإنجيل، في حين لا يؤمن أهل الكتاب إلا برسولهم وكتابهم،” والمسلم يقرأ في القرآن الكريم : {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ (44)} [المائدة: 44] ،وقوله { وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46)} [المائدة: 46]، وقوله{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ (285)} [البقرة: 285] ، إن المسلم يستحيل أن يمر بخاطره أن يهين موسى أو عيسى، إنه يحترمهما كما يحترم نبيه محمداً، ويصفهما بالوجاهة والرسالة وقوة العزم وصدق البلاغ، وهذا معنى يلقي السكينة في نفوس أتباعهما، أما اليهود والنصارى فإن ضغائنهم على محمد- صلى الله عليه وسلم- أعيت الأولين والآخرين، وقد استباحوا قذفه بكل نقيصة. كما أن الإسلام ” يدعو أهل التوراة والإنجيل إلى الحكم بما فيهما {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43)} [المائدة: 43] ، {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)} [المائدة: 47]، أي أنه يوجِب على الزوج المسلم أن يمكِّنَ زوجته الكتابية في بيته المسلم – من إقامة دينها (اليهودي أو المسيحي)، بل وأن ينفق على تمكينها من ذلك .. وفى هذا نص رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في عهده لنصارى نجران (ولكل النصارى)، على أنه “إذا صارت النصرانية عند المسلم، فعليه أن يرضى بنصرانيتها، ويتبع هواها في الاقتداء برؤسائها، والأخذ بمعالم دينها، ولا يمنعها ذلك. فمن خالف ذلك وأكرهها على شيء من أمر دينها، فقد خالف عهد الله وعصى ميثاق رسوله، وهو عند الله من الكاذبين.”وليس عجيبا على فقهاء الإسلام أن بعضهم ينهى أن يعرض المسلم على زوجته الكتابية الإسلام ، مخافةَ أن يقترن العرض بالتأثير!. “وانطلاقًا من هذه الشريعة – التي بلغت في العدل والسماحة هذا الأفق غير المسبوق وغير الملحوق! – قال الصحابي حاطب بن أبي بَلتعة (35 ق.هـ. – 30 ه./ 586 – 650م) للمقوقس عظيم القبط سنة 7ه/ 628م، عندما حمل إليه رسالة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – :” إِنَّ هَذَا النَّبِيَّ دَعَا النَّاسَ إِلَى اللَّهِ فَكَانَ أَشَدّهمْ عَلَيْهِ قُرَيْش وَأَعْدَاهُمْ لَهُ الْيَهُودُ وَأَقْرَبَهُمْ مِنْهُ النَّصَارَى، وَلَعَمْرِي مَا بِشَارَةُ مُوسَى بِعِيسَى إِلَّا كَبِشَارَةِ عِيسَى بِمُحَمَّدٍ، وَمَا دُعَاؤُنَا إِيَّاكَ إِلَى الْقُرْآنِ إِلَّا كَدُعَائِكَ أَهْلَ التَّوْرَاةِ إِلَى الْإِنْجِيلِ، وَكُلُّ مَنْ أَدْرَكَ نَبِيًّا فَهُوَ مِنْ أُمَّتِهِ، فَالْحَقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يُطِيعُوهُ فَأَنْتَ مِمَّنْ أَدْرَكْتَ هَذَا النَّبِيَّ، وَلَسْنَا نَنْهَاكَ عَنْ دِينِ الْمَسِيحِ، وَلَكِنَّا نَأْمُرُكَ بِهِ. ثُمَّ نَاوَلَهُ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَرَأَهُ قَالَ: خَيْرًا، قَدْ نَظَرْتُ فِي هَذَا فَوَجَدْتُهُ لَا يَأْمُرُ بِمَزْهُودٍ فِيهِ وَلَا يَنْهَى عَنْ مَرْغُوبٍ فِيهِ، وَلَمْ أَجِدْهُ بِالسَّاحِرِ الضَّالِّ وَلَا الْكَاهِنِ الْكَاذِبِ، وَوَجَدْتُ مَعَهُ آلَةَ النُّبُوَّةِ. ثُمَّ جَعَلَ الْكِتَابِ فِي حُقٍّ مِنْ عَاجٍ وَخَتَمَ عَلَيْهِ وَدَفَعَهُ إِلَى خَازِنِهِ” والشاهد قوله “.. وَلَسْنَا نَنْهَاكَ عَنْ دِينِ الْمَسِيحِ، وَلَكِنَّا نَأْمُرُكَ بِهِ. “إن الإسلام أجاز لزوجة المسلم الكتابية أن تذهب إلى أماكن عبادتها كالكنيسة والمعبد، في حين لا يجيز هؤلاء الكتابيون للمسلمة- لو تزوجها أحدهم- أن تذهب للمسجد وتظهر شعائر الإسلام فغير المسلم “لا يعترف بالإسلام دينًا سماويًّا ولا برسول الله نبيًّا ورسولاً، ولا بالقرآن وحيًا إلهيًّا .. ومن ثم فإنه غير مطالَب دينيًّا باحترام عقيدة المسلمة، ومراعاة مشاعرها الدينية، وتمكينها من أداء شعائرها، وإقامة العلاقات الروحية مع مرجعيتها الدينية، الأمر الذي يشكل مخاوف حقيقية على عقيدتها وحريتها الدينية، وإيذاءً لمشاعرها إذا هي اقترنت بمَن لا يعترف بدينها، ولا يعظم رموز هذا الدين”….. وللحديث بقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق