الاسلامياتالرئيسة

عَلَيَّ الطَّلَاقُ

محمد سعيد أبوالنصر
من ألفاظ الطلاق لفظ (عَلَيَّ الطَّلَاقُ) فهل إذا قالها الزوج لزوجته يقع الطلاق ؟
والجواب :
اختلف الفقهاء على ثلاثة أقوال في لفظ عَلَيَّ الطَّلَاقُ
ويمكن تلخيص وجهة نظرهم مجملًا في التالي :
الأول : أنه طلاق صريح وهو الذي عليه الفتوى عند الحنفية كما نقل ابن عابدين , وهو مذهب المالكية , والأوجه عند الشافعية كما نقل صاحب مغني المحتاج , وهو الصحيح عند الحنابلة كما ذكر المرداوي .
الثاني: أنه كناية : وهو قول عند الشافعية نقله صاحب مغني المحتاج عن المزني , ورواية عند الحنابلة ذكرها المرداوي .
الثالث: أنه لا يقع وهو قول عند الحنفية نقله ابن عابدين عن البزازي .
وتفصيل هذا الاجمال أن يقال :
تباينت أقوال المذاهب في مسألة وقوع الطلاق بلفظ (عليَّ الطلاق)
وإليك أقوال المذاهب في هذه المسألة :
أولاً : مذهب الحنفية :
جاء في حاشية ابن عابدين: “مَطْلَبٌ فِي قَوْلِهِمْ 🙁 عَلَيَّ الطَّلاقُ , عَلَيَّ الْحَرَامُ ) قَالَ فِي النَّهْرِ : وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ الطَّلاقُ يَلْزَمُنِي أَوْ الْحَرَامُ وَلَمْ يَقُلْ لا أَفْعَلُ كَذَا لَمْ أَجِدْهُ فِي كَلامِهِمْ أهـ. وَفِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ: وَقَدْ ظَفِرَ فِيهِ شَيْخُنَا مُصَرِّحًا بِهِ فِي كَلامِ الْغَايَةِ لِلسُّرُوجِيِّ مَعْزِيًّا إلَى الْمُغْنِي وَنَصُّهُ : الطَّلاقُ يَلْزَمُنِي أَوْ لَازِمٌ لِي صَرِيحٌ ؛ لأَنَّهُ يُقَالُ لِمَنْ وَقَعَ طَلاقُهُ لزِمَهُ الطَّلاقُ , وَكَذَا قَوْلُهُ عَلَيَّ الطَّلاقُ . أهـ .
قُلْت (ابن عابدين) : لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْغَايَةِ مَا إذَا ذَكَرَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ فِي الْعُرْفِ التَّعْلِيقُ وَأَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ الطَّلَاقُ لا أَفْعَلُ كَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ . فَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ لا أَفْعَلُ كَذَا بَقِيَ قَوْلُهُ عَلَيَّ الطَّلاقُ بِدُونِ تَعْلِيقٍ وَالْمُتَعَارَفُ اسْتِعْمَالُهُ فِي مَوْضِعِ التَّعْلِيقِ بِدُونِ الإِنْشَاءِ ، فَإِذَا لَمْ يُتَعَارَفْ اسْتِعْمَالُهُ فِي الإِنْشَاءِ مُنَجَّزًا لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلافِ الآتِي فِيمَا لَوْ قَالَ: طَلَاقُك عَلَيَّ , ثُمَّ رَأَيْت سَيِّدِي عَبْدَ الْغَنِيِّ ذَكَرَ نَحْوَهُ فِي رِسَالَتِهِ .ثم قال (2/434) : وَلَوْ قَالَ : طَلاقُك عَلَيَّ لَمْ يَقَعْ. وَلَوْ زَادَ وَاجِبٌ أَوْ لازِمٌ أَوْ ثَابِتٌ أَوْ فَرْضٌ هَلْ يَقَعُ؟ قَالَ الْبَزَّازِيُّ : الْمُخْتَارُ لا. وَقَالَ الْقَاضِي الْخَاصِّيُّ : الْمُخْتَارُ نَعَمْ .
ثم قال : (قَوْلُهُ وَقَالَ الْخَاصِّيُّ: الْمُخْتَارُ نَعَمْ) عِبَارَةُ فَتَاوَى الْخَاصِّيِّ قَالَ لَهَا : طَلاقُك عَلَيَّ وَاجِبٌ، أَوْ قَالَ وَطَلاقُك لازِمٌ لِي يَقَعُ بِلا نِيَّةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ ، وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ وَ عَلَيْهِ الْفَتْوَى ا هـ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ لَفْظَ الْفَتْوَى آكَدُ أَلْفَاظِ التَّصْحِيحِ .
ثانياً : مذهب المالكية :
جاء في حاشية الصاوي ” وَلَفْظُهُ الصَّرِيحُ الَّذِي تَنْحَلُّ بِهِ الْعِصْمَةُ وَلَوْ لَمْ يَنْوِ حَلَّهَا مَتَى قَصَدَ اللَّفْظَ : الطَّلاق ؛ كَمَا لَوْ قَالَ : الطَّلاقُ يَلْزَمُنِي، أَوْ : عَلَيَّ الطَّلاقُ أَوْ : أَنْتِ الطَّلاقُ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، ( وَطَلاقٌ ) بِالتَّنْكِيرِ أَيْ : يَلْزَمُنِي، أَوْ : عَلَيْك ، أَوْ : أَنْتِ طَلاقٌ ، أَوْ : عَلَيَّ طَلاقٌ ، وَسَوَاءٌ نَطَقَ بِالْمُبْتَدَأِ كَأَنْتِ أَوْ بِالْخَبَرِ كَعَلَيَّ أَمْ لا ، لأَنَّهُ مُقَدَّرٌ وَالْمُقَدَّرُ كَالثَّابِتِ …
وَلَزِمَ فِي صَرِيحِهِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ إلاَّ لِنِيَّةِ أَكْثَرَ فَيَلْزَمُهُ مَا نَوَاهُ .
ثالثاً : مذهب الشافعية :
في تحفة المحتاج ( قَوْلُهُ : وَعَلَيَّ الطَّلاقُ ) أَيْ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ ، وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَفِي سم عَلَى حَجّ أَيْ إنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَقَعَ فِي الْحَالِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ، وَإِنْ قَيَّدَهُ هَلْ وَلَوْ نِيَّةً كَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ فَلَمَّا قَالَ عَلَيَّ الطَّلاقُ بَدَا لَهُ وَانْثَنَى عَنْ الْحَلِفِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الاسْتِثْنَاءِ اعْتَبَرَ وُجُودَ الصِّفَةِ فَلَوْ قَالَ عَلَيَّ الطَّلاقُ لا أَفْعَلُ كَذَا لَمْ يَحْنَثْ إلاَّ بِالْفِعْلِ أَوْ لأَفْعَلَنَّهُ لَمْ يَحْنَثْ إلاَّ بِالتَّرْكِ قال ومن الصرائح : علىَّ الطلاق خلافاً لجمع كما أفتى به الوالد , وكذا الطلاق يلزمني إذا خلا عن التعليق كما رجع إليه آخراً في فتاويه .
قال في البحر عن المزني : ولو قال عليَّ الطلاق فهو كناية , وقال الصيمري : إنه صريح وهو كما قال شيخنا أوجه , بل قال الزركشي وغيره : إنه الحق في هذا الزمن لاشتهاره في معنى التطليق .
رابعاً : مذهب الحنابلة :
جاء في الإنصاف “اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ الطَّلاقُ أو الطَّلاقُ لي لازِمٌ أو يَلْزَمُنِي الطَّلاقُ أو عَلَيَّ الطَّلاقُ وَنَحْوُهُ صَرِيحٌ في الطَّلاقِ مُنْجَزًا كان أو مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ أو مَحْلُوفًا بِهِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم . ثم قال : وَقِيلَ ذلك كِنَايَةٌ .
وفي المغني : فصل : ولو قال الطلاق يلزمني أو الطلاق لي لازم فهو صريح ؛ فإنه يقال لمن وقع طلاقه لزمه الطلاق , وقالوا : إذا عقل الصبي الطلاق فطلَّق لزمه . ولعلهم أرادوا لزمه حكمه فحذفوا المضاف وأقاموا المضاف إليه مقامه ثم اشتهر ذلك حتى صار من الأسماء العرفية وانغمرت الحقيقة فيه . ويقع به ما نواه من واحدة أو اثنتين أو ثلاث , وإن أطْلَق ففيه روايتان وجههما ما تقدم . وإن قال عليَّ الطلاق فهو بمثابة قوله : الطلاق يلزمني ؛ لأن من لزمه شيء فهو عليه كالدين وقد اشتهر استعمال هذا في إيقاع الطلاق . ويخرج فيه في حالة الإطلاق الروايتان هل هو ثلاث أو واحدة ؟
والأشبه في هذا جميعه أن يكون واحدة ؛ لأن أهل العرف لا يعتقدونه ثلاثاً , ولا يعلمون أن الألف واللام للاستغراق , ولهذا ينكر أحدهم أن يكون طلَّق ثلاثاً ولا يعتقد أنه طلَّق إلا واحدة, فمقتضى اللفظ في ظنهم واحدة فلا يريدون إلا ما يعتقدونه مقتضى للفظهم فيصير كأنهم نووا الواحدة .
وجاء في فتاوى الرملي
( سُئِلَ ) عَمَّنْ قَالَ : عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَا أَفْعَلُ الشَّيْءَ الْفُلَانِيِّ ، ثُمَّ فَعَلَهُ هَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَوْ لَا ؟ ( فَأَجَابَ ) نَعَمْ يَقَعُ عَلَى الْحَالِفِ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ صَرِيحٌ فِيهِ ..
وجاء في فتاوى دار الإفتاء المصرية للمفتى أحمد هريدى هذا السؤال .
من السيد / م س س بطلبه المتضمن أنه حلف الايمان الآتية 1 – قال لزوجته ( على الطلاق لا تأخذى ملابسك وأخذتها ) .
2 – قال ( على الطلاق أنى لم آخذ حاجة بعينها .
وتبين بعد الحلف أنه أخذها ) . 3 – قال ( على الطلاق بالثلاثة أن زوجتى لا تسمى لى امرأة ولا زوجة ) وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فيما صدر منه
ان قول السائل فى اليمين الأول ( على الطلاق لا تأخذى ملابسك ) .
وقوله فى اليمين الثانى ( على الطلاق أنى لم آخذ هذه الحاجة ) هذا القول من قبيل اليمين بالطلاق واليمين بالطلاق لغو لا يقع به شىء سواء حصل المحلوف عليه أو لم يحصل طبقا للقانون رقم 25 لسنة 1929 .
فلا يقع باليمينين المذكورين طلاق . وأما قوله فى اليمين الثالث ( على الطلاق بالثلاثة أن زوجتى لا تسمى لى بامرأة ولا زوجة ) فقد اتفق الامام أبو حنيفة وصاحباه على أن من قال لزوجته لست لى بامرأة ولست لى بزوج مؤكدا باليمين لا يقع به طلاق .وعلى ذلك فلا يقع باليمين الثالث المذكور طلاق أيضا . ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال
فالحاصل : أن لفظة عليَّ الطلاق يتنازعها ثلاثة اتجاهات للفقهاء :
الأول : أنه طلاق صريح وهو الذي عليه الفتوى عند الحنفية كما نقل ابن عابدين , وهو مذهب المالكية , والأوجه عند الشافعية كما نقل صاحب مغني المحتاج , وهو الصحيح عند الحنابلة كما ذكر المرداوي .
الثاني : أنه لا يقع وهو قول عند الحنفية نقله ابن عابدين عن البزازي .
الثالث : أنه كناية : وهو قول عند الشافعية نقله صاحب مغني المحتاج عن المزني , ورواية عند الحنابلة ذكرها المرداوي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق