الاسلاميات

حِكَمُ ومقاصدُ الصيامِ و الردُ على افتراءاتِ

حِكَمُ ومقاصدُ الصيامِ و الردُ على افتراءات



.
بقلم / محمد سعيد أبوالنصر
طالعتنا الوجوه الكالحة كالعادة بالطعن في الإسلام ، وهذه المرة جاء الطعن في فريضة من فرائض الإسلام ،وركن من أركان الدين وهو (الصيام) وكما هو معروف عن هؤلاء الوجوه الإعلامية، أنه لا ضمير عندهم، ولا شرف لديهم في الأمور السياسية ،فقد ضجر الناس منهم ،وسقطت هيبتهم في قلوب العامة بعد أن علموا أنهم مجموعة من الحواة، لا حيدة عندهم ولا شرف ، ولا مبدأ ولا كرامة ،وإذا كان هذا حالهم مع الناس في أمورهم العامة، وصناعة تزييف الحقائق، فقد امتد هذا التزييف حتى وصل إلى الشرائع ،وهم يحسبون أن هذا الأمر هينًا وهو عند الله عظيم ..قال العلمانيون هذه المرة …. لا توجد حكمة من الصيام على الإطلاق ،إنما هو تجويع للإنسان ،وبعضهم لما وجد أن الأمر سيكون مكشوفًا قال : الحكمة أن الله قال لنا صوموا فقط ،ولا توجد أي حكمة من الصيام وظل يردد هذا الكلام السخيف الذي غرضه : هدم ثوابت الدين وتقويض أركانه..
وإذا كان لنا أن نرد على هذا القول، الذي قال :لا توجد أي حكمة من الصيام ،أقول لهؤلاء: خذوا هذا الملخص المتواضع مما جاء في كتابنا (حكم الصيام )
حكم الصيام
من أسماء الله تعالى: الحكيم، والحكيم هو الذي يتصف بالحكمة، والحكمة إتقان الأمور ووضعها في موضعها، ومقتضى هذا الاسم من أسمائه تعالى أن كلَّ ما خلقه أو شرعه فهو لحكمةٍ بالغة، علِمَها مَن علمها وجهلها من جهلها فالله سبحانه وتعالى لم يفرض علينا الصيام، ويمنعنا عن الطعام والشراب – اللذَين أحلهما لنا – ليعذبنا أو يعنتنا، فحاشا لله أن يفعل ذلك، ولكنَّ للصيام الذي شرعه الله وفرَضه على عباده حِكَمًا عظيمة وفوائد جمة. فالله حكيم في خلقه، حكيم في أمره، لا يخلق شيئًا باطلاً، ولا يشرع شيئًا عبثًا وهذا ينطبق على العبادات وعلى المعاملات جميعًا، كما ينطبق على الواجبات والمحرمات أيضًا، إن الله تعالى غني عن العالمين، وعباده جميعًا هم الفقراء إليه، فهو سبحانه لا تنفعه طاعة، كما لا تضره معصية، فالحكمة في الطاعة عائدة إلى مصلحة المكلفين أنفسهم. وأولى هذه الحِكَم وأجلُّها أن الله إنما شرع الصيام وفرضه لتحقيق التقوى، والتدرب على الطاعات، فرمضان من مواسم الخيرات التي امتنَّ الله تعالى بها على عباده؛ ليقوى إيمانهم، وتزداد فيه تقواهم، وتتعمق صلتهم بربهم، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]. ففي رمضان من العبادات والأعمال الصالحة ما يجعل النفوس تنقاد إلى رب العالمين، فتزكو النفوس، وتطهر القلوب، وتعيش الأرواح أجواء إيمانية مفعمة بالبركات والرحمات..
وفي الصيام حِكَم ومصالح “متعددة ومتنوعة، فله فوائد ظاهرة وباطنة وفوائد فردية واجتماعية، وفوائد الصوم مشهودة بالعقول السليمة، والفطرة المستقيمة” أشارت إليها نصوص الشرع ، ومن أهم الحِكَم والفوائد والمنافع التي شُرِع من أجلها صيام شهر رمضان الحكم والفوائد التالية :
حكم وفوائد الصيام .
1-الصيام يظهر صدق الايمان والعبودية للرحمن والاستجابة لأوامره .
الصوم عبادة لله تعالى يظهر بها من كان عابداً لمولاه، ومن كان متبعاً لهواه، فيظهر بذلك صدق إيمان العبد ومراقبته لله؛ ولهذا كان كثير من المؤمنين لو ضرب، أو حبس على أن يفطر يوماً بغير عذر لم يفطر، وهذه الحكمة من أبلغ حكم الصيام. إن الاستجابة لأمر الله هي صفة المؤمنين ، و سمة الصادقين ، يدورون مع الوحي حيث دار ، ممتثلين للأوامر ، مجتنبين للنواهي ، و قد أمر الله جل وعلا بذلك في كتابه فقال : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)} [الأنفال: 24]، وقد ذكر القرآن هذه الصفة في آيات الصيام ، و ذلك إشارة إلى أنها مقصودة للشارع ، مرتبة على عبادة الصيام ، و لاشك أن الصيام والاعتكاف فيهما تربية للنفس على الاستجابة لأمر الله تعالى ، وذلك لما يلحق العبد من المشقة في أداء هذه العبادات ، و لما اشتملا عليه من الأحكام والتشريعات التي يمتثلها العبد ،
وأسوق من الآيات ما يشير إلى هذه الحكمة الجليلة :
أولاً : الأمر الرباني بالاستجابة لله تعالى ،
وذلك إشارة إلى هذه الحكمة ، وذلك عقب بيان جملة من أحكام الصيام يقول الله تعالى :{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) } [البقرة: 186]، قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى : و أما قوله : ” فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي “، فإنه يعني : فليستجيبوا لي بالطاعة، يقال منه : استجبت له ، واستجبته، بمعنى : أجبته ، و لذا رتب جل وعلا إجابة الدعاء على الاستجابة لأمر الله ، أي : استجيبوا لي إذا دعوتكم للإيمان والطاعة ، كما أجيبكم في الملمات والمهمات ،و تتحقق الاستجابة لأمر الله تعالى بامتثال ما أمر به ، و اجتناب ما نهى عنه ، و في الأمر بالاستجابة في هذه الآيات دليلٌ على أنها مقصودة شرعاً في هذه العبادة و غيرها .
ثانياً : ما ورد في آيات الصيام من أوامر و نواهي ، و لا تتحقق إلا بلزوم الاستجابة لأمر الله تعالى ، وقد تنوعت أساليب التشريع ؛ ليحصل من العبد الامتثال والاستجابة لأمر الله ، ففي مطلع آيات الصيام يقول الله تعالى :{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)} [البقرة: 183] ، أي : فرضناه و أوجبناه فالتزموا به واستجيبوا لأمر الله بأدائه حق الأداء ، ثم كرر الأمر بالصيام على من أدركه رمضان و هو مقيم صحيح ، فقال :{ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185]، و قال في ختام الآية : {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)} [البقرة: 185] ، فأَمَر بإكمال عدة رمضان دون نقص.وقال جل و علا : {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } [البقرة: 187] ، فإباحة الأكل والشرب في ليالي الصوم ، نهيٌ عن فعل ذلك في النهار و هو حقيقة الصيام ، و اشتملت الآية كذلك على الأمر بإتمام الصيام إلى الليل.وهذه الآيات تنوعت فيها أساليب الأمر و النهي ، و الخطاب فيها موجهٌ لأهل الإيمان ؛ لأنهم أهل الاستجابة ، فمن خلال امتثال العبد لأوامر الله تعالى في هذه العبادة يتربى على تحقيق الاستجابة لله تعالى في جميع العبادات و القربات .
ثالثاً : من إشارات القرآن لهذه الحكمة قوله تعالى : {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)} [البقرة: 187]و محل الشاهد قول الله تعالى : ” تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ” ، فبعد بيان الأحكام الشرعية في ع بادتي الصيام والاعتكاف ، جاءت هذه الآية مشيرة لحكمة الاستجابة لأمر الله تعالى ، فقال : ” تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ” ، و في الآية إشارةٌ لتعظيمها و إجلالها بالوقوف عندها ، و الاستجابة لأمر الله فيها ، وسميت حدود ؛ لأنها تمنع أن يدخل فيها ما ليس منها ، ومن عصى الله ولم يستجب لأمره ، فهو ممن لم يلتزم بحدوده فذاك مستحق للعقوبة، و في هذه الآية الخاتمة لأحكام الصيام والاعتكاف أعظم إشارةٍ لحكمة الاستجابة لأوامر الله تعالى .
2-الصيام يقوي الإرادة ويزكي النفس
الصيام يقوي إرادة الانسان فالذي يصبر على آلام الجوع والعطش، ويكبح نفسه عن العلاقات الجنسية في وقت الصيام، يحصل له من جراء ذلك قوة في الإرادة تجعله مالكا لزمام نفسه لا أسيرا لميوله المادية وشهواته الضارة. كما أن الصوم يزكي النفس بطاعة الله فيما أمر، والانتهاء عما نهى، وتدريبها على كمال العبودية لله تعالى، ولو كان ذلك بحرمان النفس من شهواتها، والتحرر من مألوفاتها، ولو شاء لأكل أو شرب، أو جامع امرأته، ولم يعلم بذلك أحد ولكنه ترك ذلك لوجه الله وحده، وفي هذا جاء الحديث: “والذي نفسي بيده لخُلُوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به”
3- الصيام باب التقوى وطريق الخوف:
الصوم وسيلة إلى التقوى لأن النفس إذا انقادت للامتناع عن الحلال طمعاً في مرضاة الله، وخوفاً من أليم عقابه، فمن باب أولى أن تنقاد للامتناع عن الحرام، فكان الصوم سبباً للتقوى. وجماع الحكم من الصيام نجده في آية الصيام من سورة البقرة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ فالتقوى هي الثمرة الكبرى للصيام، ومنها تتولد كل الحكم والفوائد، التقوى .. تلك الحاسة الإيمانية القلبية التي تقي المسلم من الوقوع في مساخط الله تعالى، وتجعل بينه وبين غضب الله وقاية بالعمل الصالح الخالص لوجه الحق تبارك تعالى، وتحيي القلب بالمراقبة والخوف والوجل والحياء من رب العالمين الذي يعلم السر وأخفى.
والصيام يربي القلب على التقوى ومراقبة ربه في سره، إذ لا رقيب عليه إذا خلا بشهواته وتوارى عن أعين الخلق إلا الله تعالى، فإذا ما حمل نفسه في سره على الامتناع عما أمر الله بالامتناع عنه لنظر الله إليه كان ذلك تنمية وتربية لحاسة المراقبة التي ترفع درجة الإيمان في القلب إلى حال الإحسان، وهي أعلى مراتب الدين، كما جاء في حديث جبريل:” الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك” إن الصوم عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه؛ بترك محبوباته المجبول على محبتها من الطعام والشراب والنكاح؛ لينال بذلك رضى ربه والفوز بدار كرامته، فيتبين بذلك إيثاره لمحبوبات ربه على محبوبات نفسه وللدار الآخرة على الدار الدنيا.
والصوم تدريب للنفس على تحقيق التقوى والخوف من الله سبحانه وتجنب مساخطه، والالتزام بطاعته من أسمى أهداف فريضة الصيام، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]. قال الإمام الرازي: “بَيَّنَ سُبْحَانَهُ بِهَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الصَّوْمَ يُورِثُ التَّقْوَى لِمَا فِيهِ مِنَ انْكِسَارِ الشَّهْوَةِ وَانْقِمَاعِ الْهَوَى؛ فَإِنَّهُ يَرْدَعُ عَنِ الْأَشَرِ وَالْبَطَرِ وَالْفَوَاحِشِ، ويهون لذات الدنيا ورئاستها؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّوْمَ يَكْسِرُ شَهْوَةَ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ، فَمَنْ أَكْثَرَ الصَّوْمَ هَانَ عَلَيْهِ أَمْرُ هَذَيْنِ وَخَفَّتْ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهُمَا، فَكَانَ ذَلِكَ رَادِعًا لَهُ عَنِ ارْتِكَابِ الْمَحَارِمِ وَالْفَوَاحِشِ، وَمُهَوِّنًا عَلَيْهِ أَمْرَ الرِّيَاسَةِ فِي الدُّنْيَا وَذَلِكَ جَامِعٌ لِأَسْبَابِ التَّقْوَى فَيَكُونُ مَعْنَى الْآيَةِ فَرَضْتُ عَلَيْكُمُ الصِّيَامَ لِتَكُونُوا بِهِ مِنَ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ أَثْنَيْتُ عَلَيْهِمْ فِي كِتَابِي”.
4- الصيام يحفظ البدن ويحمي الجسد :
من رحمة الله تبارك وتعالى بالعباد أن جعل الصيام وقاية وحماية وتنظيفًا للبدن مما فيه من سموم وأدواء، ففي الصوم صحة البدن، وخلوصه من الأخلاط الرديئة.. وفي الصوم إضعاف للشهوات التي تزداد مع الأكل والشرب وإطلاق النظر، فيأتي الصيام ليكسر هذه الشهوات، فيحفظ الإنسان جوارحه. “فالصوم يترتب عليه فوائد صحية تحصل بسبب تقليل الطعام والشراب، وإراحة جهاز الهضم، فيدفع الله تعالى بذلك كثيراً من الأمراض الخطيرة على الإنسان .
إن البدن طوال العام مع العمل يكل ويملّ، وقد تُصاب أجهزة الجسم بالآلام والأسقام، والأفضل أن تستريح الأعضاء بعضًا من الأوقات لتستعيد نشاطها وقوتها مرة أخرى، فمن رحمة العزيز العليم أن جعل للمعدة وقتًا تستريح فيه كما يستريح غيرها من الأعضاء. وبامتناع الإنسان عن الشهوات بالصوم المشروع؛ ترتقي نفسه وتسمو روحه، وكأنها تقترب من الملأ الأعلى الذين لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون؛ فيكون هذا السمو الروحي، وكسر حدة الشهوات عاملاً مهمًّا ليتخلص المرء من حصار الآفات المهلكة..وللحديث بقية

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق