بقلم : وحيد القرشي
خلق الله الانسان بميزة خاصة تفوق جميع الميزات وهي العقل ، الذي به واجه الطبيعة وصعوبات الحياة ، وظروفها القاسية ، حلق به وطار الي السماء وتعمق في الفضاء وعلومه ..اقتربت المسافات واللقاءات عبر اختراعات بعقل وفكر الانسان الناضج ..قامت حضارات عريقة بثقافات مختلفة لتنتج حضارة انسانية واحدة بعقل وبفكر انسان
هذا العقل خلقه الله لكي نفكر به ونتعلم ونفرق بين الخطأ والصواب …كلما كانت عقولنا ناضجة مثقفة فاهمة واعية عشنا حياة راقية هادئة بل حروب او صرعات علي اشياء لا قيمة لها ..هكذا فقد خلق الانسان متكامل الخلقة ، وفي احسن تقويم ، الله سبحانه وتعالي وجهنا في قرانه الكريم الي التعلم والقراءة والتفهم وتبصر الاشياء ..{ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأََكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ }..وجهنا للقراءة والتعلم لكي ننمي ملكة وغريزة العقل ونكتسب معرفة وعلم ..حتي نستطيع الحكم الصحيح عما يدور حولنا من مغالطات واموار تمسكنا بها ليس لانها صحيحة بل حالة من العناد واللاوعي .
العقل في عالمنا العربي ..بات مسخرة ولعبة بكل المقاييس …نحتاج لروافع تعلو بقيمته وشأنه…وليس ثوابت أفقدتنا الفكر وحجمت عقولنا وعف عليها الزمن… جعلت من شخصيات تاريخية أصنام نعكف عليها و تركنا وهجرنا ابن سينا و الفارابي و ابن رشد وجرينا خلف التمذهب و التسنن بأوهام لا حصر لها …ولم يتبقي لنا سوى المبالغة والتلفيق و الكذب والدجل و التكفير والتقتيل ….نحتاج لأعمال العقل والمناقشة وترك مساحة للحوار والأختلاف ونبتغد عن السخف والسفاهة . ..لقد تم تزييف العقل الجمعي للعرب علي مر التاريخ لخدمة أهداف الحكام والسياسة .
اختلفنا وانقسمنا وخلقنا الاختلاف في امور كثيرة …كل ما يشغلنا الاختلاف بيننا ..هذا سني وهذا شيعي ..اختلاف في اللون والجنس والشكل والعرق والدين ..كل شئ به اختلاف ونحن من اوجدنا ذلك الاختلاف بفهمنا الخاطئ وعقولنا النائمة والتاهة والتي تعيش علي ثوابت انتهي زمانها …ثوابت استغلها الكثير لأحداث فرقة ونزاع بين أبناء الوطن الواحد …اودت بحياة الكثير من الابراء علي مر التاريخ…وما زال المشهد مستمر الي وقتنا هذا .
الامة العربية في خيبة كبيرة وتعيش حالة تخلف تزداد يوما بعد الاخر ..اصبحنا في قاع الامم بسبب الفكر التقليدي العقيم … يقال قديما ان العقل اعدل قسمة بين البشر …الاختلاف الحقيقي ليس في الشكل والجسد او اي شئ اخر ..الاختلاف في تنمية ذلك العقل بالتعليم والفكر والبحث والتبصر ومعرفة حقيقة الامور وليس شئ اخر …اما العناد والجهل والجرئ وراء خرافات واوهام لا حصر لها نهايتها ما تعيشه الامة العربية منذ زمن بعيد .
نحتاج لأعادة النظر في كل شئ ..في التاريخ وتجديده ويجب ان نتعامل معه علي انه متغير وليس ثابت …فرنسا علي سبيل المثال ..كل عشرين او ثلاثين عام تخرج موجة جديدة من المؤرخين ليعيدوا النظر في تاريخ فرنسا ..اما نحن كل شئ ثابت ..ولا يستطيع احد التعمق والتكلم في هذه الامور ..سيجد عاصفة من الشتائم والاهانات واقوال المشايخ بهلونات ذلك الزمن الغاشم …الذين اكسبوا شعوبهم عقما وتعلق بخرافات انتهي دورها …قماتت عقولنا وتهنا وعشنا حروب وهمية مصطنعة.
المشكلة الاعمق والاكثر حدة في مجتمعنا العربي …السني والشيعي …الشيعة ولدوا شيعة وتحت أيديهم نصوص شيعية تبرر مذهبهم، ونحن ولدنا سنة وتحت أيدينا نصوص تبرر مذهبنا ايضا ، لم يكن لديهم أو لدينا الخيار في كونهم شيعة وكوننا سنة… وهم لا يكرهون الصحابة أو السيدة عائشة، إلا الغلاة منهم اصحاب العقول الفارغة ، هم فقط وصلتهم حقيقة غير التي وصلتنا، نسخة أخرى من الحكاية عن النزاع الحادث بعد وفاة الرسول على الخلافة، هم يرون الصحابة كبشر، وفي المقابل رفعنا نحن الصحابة فوق البشر ..النبي نفسه صلى الله عليه وسلم قال كما طلب منه الله سبحانه وتعالى أن يقول: إنما أنا بشر مثلكم… إلى متى نقتل بعضنا البعض على نصوص من صنع من أتوا من قبلنا، إلى متى نغلب النصوص على المعاني الإنسانية ونتهم بعضنا البعض بالكفر والضلال.
كرهنا وسئمنا تلك الخلافات السخيفة، أطفالنا تموت..وأوطاننا تهدر من أجل حفنة نصوص لا نعرف من الأحق فيها، ألا يكفينا ما جرى لنا حتى الآن.
الدليل الوحيد الفاضح الواضح القوي الذى تأخذ به الإنسانية هو العلم ، والمنهج العلمى ، العقل الناقد الناقض الداحض لكل الترهات التى دوختنا فى تيه لسنوات عجاف كثيرة ، فنحن مثل بنى اسرائيل الذين تاهوا فى سيناء سنين طويلة فى دروب ملتوية متشعبة.
خريطة الطريق الوحيدة هى منهجية التفكير العلمى والتعقل في الحكم علي ما يدور حولنا من مغالطات وأخطاء اوقعتنا في حروب لا نهاية لها وليس العناد والجرئ وراء اقوال الشيخ الهلولي صاحب العمة المفخمة والعقل الاجوف العقيم …قصة ومثل في دولة المغرب.. عن رجلين أحدهما عنيد جدا، أبصرا من بعيد سوادا لكائن لم يتمكنا من معرفته .. واختلفا ماذا يكون… الأول منهما قال أنه طائر، بينما أصر العنيد على أنه ماعز، فمكثا يتجادلان زمنا حتى تحرك ذلك الكائن وحلق بجناحيه فإذا هو طائر فعلا. التفت الأول إلى صاحبه وهو يبتسم منتصرا فقال الآخر في عناد: “هي ماعز حتى لو طارت” أو بالعامية المغربية “ولو طارت معزة …هذا لسان حالنا اليوم …نخلط الامور ونغلط الحقائق لأغراض خاص …نشكك في امور واضحة راي العين.
في لندن تشاجر سني وشيعي …فأخذتهم الشرطة وتم أحالتهم الي قاضي التحقيق …وحين سأل عن سبب المشاجرة..كان الجواب لحوار دار بينهم عن الحسن ومعاوية ..فقال أحضروا معاوية والحسن…فقال أحدهم ماتوا قبل 1400 عام …فأمر بأحالتهم لمستشفي الامراض العقلية … وهذا حال امتنا العربية…تركنا اشياء اهم كالتعليم والصحة وخدمة المواطنين والبحث العملي …ونسينا ايضا حروبنا مع العدو الاسرائيلي …نعيش فى غياهب الماضى وظلمه الحاضر .ليس لدينا مستقبل …ومستقبلنا يحدده الآخر وليس نحن.
“أن العقل أعدل قسمة بين البشر”…..الأختلاف الحقيقي بين البشر في التعليم والفكر وليس شئ أخر.
