مقالات

نمط تصاعد حدة الصراع والبقاء للأقوى يشكلان عالمنا السياسي والاقتصادي في المستقبل المنظور .

مقال رأي : بقلم د.محمد عبد العزيز كاتب وباحث إقتصادي ومتخصص في الشئون الأفريقية

أضحى نمط تصاعد حدة الصراع والبقاء للأقوى يشكلان عالمنا السياسي والاقتصادي في المستقبل المنظور حيث من يستطيع ان يتحمل آثار تراجع إنتاج وتراجع أسعار النفط بالإضافة إلى تراجع معدلات النمو الاقتصادي والآثار الاقتصادية من بطالة وكساد جراء تفشي وباء كورونا ، من يستطيع أن يتحمل كل ذلك سيكون الاقوى وسيكون البقاء للاقوى ، في ظل أزمة وباء كورونا هناك حرب خفية بين الصين والغرب خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وسيكون البقاء في تلك الحرب للاقوى .
تجارب الماضي القريب أثبتت أن الأغنياء يخرجوا من الأزمات أكثر غنا وأكثر ثروة ونفوذ ، هل كانت مصادفة أن يخرج رجال أعمال المانيا وبعض الدول الأوروبية من اوروبا وهجرتهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكان معظمهم من اليهود وقت اضطهاد النظام النازي لهم ؟
، يرى الجميع أن المستقبل القريب والمنظور سياسيا واقتصاديا سيتشكل من خلال عالم متعدد الأقطاب لكن لا أحد يتكلم عن دور أباطرة رجال الأعمال الموجودين في بكين كما هم أيضا في أوروبا وامريكا لا أحد يتكلم عن كيف سيتشكل هذا العالم الجديد متعدد الأقطاب لا أحد يخبرنا هل سيصبح نفوذ رجال الأعمال من خلال السيطرة على عقود سلع إستراتيجية مثل النفط ومن خلال السيطرة على كبرى البورصات والبنوك والشركات العابرة للقارات حول العالم أم أن المستقبل سيكون فيه أشكال من السيطرة الاقتصادية لا نعرفها بعد ؟ مثل السيطرة على العملات الإلكترونية وعقود البيع والشراء في المستقبل وأدوات التمويل الحديثة .
إن إنهيار أسعار النفط الامريكي لن تدوم طويلا ومن الممكن أن تحقق الولايات المتحدة الأمريكية مكسبا عظيما أثناء وقت هذا الانخفاض من خلال زيادة الاحتياطي الاستراتيجي لها بعد شراء الحكومة الفيدرالية عدد ٧٥ مليون برميل بالاسعار الحالية وقبل معاودة الارتفاع في أسعار النفط الخام الأمريكي ، لن تتضرر الشركات الأمريكية والعاملين في قطاع النفط الامريكي كثيرا إذا ما عادت عجلة الإنتاج للولايات المتحدة الأمريكية سريعا وبدأت أسعار النفط الامريكي في العودة إلى المعدلات التي لا تسبب خسائر وهو ما يدفع له رجال الأعمال في أمريكا وفي كل دول العالم من ضرورة عودة الحياة للمصانع والشركات ولو بشكل جزئي تزامنا مع الإجراءات الوقائية لتفشي وباء كورونا حول العالم أجمع ، أن خفض إنتاج النفط في ” أوبك بلس ” نتيجة لحدة الصراع على إنتاج النفط بين روسيا والمملكة العربية السعودية وذلك من مخاوف لدى البلدين من تفرد الولايات المتحدة الأمريكية في ما يعرف حديثا بصناعة الصخر النفطي وتأثير ذلك على أسعار النفط عالميا ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تنضم للاتفاف الاخير في “أوبك بلس” لخفض إنتاجها من النفط وها هي الآن تقوم الحكومة الفيدرالية باستغلال إنهيار أسعار النفط الامريكي بشكل غير مسبوق لتقوم بشراء كميات كبيرة منه بشكل غير مسبوق أيضا ، أن الصراع بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية صراع اقتصادي بالمقام الأول بسبب سيطرة الصين على الاسواق العالمية وأصبحت عملاق تجاري وشريك تجاري مع معظم دول العالم ويميل الميزان التجاري لصالح الصين مع كل شركائها التجاريين فضلا عن أن الصين حققت تقدم تكنولوجي وتنمية ومعدلات نمو اقتصادي بشكل سريع وكبير جدا في السنوات الأخيرة ، كل ما تهدف وتطمح له الولايات المتحدة الأمريكية أن تظل الولايات المتحدة الأمريكية لها دور في المستقبل المنظور اقتصاديا وسياسيا لذلك يتم بشكل ممنهج تحويل الصراع مع الصين من صراع تجاري إلى صراع اقتصادي ومن صراع اقتصادي إلى صراع سياسي أيديولوجي وبعد أن تفاقمت وتصاعدت حدة الاتهامات بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية حول مصدر تفشي وباء كورونا في العالم انضمت معظم دول أوروبا للرأي الأمريكي القائم على عدم تعامل الصين بشفافية بخصوص ظهور وتفشي وباء كورونا للتأكيد على الاختلاف في الإيديولوجية السياسية الحاكمة لكل من الصين والغرب وبخصوص الشفافية فهي ليست أحد مكاسب الديموقراطية الغربية ويتم الكذب والتضليل باستخدام وسائل الإعلام الغربية أكثر من أي مكان آخر في العالم وتوجيه الإعلام في الغرب أحد ادوات الديموقراطية الغربية ذاتها لذلك وليس دفاعا عن الشعبوية في الصين فاني اذكر بأن بكين بها اكبر عدد من مليارديرات العالم وهذا قد يكون كفيلا بتطوير الصين الى نظام يجمع بين مميزات الشعبوية والديموقراطية وإذا تطورت الصين وهي تتطور بالفعل وتطورت في السنوات الأخيرة ولازال النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في الصين يقبل المزيد من التطور فإن الصين سوف تقود العالم لذلك تحاول الولايات المتحدة الأمريكية تعطيل هذا التقدم الصيني والصراع التجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين لا طائل منه وهناك اختلافات جوهرية بين البلدين حول أمور كثيرة مثل :-
. تغير المناخ واتفاق كيوتو للحد من الانبعاث الحراري
. مستقبل إنتاج النفط ومستقبل منظمة التجارة العالمية
. مستقبل مؤسسات بريتون وودز “صندوق النقد الدولي والبنك الدولي” ومعاملة الدول الفقيرة والاكثر فقرا
. مستقبل الديون الأمريكية لصالح الصين ؛ حيث تعد الصين اكبر دائن لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية لان الصين اكبر مشتري لاذون الخزانة الفيدرالية الأمريكية .
. مستقبل تايوان ومستقبل كوريا الشمالية
. مستقبل العلاقات مع دول شبه القارة الهندية ” الهند وباكستان “
. مستقبل دول مبادرة الحزام والطريق وآثار المبادرة على اقتصاد العالم
. حقوق الملكية الفكرية للإبتكارات والمنتجات
كل تلك الخلافات الفكرية والاقتصادية والسياسية قد تقود لمواجهة عسكرية محتومة لأنها خلافات لا يمكن تسويتها بالجلوس على مائدة المفاوضات لذلك أرى أن الصراع بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية سيتمثل في تصاعد حدة ووتيرة الصراع التجاري والاقتصادي مع التراشق الإعلامي وتبادل الاتهامات في المحافل الدولية حول منطلقات الفكر الأيديولوجي لكل طرف ولعل وباء كورونا أدى إلى عودة أوروبا للوقوف إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية أمام الصين للدفاع عن المنظومة الايدولوجية الخاصة بالديموقراطية الغربية بصفة عامة بعد أن زادت حدة الخلافات في وجهات النظر بين أوروبا وامريكا حول العديد من القضايا في السنوات الأخيرة مثل الوضع في سوريا ومعاملة المهاجرين والعقوبات الاقتصادية العابرة للقارات وغيرها إلا أن اصطفاف الدول الأوروبية الآن إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية اصطفاف للدفاع عن ذات المنهج الفكري الحاكم لعقليات الغرب وقد يكون ذلك سببا في أحد أمرين :-
أولا . تشجيع الولايات المتحدة الأمريكية على الدخول في مواجهة عسكرية ضد الصين وهذا وبال على العالم أجمع ولا أعتقد أن البلدين على استعداد لتدمير الكوكب وبلديهما من خلال حرب نووية لذلك ستكون الحرب بالوكالة أو حرب مباشرة من خلال تحركات تكتيكية موجعة في مناطق نفوذ الصين في بحر الصين أو في مناطق نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية في الخليج الفارسي والأرجح أن يتم استغلال التصعيد العسكري لإجبار الصين والولايات المتحدة للجلوس على مائدة المفاوضات لتشكيل عالم جديد متعدد الأقطاب يجمع في قمته الصين والولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب روسيا وفرنسا وألمانيا وانجلترا ولا مجال في ذلك العالم لقوة سياسية فاعلة تحت مسمى الاتحاد الأوروبي .
ثانيا . تعي الصين الدرس وتتطور لتدمج بين الشعبوية والديموقراطية بشكل أكثر انفتاحا والصين مؤهلة للتطور الفكري أكثر من الغرب وهذه ميزة إضافية لصالح الصين التي لا يمكن إيقافها اقتصاديا مهما حاولت الولايات المتحدة الأمريكية والغرب وكل ما يتم قبل وأثناء وبعد أزمة كورونا محاولة من الولايات المتحدة الأمريكية للحد من تنامي قوة الصين سياسيا واقتصاديا .
ختاما أعتقد أنه سيتم الأخذ بالأمرين معا حيث يصعب فك الارتباط بين دول العالم سياسيا واقتصاديا والمصالح متداخلة للحد الذي يجعل كل طرف في حاجة للطرف الآخر لذلك قد يشتد الصراع لينتهي بالمفاوضات وتطوير الصين للفكر الأيديولوجي الحاكم لها وتصبح أحد اقطاب العالم في شكله القريب والمنظور بفكر أكثر انفتاحاً ، ويبقى السؤال دوما هل وصل العالم إلى نهاية التقدم والتدافع في الفكر والسياسة والاقتصاد من خلال نموذج الديموقراطية الغربية كما توقع منذ سنوات فوكوياما ؟ اعتقد ان الحديث لا يجب أن يكون حول نهاية التاريخ كما قال “فوكوياما ” وانما يجب أن يكون الحديث عن تجديد التاريخ دوما من خلال التدافع بين الناس والأمم المختلفة ففي التاريخ الإنساني جميع الناس والبشر في حالة تدافع وصعود وهبوط أيا كان الفكر الحاكم لهم والايدولوجية الخاصة بهم واعتقد أن ذلك التدافع هو الذي جاء ذكره في القرآن الكريم ، قال تعالى ﴿ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ { (٤٠) ،،، سورة الحج } ، الآية الكريمة تتحدث عن أن تزايد الظلم يكون بداية للتغيير والتغيير يأتي بما يمنع هذا الظلم ويستمر الحال إلى أن يعود الظلم ويأتي التغير مرة أخرى والناس في حالة صعود وهبوط وتدافع طوال تاريخهم إلى أن يلقوا الله عز وجل ، هل الاسلام الذي حوله متطرفين وصهاينة الغرب لكي يكون بديلا للشيوعية لكي يجدوا بديلا واضحا يمكن الهجوم عليه كعدو هل كان هذا العدو المُصطنع آخر أعداء الغرب من صناعة الغرب ذاته ؟ ، هل سيتطور الغرب في ظل عالم متعدد الأقطاب أم سيظل الفكر الأيديولوجي للديموقراطية الغربية دون تطور ومراجعة من ابناء الغرب ذاته ؟ ، هل سيظل الفكر الأيديولوجي للديموقراطية الغربية قائم على مناهضة كل فكر أيديولوجي آخر والاستعلاء عليه ؟ هل سيظل الغرب يحاول دائما إيجاد عدو للغرب طوال الوقت للاصطفاف والهجوم دائما ضد هذا العدو ؟ مع العلم أن هذا الإصطفاف الغربي هو اصطفاف فكري بالمقام الأول ويعوق تطور أيديولوجية الغرب ذاته ، كل هذه التساؤلات وأكثر ستتضح إجاباتها مع مرور الأيام وأتمنى أن يكون البقاء ليس للأقوى فقط وإنما للأذكى والأقدر على التغيير والتطوير طوال الوقت ، لقد حان وقت التغيير ولا يمكن العودة للوراء فمن لديه من الشجاعة والقدرة للتغيير أكثر ليظل بقاءه أطول ومن لديه معايير للعدالة أكثر وانفتاحا أكثر ليظل بقاءه أطول ؟! …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق