الاسلاميات

الدعاء في ليلة النصف من شعبان. بقلم/ محمد سعيد أبوالنصر


الدعاء في هذه الليلة لم يرد فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ لأن مبدأ الاحتفال ليس ثابتا بطريق صحيح عند الأكثرين، ومما أثر في ذلك عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ سمعته يقول في السجود ” أعوذ بعفوك من عقابك وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك، لا أحصى ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك” رواه البيهقي من طريق العلاء ومما ينبغي الانتباه إليه دعاء اعتاد بعض الناس على ترداده في هذه الليلة ويكثر السؤال عنه خاصة في هذه الأيام وهو :دعاء ليلة النصف من شعبان “اللهم يا ذا المن ولا يمن عليه، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام. لا إله إلا أنت ظهر اللاجئين، وجار المستجيرين، وأمان الخائفين. اللهم إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقيا أو محروما أو مطرودا أو مقترا علي في الرزق، فامح اللهم بفضلك شقاوتي وحرماني وطردي وإقتار رزقي، وأثبتني عندك في أم الكتاب سعيدا مرزوقا موفقا للخيرات، فإنك قلت وقولك الحق في كتابك المنزل على لسان نبيك المرسل: ﴿يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب﴾، إلهي بالتجلي الأعظم في ليلة النصف من شهر شعبان المكرم، التي يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم، أن تكشف عنا من البلاء ما نعلم وما لا نعلم وما أنت به أعلم، إنك أنت الأعز الأكرم. وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم”. فهذا اللفظ لم يرد عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ولم يثبت عن أحد من الصحابة الكرام. وقوله إلهي بالتجلي الأعظم في ليلة النصف من شهر شعبان المعظم، التي يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم “من زيادة الشيخ ماء العينين الشنقيطي في كتاب “نعت البدايات“.
وقال بعض العلماء إنه منقول بأسانيد صحيحة عن صحابيين جليلين، هما عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنهما ـ وعمر من الخلفاء الراشدين الذين أمرنا الحديث بالأخذ بسنتهم، ونص على الاقتداء به وبأبي بكر الصديق في حديث آخر، وأصحاب الرسول كالنجوم في الاقتداء، بهم كما روى في حديث يقبل في فضائل الأعمال. ولكن الذي ينقصنا هو التثبت من أن هذا الدعاء ورد عن عمر وابن مسعود ولم ينكره أحد من الصحابة، كما ينقصنا التثبت من قول ابن عمر وابن مسعود عن هذا الدعاء: ما دعا عبد قط به إلا وسع الله في مشيئته أخرجه ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا.لكن قال الدكتور احمد عمر هاشم :هذا دعاء أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن مسعود رضي الله عنه وأورده السيوطي في الدر المنثور والالوسي في روح المعاني، وأخرجه ابن جرير وابن المنذر والطبراني عن ابن مسعود.. وقال الإمام محمد زكي إبراهيم رحمه الله ومثل هذا الدعاء مع الإخبار بأن الداعي به يوسع عليه في رزقه.. إلخ لا يكون أبدا إلا بتوفيق نبوي فليس من شأن صحابي ولا غيره أن يخبر بجزاء عمل غيبي ‘فيكون بذلك له حكم المرفوع’ وبخاصة أن النبي صلي الله عليه وسلم حي والوحي مخصوص به لا ينزل إلا عليه وآداب الصحابة لا تأذن لهم بأن يقدموا بين يدي الله ورسوله’ مع كل هذا فإنه يحلو لبعض الناس كلما أشرقت علينا هذه الأيام المباركة، أن يشككوا الناس في فضل الليلة وفي الأحاديث النبوية الواردة بشأنها وقد أسند الإمام القرطبي هذا الدعاء إلي عمر بن الخطاب رضي الله عنه من طريق أبي عثمان النهدي. وبناء علي هذا يكون هذا الدعاء معروفا للصحابة متداولا بينهم
ومهما يكن من شيء فإن أي دعاء بأية صيغة يشترط فيه ألا يكون معارضا ولا منافيا للصحيح من العقائد والأحكام.
وقد تحدث العلماء عن نقطتين هامتين في هذا الدعاء، أولاهما:
ما جاء فيه من المحو والإثبات في أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ وهو سجل علم الله تعالى الذي لا يتغير ولا يتبدل، ويجب الاعتقاد أن مشيئة الله أزلية أبدية لا يطرأ عليها تغير ولا تحول كسائر صفاته كعلمه وقدرته وتقديره وغيرها، فلا تتغير مشيئة الله بدعوة داع أو صدقة متصدق أو نذر ناذر، ولا يجوز أن يعتقد الإنسان أن الله تحدث له مشيئة جديدة أو علم جديد، ومن يعتقد ذلك فقد فسدت عقيدته، فقد روى مسلم عن ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سألت ربي ثلاثا فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة” وفي رواية: “قال لي يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد“والمكتوب في اللوح هو ما قدره الله على عباده ومنه ما هو مشروط بدعاء أو عمل وهو المعلق والله يعلم أن صاحبه يدعو أو يعمله وما هو غير مشروط وهو المبرم، والدعاء والعمل ينفع في الأول لأنه معلق عليه، وأما نفعه في الثاني فهو التخفيف، كما يقال: ”اللهم إني لا أسألك رد القضاء بل أسألك اللطف فيه وقد جاء في الحديث “إن الدعاء ينفع فيما نزل وما لم ينزل” والنفع هو على النحو المذكور.
وفي الحديث “لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر” رواه الترمذي، وروى أحمد وابن حبان والحاكم عن ثوبان مثله، وزاد “إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه” ذكر ذلك الحافظ في التلخيص وسكت عنه، وهذا يعني أنه حسن، ومعنى الحديث : أن الدعاء من جملة الأسباب التي رتب الله على فعلها مسببات، فهو سبب لجلب النفع ودفع الضر، فالدعاء بحصول الولد مثلا هو: من جملة الأسباب الأخرى لحصوله، وكذلك بالشفاء والنجاة وغير ذلك. ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم “لا يرد القضاء إلا الدعاء” هو المبالغة، لبيان عظمة نفعه بين جملة الأسباب المادية الأخرى، حتى كأنه يدفع القضاء المبرم، أو يقال إن المرء ربما يفعل أفعالا توجب العقوبة فيوشك أن تقع به فيدعو الله فيرفعها، فالعقوبة مقدر وقوعها بعدم الدعاء، فلما دعا رفعت فكأن ذلك بمثابة رد القضاء.” “وما شاء الله في الأزل حصوله لا بد أن يحصل وما لم يشأ الله في الأزل حصوله لا يحصل وأن الله تعالى يستحيل عليه التغير لأن التغير من صفات المخلوقات فلا تتغير مشيئة الله بدعوة داع ولا صدقة متصدق. وأما ما ورد في الحديث: ” لا يرد القضاء إلا الدعاء ” اهـ فالمراد به ما كان من القضاء المعلق هو كأن يكون مكتوبا في صحف الملائكة أن فلانا يحصل له كذا إلا أن يدعو بارتفاع البلاء عنه فإنه إن دعا ارتفع عنه البلاء فورا بعد الدعاء وإلا استمر إلى تلك المدة أو أن فلانا إن وصل رحمه أو بر والديه يعيش إلى المائة أو يعطى كذا من الرزق والصحة وإن لم يفعل ذلك يعيش إلى الستين ولا يعطى كذا من الرزق والصحة، والله عالم بما يكون من الأمرين لا يخفى عليه شيء، وشاء في الأزل حصول ما علم حصوله فلا تتغير مشيئته تعالى وليس معناه أن تقدير الله الأزلي الذي هو صفته معلق على فعل الشخص أو على دعائه بل الله عالم ماذا سيصيب هذا الإنسان وهل يدعو أو لا يدعو. ويعلم من ذلك أن الله إذا شاء له الموت على غير الإسلام فلا يموت إلا على غير الإسلام ومن شاء الله له أن يموت على الإيمان لا بد أن يموت على الإيمان ولا يتغير ذلك بدعاء داع ولا بتصدق أو صلة رحم أو بر والد.
وروى مسلم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سئل: فيم العمل اليوم ؟ أفيم جفت به الأقلام وجرت به المقادير أم فيما يستقبل؟ قال “بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير” قالوا: ففيم العمل؟ قال: “اعملوا فكل ميسر لما خلق له” وفي رواية : أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل؟ فقال” من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة، اعملوا فكل ميسر ثم قرأ :(فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى . فسنيسره لليسرى . وأما من بخل واستغنى . وكذب بالحسنى . فسنيسره للعسرى) (سورة الليل: 5-10)ولم يرتض بعض العلماء هذا التفسير للمحو والإثبات في اللوح المحفوظ، فذلك يكون في صحف الملائكة لا في علم الله سبحانه ولوحه المحفوظ، ذكره الآلوسي والفخر الرازي في التفسير.
والنقطة الثانية: ما جاء فيه من أن ليلة النصف من شعبان هي التي يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم.
إن الكثير يتوقف عند هذه العبارة التي زيدت في الدعاء من بعض العلماء، وليست من الألفاظ المأثورة وهي عبارة: ‘التي يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم” وأن المقصود بها هي ليلة القدر وهذا ليس بصحيح فقد قال عكرمة: من قال ذلك فقد أبعد النجعة، فإن نص القرآن أنها في رمضان، فالليلة المباركة التي يفرق فيها كل أمر حكيم نزل فيها القرآن، والقرآن نزل في ليلة القدر. وفي شهر رمضان. فليلة النصف من شعبان ليست الليلة التي قال الله فيها: ﴿إنا أنزلنـٰه فى ليلة مبـٰركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم﴾ [الدخان: 3، 4] بل هي ليلة القدر كما قال ترجمان القرءان عبد الله بن عباس وهذا ما عليه جمهور العلماء. وهذه العبارة ليست من نص الحديث المأثور بل زادها بعض العلماء كما وضح هذا كبار المحدثين والمحققين، وربما دعا الذين زادوا هذه العبارة أن الليلة هي ليلة الدعاء والإجابة ففيها خير للداعين يحققه رب العالمين.
ومن قال : هنا كحديث عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: “تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان، حتى إن الرجل لينكح ويولد له وقد أخرج اسمه في الموتى” فالحديث مرسل، ومثله لا تعارض به النصوص “وإن حاول بعضهم التوفيق بينهما بأن ما يحصل في شعبان هو نقل ما في اللوح المحفوظ إلى صحف الملائكة.
ولا داعي لذلك فالدعاء المأثور في الكتاب والسنة أفضل. والاجتهاد في الدعاء سنة نبوية مقررة.. وعلي الداعي إن احب الدعاء بهذه الصيغة أن يتجاوز العبارة التي أثارت الخلاف وهي قوله في وصف ليلة النصف ‘التي يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم’ والرجوع لأدعية القرآن الكريم والسنة المطهرة أفضل وأحسن .
وعلي المسلمين، أن يتعرضوا لنفحات الله في الأيام المباركة وأن يكثروا من التقرب إلي الله تعالي والتوبة والدعاء، وألا تجرهم تلك الزوبعة التي يفتعلها البعض حول ليلة النصف..وليت الذين يحاولون تشكيك الناس في فضلها يستوثقون من الأحاديث الصحيحة والحسنة الواردة بشأنها، وبدل أن يبددوا الجهود والأوقات في صد الناس عن العبادة والدعاء أن يوجهوا جهودهم إلي مقاومة المنكرات وما يغضب الله تعالي، وأن يصدوا حملات التشكيك التي تريد أن تنال من الإسلام، وألا يصدوا رواد المساجد الذين يدعون ربهم في هذه الليلة المباركة وفي غيرها من الأيام والليالي الكريمة.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق